“سيدتي، أمرني السيد بإخباركِ أن هناك وفدًا من معبد ليانوس قد وصل.”

كنتُ أسند ذقني على المكتب، غارقة في التفكير، عندما نهضتُ فجأة عند سماع كلام إيمي.

“أين ليون الآن؟”

“إنه في غرفة الاستقبال مع الكهنة الذين جاؤوا من معبد ليانوس.”

غادرتُ غرفة النوم مسرعة، واندفعتُ نحو غرفة الاستقبال كالريح. 

أمام باب الغرفة، كان فرسان أستير يتجمعون ويتحدثون بجدية، وعندما رأوني قادمة، انحنى الجميع بسرعة.

فتح الباب على الفور، فأومأتُ لهم برأسي ودخلتُ بسرعة.

جلستُ بجانب ليون وأنا أتفحص وجهي الكاهنين بعناية. 

بدا عليهما الارتباك بوضوح عندما ظهرتُ فجأة. يبدو أن ليون لم يخبرهما مسبقًا. نهض الكاهنان بتردد لتحيتي.

“نحيي سمو الدوقة الكبرى.”

بصراحة، كان يجب أن ينادونني “القديسة” بدلاً من “الدوقة الكبرى”، لكنهما بدا أنهما لا يعترفان بأي قديسة غير كاسيا.

اكتفيتُ بإيماءة برأسي نحوهما.

كانا وجهين جديدين لم أرهما من قبل.

“عمَّ كنتما تتحدثان؟ هل دخولي المفاجئ أزعجكما؟”

سألتُ ليون و الكاهنين معًا.

“لا، بالطبع لا. كنا على وشك زيارة سمو الدوقة الكبرى أيضًا.”

أجاب الكاهنان وهما يلوحان بأيديهما بسرعة. 

سحبتُ ابتسامتي الرسمية عند سماع كلامهما.

“لماذا؟ لماذا أردتما مقابلتي؟ هل كاسيا من أرسلتكما؟”

عندما سألتُ بحدة، ربت ليون على كتفي وهمس في أذني: “بيلا، اهدئي.”

لا أستطيع التحكم في حدتي كلما فكرتُ بكاسيا. 

أومأتُ برأسي، فتحدث ليون للكاهنين: “إذن، سبب مجيئكما إلى أستير هو سماع ردي على الرسالة السرية التي أرسلتماها؟”

ضحك ليون ضحكة ساخرة وكأنه لا يصدق ما يسمع.

‘رد على رد، ثم رد آخر على ذلك الرد. أي نوع من الألعاب اللفظية هذه؟’

عاودتُ التفكير في كلام ليون منذ البداية. كان رد الرسالة السرية رفضًا للتعاون معنا، فهل هناك حاجة لسماع رد على ذلك؟ من المؤكد أنهما يعلمان ما حدث للإمبراطور. إذن، قدومهما بهذه الذريعة الواهية ليس إلا للتجسس علينا.

كانت أطراف أصابع الكاهنين، الموضوعة بهدوء على ركبتيهما، ترتجفان بخفة.

“… نعم، هذا صحيح.”

“ألم يكن رفضكم لعرضي هو ردكم؟ لماذا يجب أن أرد على رفضكم؟ لماذا؟”

“حسنًا، لم يكن ذلك رفضًا، بل كان بمثابة تفكير معمق.”

“نعم، بالضبط. داخليًا، نحن …”

“يبدو أن طريقة التواصل في معبد ليانوس ليست كما نعرفها نحن العامة.”

“نحن … بما أننا نخدم الحاكم، فإن استيعاب إرادته يستغرق وقتًا، وبالإضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر إجماعًا كاملاً من الكهنة الكبار …”

لم أعد أتحمل الاستماع، فتدخلتُ فجأة: “لكن كلمة واحدة من القديسة كافية لتحديد كل شيء، أليس كذلك؟”

على الرغم من برودة غرفة الاستقبال، أخرج الكاهنان، اللذان كانا يمسحان عرقهما بمنديل بسبب التوتر، عبوسًا ونظرا إليّ بنظرات حادة.

كانت نظراتهما إليّ وإلى ليون متناقضة تمامًا.

“النظرات التي توجهانها إلى الدوقة الكبرى تبدو في غاية الوقاحة.”

عندما قال ليون ذلك، أومأتُ برأسي بحماس. سحب الكاهنان أنظارهما عني بسرعة وأطرقا برأسيهما.

“لقد اتفقنا أن تتولى الدوقة الكبرى شؤون معبد ليانوس.”

ابتسم ليون وهو ينظر إليّ، ولف يده بلطف حول يدي.

“نعم، صحيح. لكنني أريد التحدث مباشرة مع كاسيا. إذا لم ترغب في زيارة مفاجئة، فأخبراها أنني سأنتظر موعدًا للقاء. هذا ردنا. هل هناك شيء آخر تريدان قوله؟”

“… سننقل ذلك إلى القديسة.”

أومأتُ برأسي ونظرتُ إليهما بتمعن.

“هل هناك شيء آخر؟”

“… لا.”

“إذن، يمكنكما المغادرة.”

نهضتُ وأنا أمسك بيد ليون، فتبعني ليون واقفًا. 

نهض الكاهنان أيضًا بوجوه مرتبكة وانحنيا لنا. أومأنا برأسينا وغادرنا غرفة الاستقبال أولاً.

