فشل الأمر.
كنتُ أتمنّى لو لم يسمع لوكاس، فسحبتُ يد ليون بسرعة، لكنّ نظرُ لوكاس وإليزابيث التفّ إلينا معًا.
لا يمكنهما التعرّف علينا تحت الرداء.
لكنّ وجه لوكاس بدأ يشحب فجأة. ماذا؟ هل عرفنا؟
انحنى بسرعة ، أمسك يد إليزابيث ، وبدأ يبحث عن مكان للاختباء.
لم يكن سهلاً إخفاء الجسم في هذا المكان المزدحم.
في النّهاية نظر إلينا مرّة أخرى، ثمّ بدأ يقترب نحونا مع إليزابيث.
“لا، ماذا ينوي إذا جاء إلى هنا؟”
“في مكان مزدحم هكذا، لن يفعل حماقة”
لكنّ الحماقة فعلها ليون بالفعل …
دليل ذلك أنّ لوكاس يقترب بعبارة حازمة مع إليزابيث.
همس لوكاس شيئًا لإليزابيث وهو يقترب، فبدأ وجه إليزابيث يمتلئ بالارتباك تدريجيًّا.
بعد أن سخرت منّا، لم تواجهنا إليزابيث مباشرة حتّى عندما اعتلينا العرش.
كانت تتجنّبنا عمدًا.
من الواضح أنّها مرتبكة جدًّ.
عندما كاد لوكاس ينحني، رفع ليون يده ليمنعه.
“لن تحيّيني بصوت عالٍ هنا، أليس كذلك؟”
بدا عليه الارتباك قليلاً، فمن الواضح أنّه كان ينوي ذلك.
“دعنا نذهب لمكان آخر، فهذا المكان غير مناسب للحوار”
همستُ لليون بهدوء.
كان الشّارع ممتلئًا بالنّاس.
“لا أريد الحوار أصلاً.”
قال ليون وهو يميل رأسه.
“ألم تنادِني بصوت عالٍ؟”
“ناديتُ فقط، لم أتوقّع أن يسمع الكونت حقًّا.”
ارتجفت جفون لوكاس الذي يغلق عينيه ببطء.
“هل جئتما للاستمتاع بالإجازة؟”
ربّما تخلّى عن الحديث مع ليون، فانتقلت نظرته إليّ وسأل.
أومأتُ برأسي ونظرتُ إلى إليزابيث.
“منذ متى أنتَ مع إليزابيث …”
“ذلك …”
خدش لوكاس رأسه مرتبكًا على غير عادته.
مهما كان، كانا ثنائيًّا جديدًا.
لكنّ الأهمّ الآن هو الخروج من هنا حيث تتجمّع الأنظار تدريجيًّا.
“ليون، يجب أن نعود.”
نظر ليون حوله قليلاً ثمّ أومأ.
لم تتمكّن إليزابيث من إزالة عبارة الارتباك حتّى لحظة الوداع.
هكذا يجب على الإنسان الحذر دائمًا لأنّ الظّروف قد تتغيّر.
“إذن إذا سنحت الفرصة في العاصمة …”
توقّف ليون فجأة وثبّت نظره على إليزابيث.
بدت إليزابيث كأنّها على وشك البكاء عندما ركّز عليها.
كانت تبدو مثيرة للشّفقة لأوّل مرّة.
“ليون، ما بك؟”
“… زينة الرّأس تلك.”
عند كلام ليون، أزال لوكاس دبّوس الشّعر الصّغير من رأس إليزابيث بحذر.
“اشتريناه للتوّ. أردتُ إخباركم بالمتجر، لكنّه للأسف آخر قطعة. إذا أعجبكم، خذوه.”
“ليست لدي نية لأخذه، لكن إذا كان رأي الكونت كذلك.”
مدّ ليون يده وأخذ الدّبّوس من لوكاس.
“إليزابيث، آسفة. ليون الآن يتشبّث بكلام غريب سمعه.”
“لا بأس. جلالتكِ.”
كانت الأنظار تتجمّع علينا أصلاً.
عندما قالت إليزابيث المتوتّرة ذلك بصوت عالٍ، غمر الصّمت المكان الصّاخب فجأة.
“ليون، هيّا.”
أمسكتُ يد ليون وخرجتُ بهدوء بين النّاس المتجمّدين، فعدنا إلى فيلّتنا.
عدتُ إلى غرفة نومنا، خلعتُ الرداء ونظرتُ إلى ليون.
“حقًّا ما هذا، حقًّا …”
رمى ليون الرداء على الأريكة بلا مبالاة، رفع الدّبّوس الذي أعطاه إيّاه لوكاس وابتسم بسعادة.
“إنّه نجم أحمر.”
كان دبّوس شعر على شكل نجم بجوهرة حمراء تبدو عاديّة.
“لكنّنا الآن مدينون لإليزابيث بسبب هذا”
تذكّرتُ كيف سدّدت بيلا سابقًا دينًا لإليزابيث بدلاً منّي، فارتجفتُ.
لم يبالِ ليون بقلقي، رفع الدّبّوس عاليًا وصرخ.
“لقد أشرق النجم الأحمر.”
أحيانًا أشكّ حقًّا إن كان أحمق.
هززتُ رأسي، لكنّني لم أتمكّن من منع الابتسامة.
“إذن، هل نستعدّ لاستقبال أميرتنا؟”
عندما همستُ مستسلمة، تقلّص ليون بحذر وأخفى النجم.
‘هذا حقًّا.’
لكنّني لم أرتبك، بل فتحتُ ذراعيّ وقلتُ ، “النجم الأحمر أشرق بالفعل في قلبي، فلا تقلق!”
***
آخر يوم في الإجازة—
كنتُ نستمتع بهدوءنا ونحن نسير على الرّمال البيضاء اللامعة.
كانت الأمواج الهادئة تتلألأ تحت الشّمس.
سمعتُ صوت النّوارس من بعيد خافتًا.
فركتُ وجهي بذراع ليون.
رفع ليون يدي وقبّل ظهرها بخفّة.
“لمَ تفركين وجهكِ مجدّدًا؟”
“كلّ شيء جميل جدًّا.”
“سنأتي مرّة أخرى قريبًا.”
“الوعود التي لا تُنفَّذ …”
“متى فشلتُ في وعد؟”
“المكان هنا أجّلناه عدّة مرّات حتّى جئنا.”
“لكن … جئنا في النّهاية.”
انتفض ليون ثمّ خفض ذيله عند كلامي وهمس بضعف.
توقّفتُ وواجهته.
مرّ الهواء بشعره يرفرفه بلطف.
رفعتُ يدي وأعدتُ شعره إلى الخلف.
“عندما أصبحتُ بيلا أوّل مرّة، لم أكن أعرف شيئًا … كنتُ أفكّر في الحفاظ على حياتي ثمّ الهروب بثروة. بالطّبع ظننتُ أنّ ليون سيطردني.”
“ظننتِ أنّني سأدعكِ تذهبين؟”
“بالطّبع؟”
“كنتُ سأطاردكِ إلى نهاية العالم لأجدكِ.”
ارتفع طرف فمي تلقائيًّا.
لفّ الهواء بيننا بلطف.
دغدغ قلبي العطر الحلوّ المحمول بالرّيح.
ابتسمتُ وأسندتُ وجهي إلى ذراعه مجدّدًا.
“عند العودة إلى العاصمة، سأعدّ غرفة للأميرة.”
“ماذا تقول؟ لم يولد الطّفل بعد، أليس مبكّرًا؟”
نظر إليّ ليون بعينين متعجّبتين.
“عن ماذا تتحدّثين؟ أنا بذلتُ جهدًا كبيرًا، وبأفضل ما لديّ …”
“توقّف. أرجوك!”
سددتُ فمه بسرعة.
عندما هدأ، أزلتُ يدي ومسحتُ لعابه على ملابسه.
“أرجوك احذر كلامك.”
“لمَ؟ لا أحد هنا؟ لقد سمّيتُ الطّفل بالفعل.”
“ليس بيلي، أليس كذلك؟”
نظر إليّ متفاجئًا.
“مستحيل”
هززتُ رأسي بحزم وعبستُ.
بدا عليه الارتباك ثمّ ابتسم، رفع ذراعي التي أمسكها وحمى كتفي.
***
وبمحض الصّدفة، حملتُ بطفل ليون.
كان قوله تسميته بيلي مزاحًا، فليون إختار أيضًا ‘سيرينا’.
كنتُ مشغولة بتجهيز كلّ شيء لسيرينا.
أخيرًا، يوم ولادة الطّفل—
جاء إليّ طفل ثمين آخر.
دمعت عينا ليون الحمراوان عندما رأى الطّفل الذي أحمله بحذر أوّل مرّة.
“تمّ خداعي تمامًا …”
صدى صرخة ليون في غرفة النّوم.
هزّ رأسه ووضع دبّوس النجم الأحمر في درج الطّاولة بجانب السّرير.
كان قد لمسه بحرارة كبيرة، ففقد بريقه الأوّليّ تمامًا.
لمع في عيني ليون الحمراوين فرح وتأثّر أكثر من النجم الأحمر.
“هل تريد حمله؟”
أومأ ومدّ يده، فسلمته الطّفل بحذر.
“محبوب جدًّا. كيف يكون صغيرًا ولطيفًا هكذا؟ لكننا … لن نستخدم اسم سيرينا”
ضحكتُ لكلامه الذي يخرج فجأة رغم نظرته الحنونة.
ابتسامة ليون وهو ينظر إلى الطّفل، وتذمّره الصّغير.
كلّ شيء كان سعادة كاملة بالنّسبة لي.
أعاد ليون الطّفل إليّ.
ثمّ احتضنني وقبّل رأسي بخفّة.
“لكنّني لن أتخلّى عن سيرينا.”
ضحكتُ مع ابتسامته السّاطعة رغم عبارة الذّهول.
في حضن ليون، شعرتُ بأكمل سعادة في العالم.
هكذا ستستمرّ قصّتنا بهدوء.
إلى الأبد.
التعليقات لهذا الفصل " 156"