شفاهها الطرية تفتحت تحت شفتيه كما لو كانت كريمة ذائبة.
ورغم أنهما شربا معًا، إلا أنّ رائحة خمر الفاكهة التي تفوح من بيلوني بدت أحلى وأثقل.
من دون وعيٍ منه، أخذ شانور يتوغّل أكثر فأكثر في فمها.
ثم لامس أنفاسها، تنسدل على شاربه وتثير فيه دغدغة جعلته يوشك أن يضحك.
لكنّه كبح نفسه، لأنّ مجرّد فكرة أن تنفصل شفاههما كانت مؤلمة، فمال برأسه ليبقي اتصالهما.
تلامست أنفاسهما، وانحرفت أنفيهما قليلًا حتى أصدرت بيلوني أنينًا خافتًا، سرعان ما ابتلعه شانور.
منذ أن خلعت قناعه بجرأة، كان يريد أن يقبّلها.
بل لا، منذ أن لمعت شفتاها بلمعة خمر الفاكهة، بل ربما… قبل ذلك بوقت طويل.
“شانور…”
لسانها الذي كان يتمايل مع حركته، انتفض قليلًا وأخرج اسمه.
في اللحظة نفسها، عاد إليه وعيه كالصاعقة.
“هاه… ها…”
انتزع شانور نفسه من شفتيها بصعوبة، وهو لا يزال يعانقها بجنون، يتنفس بأنفاس متقطعة.
تطلّع إلى السقف بعينين مشوشَتين، وابتلع ريقه.
لقد… قبّلها. قبّل بيلوني.
حرّر ذراعيه اللتين كانتا تحيطان بخصرها، ثم رفع يده يلامس شفتيه.
لم تكن جافة كما اعتاد، بل ندية، لتؤكد أن ما حدث ليس وهمًا ولا حلمًا من صنع شهوته.
حتى لو لم يلمس شفتيه، يكفي أن ينظر إلى بيلوني المستلقية في أحضانه ليدرك أنّ الأمر حقيقي.
“هل جننتُ؟”
بكلمة واحدة وصف حاله.
نعم، كان مجنونًا.
وإلا، كيف يُفسَّر أنه قبّلها، غاص فيها، شدّها بين ذراعيه بلا وعي؟
“أوه…”
بيلوني تحركت بقلق حين أصبح تنفّسه أثقل، كأنها ضاقت بالجو المشحون.
فأسرع شانور إلى إسنادها جانبًا، ممدّدًا إياها برفق.
وعندما أبعد يديه عنها، أدرك أنه كان يكاد يحبس أنفاسه.
أطلق زفرة صغيرة، ثم استلقى بجوارها بحذر.
كانت الليلة الأولى، ومع ذلك لم يكن في نيته أن يشاركها الفراش.
كان ينوي أن يكتفي بأريكة الغرفة، لكنّ السرير بجانبها بدا دافئًا على نحو مغرٍ، فاندفع ليستلقي قربها.
صوت تنفسها القريب بدا غريبًا، لكنه لم يكن سيئًا.
بل كان يكفي أن يشعر بوجودها بقربه ليحس بالرضا.
أراد منذ البداية أن يناقشا خططهما معًا، لكنهما قضيا الوقت في الشراب حتى الثمالة.
كان الموقف مضحكًا وسخيفًا في البداية، لكنه استساغ حتى تلك السخافة، بل أحبّها.
ثم فجأة… رفعت يده قناع وجهه، وأسقطته.
ومع انهمار خصلات شعرها الذهبية ونظرتها الرطبة، وجد نفسه يقبّلها.
“حقًا، هل جننتُ؟”
تمتم وهو يتأمل بيلوني التي غرقت في نوم عميق بجانبه.
وبعد وقت طويل، جلس ببطء، سحب الغطاء حتى وصل لعنقها، ثم غادر السرير.
استلقى على الأريكة وأغلق عينيه، لكن رأسه استدار لا إراديًا نحو السرير.
الأريكة بالكاد اتسعت لجسده، وكتفاه بارزتان خارج حوافها.
فتح عينه نصف فتحة، وتمتم ساخرًا من نفسه وهو يستدير ليستلقي مواجهًا للسرير.
ورغم البعد، كان منظرهما متقابلين، كأنهما يواجهان بعضهما.