“ما الذي تنوين فعله، سمو الدوقة الكبرى؟”

“هل … تسخر مني الآن؟”

“تأخذين الأمور بحساسية …”

“سموك!”

ظهر جون رافعًا يده، وكان يركض نحونا بعجلة واضحة في حركاته، مما جعلني أدرك أن شيئًا غير عادي قد حدث. 

التفتُّ للخلف. 

كان الكاهنان يخرجان من غرفة الاستقبال وينظران إلى جون الذي يركض نحونا بنفس الوضعية التي كنتُ أنظر بها.

“أيها الكاهنان، ألا تعتزمان المغادرة؟”

عند كلامي، غادر الكاهنان القلعة بتعابير متجهمة. نظرتُ بالتناوب إلى الكاهنين وهما يغادران وإلى جون الذي كان يقترب.

“وحوش! ظهرت وحوش في العاصمة. تم رصد أكثر من عشرة وحوش حتى الآن. أرسلوا إلينا على الفور بعد ظهورها. بما أن عدد السكان في العاصمة زاد مؤخرًا، قد تكون الأضرار كبيرة.”

عبس ليون وصعد إلى الطابق الثاني بخطوات سريعة. 

تبعته أنا وجون.

“هل تم تحديد نوع الوحوش؟”

“يُقال إنها تشبه الهوبغوبلن.”

الهوبغوبلن؟ تذكرتُ الهوبغوبلن التي قرأت عنها في الرواية.

عندما ظهرت الوحوش في أنحاء الإمبراطورية في وقت واحد، كانت الهوبغوبلن، التي تمتلك ذكاءً أعلى قليلاً من الوحوش العادية، تشكل وحدات لمهاجمة الناس. 

لم تظهر هذه الوحوش من قبل إلا مع بداية عصر الوحوش، فلماذا الآن؟

“إذا كانت الهوبغوبلن، فإنها تُعرف بمهاجمتها في مجموعات كالوحدات العسكرية. لكن هناك فرق الفرسان التابعين للنبلاء في العاصمة، أليس كذلك؟”

***

“سيدتي، يجب أن تذهبي، أليس كذلك؟”

بينما كنتُ أغير ملابسي إلى زي خفيف وأنتظر ليون، سألتني إيمي وماري بعيون غارقة في القلق. 

كان القلق واضحًا على وجهيهما. 

الآن وبعد أن اختفت بوابة النقل الآني المتصلة بالعاصمة، كان الجرس الصغير المربوط بحبل على معصمي يحمل مسؤولية كبيرة للوصول إلى العاصمة مباشرة.

كنتُ مترددة في الذهاب إلى العاصمة، لكن لا توجد حياة غير مهمة، بغض النظر عن الظروف.

بينما كنتُ أنظر إلى صورتي في المرآة دون إجابة، لم تتحمل ماري وبدأت بالبكاء. 

لم تكن هذه المرة الأولى أو الثانية التي تمر بها مثل هذه الحالة، لكن إيمي وماري كانتا اليوم أكثر قلقًا، وكأنني ذاهبة إلى موتي.

كنتُ أنوي الذهاب دون إخبارهما، لكن ذلك الزيوس، بوجهه الشاحب، جاء راكضًا وتصرف وكأنه يقيم جنازتي، مما تسبب في هذه الفوضى.

في الحقيقة، لم أكن قلقة كثيرًا. 

كنتُ أملك القطعة المقدسة التي تحميني من الأعداء، والأهم من ذلك، كان ليون، الدعم الأقوى، بجانبي.

“ليون موجود، فما الذي يقلقكن؟”

طرق ليون باب غرفة نومي ودخل. عندما دخل، نظرتا إليه إيمي وماري بعيون حازمة، تمنتا لي العودة سالمة، ثم غادرتا الغرفة.

“هل سأنقل كل واحد على حدة؟ لماذا لا يأتي الآخرون؟”

الجرس الذي أملكه لا يمكنه نقل سوى شخصين، لذا إذا أراد فرسان أستير النخبة مرافقتنا، يجب أن أنقل كل واحد إلى العاصمة على حدة.

“سنذهب أولاً لتقييم الوضع، وجون وفرق الدعم سينتقلون إلى مدينة بها بوابة نقل آني وينتظرون إشارتنا.”

“إذا كانت الحالة خطيرة، ألن يكون من الأفضل أن أنقل الجميع واحدًا تلو الآخر؟ وجود الدعم قد يكون …”

لستُ أشك في قدرات ليون، لكن عند سماع كلمة “هوبغوبلن”، فكرتُ أن العدد المرصود قد لا يكون العدد الكلي. 

تحدثتُ عن هذا مع ليون بالفعل، لكنه لم يأخذ الأمر بجدية. 

كان يعتقد أنه بإمكانه التعامل مع أي عدد من الوحوش. يبدو أن ذكرى تعاملنا السهل مع الوحوش معًا كانت راسخة في ذهنه.

“كان الأمر سهلاً عندما عملنا معًا، أليس كذلك؟ عندما لا أكون معكِ، تحدث أشياء سيئة. إذا لم يكن الوضع خطيرًا للغاية، فلننهِ الأمر بسرعة ونعود معًا.”

كشفت عينا ليون عن ثقته بي وبنفسه في آن واحد. 

حاولتُ التخلص من القلق الغامض الذي شعرتُ به، وأمسكتُ يده التي مدها نحوي بعزم قوي. دون أن أرفع عيني عن وجه ليون، هززتُ الجرس المربوط على معصمي برفق.