تك—

عندما سمعتُ صوت فتح مقبض الباب، نهضتُ بسرعة وأنا أنتظر ليون بقلق. كنتُ قد تصرفتُ بنفس الطريقة عندما أحضرت الخادمات الوجبات الخفيفة من قبل.

دخل ليون بخطوات ثقيلة. 

حدقتُ في البقع الحمراء المنتشرة على ملابسه وهو يقترب مني. شعر ليون بنظرتي وحاول إخفاء البقع عبثًا.

“سأغير ملابسي. لم أفكر في هذا. سأغتسل وأعود.”

ركضتُ بسرعة إلى جانبه وأمسكتُ ذراعه بقوة وهو على وشك الخروج.

“لقد جهزتُ ماءً دافئًا. سأساعدك في الاستحمام.”

تراجع ليون بمفاجأة مبالغ فيها.

اختفت الكآبة والإرهاق من وجهه في لحظة.

“تمزحين، أليس كذلك؟”

هل اعتقد حقًا أن كلامي كان مجرد مزحة؟ كنتُ أريد فقط مواساة قلبه …

“علينا العودة بسرعة.”

نظرتُ إلى ليون بجدية. خفض رأسه وصاح.

لم يكن أحد يعلم أننا في أستير الآن.

إذا تأخرنا أكثر، قد يدخل الحراس ليتفقدوا. إذا أبلغوا أن ليون، الذي سيتولى عرش الإمبراطور قريبًا، قد اختفى …

“لقد جهزتُ ملابس نظيفة. اغسل يديك، وارتدِ الملابس، واخرج. هل تريد مساعدتي في ذلك أيضًا؟”

“مـ، ماذا تعتقدينني؟ يمكنني ارتداء ملابسي بنفسي!”

أخذ ليون الملابس التي أشرتُ إليها ودخل الحمام. 

بمجرد دخوله، دخل كالسن و حيّاني.

“سأنهي الأمور هنا وأذهب إلى القصر قريبًا.”

“وماذا عن أستير؟”

“في الوقت الحالي، ستُدار وفقًا لتعليمات المركز حتى يتم تعيين شخص لإدارتها.”

أجاب كالسن بوجه متردد. يبدو أنني بدوتُ كما لو كنتُ أمانع مجيئه إلى القصر. هززتُ يدي ونفيتُ.

“بالطبع أرحب بقدومك، لكنني قلقة بشأن أستير. لا تسيء الفهم.”

“آ، لا، ليس هناك ما يُساء فهمه.”

على الرغم من قوله ذلك، بدا تعبير كالسن، الذي كان متصلبًا، يرتخي قليلاً.

خرج ليون من الحمام بعد تغيير ملابسه.

“كان يجب أن تستدعي شخصًا لخدمتك.”

قال كالسن عندما خرج ليون وحده من الحمام. 

ألقى ليون نظرة خاطفة عليّ.

“لستُ طفلاً، يمكنني التعامل مع هذا.”

تحدث ليون بوضوح مبالغ فيه ووقف بجانبي. سلم كالسن سيفه المقدس، الذي كان قد تركه في المكتب، وساعده على ربطه حول خصره مجددًا.

“إذن … سأراكما في العاصمة قريبًا.”

قال كالسن وهو ينحني بينما أمسكتُ يد ليون وهززتُ الجرس.

عندما فتحتُ عينيّ بعد المرور عبر الضوء، كنا قد عدنا إلى القبو تحت الأرض. 

ركع ليون أمام التابوت وأخرج من صدره خصلة شعر، بالتأكيد تعود للإمبراطور الذي أُعدم، ووضعها على الأرض.

ركعتُ بجانبه.

“الآن، ضعوا أعباءكم وارتاحوا بسلام …”

تمتم ليون بصوت منخفض.

‘سأعتني بليون جيدًا. ضعوا كل همومكم وارتاحوا بسلام’

بقينا راكعين أمام التابوت، منخفضي الرأس، دون حراك لفترة طويلة. لف ليون ذراعه حول كتفي بلطف. 

رفعتُ رأسي لأنظر إليه. في عينيه، كان هناك شعور بالتحرر وفي الوقت نفسه راحة لأنني بجانبه.

“أنا سعيد لأنكِ بجانبي، بيلا.”

تمتم بصوت منخفض بدا عاليًا بشكل غريب. أجبتُ بابتسامة وأمسكتُ يده بقوة. في تلك اللحظة، ترسخت بيننا ثقة لا يمكن وصفها. أصبحنا الآن نجد الراحة في وجود بعضنا البعض.  

كنتُ واثقة أنه مع ليون، يمكنني التغلب على أي شيء.

شعرتُ أن القلق والخوف من المستقبل سيفقدان قوتهما ويتلاشيان أمامنا. لم يكن هذا وهمًا مؤقتًا؛ طالما ليون بجانبي، سأشعر بهذه الطريقة.

“هل سمعتُ صوت قرقرة بطن؟”

“ألم تتناول الغداء؟”

“لا، أتحدث عن بطنكِ، بيلا، وليس بطني.”

نحن واحد تمامًا. جوع ليون هو جوعي، وجوعي هو جوعه.

“إذا كنتِ جائعة لهذا الحد، هل نأكل شيئًا؟”

***

بعد أيام قليلة، وصل كالسن إلى العاصمة بعد الانتهاء من شؤون أستير.

لم يكن وصوله مجرد قدوم مستشار، بل كان إشارة إلى تغيير جذري في هيكلية السلطة في الإمبراطورية. 

بدأ مجلس الشيوخ، بقيادة دوق هولاند، يفقد قوته، وبرزت بسرعة لجنة استشارية مؤقتة بقيادة كالسن لتصميم فلسفة الحكم وتوجهات الدولة للإمبراطور الجديد.

استمر دوق هولاند وأعضاء مجلس الشيوخ في التشكيك في شرعية اللجنة الجديدة، لكن ليون تجاهلهم مرارًا. 

على الرغم من أن ظهور ليون جعلهم يشعرون بالتهديد لفترة وجيزة، إلا أنهم، بما أنهم كانوا مسؤولين عن تحضيرات التتويج، اعتقدوا أنهم سيحتفظون بالسلطة بعد التتويج.

لكنهم أدركوا في اليوم السابق للتتويج أن الوضع خطير.

“من تصرفاتكم الآن، يمكنني أن أرى كم كنتُ محتقرًا منكم. أن تقتحموا هكذا أثناء تناول الطعام … هل ظننتم حقًا أنني سأترككم دون عقاب بعد أن دعمتم الشخص الذي قاد والديّ إلى الموت؟”

تجمدتُ تمامًا منذ اللحظة التي اقتحم فيها هؤلاء مكان تناولي وتناول ليون وجبة العشاء الأخيرة قبل التتويج. 

ألا يشعرون بهذا الجو الثقيل المشبع بالغضب؟

من عرقهم البارد، يبدو أنهم يشعرون به …

على الرغم من أن ليون يُبجل كمنقذ، في ذاكرتهم، لا يزال ليون ذلك الشخص الذي تظاهر بالغباء ليبقى على قيد الحياة بعد أن فقد والديه على يد عمه. وإلا، كيف يجرؤون على ارتكاب هذه الوقاحة والاحتجاج بثقة؟

أو ربما أعمتهم السلطة. وضعتُ الشوكة التي كنتُ أمسكها بهدوء. رن صوت الشوكة في غرفة الطعام الهادئة بصوت عالٍ.

“يبدو أنهم كانوا في عجلة من أمرهم.”

مسحتُ فمي وتحدثتُ إليهم. كان هذا العشاء ذا معنى، لأنه العشاء الأخير قبل أن نصبح إمبراطورًا وإمبراطورة.

“سمعتُ أن القديسة كاسيا ستنشئ دولة مقدسة وتصبح إمبراطورة مقدسة. لم لا تذهبون إلى هناك وتتوسلون لمنصب؟ أليس هذا ما كنتم تنوون القيام به؟”

حدق دوق هولاند بي وهو يرتجف.

“كلامكِ مبالغ فيه، سمو الدوقة الكبرى.”

“المبالغ فيه هو أنتم. حتى الكلاب لا تُزعج أثناء الطعام، لكنكم تجاوزتم الحدود.”

“إذا لم تخرجوا الآن، لن أتمكن من ضبط نفسي.”

لا ينبغي تحمل هذا. 

يجب معاقبتهم بشدة حتى لا يكرروا هذا التصرف.

أرسلتُ نظرات إلى ليون.

تحت ضغط هالة ليون، تبادل النبلاء النظرات وغادروا غرفة الطعام بسرعة. 

لماذا يقومون بمثل هذه التصرفات العبثية إذا لم يكن لديهم الجرأة للدفاع عن حقوقهم حتى بعد مقاطعة عشائنا؟

“لمَ لا تأكلين أكثر؟”

قال ليون وهو يمسح فمه. هززتُ رأسي وتنهدتُ بعمق.

“لا يسمحون لنا حتى بتناول الطعام بسلام. ثم يهربون بسرعة عندما يُوبخون.”

ضحك ليون بخفة على كلامي، نهض من مقعده، اقترب مني، ومد يده.

“من الغد، لن يحدث شيء كهذا. إنه اليوم الأخير قبل أن أصبح إمبراطورًا، لذا يتمردون بهذه الطريقة اللطيفة.”

أومأتُ برأسي.

“غدًا حقًا.”

أمسكتُ يد ليون ونهضتُ من مقعدي.

“هل أنتِ متوترة؟”

التوتر … هززتُ رأسي. لم يكن التوتر، بل شعور بالانزعاج بسبب المشاكل التي لم تُحل بعد.

أعلن معبد ليانوس عدم حضوره مراسم التتويج. بالطبع، قرر معبد الحاكمة تيا، الذي أنتمي إليه، الحضور، لكن تجاهل معبد ليانوس، الذي يضم أكبر عدد من المؤمنين في الإمبراطورية، ليس وضعًا جيدًا.

“هل لدينا وقت لتناول الشاي؟”

عندما سألتُ، ضحك ليون وأومأ. 

خرجنا من غرفة الطعام وتوجهنا إلى غرفة الاستقبال.

“سموك!”

بينما كنا على وشك دخول غرفة الاستقبال، ركض كالسن نحونا. 

كانت هذه المرة الأولى التي يظهر فيها أمامي مباشرة منذ انتقاله إلى القصر. كان وجهه مغطى بالصدمة. 

حتى دون أن يتحدث، علمتُ أنها أخبار سيئة.

“أستير … تلقيتُ للتو أنباء أن أستير تتعرض لهجوم من الوحوش.”