بيلوني رمشت بعينيها وهي تشعر بتلك النظرات التي تطاردها منذ قليل.
تظاهرت قدر المستطاع بالانشغال في كتابها، لكنها شعرت بحرارة النظرة على وجنتيها حتى كادت تحترق.
لقد جربت أكثر من مرة أن تلتفت فجأة، لكنها اكتشفت أن ذلك بلا جدوى. ومع ذلك، لم تستطع تحمل الوخز الذي يلسع بشرتها، فاستدارت بحدة، حتى صدر صوت خافت مع حركتها.
“…….”
وكما توقعت، كان صاحب تلك النظرة الحادة هو شانور، الذي جلس بكل هدوء وهو يتقلب في الأوراق أمامه.
جسده المتراخي، وعيناه اللامبالية التي تتنقل بين السطور، لم تتناسب مطلقًا مع تلك النظرات التي وخزتها منذ لحظات.
ولهذا خُدعت أكثر من مرة.
ولم تصل بيلوني إلى يقين بأن شانور هو صاحب النظرات إلا بعدما استدارت للمرة الخامسة.
“شانور.”
“نعم.”
لم يرفع بصره عن الأوراق.
“شانور.”
ومع تكرار النداء، اضطر أخيرًا لرفع رأسه.
كانت عيناه الذهبيتان، كما العادة، لا تفعل سوى أن تُظهر جماله.
“هل لديك ما تود قوله لي؟”
“لا.”
“إذن لماذا تستمر بالنظر إليّ؟”
“هل فعلت؟”
أجابت كلماته المفاجئة والوقحة على نحو جعل بيلوني تعجز عن الكلام لحظة.
“فعلت. هذه هي المرة التاسعة بالضبط. وإذا نظرت مرة أخرى ستكون العاشرة.”
تدوير عينيه بشكل بدا مظلومًا ومُحرجًا جعل الموقف أكثر غرابة. فقدت بيلوني كلماتها، وأعادت وجهها إلى الكتاب محاولة تجاهله.
وبينما ركزت على السطور مجددًا، سهل عليها أن تنغمس في القراءة، غير أن جسدها بدأ يئن بعد جلوسها ساعات طويلة في الوضعية نفسها.
رفعت رأسها قليلًا لتريح عنقها، وحدّقت في النافذة الكبيرة.
تدفقت أشعة الشمس المشرقة، وغمرها شعور من الطمأنينة كما لو كان موجًا هادئًا يحيط بها.
لقد مضى أسبوع منذ زواجها من شانور.
وأكثر ما أدهشها هو أن هذا الأسبوع مرّ دون أي حدث يُذكر.
وبما أنها دوقة لعام واحد فقط بموجب عقد، لم تجد دافعًا للاهتمام بشؤون السيدة الكبرى في القصر، كما أنها لم تستأنف نشاطاتها في المجتمع بحجة شهر العسل، فلم يكن لديها ما يشغلها.
ولهذا، حين علم شانور بأنها أمضت يومين كاملين في الاسترخاء بلا عمل، دعاها إلى مكتبه.
ومنذ ذلك اليوم أصبحا يمضيان النهار بأكمله معًا.
في البداية كان الموقف محرجًا قليلًا، لكن سرعان ما خيّم الصمت المألوف بينهما بينما ينغمس كل واحد منهما في عمله.
غير أن ما لم تعتده بيلوني هو تلك النظرات. نظرات شانور، التي تعود إليها مرارًا وتكرارًا دون سبب.
‘ها هو مجددًا.’
لقد تكرر هذا الأمر على مدى أيام عدة.
تنهدت بيلوني بعمق وأغمضت عينيها مستسلمة.
شانور حدّق بها في تلك اللحظة، ليكتشف أنه غارق مرة أخرى في النظر إليها دون وعي.
لم يكن يعرف متى بدأ الأمر، لكن عينيه باتت تبحثان عنها دومًا.
في البداية كان السبب ضيقًا صغيرًا وعتبًا لأنها نسيت القبلة بينهما كليًا، لكن بعد ذلك…
حتى هو نفسه لم يعد يعرف السبب.
‘هل لأنه كان أمرًا مجحفًا؟ لا، لقد تجاوزت ذلك بالفعل.’
صحيح أن نسيانها التام لذلك جعله يشعر ببعض الحزن، لكنه في قرارة نفسه كان يعتبر نسيانها أمرًا حسنًا.
‘لأنها إن تذكرت… ستظن أنني مجرد وحش.’
تذكر شانور تلك الليلة التي امتدت فيها يده تحت ثوبها.
‘حسنًا، من الأفضل أنها لا تتذكر.’
حسم الأمر في داخله.
لكن ما إن بدأ ملمس بشرتها الناعمة، وإحساسها الدافئ تحت أصابعه يتسلل مجددًا إلى ذاكرته…
“هاه؟”
تلاقت عينا بيلوني، الواسعتان المستديرتان، مع عيني شانور.
“تلاقى نظرنا.”
“…….”
أدرك شانور حينها أنه لم ينجح في تفاديها. أما بيلوني، التي كانت تظن أنه سيتراجع ككل مرة، فقد فوجئت بذلك اللقاء المباشر. للحظة تبادلا التحديق، ثم نهض شانور بخطوات طبيعية وجلس أمامها مباشرة.
