عند سماع تلك الكلمات، تمكنت أرييل بالكاد من تحويل بصرها بعيدًا عن شانور.
رؤية شانور أعادت إليها بوضوح الألم الذي مزّق ضلوعها حين كُسرت، فظل الخوف منه متجذرًا في قلبها. ومع ذلك، كانت غريزتها تهمس لها بأن هذه فرصتها الأخيرة.
– ‘سأمنحك آخر رحمة. إن شعرتِ أنك لم تعودي قادرة على التحمل، تعالي إليّ.’
– ‘سأساعدك على إيجاد عمل على الأقل.’
حينها اعتقدت أن كل ما قالته لم يكن سوى سخرية قاسية لإذلالها.
ولكن الآن، وبعد مرور شهر، ظهرت أمامها بيلوني أكثر جمالًا من أي وقت مضى. الثياب والحلي التي ترتديها بدت أثمن حتى من تلك التي تملكها والدتها.
بيلوني التي عاشت عمرها مطأطئة الرأس تتجرع الإهانة، كانت قد تغيّرت فجأة، وهذا ما أثار الغيرة العمياء في صدر أرييل، غيرة لم تستطع كبحها.
لذلك، يوم سمعت تلك الكلمات، لم تبدُ لها لطيفة أو صادقة، بل انقضّت عليها وهي فاقدة لصوابها.
وخلال الشهر الذي قضته طريحة الفراش، لم ينقص حقدها على بيلوني، بل تراكم أكثر فأكثر.
صحيح أن همسات والدتها، زوجة المركيز، غذّت هذا الكره، لكن أرييل نفسها كانت حتى ذلك الحين عاجزة عن مواجهة الواقع كما هو.
لكن اليوم، بعد أن رأت والدتها تستغلها بلا رحمة، غير مبالية بسلامتها، أدركت شيئًا ما.
“أتذكر… أتذكر.”
زوجة المركيز لم تفكر بابنتها على الإطلاق.
حتى بالمقارنة مع أختها غير الشقيقة التي اعتادت إذلالها، لم تكن تراها عزيزة. على الأقل بيلوني بادرت بإحضار طبيب يعالجها مباشرة، بينما والدتها لم تفعل شيئًا.
“وما زلت الآن على الرأي نفسه؟ أما زلت تظنين أنني سخرت منك؟”
“لا، لا!”
أرييل هزت رأسها بجنون.
“كنت… كنت حمقاء. كنت غبية جدًا.”
حين جرى تمزيق كرامتها تحت أنظار الآخرين ووطأتها الأقدام، عندها فقط فتحت عينيها على الحقيقة.
متألمة إلى حد أن أنفاسها انقطعت، أجبرت نفسها على النهوض. ثم نزلت من السرير وجثت على ركبتيها.
ورغم أن حركتها كانت مفاجئة، حدّقت فيها بيلوني ببرود دون أن يظهر على وجهها أي انفعال.
حين رأت أرييل ذلك الجمود، عضّت على شفتيها ثم همست باعتذارها.
“سامحيني يا أختي. إن بقي في قلبك ذرة من رحمة تجاه آخر فرصة لي… فسأتبعك في كل ما تأمرين.”
“لن أمدّ لك يد العون قَط.”
بصوت حاسم قطعت بيلوني رجاءها.
إذ لم يكن ثمة جدوى من سماع اعتذار متأخر كهذا.
“كل ما يمكنني فعله لا يتعدى أن أجد لك عملًا. فلا تتوقعي أي امتياز لأنك تحملين اسمي. من الآن فصاعدًا ستعيشين كأرييل جيريم، لا كشيء يمتّ إليّ بصلة.”
رغم تجاهلها للواقع دائمًا، كانت أرييل تعلم في أعماقها أن وضع عائلة جيريم المالي متدهور. لكنها كانت تخشى مواجهة الحقيقة، فتظاهرت بالجهل وأمعنت في البذخ.
غير أن الأسبوع الأخير فقط، بعد أن رأت الموظفين يأتون يطالبون برواتبهم المتأخرة، أيقنت أن ما قالته بيلوني صحيح، وأن بيت جيريم ينهار بالفعل.
ولو كانت تملك أي موهبة مميزة، ربما اختلف مصيرها. لكن تحت جناح أمها المفرط في الحماية، لم تتعلم سوى القراءة والكتابة وبعض أساسيات اللياقة. لم يكن لديها أي مهارة حقيقية.
والأسوأ من ذلك أنها قد تقع بين أيدي المرابين، أو تتحول فقط إلى عشيقة تافهة لأحد النبلاء.
أرييل، ببرود نادر، كانت تعترف بوضعها.
“أعرف. لم أكن أطمح بأكثر من ذلك. لكن أن أُباع كعشيقة لرجل غريب لا أعرفه… هذا أسوأ.”
غرورها منعها من تقبّل حياة المهانة كعشيقة.
تأملت بيلوني أختها بدهشة، فقد بدت أقوى مما توقعت.
كانت تظن أن كلماتها القاسية ستجعلها تثور وتفضل حياة الخليلة على العمل المرهق.
لكن كما لم تكن أرييل تعرف أختها، كذلك بيلوني لم تكن تعرف أرييل حقًا.
“لماذا؟ هل حسبتِ أنني سأختار أن أعيش كخليلة؟”
حتى وهي جاثية على ركبتيها، رفعت أرييل زاوية فمها بسخرية مألوفة، كأنها تستهزئ بها.
“هاه، أنا أجمل بكثير من أن أرضى أن أكون مجرد خليلة. صحيح… أنا أقل جمالًا منك بقليل فقط، أختي العزيزة…”
عندها، شعرت بيلوني أن ثقلًا كان يضغط على صدرها قد انزاح فجأة.
خرج منها ضحك خفيف بلا أن تدري.
ولسبب ما، شعرت بأن المسافة بينهما قد تقلّصت قليلًا.
“سمعت جوابك جيدًا.”
وحين استدارت لتنصرف وقد رأت أنه يكفي، تمتمت أرييل بتردد.
“ألن أراكِ ثانيةً يا أختي؟”
توقفت بيلوني عن المشي.
وأجابت دون أن تلتفت خلفها:
“…لست متأكدة. إذا عملتِ جيدًا وحصلتِ على إجازة، تعالي لزيارتي.”
“أ-أجل! سأعمل بجد!”
وقبل أن يُغلق الباب، دوّى صوت أرييل من خلفها، مرتجفًا بالعجلة:
“أقصد اعتذاري! أنا صادقة!”
تأملت بيلوني في تلك اللحظة، وفكرت: ربما لم تكن مارينا الوحيدة التي حزنت قليلًا على موتها في حياتها السابقة.
لكنها لم تعرف أبدًا ما حدث بعد موتها، ولن تعرفه أبدًا.
✦✦✦
“كيف تشعرين؟”
سألها شانور وهو يقترب من جانبها.
كانت بيلوني واقفة أمام النافذة، تراقب العربة وهي تبتعد في الطريق.
“إحساس غريب.”
امتزجت المشاعر في قلبها مزيجًا متناقضًا.
“أشعر ببعض الراحة، وأحيانًا بشيء من النقص، وأحيانًا أشعر بالشفقة…”
كانت بيلوني تغار من أرييل.
إذ امتلكت حب الوالدين الذي كانت تتوق إليه، ومع ذلك واصلت إيذاءها بلا سبب مفهوم.
لكن أرييل كانت أختها الصغرى، تصغرها بخمس سنوات، ولعل هذا ما جعل بيلوني عاجزة عن كرهها كليًا.
“هل كنت تتمنين أن تعاني أكثر قليلًا؟”
عند سماع ذلك، أزاحت بيلوني بصرها عن العربة التي تحمل أرييل.
“على أي حال، لا أظن أن ودريا ستسهل عليها الأمر.”
قررت بيلوني إرسال أرييل إلى صالون ودريا، التي وافقت بسرور لكنها أكدت أنها لن تمنحها أي معاملة خاصة.
وخلال إقامتها في قلعة الدوق الأكبر، تعرّفت ودريا على بيلوني وأصبحت على دراية إلى حد ما بتفاصيل حياتها العائلية.
فودريا، بطبعها الصارم الذي يرفض المحاباة، لن تغفر لأرييل بسهولة، خصوصًا بسبب ما فعلته في الماضي، ما يعني أن طريقها لن يكون سهلاً.
“شكرًا لمساعدتك.”
“لكنني لم أفعل شيئًا.”
“وجودك بجانبي كان مساعدة بحد ذاته.”
كانت بيلوني تدرك أنها لا تزال ضعيفة.
رغم أنها أصبحت دوقة كبرى ووريثة محتملة للعرش، إلا أن كثيرين لا يزالون ينظرون إليها بازدراء.
لكن وجود شانور، صاحب السلطة الحقيقية، إلى جانبها جعل كل شيء مختلفًا.
وكانت بيلوني سعيدة بذلك.
فهي تعلم أن شانور، متى شاء، سيكون إلى جوارها دائمًا.
“إذن… هل يمكنني البقاء بجانبك دائمًا؟”
سألها بخجل، وكأنها تختبرها.
كادت بيلوني تهز رأسها موافقة، لكنها توقفت فجأة حين لمحت بريق الترقب والقلق في عينيه.
تلاقى نظرهما، ونساب عبير نبيذ الفاكهة الحلو إلى أنفها، لتصل إلى أذنيها تلك النبرة الدافئة المثقلة بالشوق.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات