وقفنا صامتين لفترة، مأخوذين بالمشهد الغريب الذي لم نره من قبل.

هل هذا … القصر الإمبراطوري الذي زرته قبل وقت قصير؟

القصر الذي كان يتألق باللون الذهبي ويبدو صلبًا كان الآن في حالة يرثى لها. كانت الأسوار متداعية في عدة أماكن، وكان الهواء مشبعًا برائحة الدم النفاذة. 

كانت النوافذ المحطمة والجدران المكسورة تتردد منها صرخات متواصلة. كان الناس الملطخون بالدم يتعثرون وهم يسيرون أو ملقون على الأرض.

لم يكن هناك فوضى أعظم من هذه.

بعد أن استوعب ليون الموقف، تحرك بسرعة وجذب يدي، لكن أمام هذا المشهد غير الواقعي، لم تستطع قدميّ الحركة، وكأنهما ملتصقتان بالأرض.

“بيلا!”

ناداني ليون بلهفة. لكن عندما التفتُّ إليه دون أن أتحرك، رفعني على كتفه وبدأ يسير بخطوات سريعة.

وأنا محمولة على كتف ليون، رأيتُ العالم مقلوبًا، حيث كان علم الإمبراطورية الممزق يرفرف في الريح وكأنه يصرخ.

شعرتُ بكل شيء بعيدًا، وكأنه حلم.

“الوضع أسوأ بكثير.”

أنزلني ليون أمام جدار منعزل وأخرج حجر الاتصال من جيبه للتواصل مع جون. أجاب جون بصوت متصلب أنه سيتوجه إلى العاصمة على الفور، ثم انتهى الاتصال.

“بيلا، إذا كان الأمر صعبًا، عودي إلى أستير.”

أمسك ليون كتفيّ بكلتا يديه. 

شعرتُ برجفة أصابعه تنتقل إليّ. لم تكن رجفة ليون نابعة من الخوف، بل من الغضب لتدمير ما يحبه.

هززتُ رأسي بقوة. حاولتُ التظاهر بالهدوء، لكن شفتيّ ارتعشتا رغمًا عني.

“أنا … بخير. سأحضر الناس كما قلتَ.”

“لا، حتى لو جاؤوا الآن، لن يغير ذلك شيئًا. هجوم الوحوش انتهى، ولم نعد نراها. تبدين متأثرة جدًا، هل أنتِ متأكدة أنكِ بخير؟”

“بصراحة … لقد صُدمتُ، لكن يجب أن أتماسك.”

نهضتُ، وأخذتُ نفسًا عميقًا وأعدتُ لف عباءتي. 

كنتُ قد ارتديتُ العباءة حتى لا يتعرف عليّ أحد، لكن في هذا الوضع، حتى لو صرختُ أنني بيلا أستير، لن يهتم أحد.

“يجب أن نستكشف القصر أولاً.”

أومأتُ برأسي وتبعتُ ليون. شعرتُ بدوار من فوضى الناس، الصرخات، ورائحة الدم. أمسكتُ يد ليون بقوة وتبعته حيث يقودني.

“هذا القصر الرئيسي.”

أمام القصر الرئيسي، كان الجنود والفرسان يتحركون بسرعة، لكن لم يكن هناك من يتحقق من الهويات أو يتحكم في الدخول. كنتُ متوترة ومستعدة لاستدعاء البوابة باستخدام الجرس في أي لحظة، لكننا دخلنا القصر الرئيسي بسهولة.

“طبيب … أحضروا طبيبًا بسرعة …”

بينما كنا ننظر إلى الناس الذين يصرخون ويهرعون، تبعنا حركتهم بشكل طبيعي وصعدنا إلى الطابق الثاني.

“هل صحيح أن سمو ولي العهد … توفي؟”

توقفنا فجأة عند سماع الخادمات يتهامسن. 

عبس ليون ونظر إليهن.

نظرت الخادمات إلى ليون الذي كان يحدق بهن بنظرات حادة، فغادرن المكان مسرعات.

“ليون، هل سمعتَ؟”

أومأ ليون بتعبير ثقيل. 

هل ما سمعناه صحيح؟ لم أستطع تصديقه.

“يجب أن أرى بنفسي.”

فكرتُ في مدى الفوضى والاضطراب داخل القصر.

‘نعم، الوضع فوضوي بشكل مفرط حتى بالنسبة لهجوم وحوش.’

بينما كنا نحاول تحديد وجهتنا في حيرة، رأيتُ فجأة شخصًا يجذب ذراعي بقوة.

“آه!”

صرختُ صرخة قصيرة ونظرتُ إلى الشخص الذي جذب ذراعي. في اللحظة نفسها، دفع ليون ذلك الشخص إلى الخلف، وأمسكه من رقبته ودفعه إلى الحائط.

“لوكاس!”

“كح … ارفع … يدك …”

عبس ليون وخفف قبضته، فبدأ لوكاس، الذي احمرّ وجهه، بالسعال بعنف.

نظر ليون إليه وأخفاني خلفه.

فرك لوكاس مكان قبضة ليون على رقبته، ونظر إلينا بعبوس. 

كانت هناك بقع دم على وجهه وشعره.

‘هل أصيب؟’

عندما نظرتُ عن كثب، أدركتُ أن الدم لم يكن دمه.

“لوكاس، أنت بخير.”

“هوبغوبلن … كانت هوبغوبلن حقًا.”

كرر لوكاس هذه الكلمات بوجه مذهول.

أخذناه إلى غرفة قريبة، وهي غرفة استقبال صغيرة للضيوف. كان المشهد داخل الغرفة المضيئة بضوء الشمس القادم من النافذة متناقضًا تمامًا مع الفوضى في الخارج.

“كيف خرجتَ من السجن؟”

“هل رأيتَ هوبغوبلن من قبل؟”

عندما سأل ليون، رد لوكاس بعيون زائغة. 

صفعه ليون على خده بقوة.

“استفق.”

“إنها مؤلمة. هنا أيضًا مؤلم.”

قال لوكاس وهو يفرك رقبته التي ضغط عليها ليون بقوة.

“هل مات ولي العهد حقًا؟”

“ربما؟”

“ربما؟ حتى الكونت لا يعرف؟”

“هوبغوبلـ …”

“كفى!”

صرخ ليون عندما ذُكِر الهوبغوبلن مرة أخرى. أغلق لوكاس فمه بإحكام وغطى خديه بيديه.

“لا تضربني. سأتحدث. صدمة الهوبغوبلن كانت كبيرة جدًا. لم أرَ مثلها إلا في الكتب …”

“لوكاس، اهدأ وتحدث. متى خرجتَ من السجن؟”

“بعد أن اختُطف جلالة الإمبراطور من قبل مهاجمي أستير، أطلقت كلير سراحي. كان ولي العهد موجودًا، لكنها كانت طموحة. أرادت أن تصبح إمبراطورة. مع التغيرات المفاجئة، احتاجت إلى حلفاء.”

“إذن، أين الأميرة الآن؟”

“ماتت.”

نظرنا إلى لوكاس مذهولين. 

برقت عيناه بالدموع، فمسحها بسرعة بيديه وبرر لي: “بالطبع لم أكن أحبها … لكنني حاولتُ حمايتها. لكنها ماتت أمام عيني.”

تحدث لوكاس بنصف وعي.

عندما تقدمتُ لمواساته، جذبني ليون بسرعة إلى الخلف. 

نظر لوكاس إلينا بهدوء وابتسم بحزن.

“سمعتُ فقط عن قصة جلالة الإمبراطور.”

“… مفهوم.”

“لكن… هناك شيء غريب. كنتُ هناك، لكنهم كأنهم استهدفوا كلير فقط. قتلوها وتركوني حيًا وغادروا. هل هذا منطقي؟”

لم يجب ليون على كلام لوكاس. فنظر لوكاس إليّ وسأل: “بيلا، هل هذا منطقي؟”

“ليس منطقيًا …”

لكن إذا كانت الهوبغوبلن تتحرك في وحدات، فمن المؤكد أنها كانت تتبع أوامر قائد. 

لكن كيف قتلوا ولي العهد والأميرة فقط؟ لم يكن القائد يطمح للعرش، فكيف قتل أصحاب الحق في الخلافة؟

مهما فكرتُ، لم أفهم.

“بالتأكيد، الأمر غريب. الوحوش تفكّر … هناك الكثير من الوحوش التي لا نعرفها، لذا لا يمكننا الاعتماد فقط على المعلومات الموجودة في الكتب.”

“ماذا عن عقد اجتماع … ليون، لتنظيم الوضع؟ يبدو أنك الوحيد القادر على التحرك الآن.”

بالطبع، لم أكن أريد هذا الوضع، لكن الأمور تطورت إلى هذا الحد. غرق ليون في التفكير وهو يفرك ذقنه بتعبير جاد.

تنهدتُ طويلاً وأنا أنظر إلى لوكاس الذي لا يزال يتمتم عن الهوبغوبلن وهو غارق في الخوف، ثم اتجهتُ نحو النافذة.

بينما كنتُ أنظر إلى الفوضى خارج النافذة، رأيتُ عربة تحمل شعارًا مألوفًا تعبر أمام القلعة المدمرة وتتوقف أمام القصر الرئيسي.

‘… معبد ليانوس.’

بدأ الناس الذين تعرفوا على شعار معبد ليانوس يتجمعون أمام العربة. فُتح باب العربة، ونزلت كاسيا، متألقة كالشمس.

“ليون …”

لم أستطع رفع عيني عنها وناديتُ ليون، فاقترب مني.

“لماذا جاءت القديسة إلى هنا؟”

“يجب أن أقابل كاسيا.”

استدرتُ بسرعة للذهاب إليها، لكن ليون أمسك ذراعي.

“بيلا، لا تتحركي بتهور. لا نعرف الوضع بعد.”

“سمعتُ للتو … يقال إن معبد ليانوس ينوي إعلان إقامة دولة مقدسة.”