عندما لم أرَ ولو كوبولتًا واحدًا، عدتُ مسرعة إلى غرفة النوم. في اللحظة التي رأيتُ فيها باب الغرفة نصف ممزق، غرق قلبي.

“إيمي! ماري!”

فتحتُ الباب بعنف وناديتُ بأسمائهما. بينما كنتُ أقف مشدوهة وسط الصمت البارد الذي يعم الغرفة المهدمة، سمعتُ صوتًا مبهجًا من خلفي.

“سيدتي!”

في اللحظة التي سمعتُ فيها صوتيهما، تنهدتُ براحة و ابتسمتُ. التفتُ ورأيتُ إيمي وماري تبتسمان بفرح.

لحسن الحظ، بدتا دون أي إصابات.

“كنتُ أعلم أنكما ستختبئان جيدًا، لكن لا يمكنني إلا أن أقلق.”

“نعلم، لو أصِبنا، كنتِ ستثورين، لذا كنا حذرتين جدًا. أليس كذلك، إيمي؟”

ضحكت إيمي وأومأت برأسها على كلام ماري المرح.

“سيدتي، هل أنتِ بخير الآن؟ عادةً ما تفقدين وعيكِ عندما تستخدمين الكثير من القوة المقدسة.”

“أنا بخير الآن. يبدو أنني لم أستخدم الكثير من القوة المقدسة هذه المرة. ليون تعامل مع معظم الأمور، لكن…”

توقفتُ عن الكلام عندما دخلت كارين بعد طرق الباب.

“جلالة الإمبراطورة، جلالة الإمبراطور يسأل إن كنتِ تستطيعين القدوم إلى مكتب الطابق الثاني.”

جلالة الإمبراطورة؟

شعرتُ بجسدي يتقلص دون قصد عند كلام كارين. 

هل يعترفون بي كإمبراطورة حتى دون اكتمال مراسم التتويج؟

في مثل هذا الوضع الفوضوي، كان من المنطقي عدم إعادة التحضير لمراسم التتويج. فجأة، أردتُ التأكد مما إذا كان فستاني لا يزال سليمًا، فالتفتُ.

كان المكان الذي كان يُحفظ فيه الفستان في الغرفة المهدمة فارغًا. هل دمروه؟

“سيدتي … لا، جلالتك، لقد حفظنا الفستان جيدًا.”

لاحظت إيمي بسرعة أنني أبحث عن الفستان وقالت لي. 

أردتُ رفع إبهامي لإيمي، لكن نظرة كارين الحادة جعلتني أومئ برأسي فقط.

“سأذهب إلى المكتب.”

عندما غادرتُ الغرفة، تبعتني كارين. كان زيوس ينتظرني أمام الغرفة، وفرح عندما رآني.

“جلالتها ذاهبة الآن بناءً على طلب جلالة الإمبراطور. يمكنكما التحدث لاحقًا.”

قطعت كارين حديثه بحدة، فتراجع زيوس بحرج. أرسلتُ نظرة اعتذار إلى زيوس، لكنني لم أكن آسفة حقًا في داخلي.

“كارين، أنتِ كنتِ رئيسة وصيفات جلالة الإمبراطور. إذا تم تخصيص قصر الإمبراطورة، هل ستخدمين ليون أم أنا؟”

“تحدثي بارتياح، أنتِ جلالة الإمبراطورة.”

أريد ذلك، لكنني أجد نفسي أصغر أمام كارين.

“حسنًا، سأفعل …”

“سأخدم جلالة الإمبراطور.”

“حقًا؟”

صفقّتُ بيدي بحماس، فتجعد وجه كارين الخالي من التعبير قليلاً.

“رؤية جلالتكِ متحمسة هكذا تجعلني فجأة أرغب في التقدم لخدمة قصر الإمبراطورة.”

“كارين، هل كنتِ تمزحين؟”

“لم أكن أمزح.”

“…”

أمام مكتب ليون، كان هناك عدد كبير من فرسان الحراسة يقفون بكثافة بحيث لا يمكن عبور الرواق. 

عندما رأوني، انحنو وانقسموا إلى جانبين مثل البحر، مكونين ممرًا بالكاد يتسع لي.

عندما دخلتُ مكتب ليون، أدركتُ سبب وجود كل هؤلاء الفرسان خارج الباب.

كانت كاسيا جالسة، مكبلة بالسلاسل.

عندما دخلتُ، خفت تعبير ليون، الذي كان متكئًا على المكتب وذراعيه متصالبتين.

“لقد احتجزنا جميع كهنة معبد ليانوس.”

سمعتُ صوت كالسن من خلفي، ربما تبعني. التفتُّ إليه، وانحنى كالسن قليلاً عندما التقى نظرينا.

“القديسة … لا يمكن تسميتها قديسة بعد الآن. تأكد من مراقبة كاسيا جيدًا. بيلا وكالسن، تعالا معي لمقابلة الكهنة”

عند ذكر اسمي، رفعت كاسيا رأسها المتهدل بضعف ونظرت إليّ. كانت عيناها اللتين تنظران إليّ لا تزالان مليئتين بالسم.

“ماذا لو أخذنا كاسيا معنا؟ إذا استعدت قوتها، لا نعرف ماذا سيحدث.”

خدش ليون جبهته بأصابعه ونظر إلى كالسن وقال: “ألن يتمرد الكهنة إذا رأوا القديسة بهذا المظهر؟”

“ليس هذا مظهرًا. كاسيا مجرمة. عندما نفكر في الأشخاص الذين فقدوا حياتهم بسببها، يجب أن تكون محظوظة لأنها لم تُربط في الساحة وتُرجم بالحجارة.”

“إذا كتب المؤرخون في المستقبل أنني كنت إمبراطورًا قاسيًا، أريد أن أقول إنني فعلت ذلك بسبب كلام الإمبراطورة.”

شعرتُ بالذنب قليلاً.

“لمَ تقول شيئًا يؤذي مشاعري هكذا؟ هل نأخذ كاسيا الآن؟”

أشار ليون بعينيه، فأمر كالسن فرسان الحراسة برفع كاسيا.

“قد تصرخ بصوت عالٍ، أليس من الأفضل كتم فمها؟”

“أرأيت؟”

تحدث ليون كما لو كان يطلب تأكيد كالسن. لقد حاولتُ تلطيف كلامي، لكنني كبحتُ نفسي.

توجهنا مع كاسيا إلى المكان الذي احتُجز فيه الكهنة. 

كانوا محتجزين في إحدى قاعات استقبال الإمبراطور.

عندما دخلنا القاعة، تحول الهدوء إلى ضجيج، وبدأت الصيحات فور رؤية كاسيا مقيدة بالسلاسل.

“كيف تجرؤون!! كيف تعاملون القديسة هكذا؟ ألا تخافون غضب الحاكم؟!”

“لقد قاتلنا الوحوش المحيطة بالقصر حتى الإنهاك، وهذا جزاؤنا؟!”

كانت هاتان النقطتان هما محور غضبهم.

“صمت!”

تحدث ليون بصوت منخفض ومهيب، وهو يستمع إلى احتجاجات الكهنة بلا تعبير. في لحظة، عم الصمت القاعة.

“أيها الكهنة، هل تدافعون عن هذه المرأة مع علمكم بما فعلته؟ إذا كان الأمر كذلك، فأنتم متواطئون.”

عند كلام ليون، ناضلت كاسيا بعنف، لكن الأصوات التي خرجت من فمها كانت خافتة وغير مفهومة.

“قديستكم تلقت تنبؤًا كاذبًا من حاكم زائف، خدعت الكهنة، وتظاهرت بأنها قديسة. وحاولت بشتى الطرق قتل الدوقة الكبرى، القديسة الحقيقية. إذا كان هناك كاهن متواطئ معها، فليتقدم.”

تجعدت وجوه الكهنة. من تعبيراتهم، كان واضحًا أنهم يعتقدون أن ليون يقول شيئًا سخيفًا. لكنهم، تحت ضغط هيبته، فتحوا أفواههم دون أن ينطقوا.

فجأة، رفع أحد الكهنة يده كما لو كان يطلب الإذن بالكلام.

“تكلم.”

عند إذن ليون، فتح الكاهن فمه، محاولًا تجنب النظر إلى كاسيا قدر الإمكان.

“أنا الكاهن الأعلى جيريميا. لدي شكوك حول كلام جلالتك … أقصد، جلالة الإمبراطور. لقد اجتازت القديسة كاسيا اختبار القداسة بقوتها المقدسة في معبد ليانوس. هل تقول إن تلك القوة المقدسة كاذبة أيضًا؟”

“سأشرح ذلك.”

تحولت نظرة جيريميا إليّ عند كلامي. 

نظرتُ إلى ليون وواصلتُ.

“هذا شيء أخبر جلالته به لأول مرة. يبدو أن كاسيا عقدت صفقة مع حلكم شرير. وكمقابل، حصلت على جسد كاسيا. في الحقيقة، الشخص داخل جسد كاسيا ليس كاسيا، بل شخص يُدعى إيرين. كانت كاسيا قديسة حقيقية في الأصل، والقوة المقدسة المتبقية في جسدها هي التي استجابت.”

فقد الجميع أنفاسهم ونظروا إليّ بفم مفتوح. بدا أن بعض الكهنة يريدون الاعتراض، لكن الصدمة جعلتهم عاجزين عن النطق.

“بيلا، هل هذا صحيح؟”

همس ليون لي، غير مصدق لكلامي.

“آسفة لأنني لم أخبركَ من قبل.”

ضحك ليون بسخرية ونظر إلى كاسيا. كانت تصرخ بعنف بعيون مصدومة، لكن صوتها لم يصل إلينا.

“…أنا أصدق هذا. لا، يجب أن أصدق. القديسة التي رأيتها مؤخرًا تصرفت بطرق لا يمكن تخيلها من قديسة. أليس السبب في محاولتها إيذاء جلالة الإمبراطورة هو أن جلالتها هي القديسة الحقيقية؟”