وقبل أن يفتح عينيه تمامًا، تسللت الحواس إلى وعيه، لينهال الألم عليه كما لو كان ينتظره.
شعر وكأنه تدحرج على الدرج، فجسده كان يؤلمه في كل موضع، فانكمش وهو يلوّي خصره.
راح يتحسس ذاكرته المشوشة محاولًا استرجاع ما حصل.
قبل فترة قصيرة، ذهب إلى صالة القمار بعد انقطاع طويل.
مع أنه كان من روادها المعتادين، إلا أن الشائعات المرتبطة بماضيه انتشرت فجأة، مما اضطره لقضاء وقته في محاولات لإخمادها، دون أن ينجح بسهولة.
والسبب في انشغاله بإخفاء تلك الشائعات، هو أن معظمها كان حقيقيًا.
تحرش بخادمة وأوقعها في الحمل ولم يتحمل مسؤوليتها، وأقام علاقات مع سيدات من الطبقة النبيلة الدنيا دون أي التزام، وكان من رواد صالات القمار غير القانونية.
لطالما استغل إيان وسامته ومكانته ككونت شاب لبناء صورة جيدة عنه؛ كان يُعرف بالكونت المهذب، الشاب، الوسيم.
لكن تلك الشائعات وجهت ضربة قاسية لصورته التي بناها لسنوات، فتقلصت شبكة علاقاته بسرعة.
وكانت المشكلة الأكبر أنه، بعد أن فقد فرصة الزواج من بيلوني، صار مضطرًا للبحث عن عروس أخرى.
بدافع الإهانة لكونه “الخيار الثاني” والعار من أن امرأة تركته لرجل آخر، أراد أن يجد فتاة أفضل من بيلوني ليعيد اعتباره.
ولتحقيق ذلك، كان بحاجة إلى سمعة جيدة، لكن للأسف، جاءت الشائعات لتفاقم الوضع.
لهذا، أمضى وقته في إصلاح ما يمكن إصلاحه، لكن الغريب أن تلك الأقاويل لم تهدأ بسهولة. وبعد شهر، وجد أخيرًا وقتًا ليعود إلى صالة القمار.
حتى حين كانت أعماله التجارية على وشك الانهيار وغضبت منه الكونتيسة الأرملة بيكهام، لم يمنع نفسه من ارتياد القمار بهذا الشكل الطويل، ولهذا انغمس بحماس بمجرد أن دخل.
وزاد الأمر إثارة رجل غريب جلس على الطاولة نفسها.
“أوه، أليست هذه الكونت بيكهام الخفيف جيبه كما هو خفيف… من تحت؟”
منذ البداية، كان الرجل يفتعل المشاكل مع إيان، وظل يستفزه أثناء اللعب.
“يا للأسف… لقد ربحتُ الجولة. لا تحزن، سأدعك تربح الجولة القادمة.”
مع أن الجولة كانت شبه محسومة لإيان، إلا أن النتيجة كانت تُقلب فجأة لصالح الرجل.
“أتغادر بهذه السرعة؟ سمعت أنك لم تأتِ منذ زمن، هل لأنك كنت مفلسًا؟”
كان يمنعه حتى من الانتقال إلى طاولة أخرى، ويمسك به بكلام مستفز.
انتهى الأمر بإيان وهو يخسر كل أمواله، بل واستدان من صاحب الصالة قرضًا بفائدة عالية لمواصلة اللعب.
وحين بدأ يفقد أعصابه، بدأ الحظ يبتسم له شيئًا فشيئًا، حتى كاد أن يستعيد رأس ماله. عندها اقترح الرجل:
“ما رأيك أن تراهن بكل ما ربحته اليوم ضدي في جولة أخيرة؟”
وعض الرجل على أسنانه وهو يخرج ألف قطعة ذهبية.
إيان راهن بثلاثمئة فقط، وكان من الواضح أن الكفة لصالحه. لكنه لم ينتبه لابتسامة خفية ارتسمت على شفتي الرجل، فقبل التحدي.
