جلستُ إلى جانب ليون متجاهلةً الأنظار المسلطة عليّ.
شعرتُ بثقل تلك الأنظار فلم أستطع رفع رأسي.
ناداني ليون بهدوء: “بيلا.”
عند سماع صوته، أدرتُ رأسي قليلاً لأنظر إليه.
كان ليون يسند ذقنه بيده وينظر إليّ مبتسمًا.
ابتسامته جعلت قلبي يدغدغني. أردتُ أن أردّ بابتسامة مشرقة على الفور، لكن الأنظار التي أحاطتني جعلتني أحبس نفسي وأخفض رأسي مجددًا.
شعرتُ بحرارة وجهي وهو يشتعل خجلاً.
بالنظر إلى جرأتي المعتادة، كان هذا الموقف غريبًا حتى بالنسبة لي.
“لمَ كل هذا الخجل؟ أنتِ التي حملتِ بطفلي من قبل.”
همس ليون بمكر.
“اصمتْ قليلاً، من فضلك.”
نظرتُ إليه بعبوس خفيف وأنا أشدّ على أسناني.
لم ينطق أحد، بما في ذلك ليون، وساد المكتب صمت مطبق.
‘يبدو أنهم جميعًا ينتظرون مني أن أتكلم.’
أغمضتُ عينيّ وتنفستُ بعمق عدة مرات. بعد زفير طويل، فتحتُ عينيّ ورفعتُ رأسي لأنظر إلى الحاضرين. ابتسمتُ لهم بتكلف.
كان قول “أرجوكم اعتنوا بي” فجأة يبدو غريبًا. لكن التظاهر بأنني كنتُ جزءًا من هذه الاجتماعات منذ البداية لم يكن خيارًا جيدًا أيضًا.
“أعلم جيدًا أنكم جميعًا لا تثقون بي بعدُ بسبب الفجوة بين ما كنتُ عليه عندما تزوجتُ الدوق وبين ما أنا عليه الآن. وأدرك أن قرب والدي من جلالة الإمبراطور قد زاد من شكوككم. لن أقدم أعذارًا حول ذلك. لكنني سأعمل جاهدةً لأجعلكم تشعرون أن وجودي إلى جانب الدوق نعمة.”
بعد أن انتهيتُ من كلامي، جالت عيناي على الحاضرين.
“ألن تصفّقوا؟”
عندما قال ليون ذلك بلامبالاة، بدأ الجميع بالتصفيق بحماس.
“كفى.”
رفعتُ يدي لأوقف تصفيقهم.
“لقد التقيتُ بالقديسة كاسيا.”
ظهرت علامات الاستفهام على وجوه الحاضرين.
آه … إنهم لا يعلمون أنني قادرة على الانتقال الآني.
نظرتُ إلى ليون. رفع حاجبيه وابتسم بخفة.
وعندما أشرتُ بعينيّ كأنني أسأله إن كان عليّ أن أتكلم، فهم ليون إشارتي وأضاف: “لقد تواصلنا عبر حجر الاتصال.”
“نعم. لقد أعربت القديسة في معبد ليانوس عن رغبتها في ‘استقبال’ ليون بنفسها.”
“مَن تستقبل؟”
بدت الصدمة على وجه ليون، فأنزل يده التي كانت تسند ذقنه ونظر إليّ بعينين مليئتين بالحيرة.
“قالت إنها ستستقبل الدوق بنفسها. وأكدت أنها لن تتنازل عن ذلك.”
بدأ الحاضرون في المكتب بالتهامس في الوقت ذاته. اقترب ليون مني وهمس: “هل أنتِ متأكدة أن القديسة قالت إنني المنقذ؟ ألم يكن التنبؤ عن المستقبل من كلامكِ أنتِ؟”
“لقد خمَّنَت … ويبدو أنّها أصابَت. ربما بدا لها وجودي الدائم إلى جانبك مشبوهًا.”
أومأ ليون برأسه موافقًا. نظرتُ إليه بعبوس وأنا أراه يومئ، ثم تقاطعت أعيننا. توقف عن الإيماء. وفي الوقت نفسه، خفت التهامس في المكتب.
عادت الأنظار لتتركز عليّ مجددًا.
آه، هذه الأنظار ثقيلة جدًا!
“لا تقلقوا. قلتُ لها إنني إذا كانت ستصطحب ليون، فعليها أن تستقبلني أنا أيضًا.”
عندها، بدا الجميع مطمئنين بشكل غريب. ألا يفترض أن يقلقوا عليّ أنا أيضًا؟ لمَ يشعرون بالارتياح؟
“من الواضح أنها لن تأخذ السيدة، لذا تخلت عن الفكرة.”
ضحك كالسن وهو يتحدث، لكنه توقف عن الضحك عندما رأى وجهي الخالي من التعبير.
“لمَ تقول هذا؟ ماذا لو قبلت عرضي؟ كنا سنُحبس في معبد ليانوس دون حول أو قوة.”
“وهل ليون من النوع الذي يقبل الحبس بهدوء؟ على أي حال، هذا كل ما أردتُ قوله.”
“لم يصدر أي رد فعل من جهة الإمبراطور حتى الآن. في الحقيقة، أنا أقلق من الإمبراطور أكثر من معبد ليانوس.”
أومأتُ برأسي موافقةً على هذه الحقيقة الواضحة.
“يبدو أن خطتنا للكشف عن هويتك ببراعة أمام الناس أثناء قتال الوحوش قد ذهبت أدراج الرياح.”