كانت حركته انسيابية إلى حد أن بيلوني لم تدرِ إن كان الأمر مجرد صدفة أم قصدًا.
“من الآن فصاعدًا، ستحوم حولك ذبابات كثيرة.”
لم تكتفِ بيلوني بكونها دوقة لاينهارت، بل أصبحت أيضًا مُعترفًا بها كوريثة محتملة للعرش.
ومن هنا فستكون ردود أفعال الناس على نحوين: منهم من سيسعى بجنون للتقرب منها، ومنهم من سيعتبرها عدوًا ويعمل على إسقاطها.
“والآن، وقد انتشر الخبر في كل مكان، فحتماً بيت المركيز سيُظهر رد فعل قريبًا.”
عند سماع ذلك، عادت بيلوني تفكر في عائلتها، آل جيريم.
المركيز جيريم لم يكن يشغلها، إذ هو غارق في الخمر. لكن زوجته وابنته أرييل… كان الأمر مختلفًا.
‘كان يفترض أن يكون ما جرى سابقًا درسًا لهم.’
لكنها تعرفهم جيدًا، فهم لا يعرفون للحياء سبيلًا. كانت واثقة أنهم سيحاولون استغلال مكانتها الجديدة كوريثة للعرش.
“لا تقل إنهم بدأوا فعلًا بالتحدث هنا وهناك بلا ضوابط؟”
ساورها القلق.
فحين انتشر من قبل خبر أنها ستصبح دوقة لاينهارت، لم تُبدِ المركيزة ندمًا ولا خجلًا، بل حاولت أن تنتفع من ذلك لنفسها.
والآن، وقد ارتفعت مكانة بيلوني أكثر، فالأمر سيكون أسوأ مما سبق، لا أقل.
“المركيز جيريم منشغل هذه الأيام بمشكلة وقعت له، لذا لم تصله الأخبار بسرعة. لكن أظن أنه اليوم أو غدًا سيعلم، وحينها سيتوجه إلى هنا على الأرجح.”
شعرت بيلوني بشيء من الارتياح، لكنها توقفت فجأة.
“المشكلة التي وقعت مؤخرًا… هل أنت من دبّرها يا شانور؟”
“لا.”
أجاب شانور بهدوء وهو يهز رأسه.
“المفاجأة أنها صدفة. لقد وقعت المشكلة في يوم زفافنا بالذات.”
“يا للصدفة العجيبة…”
لم يكن هناك ما هو أغرب من هذا التزامن.
حتى شانور نفسه، مثلها، كان يجد في الأمر ريبة.
“هل ترغبين أن أحقق في الأمر؟”
“همم… لا بأس. فالأمر لا يضرنا بشيء. بل لعلّه أفادنا، لا أكثر.”
فكرت بيلوني أنه ربما من تدبير الإمبراطورة.
وربما، رغم سوء حال بيت جيريم المالي، ما زالوا بيتًا مرموقًا. وربما اعتقدت الإمبراطورة أن وقوفهم إلى جانب بيلوني – حتى ولو بقدر يسير – قد يمنحها دعمًا لا يُستهان به.
أما بالنسبة إلى بيلوني، فقد كان ذلك يصب في مصلحتها.
“هل لديك خطة؟”
فور أن اعترفت بها وريثة محتملة للعرش، أخذت تفكر مليًا في كيفية التعامل مع آل جيريم حين يأتون للتشبث بها.
ولأن ذلك كان قبل أيام قليلة فقط، فقد اكتملت خطتها بالفعل.
“نعم. في الحقيقة…”
كانت تنوي أن تخبر شانور بخطتها منذ البداية، فشرعت بالكلام بهدوء.
لكن في تلك اللحظة…
طرقٌ متعاقب على الباب، تلاه صوت إكتر العاجل من الخارج.
“مولاي. لقد حضرت المركيزة جيريم وابنتها.”
التقت عينا بيلوني وشانور في الوقت نفسه.
✦✦✦
“غير مسموح.”
تكررت كلمات الفارس مرارًا، نبرته حاسمة لا تقبل نقاشًا.
“قلت لك إن من في العربة هي والدة الدوقة! لماذا لا تفهم؟ ها؟ أنت وأنا لسنا سوى خدّام لأسيادنا، فلتضع نفسك مكاني ولو للحظة!”
رغم أن الصيف كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، كان العرق يتصبب من جبين السائق بغزارة. مسح جبينه المرتجف وهو يتوسل للفارس.
أطلق الفارس تنهيدة خافتة، ثم أجاب بصوت متين راسخ:
“غير مسموح.”
“هل هذه الكلمة فقط تعرفها؟!”
لم يملك السائق نفسه فانفجر صائحًا.
لقد مرّت أكثر من نصف ساعة وهما يتجادلان عند البوابة، لكن الفارس لم يبدِ أي ليونة، كأن لا شيء في الدنيا يمكن أن يزحزحه.
أطلق السائق زفرة طويلة، ثم انحنى بوجه متوسل واقترب من نافذة العربة القديمة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات