شعرتُ بتغيّر هائل في الهواء خلفي دون الحاجة إلى إدارة رأسي. أغمضتُ عينيّ بقوّة.
“أخطأتُ.”
انفجرت صرخات الناس في نفس الوقت.
أردتُ تحريك جسدي والهرب إلى أي مكان، لكن جسدي لم يطعني. كأنّ شخصًا ما كان يمسك قدميّ بإحكام.
“بيلا!”
مع نداء اسمي، انتزع أحدهم يدي فجأة.
“ماذا تفعلين؟”
كنتُ أركض مُقادةً بتلك اليد.
أدرتُ رأسي لأرى ليون ينظر إليّ وهو يركض معي.
كان وجهه مليئًا بالغضب. كان ينظر إلى الخلف باستمرار.
لا يزال شعوري مشوشًا. بدأتُ أستعيد وعيي مع تصاعد أنفاسي.
أخيرًا، تجمّعت شجاعتي لأنظر إلى الخلف. عندما كنتُ على وشك إدارة رأسي، دوّى صراخ مدوٍّ كالصاعقة في أذني.
“لا تنظري إلى الخلف!”
كان ليون ينظر إليّ بعيون مخيفة. أومأتُ وركّزتُ على الركض معه. امتزجت صرخات الناس وزئير الوحش.
‘أليس وحشًا واحدًا فقط؟’
استمر زئير الوحش كأنّه يتكرّر. أفلتُّ يد ليون وتوقّفتُ، ثم أدرتُ رأسي بسرعة.
“ما هذا؟”
تمتمتُ لنفسي.
كان وحشًا ضخمًا يلوّح بذراعيه الضخمتين ويهاجم الناس.
بدت صرخاتهم بعيدة. شعرتُ أنّ عيني الوحش الحمراوين تنظران إليّ بشكلٍ غريب.
“هل جننتِ؟”
كان ليون.
“الناس، ألا يجب إنقاذهم؟”
قلتُ لليون ببطء. كنتُ مستعجلة داخليًا، لكن جسدي وكلامي لم يطيعاني.
“إنقاذ من؟”
اشتعل الغضب في عيني ليون الحمراوين.
أمسك ذراعي مجدّدًا وبدأ يركض.
‘سواري، هل ارتديته؟’
نظرتُ إلى معصمي وأنا ألهث. لحسن الحظ، كان السوار على معصمي بهدوء. ركضنا أنا وليون إلى الغابة. غطّانا الظلام.
أضاءت أشعة الشمس المتسلّلة بين الأشجار طريقنا.
ابتعدت صرخات الناس تدريجيًا، لكنّنا لم نتوقّف.
لم أعد أتحمّل، فانهرتُ على الأرض. وضع ليون يديه على ركبتيه، يتنفّس بصعوبة، ونظر إلى الجهة التي هربنا منها.
“هل الناس بخير؟”
“ألم تري؟ هناك العديد من فرسان الحراسة الإمبراطوريّة، سيتعاملون معه قريبًا.”
تحدّث بلا مبالاة، لكنّني قرأتُ القلق في عينيه.
ربّما كان قلقًا من حجم الضرر. لكنّه لم يستطع التدخّل.
“ربّما بسببي حقًا. هناك شائعات، أليس كذلك؟”
قلتُ بضعف.
“بيلا، على العكس. أيّ أحمق يستدعي وحشًا حيث يوجد؟”
“صحيح؟”
“بل ربّما أرادوا قتلكِ.”
“لمَ يقتلونني؟ ماذا فعلتُ؟”
“لم أقل ذلك!”
ربّما لأنّني تحدّثتُ بحدّة، تقلّص ليون.
“ما ذلك الوحش؟”
“ترول.”
لا أصدّق أنّني رأيتُ ترول بأم عيني. اصطكت أسناني.
“ليون يعرف كلّ شيء، أليس كذلك؟”
ليون، أنتَ طبيعيّ جدًا الآن.
قلتُ له كتحذير. فتح ليون عينيه على وسعهما وبدأ يلهث.
لكن، في مثل هذه اللحظات الخطيرة، كم أنا محظوظة لوجودي بجانب ليون. حتّى في خطر الموت، لن يفعل شيئًا أحمق، أليس كذلك؟
“إلى أين نذهب الآن؟ كم يجب أن نختبئ؟”
أغلق ليون فمه عند سؤالي.
عمّ الصمت المكان. كان صوت الريح وهي تمرّ عبر الأشجار هو الصوت الوحيد المقلق.
دويّ-!
فجأة، اهتزّت الأرض.
نظرنا إلى بعضنا في نفس الوقت.
وفي تلك اللحظة، اقتُلعت الأشجار أمامنا فجأة.
“لم أشعر بأي وجود؟”
تحدث ليون بنبرة مرتبكة. كان ليون سيّد سيف بحاسة قويّة. كان من المستحيل ألّا يشعر بوحش يقترب لهذه الدرجة. إذن، لم يكن يتبعنا، بل ظهر فجأة.
