فتحتُ عينيّ وحدقتُ بسقف غريب بذهول.

‘أين أنا؟’

يبدو أنني فقدتُ وعيي بين ذراعي ليون …

أدرتُ رأسي لأتفقد محيط السرير. في الغرفة الهادئة، كان صوت حفيف الأغطية بسبب حركتي هو الصوت الوحيد.

عندما تحركتُ، اقتربت خادمتان كانتا مختبئتين في الظلام أو خارج مجال رؤيتي بهدوء إلى جانب السرير.

“هل استيقظتِ؟”

شعرتُ بالغرابة لأن أول من رأيتهما عندما فتحتُ عينيّ لم تكونا إيمي أو ماري.

“اذهبي وأخبري سمو الدوق الأكبر أن الدوقة الكبرى استيقظت.”

قالت الخادمة التي تحدثت إليّ للخادمة الأخرى، فأومأت الأخيرة وغادرت الغرفة.

“هذا القصر الإمبراطوري، أليس كذلك؟”

“نعم، هذا صحيح. أنا كارن، رئيسة الخادمات في القصر الرئيسي. تحدثي براحة.”

أومأتُ برأسي وسألتها: “كم من الوقت مرّ منذ فقداني للوعي؟”

على الرغم من إيمائتي، لم يكن من السهل التحدث بارتياح إلى سيدة مسنة.

“لقد مرّ يوم كامل منذ فقدانكِ الوعي، سمو الدوقة الكبرى. الشمس بدأت تميل الآن.”

أدرتُ رأسي لأنظر إلى الشمس المغطاة باللون الأحمر خارج النافذة.

‘لقد كنتُ مستلقية لفترة طويلة.’

نهضتُ من السرير. سارعت كارن لدعمي.

مددتُ يدي ودفعتها للخلف.

“أنا بخير. يمكنني النهوض بمفردي.”

جلستُ على السرير ونظرتُ حول الغرفة. لم تكن غرفة نوم العائلة الإمبراطورية، وعلى الرغم من أنها كانت أنيقة، إلا أنها كانت خالية من الزخارف الفاخرة. 

بينما كنتُ أنظر حولي، فتحت كارن فمها وقالت: “هذه غرفة ضيوف في الطابق الرابع من القصر الرئيسي.”

“آه…”

كانت امرأة ذكية جدًا. يبدو أنها عملت في القصر الإمبراطوري لفترة طويلة. بما أنها وصلت إلى منصب رئيسة الخادمات، ربما خدمت الإمبراطور السابق. كانت مخلصة لواجبها، دون أي مشاعر شخصية تجاه أي شخص.

“بيلا!”

فُتِح باب الغرفة فجأة، ودخل ليون بخطوات واسعة. 

انحنت كارن بسرعة وتراجعت بخطوات صغيرة. على الرغم من أنني بدأتُ أعتاد عليه، كان وجه ليون شاحبًا.

“كان يجب أن تتركي الأمر لي. لماذا تستخدمين القوة المقدسة دون التفكير في جسدكِ؟”

“ههه.”

بدلاً من تقديم الأعذار كما في السابق، اكتفيتُ بالضحك. 

كنتُ أعلم أن أي كلام لن يؤثر على ليون. عند رؤية ضحكتي البريئة، تجمد ليون.

“تضحكين … معي؟”

هل كان ذلك عكسيًا؟

جلس ليون على حافة سريري، ونظر إليّ بتمعن، ثم أطلق تنهيدة قصيرة وأغلق عينيه ثم فتحهما.

“اجتماع النبلاء يُعقد الآن.”

“إذن، ألا يجب أن نذهب؟”

“تم تعليقه الآن. كانوا يناقشون بحماس تنصيبي إمبراطورًا.”

ضحك ليون بخفة وهو يتحدث.

كان من المفترض أن يكون هذا مكانه الشرعي، لكن حقيقة أن اجتماع النبلاء يقرر بين مؤيد ومعارض كانت سخيفة.

هذه ليست جمهورية ديمقراطية، بل مكان يحكمه ملك مطلق. هل حدث هذا حتى عندما قتل الإمبراطور الحالي الإمبراطور السابق وتولى العرش؟

“هل ستظل تُراقب فقط؟”

“سأراقب لأرى إلى أين سيصلون. لا حاجة لتطهير الجميع.”

تحدث ليون بهدوء، كما لو أنه يتحدث عن إزالة الأعشاب الضارة.

“وماذا عن أستير؟”

سألتُ بهدوء وأنا ألقي نظرة على كارن. كان سؤالي عن أستير يشمل كل شيء هناك، بما في ذلك الإمبراطور المحتجز في زنزانة تحت الأرض.

“كالسن سيتولى أستير للآن. و… أخبرته أن الوحوش هاجمت القصر الإمبراطوري وأن ولي العهد والأميرة ماتا.”

نظرتُ إلى كارن مرة أخرى.

“سأغادر الآن.”

انحنت كارن وخرجت من الغرفة بعد أن حيّتنا.

“يبدو أنه تألم كثيرًا. صرخ كالمجنون، قائلاً إنني قتلت ولي العهد والأميرة. هدأ للحظة، ثم بدأ يهذي مجددًا، يطالب بقتله. عندما نعود إلى أستير، سأتولى الأمر بنفسي. يجب أن أنهي الأمر.”

كان هناك مرارة في صوته.  

“بالمناسبة، الماركيز سويدن موجود في القصر لحضور اجتماع النبلاء. قال إنه سيحاول إقناع النبلاء الذين صوتوا ضدي. لكن حتى لو غيروا رأيهم وصوتوا لصالحي، فقد حفظتُ أسماءهم في ذهني، فما الفائدة؟”

“هل كان هناك أي اتصال من معبد ليانوس؟”

أومأ ليون رأسه على سؤالي. 

عند التفكير بكاسيا، شعرتُ بغضب يتصاعد فجأة. 

على الرغم من أن كل شيء سار كما توقعتُ، إلا أن عدم وجود دليل قاطع وأن الأمر مجرد تخمين كان محبطًا.

‘هل أذهب إلى معبد ليانوس وأثير الفوضى؟’

ربما هكذا فقط يهدأ هذا الغضب المشتعل.

أوه، معبد بيانوس …

تذكرتُ فجأة أنه عندما اتُهمتُ زورًا باستدعاء الوحوش وسُجنت في معبد ليانوس، قالوا إن هناك أداة سحرية يمكنها كشف استخدام السحر الأسود. 

بالطبع، لم يستخدموها … لكن من غير المحتمل أن يحتفظ معبد ليانوس بأداة سحرية معطلة.

“قلتَ من قبل إن هناك أداة سحرية في معبد ليانوس يمكنها كشف استخدام السحر الأسود.”

عند كلامي، نظر ليون إليّ بذهول، ثم أنزل عينيه بسرعة وقال بلهفة: “فكري في ذلك لاحقًا وارتاحي الآن. لا يزال وجهك شاحبًا.”

“حقًا؟”

لمستُ وجهي بيدي. شعرتُ بجفاف يتسرب إلى أطراف أصابعي. 

عندما أفكر في الأمر، استيقظتُ للتو في الصباح ولم أغسل وجهي بعد، وها أنا أقف قريبة جدًا من ليون؟ سارعتُ بتغطية وجهي بيديّ.

“لماذا فجأة؟”

سأل ليون بصوت مرتبك وهو يراني أمسك وجهي.

“لا، لم أغسل وجهي …”

سمعتُ ضحكة خافتة من ليون.

“ما الجديد في ذلك؟ ليست المرة الأولى أو الثانية التي أرى فيها علامات اللعاب على وجهك …”

“آه، توقف!”

إذا واصل هكذا، يمكنني أن أبدأ بالحديث عن تاريخه المظلم.

طرق—، طرق—

مع صوت الطرق، دخلت رئيسة الخادمات.

“أخبرني دوق هولاند أن اجتماع النبلاء قد استؤنف.”

“سنذهب قريبًا.”

ابتسم ليون لي بلطف، ثم نهض وغادر الغرفة.

بعد خروج ليون، عادت كارن مع خادمات أخريات إلى الغرفة.

“ألا تشعرين بالجوع؟”

في تلك اللحظة، أصدرت معدتي صوت قرقرة.

غيرتُ ملابسي إلى فستان أعدته كارن، وسرحتُ شعري بعناية، ثم جلستُ على الأريكة. أعدت كارن طعامًا خفيفًا، فملأتُ معدتي قليلاً وفكرتُ فيما يجب القيام به.

كان المشهد أمام القصر الرئيسي خارج النافذة لا يزال مروعًا.

يجب أن أفعل ما بإمكاني.

“أرشديني إلى مكان المصابين.”

“… لا يمكن ذلك. ليس لديكِ، سمو الدوقة الكبرى، أي جدول اليوم سوى الراحة.”

كان هذا يعني ألا أفعل شيئًا آخر. كنتُ أعرف من أعطى الأمر حتى دون أن تقوله. لكن لم أستطع البقاء محصورة في الغرفة بهدوء.

“إذن … أريد أن أرتاح وحدي لبعض الوقت.”

نظرتُ إلى الجرس على معصمي وقد تحدثتُ بنبرة ذات مغزى.

“آسفة، لكن سمو الدوق الأكبر أمر ألا نترككِ وحدكِ مطلقًا. المصابون يتلقون العلاج ويتعافون بالفعل من كهنة معبد ثيا والأطباء. بالنسبة لي، الصحة الأهم هي صحتكِ، سمو الدوقة الكبرى.”

كانت خصمًا قويًا. كانت نظرتها صلبة ونبرتها حازمة.  

أدركتُ بحدسي أنني لن أستطيع كسرها، فاستسلمتُ بسهولة. اشتقتُ إلى إيمي وماري.  

“إذن، سأتجول قليلاً. البقاء في الغرفة هكذا يُشعرني بالاختناق، والمشي المناسب مفيد للصحة. يمكنكِ، كارن، أن تتبعيني عن كثب وتراقبيني، أليس كذلك؟”  

“… ليست مراقبة. أنا فقط قلقة على صحتكِ، سمو الدوقة الكبرى.”

“إذن، هذا أفضل. المشي مناسب، لا بأس به، صحيح؟”

ارتجفت جفون كارن ودارت عيناها، ثم أومأت برأسها كما لو أنها استسلمت.

قدتُ مجموعة كبيرة تضم رئيسة الخادمات وخرجتُ إلى ساحة القلعة. كما رأيتُ من النافذة، كان المشهد المروع لا يزال موجودًا، والناس يتجمعون لتنظيفه.

عبستُ قليلاً.

“بيلا! لا، سمو الدوقة الكبرى!”

من بعيد، رأيتُ لوكاس، الذي بدا أنه استعاد بهجته، يلوح لي ويركض نحوي.