في النهاية، لم يأتِ ليون معي.

بدلاً من ذلك، رافقني بابتسامة عريضة. 

كان وجهه يبدو مرتاحًا جدًا. 

هل كان اختفائي من أمامه ممتعًا له إلى هذا الحد؟

‘ما الذي يهمني إن كان ليون يرقص أو يستمتع؟ كل ما يجب عليَّ فعله هو حماية حياتي.’

حاولتُ التخلّص من هذا الشعور الفارغ بهذه الأفكار، لكن قلبي غرق في حزن غريب.

“سيّدتي، هل هناك ما يقلقكِ؟”

سألتني إيمي بقلق وهي تنظر إليَّ بتمعّن. 

لقد حاولتُ الحفاظ على وجه خالٍ من التعابير، لكن يبدو أن مشاعري انكشفت على وجهي. كيف سأتعامل مع هذا الوجه الذي يكشف كل شيء؟

“أشعر بالغثيان قليلاً لأنني أركب العربة وأتنقّل في الشوارع بعد وقت طويل.”

“إذن، سأطلب التوقّف قليلاً. سيشعركِ الهواء النقيّ بالتحسّن.”

“لا، يبدو أننا اقتربنا من الوصول، فدعي الأمر كما هو.”

سمعتُ أن إيستا مدينة هادئة ومنعزلة. 

فكّرتُ أنني سأستمتع بالهدوء والراحة هنا بعد وقت طويل.

هذه المرة، حتى لو لم أجد الرّمز المقدّس، لن أشعر بالقلق مطلقًا.

“سيّدتي، لقد وصلنا إلى إيستا!”

تحدثت ماري بصوت مليء بالحماس.

“حسنًا.”

أدرتُ رأسي لأنظر إلى المشهد الهادئ خارج النافذة …

“ما هذا؟ ما الذي يحدث؟ ألم يُقال إنها مدينة هادئة؟”

كانت إيستا التي رأيتها من نافذة العربة مكتظة بالناس. 

كانت الطرقات مليئة بالحشود، حتى إن العربة لم تستطع التقدّم، وأصبحت محاصرة وسط الزحام.

“أنا متأكدة أنني سمعتُ أنها هادئة… سأذهب للتحقّق.”

نزلت إيمي من العربة، ثم عادت بعد قليل.

“سيّدتي، يبدو أننا لا نستطيع التحرّك أكثر من هذا. سيتعيّن عليكِ النزول والمشي.”

“هل نحن في المكان الصحيح؟ هل هذه إيستا بالفعل؟”

أمسكتُ بيد إيمي ونزلتُ من العربة وسألتها.

“نعم، هذا صحيح. لكن يبدو أن الجميع خرجوا لاستقبال شخص يحضر حدثًا برعاية معبد إيستا.”

“أنا؟ هل أنا بهذه الشعبيّة؟ لم أفعل شيئًا بعد!”

شعرتُ بالحيرة، لكنها لم تكن مشاعر سيئة. 

هل فعلت بيل شيئًا خيّرًا دون علمي؟ نظرتُ إلى إيمي بابتسامة راضية، لكن وجهها كان مليئًا بالحيرة.

أدركتُ أن شيئًا ما ليس على ما يرام، وتمنّيتُ لو أستطيع سدّ فمي.

“لستُ أنا … صحيح؟”

“لا … يقال إن القدّيسة ستزور إيستا. لو انتشر خبر قدومكِ، ربما سنجد شخصًا أو اثنين يرحّبان بكِ.”

هل هي تمزح معي؟

كانت إيمي تضغط على شفتيها بقوة، وزاوية فمها ترتجف.

نظرتُ إليها بنظرة حادّة ومشيتُ بغضب بين الحشود.

بالمناسبة، هل سأقابل كاسيا مرة أخرى؟ لا أريد أن ألتقي بها أبدًا، لكن يبدو أنني دائمًا ما أتورّط معها. 

لا ينبغي أن نلتقي الآن. هل جاءت كاسيا إلى هنا أيضًا بحثًا عن الرّمز المقدّس؟

“سيّدتي، امشي ببطء.”

لكنني كنتُ قد تقدّمتُ كثيرًا وسط الحشود.

عندما وصلتُ أخيرًا إلى مدخل المعبد، كان فستاني النظيف قد أصبح في حالة يرثى لها. منعنا الفرسان المقدّسون الذين كانوا يحرسون مدخل المعبد من الدخول.

“الدخول ممنوع الآن. سيتم فتح المعبد للحدث الرعائي غدًا بعد الظهر …”

“هذه السيّدة هي دوقة أستير الكبرى.”

نظر الكهنة إلى مظهري مرة أخرى، ثم انحنوا لي.

“نعتذر، نعتذر. في هذا الزحام، لم نتمكّن من التعرّف عليكِ.”

“لقد أصبح مظهري هكذا بسبب عبوري وسط الحشود.”

واصلتُ الشرح بإسهاب، لكنني أغلقتُ فمي عندما لاحظتُ أنهم لا يكترثون بكلامي.

“تفضّلي من هنا. الكاهن الأعلى ينتظركِ.”

قادنا الفرسان المقدّسون إلى الكهنة. بعد تبادل التحيّات مع الكهنة، دخلنا أخيرًا إلى المعبد.

“سمعتُ أن القدّيسة قادمة.”

“نعم، لقد وصلت للتو وتلتقي بالكاهن الأعلى الآن.”

“ألستُ ذاهبة للقاء الكاهن الأعلى؟ ألن أقابل القدّيسة إذا ذهبتُ الآن؟”

“نعم، إنها فرصة نادرة. أنتِ محظوظة.”

لا، أنا لا أريد ذلك. كنتُ أفضّل أن أكون غير محظوظة. 

تخيّلتُ نظرات كاسيا التي ستنظر إليّ بها هذه المرة، وشعرتُ بالدوار من الفكرة.

“يا إلهي! سيّدتي، يبدو أن الحظّ حلَّ عليكِ بالفعل.”

“تبدين متحمّسة جدًا.”

أمسكت إيمي يديها وهي تتلألأ عيناها وتومئ برأسها دون نفي. 

تنهّدتُ بعمق وقرّرتُ أنني إذا اضطررت، سأحضر الحدث الرعائي فقط ولن أحاول حتى البحث عن الرّمز المقدّس.

كان من الأفضل تجنّب أي تصرّف قد يزيد من العداء مع كاسيا هنا.

“تفضّلي بالدخول.”

في غرفة استقبال تنضح بالقداسة، التقيتُ أخيرًا بالكاهن الأعلى و كاسيا. رحّب بي الكاهن الأعلى بحماس شديد، بينما وقفت كاسيا إلى جانبه تنظر إليّ بعيون هادئة.

“هذه دوقة أستير الكبرى.”

قدّمني الكاهن الأعلى إلى كاسيا.

“أعرفها. لقد التقينا من قبل.”

قالت كاسيا بصوت هادئ. 

في هذا الموقف المحرج، لم أعرف ماذا أرد.

حسنًا، أليسوا يقولون إن الوجه المبتسم لا يُبصق عليه؟ كم مرة تظاهرتُ بالجنون من أجل حياتي؟ هل هناك ما لا أستطيع فعله؟ عزمتُ أمري وضحكتُ بصوت عالٍ.

“مرحبًا بعد وقت طويل، أيتها القدّيسة.”

لكن على الرغم من ضحكتي، ضحك الكاهن الأعلى بصوت عالٍ فقط، بينما لم تبتسم كاسيا.

“عمَّ كنتما تتحدثان؟ يبدو أن إيستا في حالة فوضى.”

جلستُ على الأريكة وأنا أثرثر، وعندما جلستُ، جلس الكاهن الأعلى وكاسيا أيضًا.

“كما يقال، أنتِ حقًا شخصيّة مشرقة، يا دوقة.”

“أعرف جيّدًا ما يُقال عني، لكن كلامك ليس مديحًا، أيها الكاهن الأعلى.”

ارتبك الكاهن الأعلى ولوّح بيديه بنفي قوي. 

أليس النفي القوي تأكيدًا قويًا؟

“كيف يمكن أن يكون كذلك؟”

“كنتُ أمزح فقط. يبدو أنك ارتبكتَ كثيرًا. بالمناسبة، لمَ جئتِ إلى هنا، أيتها القدّيسة؟ لم أسمع أنكِ ستحضرين الحدث قبل قدومي إلى إيستا.”

حاولتُ تجنّب النظر إلى كاسيا وتحدّثتُ إلى الكاهن الأعلى.

“في الواقع، كان من المفترض أن يحضر الكاهن الأعلى لمعبد ليانوس الحدث الرعائي، لكن بسبب ظروف أخرى، جئتُ أنا بدلاً منه. كان جميع الكهنة الآخرين مشغولين أيضًا.”

“أعتذر عن قول هذا عن الكاهن الأعلى جيسون الذي لم يتمكّن من الحضور، لكن أليس حضور القدّيسة هو ما تسبّب في هذا الزحام؟ يجب أن نشكركِ بدلاً من ذلك، هههه.”

ابتسمت كاسيا بخجل وأومأت برأسها قليلاً. 

كانت نظرتها مختلفة تمامًا عن تلك التي وجهتها لي. 

يبدو أنني بالتأكيد قد أصبحت مكروهة.

“لقد جئتُ بدعوة من الكاهن الأعلى لحضور الحدث الرعائي بنيّة طيّبة.”

جمعتُ يديّ في إشارة تقوى وأشرتُ إلى الكاهن الأعلى، مؤكّدة لكاسيا أنني لم آتِ لهدف آخر. 

بالطبع، كان لديّ هدف آخر، لكن أمام كاسيا، يجب أن يبدو وكأنه لا يوجد.

للحظة، التقى نظري بنظر كاسيا، وكان وجهها باردًا.

‘عندما تكتشف أن إيسار لاحقًا لدى ليون، ستكون أكثر من يشكرني! ألا يفترض ألا تعاملني هكذا؟’

شعرتُ بضيق في صدري وأنا أواجه نظرات كاسيا الباردة.

“لم يخبرنا الكاهن الأعلى جيسون أنكِ ستمكثين لليلة واحدة، لذا لم نجهّز غرفة. نحن نجهّزها الآن، لذا انتظري قليلاً.”

“حسنًا.”

“غرفة الدوقة الكبرى جاهزة. بما أنكِ متعبة من الرحلة، يمكنكِ الراحة، وإذا أتيتِ مبكرًا قليلاً قبل صلاة الظهيرة، سنقيم صلاة مباركة للدوق وأنتِ.”

“لا، لا داعي … هذا مؤثر جدًا. صلاة مباركة لنا!”

عندما تحدّثتُ بعيون متلألئة بوجه متأثر، احمرّت خدّا الكاهن الأعلى. بدا وجهه مألوفًا، كأنه وجه شخص طمع بالمال. 

كنتُ قلقة بالفعل من تعريف كاهن معبد أستير، لكن إلى أي مدى يحاولون سلب المال؟ 

تذكّرتُ ليون وهو يغضب ويصرخ في كالسن بلا سبب. 

‘حتى هذا المظهر كان لطيفًا.’

“هل جننت؟”

لماذا أفكّر بهذا الآن؟

“… لم نجن.”

“آه … كان تعبيرًا مبالغًا فيه لقول إنني سعيدة جدًا.”

ضحكت كاسيا بسخرية، ثم عندما التقى نظرينا، جدّت في وجهها ثم استدارت قبل أن تنظر إليّ مباشرة وتفتح فمها.

“لديّ طلب، يا دوقة.”