وصلتُ إلى القلعة، وبحثتُ عن ليون بين الذين خرجوا لاستقبالي، لكنّه لم يكن هناك.
‘عدتُ إلى أستير فجأة، فلا بدّ أنّه كان لديه مواعيد.’
تظاهرتُ بعدم الاكتراث، ورددتُ على من رحّبوا بي بابتسامة.
‘يرحّبون بي، لكن عندما يستديرون، يفكّرون بي كما فعل أولئك الذين قابلتهم للتو؟’
شعرتُ بالقشعريرة وأنا أفكّر بهدوء. بدوتُ كشخصٍ مكبّل بالهواجس. هززتُ رأسي بقوّة لأتخلّص من هذه الأفكار.
لم تختفِ، لكنّني فعلتُ ذلك.
“بيلا، لقد جئتِ؟”
كان الصّوت الذي اشتقتُ إليه بشدّة. كدتُ أن أبكي عندما سمعته. لم أرد إضاعة لحظة للتأكّد من صاحب الصّوت.
أغمضتُ عينيّ، مستمتعة بهذا الشّعور، وأمسكتُ شفتيّ بقوّة لأتحكّم بابتسامتي.
استدرتُ ببطء. وكان ليون هناك حقًا.
ابتسم بخجل عندما التقى نظرنا.
“سيّدي الدّوق، هل كنتَ بخير؟”
يا إلهي، كم كان من الصّعب نطق كلمة ‘ليون’.
نظر إليّ بهدوء دون إجابة، واقفًا ساكنًا. ابتسمتُ بإحراج وأمالتُ رأسي، فأغمض عينيه وتجنّب نظري.
“نعم، كنتُ بخير.”
“هذا جيّد.”
لا أعرف لمَ قلتُ إنّه جيّد، لكنّني قلتُ ذلك وأنا أمرّر يدي بشعري. تبع ذلك صمتٌ محرج بيننا.
حاولتُ تغيير الجوّ بالضّحك، وتبعني ليون بالضّحك، لكن الضّحك توقّف سريعًا، وعادت الصّمت.
“سمعتُ أنّ لصًا اقتحم غرفتي؟”
“نعم، لكن يبدو أنّه لم يسرق شيئًا. ربّما لأنّكِ أخفيتِ أغراضكِ جيّدًا، بيلا.”
“جئتُ لأتأكّد بنفسي. يجب أن يرى المالك. هل قبضوا على اللصّ؟”
“لا أعرف. كالسن سيتولّى الأمر. لو سرق أغراضي، لكنتُ طاردته حتى أطراف القارّة …”
تمتم ليون بلامبالاة، لكنّني أعرف صدقه.
كان قادرًا على ذلك.
“اذهبي لتتفقّدي. ألم تأتي لهذا؟”
أشار ليون إلى القلعة. أين العناق أو أيّ ترحيب آخر؟ شعرتُ بالاستياء. رفعتُ رأسي لأنظر إلى نافذة غرفة نومي.
كلّ شيء تحتها كان قد أُصلح.
تذكّرتُ حالة القلعة البائسة يومها، فتنهّدتُ بعمق دون قصد.
شعرتُ بالاكتئاب فجأة. أصبح من الصّعب النظر إلى ليون، فأطرقتُ رأسي ودخلتُ القلعة.
بينما كنتُ أسير نحو غرفتي، التفتّ لأرى إن كان ليون يتبعني، لكن خلفي كانت إيمي وماري وبعض الخادمات فقط.
‘ما الذي كنتُ أتوقّعه؟’
ضحكتُ بسخرية وأنا أسير في الممرّ الطّويل بلا قوّة.
بدا الطّريق إلى غرفتي طويلًا بشكلٍ غريب.
دخلتُ الغرفة وتوجّهتُ إلى غرفة الملابس حيث أحتفظ بالأغراض الثّمينة. كنتُ أريد رمي نفسي على الأريكة بسبب فقدان الحماس، لكنّ وجود إيمي وماري منعني.
وقفتُ أتفقّد أغراضي بعينيّ.
فتحت إيمي وماري الأدراج والخزنة.
“سواري مفقود.”
السّوار الذي أهداني إيّاه ليون، والذي وضعته فوق الصّندوق في الدّرج الثّاني، اختفى.
كلّ الأغراض الأخرى كانت موجودة، فلمَ هذا السّوار بالذّات؟
كانت هناك أغراض أكثر قيمة!
“السّوار الذي أهداه السيّد؟”
فهمت إيمي على الفور وسألتني.
“إذا كان ذاك، فقد وضعته داخل الصّندوق …”
“لا، أخرجته ورأيته ووضعته فوق الصّندوق.”
فتّشت إيمي وماري الأدراج والخزنة مجدّدًا.
“لا يبدو أنّ شيئًا آخر مفقود. ربّما كان لصًا جبانًا.”
“أو ربّما … أراد هذا السّوار فقط.”
تذكّرتُ شخصًا بوضوح.
‘كاسيا، هل أنتِ حقًا؟’
كلّما زادت يقيني، شعرتُ بالذّهول.
“سيّدتي، سأبلّغ السّير كالسن عن الغرض المسروق.”
“لا، سيقلق فقط … دعيه، سأخبره لاحقًا إذا سنحت الفرصة.”
خرجتُ من غرفة الملابس بوجهٍ شارد وجلستُ على الأريكة.
كنتُ بحاجة إلى ترتيب أفكاري. بينما كنتُ جالسة مشوشة، بدأتا إيمي وماري بأعمالهنّ.
شعرتُ وكأنّ الوقت توقّف عندي بينما كانتا تتحرّكان بسرعة.
“سيّدتي.”
“نعم؟”
أيقظتني إيمي من شرودي.
نظرتُ إليها متفاجئة، فانحنت معتذرة.
“أعتذر.”
“لا بأس، ماذا هناك؟”
“السّيد كالسن هنا.”
لم يكن شخصًا أرغب بمقابلته، لكن كان عليّ رؤيته على أيّ حال.
“حسنًا، أدخليه.”
خرجت إيمي، ودخل كالسن على الفور.
“سيّدتي، هل كنتِ بخير؟”
“عدتُ لأنّني سمعتُ من السّيد زيوس هذا الصّباح أنّ لصًا اقتحم غرفتي في أستير. تفقّدتُ أغراضي، وسأغادر مجدّدًا.”
شعرتُ بالذّنب وأنا أبرّر نفسي.
لمَ يجب أن أفعل هذا؟ شعرتُ بالغضب أيضًا.
“لا، يا سيّدتي. في ذلك الوقت، كنتُ منفعلًا بسبب وضع أستير، فتصرّفتُ بوقاحة.”
“أفهم.”
“شكرًا لتفهّمكِ. ولن أنسى قراركِ الكبير من أجل أستير.”
“…”
أومأتُ بدلًا من الإجابة.
“يمكنكِ البقاء بضعة أيّام. سنعزّز الحراسة ضدّ الوحوش خلال هذه الفترة.”
لم يطلب منّي البقاء صراحةً. قد يكون خادمًا جيّدًا لليون، لكن ليس لي. لكن لو غادرتُ فورًا بحجّة الكبرياء، فسيودّعني كالسن على الفور.
حتّى لو كان الجوّ محرجًا، كان البقاء مع ليون لبضعة أيّام أفضل بالنّسبة لي.
“شكرًا.”
هل كان يجب أن أشكر؟ شعرتُ بالحيرة، لكنّني شكرته.
“إذن، استريحي.”
بعد خروج كالسن، استلقيتُ على السّرير وأنا أشعر بالدّوخة.
كان أكثر ما يؤلمني تصرّفات كاسيا غير المتوقّعة. حتّى لو كان هذا جانبها المظلم الذي لم يُذكر في الكتاب، لم أفهمه.
‘قلتُ إنّه أثر مقدّس، فسرقوا سوار ليون فقط.’
ماذا لو أصرّ ليون على سبب عدم ارتدائي للسّوار؟ شعرتُ بالظّلام أمام عينيّ. كان عليّ منع تدهور علاقتي بليون أكثر.
‘بالمناسبة، ماذا أفعل مع ليون؟’
تذكّرتُ الجوّ المحرج سابقًا، فأغمضتُ عينيّ بقوّة.
“سيّدتي، السيّد يدعوكِ لتناول العشاء معه.”
“سأذهب … إذا أراد تناول الطّعام معًا، فلنفعل.”
نهضتُ بسرعة لأجيب. ضحكت إيمي، فشعرتُ بجرح في كبريائي. أدرتُ رأسي وتظاهرتُ باللامبالاة.
“سأخبره.”
بعد خروج إيمي، جلستُ أمام المرآة.
اقتربت الخادمات، رتّبن شعري، وأحضرن فستانًا لأرتديه.
كان ليون ينتظرني في غرفة الطّعام، ولوّح لي عندما دخلت.
“ظننتُ أنّكِ لن تأتي، بيلا.”
“أنا جائعة أيضًا.”
خرج الطّعام، وتناولناه بصمت.
على عكس عزمي على تخفيف التّوتر، ركّزتُ على الطّعام فقط، وكذلك ليون. انتهى العشاء دون أن أشعر.
“أكلتُ بسرعة، أشعر أنّني لم أهضم. هل نتمشّى معًا؟”
جمعتُ شجاعتي وسألتُ ليون، الذي كان يحدّق في الفراغ.
“نعم!”
أومأ ليون بوجهٍ مشرق وأجاب على الفور.
بدأنا نمشي جنبًا إلى جنب في الحديقة التي لامسها الرّبيع.
شعرتُ بالانتعاش في هواء أستير البارد بعد الرّطوبة.
“بيلا.”
“ليون.”
نادينا أسماء بعضنا في نفس الوقت. ضحك ليون بصوتٍ عالٍ لأنّنا فعلنا ذلك معًا. ابتسمتُ تلقائيًا عند رؤيته.
“أردتُ الذّهاب معكِ إلى بالانوبو …”
توقّف ضحكه، و تحدث بنبرة خافتة.
التعليقات