لم يكن لدي خيار سوى الثقة بها في هذا الموقف.

دخلت الخادمة بعربة غسيل كبيرة ذات عجلات. صعدتُ إلى العربة كما أمرتني، وخرجت العربة من المستودع وهي تصدر صوتًا متذبذبًا.

كانت الخادمة تدفع العربة بينما تتحدث بلا مبالاة مع خادمات أخريات، وأحيانًا تلومهن.

“اخرجي بسرعة.”

أخرجتُ رأسي من بين الغسيل، وساعدتني الخادمة على الخروج من العربة. 

ضغطت على الجزء السفلي من صندوق يشبه صندوق الأدوات ودفعته برفق، فظهرت مساحة واسعة بالداخل.

“شكرًا.”

“سأطلب من الذين يعرفون هذا المكان عدم الدخول اليوم، فابقي مطمئنة. سأحضر بعض الطعام لاحقًا.”

أومأتُ برأسي، وتأكدتُ من إغلاق الصندوق، ثم جلستُ على كرسي مريح في الزاوية. شعرتُ أن التوتر في جسدي يهدأ مع هذا الراحة البسيطة.

لمَ ساعدتني هذه الخادمة؟ لو كان لديها هدف مثل ماريون، لما شككتُ في نواياها. بالمناسبة، ما الذي حدث لماريون؟

غرقتُ في التفكير وانزلقتُ إلى النوم دون أن أدرك.

طقطقة—

استيقظتُ مفزوعة عندما سمعتُ صوت فتح باب الصندوق.

كانت الخادمة التي أخفتني هنا.

“أحضرتُ بعض الطعام.”

ترددت للحظة عندما رأتني مصدومة، ثم خفضت رأسها وقدمت لي خبزًا وعلبة حليب ملفوفة في ورق.

عند رؤيتهما، ابتلعتُ ريقي بغريزة لا يمكن إخفاؤها.

“شكرًا. ما اسمكِ؟”

“أنا زايرا.”

أمسكتُ بالخبز والحليب وجلستُ على الأرض الباردة.

“لمَ لا تجلسين على الكرسي؟”

في هذه المساحة الصغيرة التي تحتوي فقط على كرسي للراحة، شعرتُ بالأسف إذا جلستُ هناك وزايرا اضطرت للوقوف. إنها منقذتي بعد كل شيء.

“اجلسي هنا. لدي بعض الأسئلة …”

عند كلامي، جلست زايرا أمامي فجأة. فتحتُ غطاء الحليب وبدأتُ أشربه بنهم. اختفى الحليب بسرعة.

“أردتُ إحضار المزيد، لكنني أحضرتُ ما يمكنني إخفاءه لتجنب الشكوك.”

بررت زايرا بانزعاج وهي تنظر إلى علبة الحليب الفارغة. 

ابتسمتُ بخجل ومسحتُ الحليب عن فمي بكمي.

“لا، هذا يكفي. هل انتهى التفتيش؟”

“آه… بالنسبة لذلك… لقد توقف التفتيش.”

نظرتُ إليها بفضول، فواصلت وهي تلاحظ ترددي.

“وصلت أخبار من أستير بأنه تم إنقاذ الدوقة الكبرى. أعلن الدوق الأكبر استقلال أستر عن الإمبراطورية في غضب عارم.”

ما الذي يحدث؟ لمَ يقال إنني عدتُ إلى أستير؟ من المؤكد أن خبر اختفائي وصل إلى ليون، وربما توقفوا عن تعزيز البحث عني لأنهم يعلمون أنني لم أهرب.

لكن ما الفائدة؟ أنا عالقة هنا لا أستطيع الحركة …

“هل تخلى الدوق الأكبر عنكِ؟”

سألتني زايرا بحذر. إذا لم تكن تعرف مدى قوة علاقتي بليون، فقد تفكر بهذه الطريقة.

“زايرا، ماذا تريدين مني؟”

هي الشخص الوحيد الذي يمكنني الثقة به الآن. إذا كان لديها ما تريده، يجب أن ألبيه. عند سؤالي، فتحت زايرا عينيها على مصراعيهما ونظرت إليّ دون إجابة.

“آه، لا، أنا… أفعل هذا دون مقابل…”

“لا بأس. أنا ممتنة لذلك.”

“…في الواقع، أمي تعاني من مرض عضال.”

شعرتُ بالارتياح عند سماع ذلك. لو كانت تساعدني دون مقابل، لكنتُ شككتُ بها أكثر.

“آه…”

“سمعتُ أنكِ أجريتِ معجزات، فذهب أخي مع أمي إلى أستير، لكنهم لم يتلقوا العلاج وهم الآن في أستير.”

“فهمتُ. توقفتُ عن العلاج بالقوة المقدسة بسبب مشكلة في جسدي. لكن عندما أعود إلى أستير، سأتأكد من علاج والدتكِ.”

“شكرًا.”

أومأت زايرا عدة مرات بعيون مليئة بالعاطفة.

“هل سمعتِ شيئًا عن قديسة معبد ليانوس؟”

“آسفة، لا أعرف شيئًا عن ذلك.”