يكفيه هذا المشهد البعيد ليبتسم.
ثم أطلق تنهيدة قصيرة.
نام؟ لا، كان يدرك أن النوم لن يزوره هذه الليلة.
✦✦✦
صفع!
لم يتجنب الأمير الثالث البروش الذي انطلق نحوه.
شهقت الوصيفة المرتجفة حين رأت الجرح، بينما الألم اللاذع انتشر من جبينه في لحظة.
“…….”
رفع الأمير الثالث يده ليمسح على موضع الضربة.
حتى من دون النظر، أدرك أن الجرح عميق بما يكفي لينزف.
“اخرجي.”
ما إن لفظ الكلمة حتى نهضت الوصيفة على عجل، وكأنها تنتظر الفرصة منذ زمن.
تعثرت بخطواتها وهي تغادر الغرفة، مظهرها بائس بعد أن أهلكتها يد الإمبراطورة، لكنّها لم تلتفت.
“من سمح لك أن تخرجيها؟!”
صرخت الإمبراطورة، ولم تدرك أن الوصيفة اختفت إلا بعد أن أُغلِق الباب، فانفجرت غضبًا.
وفي تلك الأثناء، أخرج الأمير الثالث منديلًا من صدره، وضغط به على جبينه.
“أمي…”
لم تُعر الإمبراطورة أدنى اهتمام لكون الأمير الثالث قد أُصيب بما ألقتْه، واكتفت بعَضّ شفتيها بعصبية.
قالت بحدة:
“ألم ترَ بنفسك، يا أمير؟ إلى أي حدٍّ صاروا متغطرسين؟”
ولأنها لم تكن تنتظر منه جوابًا، اكتفى الأمير الثالث باسترجاع ذكرى حفل الزفاف الذي جرى في وقتٍ سابق من ذلك اليوم. كان زفافًا فخمًا إلى درجةٍ لا تقل عن زفافٍ إمبراطوري.
لقد شَغَل هذا الزواج أرجاء الإمبراطورية منذ شهرين، فكان لا بد أن يُقام على نحوٍ مهيب وضخم.
صحيح أنّ الحفل أقيم في قصر الدوق، إلا أنّ ما ملأ القاعة لم يكن أدنى مستوىً من مقتنيات القصر الإمبراطوري، بل لعلّه فاقها جودةً ورونقًا.
تمتمت الإمبراطورة بنبرةٍ يغلي فيها الغيظ:
“إنه استخفاف بي… كان زواجًا وُجد لإهانتي.”
غضبتها لم يكن بلا سبب. فصحيح أن الإمبراطور أعلن فجأة أثناء المراسم حقَّ دوقة راينهارت في وراثة العرش، لكنّ هذا وحده لم يكن كافيًا لتفسير هيجان الإمبراطورة.
فالعلاقة بين الإمبراطور والإمبراطورة لم تحوِ يومًا أي شائبة من المحبة.
أو بالأحرى… هي أخفت، وهو خُدع.
إذ لم يشأ الإمبراطور أن يمنح بيتها الأم نفوذًا، فأقام لها أضعف وأفقر زفاف في تاريخ أباطرة السلالة.
ومنذ ذلك الحين، ظلت مكانتها هشة، وأمضت سنواتٍ تعاني ضيق الحال والمهانة.
ذلك الجرح لم يلتئم قطّ، وحفل زواج دوق راينهارت وزوجته لم يفعل سوى أن نكأه من جديد.
كان الأمير الثالث يتوقع ذلك تمامًا. فقد استشعر أن موقف شانور تجاه بيلوني ليس عاديًا، ولهذا نصح الإمبراطورة بعدم حضور المراسم.
لكنها، وقد بدأت ترسّخ موطئ قدمٍ لها في مجتمع النخبة لتقيّد بيلوني، أصرت على الحضور. وما إن عادت إلى العربة حتى فجّرت غضبها.
ذراع الأمير الثالث الذي نالته قرصاتها وخدوشها كان يؤلمه، لكنه واجه ثورتها بوجهٍ بارد ينتظر لحظة انطفائها.
قالت، وهي تتحول من الغضب إلى الرجاء:
“يا أمير، لا يجوز لك أن تخونني أبدًا. أسمعتني؟ أبدًا!”
فأخذ الأمير الثالث الإمبراطورة التي تعلقت به، وأجلسها على الأريكة بهدوء اعتاده من قبل.
أراد أن يُحضِر لها شايًا يسكّن أعصابها، غير أن جميع الأكواب كانت قد تحطمت تحت يديها. فلم يجد سوى أن يربّت على ظهر كفها المرتجف.
قال بلطف:
“بالطبع، يا أمي. كيف لي أن أخونك؟”
ابتسمت الإمبراطورة بمرارة:
“نعم… أنت وحدك… أنت وحدك يجب ألّا تخونني.”
ابتسم الأمير الثالث في داخله. فالكلام بدا ساخرًا.
إذ إن الشائعات التي ترددت في الخفاء لم تكن بعيدة عن الحقيقة.
فالإمبراطورة تظاهرت بعدم حب الإمبراطور وهي في الحقيقة تهيم به، ثم انكشف سرها فانفرطت علاقتهما تمامًا.
لم يكن الإمبراطور على صوابٍ في قراراته، لكنه يومًا لم يخنها. ومع ذلك، كانت هي تؤمن أنه خانها.
واصلت همسها بارتجاف:
“لا يجوز لك أن تكون مثله. أتدري ماذا فعلت لأجلك؟ لا، لا يجوز أبدًا!”
كثيرًا ما كانت تتمتم بمثل هذا الكلام الغامض، وفي تلك اللحظات بدت كمن يحمل وزرًا كبيرًا، خائفةً ومرتبكة.
قبضت فجأة على يد الأمير الثالث بقوة، حتى غاصت أظافرها في جلده، لكنه لم يَبدُ عليه أي تأثر، وظل ينتظر حتى تهدأ.
فبعد الغضب والرجاء، كان الدور على الهدوء.
سألت بصوتٍ خافت:
“يا أمير، هل أنت متأكد أنّ لعنة الدوق لم تُفكّ بعد؟”
“نعم، أنا متأكد.”
فمنذ خمس سنوات، طرد شانور جميع الخدم، ومعهم خرج الجواسيس الذين تعِبوا في زرعهم، فأصبح الأمر عسيرًا.
غير أنهم نجحوا في دسّ رجالٍ بين من يوردون إليه المؤن والسلع، ومن خلالهم وصلتهم أخبارٌ بأن لعنة شانور ما زالت قائمة.
سألت الإمبراطورة مرة أخرى باضطراب:
“أمتأكد؟”
لم يكن هوسها بلعنة شانور أمرًا جديدًا.
“نعم، يا أمي. هذا مؤكد.”
قالت بصرٍّ قاطع:
“نعم… أجل. تلك اللعنة لن تُحلّ أبدًا. أبدًا…”
وهي تكرر عبارتها تلك، بدأت تستعيد هدوءها بسرعة، وما إن استعادت رشدها حتى أبعدت يدها الباردة عن قبضته بقسوة.
أخفى الأمير الثالث يده التي وخزها الألم وراء ظهره، وجلس في مواجهتها.
وما لبثت أن خفت الأصوات حتى دخلت خادمة في منتصف العمر، تحمل أكوابًا وشايًا. كانت مربية رافقت الإمبراطورة من بيتها الأم.
قالت باحترام:
“مولاتي، لا بد أنكم عطشى، تفضلوا بالشاي.”
“شكرًا لكِ، يا مربية.”
تناولت الإمبراطورة الشاي على الفور.
تنفس الأمير الثالث الصعداء في داخله، واستسلم لراحةٍ ثقيلة.
قالت الإمبراطورة بصوتٍ ساكن وقد زال صراخها:
“يا أمير، لا أستطيع مطلقًا أن أغفر لهم. زواجي سيعود حديث الناس من جديد، لا شك في ذلك.”
ثم أضافت بنبرة حازمة:
“علينا أن نتخذ تدابير.”
“سأتدبر الأمر، يا أمي.”
رفعت رأسها وضمت حاجبيها:
“لا تقترب مني قبل أن تأتي بخطة محكمة. فهمت؟”
“نعم، يا أمي.”
نهض الأمير الثالث على الفور، واستدار ليمضي.
وهو يفتح الباب متجنبًا ما تناثر على الأرض، سمع صوتها يأتيه من الخلف:
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات