بعد أيام قليلة، وصلت رسالة أخرى من والتر.

كانت عيناي محاطتين بالهالات السوداء، ولم أقرأ الرسالة، بل وضعتها مباشرة في درج المكتب. 

لم تظهر أي بوادر لتحسن علاقتي مع ليون، وبدأ كل شيء يزعجني. وكانت رسائل والتر إحدى الأشياء التي تزعجني.

بدأت أتساءل عما إذا كان ترك ليون وشأنه هو الخيار الأفضل.

وفي اليوم التالي، لم أعد أستطيع الانتظار، فتوجهت إلى المكتبة حيث كان ليون.

“قال السيد إنه لا يريد أحدًا يدخل، خاصة السيدة.”

تحدث الخدم أمام المكتبة وهم ينحنون بحرج.

“اسألوه مجددًا. وإلا سأفتح هذا الباب وأدخل.”

نظروا إليّ بوجوه مرتبكة وتبادلوا النظرات. ثم طرق أحدهم الباب ودخل المكتبة.

أردت الدخول معه، لكنني تماسكت من أجل المستقبل. 

حاولت إلقاء نظرة من خلال فتحة الباب، لكن الباب أُغلِق بسرعة دون أن يمنحني فرصة.

“قال إن بإمكانكِ الدخول.”

قال الخادم الذي خرج من المكتبة.

‘ماذا؟ كان الأمر بهذه السهولة؟ كان يجب أن آتي مبكرًا.’

دخلت المكتبة بخطوات خفيفة. 

كان ليون جالسًا خلف مكتبه ينظر إليّ.

“ليون!”

ناديته بحماس، لكن الأجواء لم تكن خفيفة على الإطلاق، بل كانت عكس ذلك. 

تقدمت نحوه دون توقف. رفع ليون ورقة نحوي.

‘رسالة؟’

“أرسل الماركيز سويدن رسالة.”

توقفت و عبست. لمَ أرسل رسالة إلى ليون رغم أنني طلبت منه الانتظار؟ هذا سيُغضب ليون أكثر …

نهض ليون، اقترب مني، سلمّني الرسالة، ثم جلس على الأريكة.

“والتر يريد الاعتذار لي.”

تحدث ليون بنبرة بريئة.

فتحتُ الرسالة وقرأتها. لم تكن طويلة. 

كان مضمونها أنني لم أرد على رسائله، فقرر الكتابة مباشرة إلى ليون، وأنه يريد الاعتذار بصدق.

“كان والتر يريد الاعتذار بصدق منذ فترة.”

“لمَ لم تخبريني؟”

“لم يكن غضبك قد هدأ، فلم أرد إثارة غضبك أكثر.”

“لمَ تجعلينني الشخص السيء؟”

تنفس ليون بغضب، وكتفاه ترتفعان وتنخفضان.

“ليس كذلك، كنت أفكر فيك. مع الوقت، يهدأ غضبك.”

“لكن غضبي منكِ لم يهدأ مع الوقت. وبالمناسبة، أجبتُ على رسالة الماركيز سويدن.”

“ماذا؟ ماذا كتبت؟”

“دعوته إلى أستير.”

“ماذا؟”

من المفاجأة، أسقطت الرسالة على الأرض.

“هل هذا مفاجئ إلى هذا الحد؟”

ظننت أن غضب ليون لن يهدأ بسهولة، لذا لم أذكر لقاء والتر، لكن هذا جعل ترددي بلا معنى. أومأت رأسي.

“هذا جيد. لنفعل ذلك. لكن استمع إليّ هذه المرة. كان سوء تفاهم حقًا.”

“…لكنني غاضب.”

قال بنبرة خافتة وأدار رأسه.

“أنا غاضب منكِ بدون سبب.”

كرر كلامه، هذه المرة بنبرة مليئة بالاستياء.

“لذا دعيني أهدأ لوحدي، من فضلك.”

عض ليون شفتيه بقوة و تحدث.

وقفت أنظر إليه بهدوء. ما الذي يغضبه هكذا؟ هل هو وجودي نفسه؟ هل يشعر بالنفور غريزيًا من كوني عائقًا؟ مهما فكرت، كان الأمر محزنًا.

أخفضت رأسي وغادرت المكتبة دون رد.

اتكأت على باب المكتبة المغلق ونظرت إلى السقف. كانت الدموع الغبية تجعل عينيّ ثقيلتين، على وشك السقوط.

“سيدتي.”

مدت إيمي، التي كانت تنتظرني أمام المكتبة، منديلًا. 

لم آخذه، وابتسمت بصعوبة كما لو كنت بخير. لكن الدموع الخبيثة كانت تتدفق بلا هوادة.

* * *

“سيدتي، لقد وصل الماركيز سويدن.”

بعد يومين من حديث ليون، وصل والتر إلى أستير. 

أومأت لكلام إيمي لكنني لم أذهب لاستقباله. 

كان اتفاقًا بين ليون ووالتر. انتظرت دعوتهم.

“سيدتي، يطلب السيد منكِ الحضور إلى غرفة الاستقبال.”

عندما نقل لي خادم ليون الرسالة، نهضت وتوجهت إلى غرفة الاستقبال.

“بيلا!”

عندما دخلت، نادى والتر اسمي وقفز واقفًا. 

كان وجهه مشرقًا. 

نظرتُ إلى ليون. كان بدون تعبير، لكن تعبيره لم يكن سيئًا. 

عندما حدقت به، أمال ليون رأسه وأرسل لي نظرة متسائلة.

“لقد وصلتَ؟”

قلت لوالتر وحاولت الجلوس بجانب ليون، لكن ليون وضع قدمه على الأريكة عمدًا ليمنعني من الجلوس، فاضطررت للجلوس بجانب والتر.

‘ما هذا التصرف الطفولي؟’

محى هذا التصرف الطفولي شعوري بالذنب تجاهه لحظيًا. 

ألقيت نظرة غاضبة عليه وأدرت رأسي بسرعة.

“هل تشاجرتما؟”

سأل والتر بهمس، كما لو كان يمارس التنويم المغناطيسي. 

حدقت به بعيون ضيقة. تجنب والتر نظرتي ونظر إلى الهواء.

“اعتذر والتر لي. كان صادقًا، فقبلت اعتذاره. كان والتر يمدحني.”

“هذا جيد. لكن البعض …”

غطيت فمي بسرعة. كدت أتحدث بسخرية. 

سحبت شفتيّ لأبتسم بصعوبة.

“نحن الآن عائلة، لذا دعوته لزيارتنا كثيرًا.”

واصل ليون كلامه كما لو لم يسمعني.

“سمو الدوق واسع القلب حقًا.”

“أنا؟ لست كذلك. يفكر أحدهم الآن أنني أتذمر ولا أهدأ.”

هل دخلت قلبي وخرجت منه؟

“كنت دائمًا قلقًا من ترك بيلا وحدها في أستير، لكنني الآن مطمئن لأن سمو الدوق يهتم بها كثيرًا.”

كان والتر يجامل ليون بمهارة. رفعت حاجبيّ وأنا أستمع إلى تملقه المستمر. 

هل يظن أن ليون غبي ولن يفهم؟ لن يكون هذا مفيدًا … نظرت إلى ليون واتسعت عيناي. 

كان وجهه مليئًا بابتسامة صادقة.

‘ليون، هل يحب هذا التملق المزعج حقًا؟’

“الآن وأنا أنظر، عينا سمو الدوق تلمعان كالجواهر. هههه.”

توقف، من فضلك.

لمَ دعاني إلى هنا؟ كان الاستماع مؤلمًا.

“لهذا أنا حذر. تخشى بيل بيل أن تحفر عينيّ، فهي تحب الجواهر.”

“أوافق على ذلك.”

بينما كانا يضحكان، شككت في حالتهما العقلية.

“بالمناسبة، والتر، كيف التقيت بالقديسة؟”

تذكرت فجأة ما قرأته في رسالته.

“آه … ذلك …”

على عكس تفاخره في الرسالة، تردد والتر في الإجابة.

“كان متعلقًا بوالدتي.”

كان من الشائع أن يطلب الأشخاص ذوو المرضى في العائلة علاجًا من كهنة ذوي قوة مقدسة في المعبد. 

لكن المعبد نادرًا ما يقبل طلبات العامة، إلا إذا كان الشخص ذا مكانة عالية أو متعلقًا بقضية اجتماعية. 

لكن بالنسبة لماركيز سويدن، الذي يثق به الإمبراطور، ربما أخذوا الأمر بعين الاعتبار.

“… نعم ، صحيح … طلبت من المعبد إرسال كاهن للعلاج، لكن القديسة دعتنا إلى المعبد. هل هذا منطقي؟ على أي حال، ذهبنا إلى المعبد مباشرة. تلقت والدتي العلاج من القديسة بنفسها. لم تتعافَ تمامًا، لكنها أصبحت أفضل بكثير. لذا دعوتُ القديسة للعشاء. توقعت أن ترفض، لكنها قبلت دعوتي. بيلا، هل تصدقين؟ هل تصدقين؟”