أومأتُ برأسي. إذا عُلم أن كاسيا حاولت مهاجمتي وتعرضت للهجوم المضاد، فلن يكون ذلك جيدًا لها. من المحتمل أنها تتعافى في المعبد الآن.

“إلى متى يمكنني البقاء هنا؟ قلتِ إن قليلين يعرفون هذا المكان، لكن لا يمكنني البقاء إلى الأبد.”

“كنتُ سأتحدث عن ذلك. الغسيل الذي لا يمكن تنظيفه يُنقل إلى غرفة الحرق بالقرب من القصر الشرقي. يمكنكِ الاختباء بين الغسيل والذهاب إلى القصر الشرقي. القصر الرئيسي هنا مشدد الحراسة …”

“ليس لدي خيار الآن، سأتبع كلامكِ.”

قلتُ ذلك وبدأتُ ألتهم الخبز. كان صوت معدتي يطالب بالطعام بصخب.

“سأعود عندما أرى الوضع مناسبًا.”

* * *

تبعتُ زايرا وخرجتُ من المخبأ السري. بفضل الوقت المظلم، تمكنتُ من الاختباء بين الغسيل بسهولة.

“هذا الغسيل سينقل إلى غرفة الحرق. تمت عملية التحقق من قائمة التخلص.”

تبع ذلك صمت قصير. 

شعرتُ أن الغسيل الذي يغطيني يُرفع قليلاً.

“اذهبي.”

بدت تلك اللحظة القصيرة طويلة جدًا بالنسبة لي. قبضتُ يديّ بقوة حتى شعرتُ بتنميل في أصابعي.

“شكرًا.”

سمعتُ صوت زايرا، وبدأت عربة الغسيل التي تحملني تتحرك مجددًا.

كما شرحت زايرا، أصبحت الاهتزازات أقوى عندما خرجنا من القصر الرئيسي. مع كل اهتزاز، كان قلبي ينبض بقوة.

‘أرجوكِ، أرجوكِ…’

“انتظري لحظة. يبدو أننا لم نتلقَ وثيقة الحرق.”

“هل أنتِ متأكدة؟”

“ربما لم نستردها عند التفتيش عند الخروج من القصر، أو ربما أضعناها في الطريق…”

“آه … حقًا، زايرا، متى ستتوقفين عن هذا التشتت؟”

“آسفة. هل يمكنكما البحث عنها؟ لقد احتفظتُ ببعض الأشياء الجيدة من الغسيل الذي سيُحرق اليوم.”

“…حسنًا.”

ابتعدت أصوات الخادمين اللذين كانا يدفعان العربة وهما يتذمران.

“سموكِ، اخرجي الآن.”

فتحت زايرا الغسيل وساعدتني على الخروج.

كان الخارج مغطى بالظلام، وكان القصر الرئيسي يضيء بأنوار ساطعة من بعيد.

“هذا الطريق يؤدي إلى القصر الشرقي. إذا عبرتِ هذه الغابة، ستصلين إلى الجدار الخارجي للقصر الإمبراطوري. هذا أقصى ما يمكنني مساعدتكِ به. أنا آسفة.”

“هذه مساعدة كبيرة، زايرا. لا تعتذري. وسأحقق وعدي لكِ. شكرًا.”

أعطتني زايرا رزمة صغيرة تحتوي على بعض الطعام. 

اختبأتُ في الغابة بسرعة قبل أن يعود الخادمان.

في البداية، كنتُ أتحرك بسرعة، لكنني وصلتُ إلى وسط الغابة وبطأت خطواتي تدريجيًا.

“حقًا … لا أستطيع الاستمرار.”

جلستُ على الأرض وأنا ألهث. لم أستطع النهوض مهما حاولت، فقد فقدت ساقاي القوة.

رأيتُ النجوم في السماء عبر الأشجار.

فتحتُ الرزمة التي أعطتني إياها زايرا وأخذتُ قطعة خبز.

‘خبز مبلل بالدموع.’

مع هذا الفكر الحزين، أصبحت رؤيتي ضبابية. 

تدفقت الدموع على خديّ.

“لو كنتَ قد استمعتَ إليّ عندما قلتُ إنني سأذهب معك، أيها الوغد. لم تستمع إلى زوجتك، فحدث هذا!”

بينما كنتُ أطلق كلمات اللوم وأضع الخبز في فمي، هاجمني وحش جبلي ضخم وأسقطني بعنف. حدث ذلك بسرعة لدرجة أنني لم أستطع الرد.

تجمدتُ تمامًا، ولم يخطر ببالي سوى أنني سأموت الآن.

لكن … هذه الرائحة التي تصل إلى أنفي؟

أدرتُ رأسي لأنظر إلى الوحش الضخم الذي يضغط عليّ. 

كان الشخص الذي اشتقتُ إليه، والذي شعرتُ أنني افترقتُ عنه لعقود، يضغط عليّ من الأعلى.

“ليون؟”

لم تكن كلماتي واضحة بسبب الخبز في فمي، لكن ليون رفع جسده قليلاً بقوة ذراعيه. 

كانت عيناه الحمراوان تلمعان بالدموع. عندما تأكد من وجهي، أطلق فجأة صوت بكاء مدوٍ.

‘… من الذي يريد البكاء الآن، وأنتَ تسلبني الفرصة؟’