ظهرت عينا الترول الحمراوان خلف الأشجار المقتلعة، تنظران إلينا. كان لعابه القذر يتدفّق من فمه.
شعرتُ أنّ ليون يعضّ شفتيه بقوّة.
كان يعاني من صراع داخليّ.
بين حياته والسرّ الذي حاول حمايته …
لم يكن هناك مكان للهروب.
زأر الترول نحونا ورفع ذراعه إلى السّماء. أغمضتُ عينيّ، وسحبني ليون إلى حضنه وتفادى بسرعة. سمعتُ صوت الريح تتشقّق وصوت الأرض تهتزّ في نفس الوقت.
أوقفني ليون بسرعة.
فتحتُ عينيّ ونظرتُ إلى معصمي بحيرة.
“السوار، لمَ لا يعمل؟”
“السوار هو المشكلة الآن؟”
نهض ليون كأنّه اتّخذ قرارًا، والتقط غصنًا مكسورًا. نهضتُ وبدأتُ أتراجع.
كان عقلي، للأسف، ممتلئًا بالسوار، لا ليون ولا الترول.
“اهربي، بيلا.”
صرخ ليون دون أن ينظر إليّ.
في تلك اللحظة، انحنى الترول وبدأ يندفع.
“اهربي!!”
صرخ ليون مجدّدًا، وانتشر صراخه الحادّ.
غُطّي الغصن الذي يحمله ليون بهالة سيف سوداء كالضباب.
كانت أكثر روعة وقوّة ممّا وُصفت في الرواية. فتحتُ فمي بدهشة وأنا أراقب المشهد المذهل.
تحرّكت يد ليون ببطء، ثم لوّح بالغصن المغطّى بالهالة نحو الترول.
كانت القوّة أبعد من الخيال. تراجع الترول مع أنين.
ظهر جرح عميق في صدره الذي بدا كالدّرع، لكن لم يكن قاتلًا. بدأ الترول يهاجم ليون بجنون.
شعرتُ أنّ الغابة كلّها تهتزّ.
لم يتحرّك ظهر ليون الموثوق. لوّح بالغصن مجدّدًا نحو الترول. تدفّق الدّم الأسود بلا توقّف من عنق الترول بعد إصابته بهالة السيف.
دوى صوت ارتطام، وسقط الترول العملاق.
كان دمه يبلّل الأرض.
كتمتُ أنفاسي وأنا أراقب المشهد.
بدأت كتف ليون، الذي كان ينظر إلى الترول دون حراك، ترتجف قليلًا.
أدار رأسه ببطء نحوي. كانت حبات العرق تتدفّق على وجهه الشّاحب. كبرت عيناه وهو ينظر إليّ، مليئة بالارتباك.
“لم… تهربي؟”
كان صوته مليئًا بالذهول، وكأنّه توقّع هروبي. اختفت هالة السيف السّوداء من الغصن، وسقط الغصن على الأرض بلا قوّة.
ماذا أقول؟ هل أخبره أنّني كنتُ أعرف كلّ شيء وأطلب منه عدم القلق؟
أصبح عقلي مشوشًا.
“صاحب السّمو! صاحب السّمو الدّوق!!”
“صاحبة السّمو!”
في تلك اللحظة، بدأت أصوات الناس تقترب، ربّما بعد سماع زئير الترول.
أمسك ليون يدي بعيون مليئة بالرّعب.
“يجب أن نهرب من هنا.”
إلى أين؟ سيجدون هذا الترول بالتأكيد.
بينما كنتُ متردّدة، اقتربت خطوات الناس أكثر.
“ماذا تفعلين؟ هيّا!”
حثّني ليون. أفلتُ يده.
نظر إليّ ليون بدهشة عندما أفلتُّ يده.
“اذهب وحدك. سيجدون هذا الترول بالتأكيد … سأحاول التّبرير بطريقة ما.”
ارتجفت عينا ليون الحمراوان بالقلق.
“لا.”
هزّ رأسه.
“قلتُ لكَ اذهب ، لكنّكَ لا تطيع.”
دفعته وقلتُ. وقف ليون أمامي دون حراك.
“صاحب السّمو!”
ظهر فرسان الحراسة الإمبراطوريّة بين الأشجار المكسورة.
رأونا، فابتهجوا، ثم أنّوا عند رؤية الترول السّاقط.
“أنا من فعل هذا!”
رفعتُ يدي وقلتُ.
بالطّبع، لن يصدّقني أحد، لكنّني رميتُ الكلام. لم يهتمّوا بكلامي ونظروا إلى الترول بوجوه مذهولة.
وصل فرسان آخرون وكانوا في نفس الحالة.
بدا ليون وكأنّه فقد عقله، واقفًا كدمية بلا تعبير.
“هكذا… فعلتُ هكذا…”
مددتُ يدي وتقدّمتُ نحوهم.
في تلك اللحظة، انبثق ضوء ساطع من يدي نحو الترول.
التعليقات