توقف الجميع ونظروا إلى كاسيا عند صراخها الحاد.

“ما الأمر، سيدتي القديسة؟”

سأل جون نيابة عن ليون، الذي كان ينظر إلى كاسيا بصمت.

أنزلت كاسيا يديها ببطء من رأسها، الذي كانت تمسكه. 

كان الخوف يعم وجهها. سلط الضوء الخافت على خوفها الظاهر على وجهها الشاحب. 

نظرت كاسيا إلى ليون وجون بالتناوب بعيون مرتجفة، ثم فتحت شفتيها المرتجفتين.

“إلى أين يؤدي هذا المكان؟”

“لا داعي للقلق، سيأخذنا إلى مكان بعيد عن القصر الرئيسي الذي تهاجمه الوحوش الآن.”

هزت كاسيا رأسها بقوة بمجرد أن انتهى جون من كلامه.

“أشعر بأنفاس الوحوش. إنها تنتظرنا في نهاية هذا الممر. أنا متأكدة.”

تفاجأ جون بكلامها. إذا كانت كلماتها صحيحة، فهل يعني ذلك أنه بدلاً من حماية ليون، يقوده إلى خطر؟

“هذا مستحيل. لا يمكن العثور على هذا الممر بسهولة من الخارج. وحتى لو وُجد، لا يمكن فتح الباب.”

“هل … لا تصدقني؟”

بدأت أطراف أصابع كاسيا ترتجف. بدأت الدموع تملأ عينيها بسرعة، متلألئة في الضوء الخافت.

“جون، ألا تعتقد أن كلام القديسة يستحق الاستماع؟”

أومأت كاسيا برأسها عند كلام ليون ومسحت عينيها بظهر يدها.

“لا ضرر من الحذر.”

“حسنًا، انتظروا لحظة. سأذهب للتحقق.”

“جون، خذهم معك. هذا المكان آمن.”

أومأ جون مرغمًا واختفى في الظلام مع فرسان الحراسة.

في الصمت الذي خيم على المكان، حدق ليون في كاسيا بهدوء. تراجعت كاسيا، التي تلقت نظرته، وتجنبت عينيه.

“لقد أرسلت الجميع كما أردتِ.”

انخفض صوت ليون. نظرت كاسيا إليه بعيون مصدومة.

عندما رأته ينظر إليها وكأنها لا تفهم، شعر ليون بالغضب يتصاعد بداخله.

“لمَ لا تعترفين الآن بما تخططين له؟”

توقفت يد كاسيا، التي كانت تمسح دموعها، ببطء. توقف ارتجاف كتفيها، الذي كان يبدو مؤلمًا، كما لو كان كذبة.

تحولت عيناها الذهبيتان الضبابيتان إلى غموض. بدأت شفتاها تتلوى، وخرجت ضحكة مخيفة من بين شفتيها المفتوحتين قليلاً.

ضيق ليون عينيه وأحكم قبضته على إيسار. 

كان مستعدًا لقطعها في أي لحظة. السبب الوحيد الذي جعله يراقبها حتى الآن كان رأي بيلا بأنه يجب القضاء على مصدر الشر.

“لقد فعلتَ جيدًا بإرسال الآخرين أولاً. لم أكن أريد إيذاءهم أيضًا.”

وُجه سيف ليون إلى رقبتها.

“لا تعتقدي أنكِ في مأمن. السبب الوحيد الذي يجعلني أترككِ الآن هو بيلا.”

“آه! بيلا.”

فتحت كاسيا عينيها على مصراعيهما، وكأن السيف لا يخيفها، ونادت اسم بيلا بسخرية. 

من الأحمق الذي يستخدم القوة المقدسة لدرجة أنه لا يستطيع حضور التتويج؟ 

وضعت كاسيا يدها المقوسة على شفتيها وبدأت تضحك. شعر ليون بضحكة ساخرة لأنه يعرف ما تفكر فيه.

توقفت كاسيا عن الضحك ونظرت إليه بهدوء. 

لم تأتِ بيلا بعد؟

ظل ليون يمسك سيفه دون أن يفقد تركيزه، منتظرًا ظهور بيلا.

ضاقت عينا كاسيا وهي تنظر إليه. بدأت هالة سوداء كثيفة تنبعث من جسدها. عبس ليون عند رؤية الهالة السوداء.

ما هذا؟ هل أرى خطأ بسبب الظلام؟

بينما كان ليون يفكر للحظة فيما يجب فعله، بدأت الهالة السوداء تلف جسده. كأنها ليل حي، بدأت تتحرك وتلفه. 

شعر ليون وكأن قلبه يُضغط، وبدأ يناضل للتحرر من الهالة السوداء. لكن جسده لم يتحرك حسب إرادته. أسقط إيسار على الأرض.

اقتربت كاسيا منه ببطء، رافعة زاوية فمها.

“كيف تشعر؟ أليس هذا أقوى من قوة دوقتك الكبرى؟ هل تندم الآن على عدم إمساك يدي؟”

في تلك اللحظة، سُمعت خطوات أشخاص من بعيد. 

أراد ليون أن يصرخ لهم ألا يأتوا، لكن صوته لم يخرج.

التفتت كاسيا إلى مصدر الصوت وتنهدت بعمق.

“كنت أريد إنهاء الأمر، لكنك تقاوم جيدًا. لا خيار سوى إنهاء الأمر في مكان آخر.”

أخرجت كاسيا لفافة انتقال من صدرها. 

كانت لفافة نادرة لم تكن ترغب في استخدامها، لكن حياة ليون لم تكن ستنتهي بسهولة. إذا جاء المزعجون واضطرت إلى تقسيم قوتها، فقد يسمح ذلك لليون بشن هجوم مضاد. 

التقطت كاسيا إيسار الذي أسقطه ليون.

“يجب أن أتخلص من هذا السيف المزعج أيضًا.”

مزقت لفافة النقل بنزق. أحاط ضوء ساطع من اللفافة ليون وكاسيا، وفي لحظة، انتقلا إلى غرفة صلاة خاصة بالقديسة في أعماق معبد ليانوس.

تدفق الدم فجأة من فم كاسيا، فتلطخ فستانها. ر

بما كان ذلك بسبب تصادم قوة الظلام التي كانت تقيد ليون مع سحر لفافة النقل. 

استغل ليون لحظة اضطرابها، فتحرر من الهالة السوداء المرتخية، ودفع كاسيا بسرعة، وانتزع إيسار من يدها.

“لا فائدة، سمو الدوق.”

مسحت كاسيا الدم بمنديل وواصلت.

“سأكون لطيفة وأدفن دوقتك الكبرى بجانبك.”

هل ماتت الأميرة الكبرى بالتأكيد؟ جيسون، ذلك الأحمق، كان يجب أن ينهي المهمة بشكل صحيح …

كانت قد أمرت الكاهن الأعلى جيسون بتأكيد موت بيلا، وإذا لم يأخذ الحاكم حياتها، فقد أعطته شرف إنهاء حياتها. 

كذبت بأن بيلا خانت الحاكم وكانت العقل المدبر لكل الأحداث المشؤومة، وأن الحاكم أمر بإعدامها، وكان ذلك كافيًا لتحريكه. كان يثق بها ويتبعها تمامًا.

“تدفنين من؟”

ارتجف الفضاء بجانب ليون بشكل غريب، وظهرت ومضة صغيرة من الضوء. كبرت الومضة تدريجيًا، وظهر شخص غير متوقع أمام كاسيا.

“أنتِ …”

“لم أتيتِ متأخرة هكذا؟ لقد كنتُ أكافح هنا!”

كانت كاسيا تنظر كما لو رأت شبحًا، مصدومة.

أكافح؟ ألم أكن أمسك به بقوتي؟

عندما رأت ليون يبتسم لبيلا بخفة، شعرت كاسيا وكأنها تلقت ضربة في مؤخرة رأسها. كانت متأكدة من أنها تسيطر على كل شيء، لكن وجهها، المليء بالارتباك، تجمد.

“إيرين.”

ارتجف جسد كاسيا كما لو أصابته تشنجات عند سماع الاسم الذي خرج من فم بيلا.

إيرين … اسم لم تسمعه منذ زمن طويل.

لا، لم تتخيل أبدًا أنها ستسمعه مجددًا.

“أنتِ… كيف…”

كان صوتها متشققًا، وعيناها الذهبيتان الجميلتان مملوءتان بالخوف والغضب العميقين.

“لقد أصبتُ الهدف.”

نظرت بيلا إلى كاسيا بعيون نصف مغلقة وابتسمت بسخرية.

أصبتِ الهدف؟ مجرد تخمين؟ وأنتِ تنطقين اسمي بدقة؟

تدفقت ذكريات قديمة في ذهنها بعنف.

فتاة صغيرة جائعة، ترتجف في البرد، في عالم قاسٍ لم يمد أحد يد العون لها، باستثناء حاكمها الذي ناداها باسمها.

[أنتِ المختارة. سأمنحكِ فرصة لبدء حياة جديدة. هذا رد لجميلكِ.]

أعطاها الحاكم جسدًا جديدًا وحياة جديدة. 

لم تفهم معنى “رد الجميل”، لكن ذلك لم يكن مهمًا. 

لم تتساءل أبدًا عما حدث لصاحبة الجسد الأصلية. كانت مستعدة لبيع روحها إذا كان ذلك سيخلصها من تلك الحياة البائسة.

بدأت إيرين تعيش ككاسيا. كانت دائمًا محبوبة ومختارة.

منحتها القوة المقدسة القليلة المتبقية في جسد كاسيا سلطة القديسة. لم تشك أبدًا في أن تلك القوة كانت قوتها. كانت محبوبة من الحاكم.

كل شيء كان سعيدًا كالحلم. 

لن تعاني الجوع أو البرد أو الازدراء مجددًا. بعد أن أصبحت قديسة، محت كل آثار إيرين. حتى الجدة في المخبز التي أظهرت لها بعض الشفقة. اعتقدت أنها محتها تمامًا.

… لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا. مستحيل.

ارتجفت شفتا كاسيا. أرادت أن تنكر، لكن بيلا، دون شك، كانت تعرف اسمها بالتأكيد. 

خوفها من أن كل ما أخفته قد ينهار سحب كاسيا إلى الهاوية.

لا يمكن أبدًا.