تحدث كالسن بنبرة أسف.
“قد لا يكون لها الأثر الدرامي المطلوب، لكن هزيمة الوحوش ستؤكد بقوة أنّه المنقذ. وستساعدنا أيضًا على التخلص من صورة ‘الأحمق’ دفعة واحدة. بصراحة، حتى مع كلام القديسة، لا يزال الجو مليئًا بالشكوك.”
“أحمق … ليس وصفًا خاطئًا، لكن لمَ أشعر بضيق غريب؟ هل هو مجرد وهم؟”
“نعم.”
طق— طق—
بينما كان ليون يفتح فمه ليرد على كلامي، سُمع صوت طرق على الباب. كان طرقًا عاديًا، لكنه تسبب بتوتر غريب.
“ادخل.”
عند كلام ليون، دخل خادم وأخبرنا بسبب طرقه.
“سيدي، لقد أرسلوا رسولاً من القصر الإمبراطوري.”
ربما كان هذا الخبر الذي كان الجميع في هذا المكان ينتظرونه. لقد جاء أخيرًا ما كنا نترقبه.
“أحضره إلى هنا.”
“حسنًا.”
رد الخادم باختصار وغادر. تذكرتُ عدد الأشخاص في المكتب وسألتُ ليون إن كان ذلك مناسبًا.
لم يجب ليون، بل اكتفى بابتسامة.
***
دخل رسول الإمبراطور إلى المكتب خلف الخادم، وكما توقعتُ، كان يتلفت حوله بنظرة متوترة واضحة على وجهه، ثم وقف أمام ليون.
“…أحيي سمو الدوق الأكبر.”
أومأ ليون برأسه. ظل الرسول ينظر إلى ليون بفم مفتوح، غير قادر على إغلاقه، واضحًا أنه مصدوم من التغيير الملحوظ في مظهر ليون مقارنةً بالسابق.
بعد تردد طويل وهو يحرك شفتيه، استعاد الرسول رباطة جأشه وبدأ ينقل كلام الإمبراطور.
“جلالة الإمبراطور أمر بإغلاق أستير واستدعاء سمو الدوق الأكبر وسمو الدوقة الكبرى إلى القصر. وفي حال العصيان …”
“ماذا إذا عصينا؟ هل سيقطع رأسي؟”
تحدث ليون بنبرة ساخرة وباردة.
تجمد وجه الرسول من الرعب. تلفّت حوله كأنه يطلب المساعدة، لكن الجميع كانوا ينظرون إليه ببرود.
“في حال العصيان… سيتم تجريدكم من الألقاب…”
عندما نهض ليون من كرسيه، صرخ الرسول وتراجع للخلف وسقط على ظهره كمن رأى شبحًا.
“ما الذي تخافه هكذا؟ لم أكن معاقًا جسديًا …”
“… ليس هذا ، بل …”
“أرفض.”
“ماذا؟!”
“انقل هذا إلى الإمبراطور كما هو.”
“لا، ليس هذا …”
عندما اقترب ليون خطوة، تراجع الرسول مذعورًا بحركات يديه وقدميه وأغمض عينيه بقوة.
التفت ليون إليّ وهزّ كتفيه.
“كنتُ سأساعده على النهوض، لكنه أساء فهمي.”
عند كلامه، فتح الرسول عينيه بحذر. مدّ ليون يده، لكن الرسول تجاهلها ونهض بسرعة وخرج من المكتب هاربًا.
بينما كان ليون ينظر إلى الباب الذي خرج منه الرسول مذهولاً ويده ممدودة، رفع حاجبيه وعاد إلى مقعده.
ما إن جلس ليون حتى أطلق كالسن تنهيدة طويلة.
“لم نتخذ قرارًا بعد، فلمَ تستعجل وتتعامل مع الرسول بهذه الطريقة؟”
“ما سيحدث سيحدث عاجلاً أم آجلاً، أليس كذلك؟ لا فرق إن عجّلنا الأمور قليلاً.”
نظر ليون إليّ. كان وجهه هادئًا للغاية. لكنني شعرتُ أنني أستطيع تخمين ما يشعر به، فمددتُ يدي وأمسكتُ بيده.
كانت يده ترتجف قليلاً. سأكون إلى جانبه الآن وأمسك بيده.
ظهرت ابتسامة خفيفة على وجه ليون.
“يبدو أن جلوسكِ إلى جانبي أتى بثماره.”
* * *
في تلك الليلة، لم يستطع ليون النوم بسهولة. في الظلام وحيدًا، شعر كأن كيانًا مجهولاً يجذبه إلى هاوية لا نهائية.
كأنه إذا بقي هكذا، سيختفي من العالم دون أثر.
“لو كانت بيلا هنا…”
في المكتب، تظاهر بالهدوء، لكن يده التي كانت ترتجف كشفت عن قلبه.
اشتاق إلى دفء يد بيلا التي أمسكت بيده. لو أمسكت بيده مجددًا، لشعر أنها ستنقذه من الهاوية العميقة.
‘هل يمكنني زيارتها فجأة في منتصف الليل؟’
عندما يفكر في الأمر، كانت الأيام التي تظاهر فيها بالغباء أيامًا جيدة و عميقة. لكن معرفة أن بيلا كانت تعلم بكل شيء جعلته يرغب بركل السقف.
“لكن … مجرد رؤية وجهها، أليس ذلك مقبولاً؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 101"