“نعم، نعم، أرييل. تحمّلي قليلًا فقط. حين ندخل لن تضطري بعد الآن إلى كبت ألمك. علينا أن نبدو بؤساء أمامهم حتى يحنّوا علينا ويعطونا المال، أليس كذلك؟”
كانت ماركيزة جيريم تنوي استدرار الشفقة من خلال ابنتها أرييل. فبما أن شانور هو من جعلها على هذه الحال، فقد تشعره وخزات ضميره فيدفع لهم أكثر.
ابتسمت الماركيزة وهي تمسح على عجل عرق ابنتها البارد. فيما كانت أرييل تحدّق بعينين دامعتين وتشُدّ على ثوب والدتها بيد مرتجفة.
“أمي… لقد مرّ وقت طويل ونحن ننتظر هنا. ماذا لو لم يسمح لنا سمو الدوق بالدخول؟ إنه هو من جعلني على هذه الحال، أليس كذلك؟”
لم تكن الماركيزة قد رأت ما جرى بأم عينها، لكنها سمعت أن شانور تسبّب بهذا كله لمجرّد أن أرييل حاولت مهاجمته بخدش أظافرها.
تذكّرت ذلك، فعضّت على شفتيها بقسوة.
وماذا لو كان الدوق أكثر همجية مما تصوّرت؟!
وإن كان يومها في قصر الماركيز قد كبح نفسه، فهنا، داخل قلعته، قد يتصرّف بلا قيد أو تحفّظ.
“إذن هكذا يريد أن يلعبها…”
حاولت أن تقنع نفسها بأن الدوق يضغط على بيلوني ويضيّق عليها. ومع ذلك، في أعماقها، لم تشكّ لحظة في أن تلك الثعلبة الصغيرة، بيلوني، تتواطأ معه وتتجاهلهم.
“أرييل، انزلي الآن!”
“آآخ! أمي!”
جذبتها والدتها بقسوة، فصرخت أرييل وهي تتدحرج من العربة.
لم تلتئم كسور أضلاعها بعد، فارتطامها بالأرض أطلق ألمًا مروّعًا كاد يفقدها وعيها.
“أي ظلمٍ هذا يا دوق؟! لم يكفك أنك جعلت أرييل بهذه الحال حتى تمنعنا من رؤية بيلوني؟!”
ارتبك الفارس من المشهد.
أن تسقط فتاة جريحة فجأة من العربة أمر صادم بحد ذاته، فكيف وقد تبع ذلك صراخ الماركيزة؟
شهرة شانور السيئة جعلت محيط قلعته خاليًا من عامة الناس عادة، لكن منذ زفافه الأخير، بدأ الصحفيون المهووسون بالفضائح الاجتماعية يتربصون بالجوار.
وعلى الرغم من أن عربة الماركيز قديمة، إلا أنها تخصّ أحد كبار النبلاء، لذلك لم يجرؤ الصحفيون على الاقتراب. لكن ما إن اندفعت أرييل وسقطت، وشرعت الماركيزة بالصراخ، حتى استقطب الموقف أنظار الجميع دفعة واحدة.
“بيلوني؟ أليس ذلك اسم الدوقة؟”
“إذن تلك المرأة أمها، والفتاة الممدّدة أختها الصغرى؟”
“كنت أتساءل ما سبب الجدال عند البوابة… فاتضح أن الدوق لا يريد إدخالهم!”
حين سمعت الماركيزة همسات الصحفيين المتجمّعين، أشرق عقلها بخطة.
إن لم يُفتح الباب لهم، فسوف تجبر بيلوني على الخروج أمام أعين الجميع!
‘فلنرَ إذن من الذي سيفوز!’
حتى لو كان دوقًا، فلن يجرؤ على استخدام العنف وسط هذه الجموع.
بثقة متزايدة، جلست الماركيزة أرضًا بتحدٍّ.
وكانت تملك ما يكفي من الأسباب التي جعلتها لا ترى في ذلك عيبًا. فهي ابنة عائلة شبه نبيلة لم تكن من السلك الأرستقراطي الأصيل، وزواجها بالماركيز لم يجلب لها سوى الديون والمشاكل. كل ذلك حوّلها إلى امرأة صغيرة النفس، ضيّقة الصدر.
لكن ما زاد الطين بلّة هو أنها وجدت نفسها في مأزق يائس، فلم يعد يثنيها شيء عن تصرّفات لا تليق بسيدة.
“حقًا هذا ظلم فادح! حتى لو كنت دوقًا، أهذا مبرر لتحتقر بيت الماركيز وتعاملنا كأدنى؟! لم نأتِ إلا لرؤية بيلوني، لكنكم تعاملوننا كما لو كنّا مجرمين!”
ارتعشت نبرة الماركيزة بالبكاء وهي تضم ابنتها نصف المغشي عليها.
“أرييل… هذه الطفلة المريضة، جاءت بكل ضعفها لتلتقي بأختها. فقط لنرى وجهها… وجهها وحسب، ثم سنعود حالًا…”
كانت حالة أرييل سيئة للغاية حتى إن أحد الصحفيين تجرأ واقترب بخطوات مترددة وسأل بصوت خافت:
“ماركيزة جيريم، ما الذي حدث بالضبط؟ تبدو وكأنكِ قد تعرّضتِ لظلم ما…”
لكن الماركيزة، وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة، دفعت أرييل بعيدًا وصاحت في وجهه:
“لا، لا، لم نتعرض لأي ظلم! إن سمو الدوق فعل بها هذا فقط ليُلقّنها درسًا!”
“ماذا؟! سمو الدوق هو من جعل الآنسة في هذه الحالة؟!”
كانت الماركيزة تعرف تمامًا ما يعنيه إثارة “فضيحة اجتماعية”. الصحف التي تتعطش للقيل والقال ستتلقف الأمر وتنفخ فيه. وحين يحدث ذلك، لن يشفق الناس سوى على بيت الماركيز، بينما سيغدو بيت الدوق هدفًا للشتائم والانتقاد.
وكانت خطتها أن تستغل هذا الطريق كي تنتزع المال من الدوق.
وبالفعل، ما إن سمع الصحفيون أن الدوق هو من فعل ذلك بالفتاة حتى تدافعوا بحماس بالغ. لم تعد الماركيزة بحاجة حتى لتمثيل دموعها؛ راحت تبصق الكلمات متحمسة وهي تروي بتفصيلٍ ما جرى قبل شهر، وكيف كانت بيلوني متعجرفة، وكيف أن شانور تصرّف…
“أمي!”
شق الصوت الجلبة، فالتفتت الماركيزة على الفور.
وهناك، كانت بيلوني واقفة، تلهث بشدة من فرط الجري. حتى من نظرة واحدة، كان واضحًا أنها هرعت على عجل. ابتسمت الماركيزة بسخرية.
أيّ سخف هذا؟ تتجاهلهم دومًا، ثم تظهر الآن في فوضى كهذه؟ بدا المشهد مضحكًا.
وما إن التقت عينيها ببيلوني حتى قفز إلى ذهنها مشهد تصرّفها المتعجرف منذ شهر مضى.
‘يا لها من جاحدة… لا تعرف قدر النعمة!’
رفعت الماركيزة ذقنها بتعجرف، متأكدة أن بيلوني ستبادر الآن لتتوسل إدخالها. عندها كانت تخطط أن ترفض مرات عدة قبل أن توافق أخيرًا وكأنها تمنحها معروفًا.
وحتى لو حاولت بيلوني التصرف بقوة، فستظل الماركيزة قادرة على الصراخ وشكوى الأمر للصحفيين.
‘نعم… هيا، تجرئي فقط…’
لكن فجأة—تساقطت دموع صافية على خدي بيلوني البيضاويين المتوردين من ركضها. تجمّدت الماركيزة، وعيناها تتسعان. لم تتوقع أن يراها الناس بهذا الضعف؛ بدت مظهرها مؤثرًا بشكل لا يُحتمل.
وبمجرد أن شاهدها الصحفيون، الذين كانوا لأول مرة يرونها عن قرب، نسيوا أمر الماركيزة وبدؤوا يحاولون التقدم نحوها، متشوقين للتحقق من صحة الادعاءات. غير أن رؤيتهم لدموعها أخرستهم في الحال.
“أمي… أرجوكِ، سامحيني.”
انكمشت بيلوني بجسد مرتجف، صغيرة وضعيفة حتى بدت أرق من خيط رفيع.
“لقد كنتُ حمقاء، سجينة لذكريات الماضي. في ذلك الوقت، كنتِ صغيرة يا أمي، وأخطأتِ معي… لابد أنني أنا من كان ناقصًا.”
“ماذا… ماذا تقولين؟”
مدّت بيلوني يدها بحذر لتقبض على ذراع والدتها.
“أمي، الجلوس هنا في البرد سيُمرضك. تفضلي بالدخول. يا إلهي… أرييل!”
انتبهت فجأة للجسد الملقى على الأرض، فأطلقت شهقة ورَفعت يدها لتكم فمها بصدمة.
“أمي! هل تجرأتِ على مد يدك على أرييل أيضًا؟!”
“ماذا… ما الذي تهذين به؟!”
تلعثمت الماركيزة، تحاول سحب يدها من قبضة بيلوني. لكن حركة السحب دفعت بالأخيرة إلى فقدان توازنها، فأطلقت صرخة صغيرة وتراجعت مرتبكة، رافعة ذراعيها تحتمي بهما كما لو تنتظر صفعة.
“أ… أعتذر، أمي. لن أتجرأ وألمسكِ من تلقاء نفسي ثانية. فقط، أرجوكِ، لا تؤذي أرييل. اضربيني أنا بدلاً منها، كما في المرة السابقة… أرجوكِ.”
تجمدت الماركيزة، فاقدة القدرة على النطق. صُدمت حتى العظم، ولم تستطع أن تستوعب ما سمعته للتو.
كانت كلمات بيلوني واضحة كالشمس، ومعناها لا لبس فيه.
التفتت أعين الصحفيين نحو الماركيزة مملوءة بالشك. كيف لا؟ لقد رأوا بأعينهم كيف جرّت ابنتها بالقوة وأسقطتها من العربة، وكيف لم تُبالِ بها وهي ممددة على الأرض، منشغلة فقط بتعداد مظالمها. بل وزادت الطين بلّة بتشهيرها ببيلوني أمامهم.
كل شيء بدا متناقضًا… وكأن سرًا مظلمًا يُخفى عنهم.
لوّحت الماركيزة بيديها في ذعر.
“أوه، لا، إنكم تسيئون الفهم! أنا لم أضرب ابنتي قط!”
“صحيح. لم تضربني أمي يومًا… كل ما فعلته كان مجرد تأديب لا أكثر.”
لكن كلما حاولت بيلوني أن تبرر، ازدادت الأجواء برودة وثقلًا.
تراجعت الماركيزة خطوة، ثم عضّت على أسنانها وأمسكت بذراع بيلوني بقسوة لتسحبها إلى داخل العربة.
دوّى صوت الارتطام—!
تعثرت بيلوني عند صعودها السلم وسقطت، لكنها نهضت سريعًا وكأن شيئًا لم يكن.
ما إن أُغلق الباب بإحكام حتى التفتت الماركيزة إليها والغضب يشتعل في وجهها. لكنها جمدت من جديد. فالفتاة التي كانت قبل لحظات تبكي بمرارة، جلست الآن بهدوء تُرتّب ثيابها بملامح متماسكة باردة.
“أنتِ… أنتِ!”
“اجلسي. العربة تتحرك.”
وما إن تلفظت بيلوني بهذه الكلمات حتى تحركت العربة بالفعل. وبما أن الماركيزة لم تكن قد جلست بعد، فقد فقدت توازنها وسقطت داخلها.
رغم آلام جسدها، نهضت بسرعة تصرخ:
“أنتِ! ما نواياكِ بحق السماء؟ كيف تجرؤين على الكذب أمام الجميع؟! حين نعود إلى قصر الماركيز ستنالين عقابكِ كاملًا!”
لكن بيلوني لم ترد سوى بزفرة خفيفة وهي تُشيح بوجهها، عينان متورمتان بالدموع لكن ملامحها باردة كالثلج.
“للأسف… من سيُعاقَب هذه المرة لن أكون أنا.”
“ماذا؟”
“هذه العربة لا تتجه إلى قصر الماركيز.”
اتسعت عينا الماركيزة، فسارعت إلى النظر من النافذة.
لقد تجاوزت العربة بالفعل بوابات بيت الدوق، وها هي في طريقها إلى داخل القصر.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات