وهكذا ظلّ ليون يراقبني حتى انتهيت من توضيب الأمتعة وتحميلها في عربة الأمتعة.
“حضرة سموّ الأمير قد وصل.”
“يا إلهي!”
دخل كاييل في حضن المربية وهو ينظر إليّ مبتسمًا.
أمام تلك الابتسامة، ذابت كلّ دفاعاتي فابتسمت بدوري و انتشلته من بين ذراعي المربية.
قفز ليون بدوره واقترب من جانبي.
“كاي.”
ارتفع صوت ليون كما ارتفع صوتي.
كانت تلك العينان الحمراوان، المشابهتان لليون، تتلألآن وهما تحدّقان بي. وكان يصدر من شفتيه الصغيرتين هذيان لطيف لا يمكن فهم معناه. حتى ذلك الصوت كان لطيفًا جدًّا لدرجة أنني أغمضت عيني بإعجاب.
“إنه لطيف للغاية. مع أنّني أنا من أنجبته، لكن هل يوجد طفل لطيف مثله؟”
“لأنّه يشبهني”
نظرتُ إلى ليون بنظرة لا تحمل كراهية.
ففي النهاية، كان صحيحًا أن كاييل يشبهه.
شعر أسود مجعّد لامع، عينان حمراوان، وأنف صغير مرتفع يناسب طفلًا … نسخة مصغّرة من ليون. مددتُ يدي ولامست طرف أنفه بلطف.
“كاي، فلنلعب ونستمتع في الرحلة.”
قالها ليون ببطء لكاييل. وما إن انتهى كلامه حتى حرّك كاييل شفتيه وكأنه يردّ عليه.
“تـــا”
“كيييي!”
صرخنا معًا من شدّة اللطف. و انفجرت الوصيفات اللواتي يراقبننا بالضحك.
“بيلا، هل سمعتِ ذلك؟ لقد قال أبي!”
نظرتُ إليه بوجه جاد. بدأتُ أفكّر إن كان سمعه سليمًا فعلًا.
أول كلمة سيقولها طفلي ستكون “أمي” ليس “أبي”.
“ما هذا الكلام غير المنطقي؟”
“لقد سمعتموه أنتنّ أيضًا، أليس كذلك؟ لقد قال أبي لي للتو.”
سأل ليون وصيفاتي بملامح المتظلم. تبادلن النظر ثمّ وجّهنّ أبصارهنّ إليّ في حيرة.
“إذا لم يكن صحيحًا فقُلن لا. لا داعي للكذب فقط لأنّه حضرة الإمبراطور المستقبلي.”
ظهر الارتباك واضحًا على وجوههن. وعندما حدّقنا بهن أنا وليون في الوقت نفسه، أدركت فجأة مدى سخافة الموقف، فشعرت بالخجل.
حملتُ كاييل و نهضت.
“ليس هذا وقت الجدال. لقد انتهينا من التجهيز، فلننطلق.”
يبدو أن ليون شعر بالأمر نفسه، فنهض خلفي بهدوء وأومأ.
“لنقضِ وقتًا جميلًا.”
***
كانت الرحلة طويلة، لكنها لم تكن مملّة على الإطلاق.
مجرد وجودنا معًا جعل كل شيء يبدو جميلًا.
وصلنا إلى مدينة ساحلية تُسمّى سيرينيتي، تقع في جنوب غرب الإمبراطورية. كانت ثاني أشهر منتجع بعد بالانوبو.
بعد أن اشترى ليون فيلّا في بالانوبو كهدية عيد ميلاد لي، أصبحت تلك المنطقة أكثر شهرة. والآن، بعد أن انتهى تجديدها، جئنا نحن الثلاثة معًا لأول مرة.
“ليون، هل أنت بخير؟”
كان وجه ليون شاحبًا وهو ينزل من العربة. ربّتُّ على ظهره برفق.
“أرأيت؟ قلت لك أن تأخذ الدواء مثلي مسبقًا. لماذا تتظاهر بالقوة؟ أحيانًا أشعر أنني أربي طفلين.”
“أريد أن أناديك أمّي … لكن إن ناديتكِ هكذا فلن تتحدثي معي بعد الآن، صحيح؟”
تجّهّمتُ فورًا.
بدل الرد، رفعتُ رأسي أتأمّل مشهد سيرينيتي الساحر.
بحر زمردي بعيد، شاطئ رملي أبيض، ورائحة زهور حلوة بدل رائحة البحر المالحة. كل شيء بدا وكأنه يرحّب بنا.
أحاط ليون كتفي بذراعه. نظرتُ إلى كاييل النائم في حضن المربية، ثم أسندت وجهي إلى ذراعه.
“أريد أن أمشي حافية فوق الرمال البيضاء.”
مجرد تخيّل ذلك جعل راحتي قدميّ تشعران بالدغدغة.
تحركنا بالعربة إلى الفيلّا.
وحين ظهرت الفيلّا الصغيرة المحاطة بجدار طويل، شهقت من شدّة جمالها. ندمت لأنني لم آتِ من قبل. كان هذا المكان مثاليًا لقضاء الوقت بهدوء دون أي إزعاج.
‘لو كنت أعلم، لاستخدمتُ الأداة المقدسة لأزور المكان من قبل.’
ندمت داخليًّا، لكنني لم أُظهر ذلك و اكتفيت بابتسامة مشرقة.
“أنتِ تندمين، أليس كذلك؟”
“ماذا؟ عن ماذا تتحدث؟”
“كنتِ تفكّرين أنكِ كان يجب أن تأتي قبل ذلك. أستطيع رؤية ذلك في وجهك.”
يبدو أن حدس ليون أصبح حادًا منذ أن وُلد كاييل.
“أبدًا. كوني هنا معكَ يجعل الأمر مضاعف الجمال”
كانت هذه كذبة بيضاء من أجل عائلتنا.
كانت الفيلّا لطيفة للغاية.
أمامها البحر الزمردي، وعلى بعد خطوات الشاطئ الأبيض.
حين يتعلم كاييل المشي سيترك خطوات صغيرة على الرمال.
فكّرتُ في ذلك فصرخت بسعادة.
“هل أعجبكِ المكان لهذا الحد؟”
لقد أساء الفهم، لكنني أومأت.
“سأبني لكِ فيلّا أكبر وأجمل لاحقًا.”
جلسنا في غرفة الجلوس نشرب الشاي وننظر إلى البحر.
“حين ينام كاييل، هل نذهب إلى سوق سيرينيتي الليلي؟ نحن الاثنان فقط. بالسر.”
خفضت صوتي ونظرت حولي وكأنّني أرتكب جرمًا.
“فكرة جيدة، لكن الأمر خطير.”
رفض ليون فورًا كالعادة. أخرجتُ شفتَي بحنق.
بدل أن يسمح لي، ظلّ ينظر إليّ بعينين مليئتين بالحب.
“ليون، لا يمكن؟ حلم حياتي زيارة السوق الليلي … يقولون أن فيه أشياء نادرة من دول كثيرة. أردت أن أقضي موعدًا رومنسيًا معك …”
خفضت رأسي. تنفّس ليون ببطء تنهيدة طويلة.
‘تمّ الجانب الصعب.’
“حسنًا. لكن إذا شعرتُ بأي خطر، نعود فورًا.”
***
حين نام كاييل، ووجدنا أنفسنا بمفردنا، ارتديتُ الملابس البسيطة التي أعددتها سابقًا.
“لقد أعددتِ ملابس للخروج. يعني حتى لو رفضتُ، كنتِ ستخرجين وحدكِ.”
اتّسعت عيناي، ورفعتُ كتفي.
فليظنّ ما يشاء.
استخدمنا قوة الأداة المقدسة وانتقلنا مباشرة إلى مركز المدينة. ارتدينا عباءات تخفي ملامحنا.
كان الليل قد حل، لكن المدينة كانت مضاءة كأنّها نهار.
تجار من كل الدول، أناس من كل الأماكن. سرت وأنا أمسك يد ليون، لا أستطيع إغلاق فمي من الذهول.
“بيلا.”
التفتُّ إليه ورفعت إصبعي على فمي.
“نادني بيل بيل بدلًا من بيلا”
“حقًا؟”
عندما أومأتُ، ارتفع أحد طرفي شفتيه بمكر تحت العباءة.
شعرت بقلقٍ فوري.
“بيل بيل، اشتري لي ذاك الشيء!”
كادت الشتيمة تنفلت من فمي، لكنّي أمسكت يده بسرعة وسحبته. في لحظة، التفّ الناس حولنا ينظرون.
“يبدو أنه أحمق.”
“مسكين …”
تقدّم طفل صغير نحوي و وضع في يدي قطعة نقدية صغيرة من فئة واحدة.
التعليقات لهذا الفصل " 154"