تأثر إيان برائحة السيجار التي ينفثها الرجل، فخدر عقله، ولم يفق إلا بعد أن خسر كل شيء.
بل وحتى استدان مرة أخرى.
حينها فقط أدرك أن الأمر خطير، ففرّ من الصالة، ولم يعد إليها لفترة. لكن صاحب الصالة، بسبب الفوائد المرتفعة، طالبه بمبلغ تضاعف عدة مرات، فكان يلاحقه مرارًا.
لكن المشكلة أن إيان لم يكن يملك المال.
وكما قال لبيلوني آخر مرة، كانت حالة عائلة بيكهام المالية سيئة لدرجة اضطر فيها لبيع المجوهرات.
ولأنه لم يستطع قول الحقيقة، كان يطردهم متذرعًا بمكانته كنبيل، حتى وقعت الكارثة أمس.
“كونت، لقد انتظرناك نصف شهر. ألفا قطعة ذهب. كيف ستسدد؟”
“ألفان؟! لقد استدنت فقط مئتين!”
“أنت تعرف أن الفائدة عالية. لست جديدًا في هذا المجال، فلماذا تتظاهر؟”
تحت الضغط المتواصل، اضطر إيان إلى الاعتراف.
“لا… لا أملك المال… أعطني بعض الوقت فقط… شهر واحد…”
لم يفكر في شيء سوى بيلوني.
فـ”الدوقة المستقبلية” بيلوني، بالنسبة له، ألفا قطعة ذهب ليست شيئًا، وسيحصل عليها منها.
حتى لو لم يكن لديها سبب لتعطيه المال، إلا أن إيان، وقد وصل إلى حافة اليأس، أقنع نفسه بذلك.
“ماذا؟ لا تملك المال؟”
لكن تلك الكلمات كانت القشة التي قصمت ظهر صاحب الصالة.
كان الرجل يدير صالة قمار كبيرة، ولم يكن يخشى كونت بيكهام، الذي كان مجرد نبيل على وشك الإفلاس بلا مال ولا نفوذ.
“يبدو أننا كنا لطفاء معك أكثر من اللازم.”
“ماذا تقصد…”
وقبل أن ينهي كلامه، فهم ما يقصده.
بإشارة من صاحب الصالة، هجم رجاله على إيان.
انهالت عليه اللكمات والركلات بلا رحمة، فسقط على الأرض يصرخ ويتدحرج.
“أنتم مجانين؟! أنا نبيل وأنتم مجرد عوام! ألا تخافون عقوبة الاعتداء على النبلاء؟”
“آه! توقفوا! لن أبلغ عنكم…”
“أرجوك أنقذني، آآه! سأعيد المال، أرجوك…”
في البداية كانت كلمات إيان تهديدًا، لكنها ما لبثت أن تحولت تدريجيًا إلى تضرع.
حتى وهو في حالة فقد فيها بعض أسنانه، ووجهه متورم لدرجة أن نطقه كان مشوشًا، ظل إيان يتوسل بلا توقف.
في الحقيقة، مهما بلغت قوة صاحب الكازينو، لم يكن بإمكانه ضرب نبيل بهذه الطريقة، لكن إيان في ذلك الوقت لم يُدرك ذلك.
بعد أن كُسرت يداه وساقاه، رفع صاحب الكازينو يده أخيرًا.
وعندما توقفت الآلام التي انهالت عليه حتى كاد أن يفقد وعيه، انحنى الرجل نحو إيان.
“ذا لم يكن لديك مال، فعليك أن تعمل، أليس كذلك؟”
كانت تلك آخر الكلمات التي سمعها قبل أن يسقط في غيبوبة.
“هاه… هاه…”
عندما عادت إليه الذكريات، اجتاحه الخوف والألم اللذان أحسّ بهما في ذلك الوقت، فأخذ يلتفت حوله بسرعة.
الغرفة القديمة البالية كانت مألوفة جدًا لديه.
إنها استراحة الكازينو.
استعاد في ذهنه آخر ما قيل له.
“لا يكون… أنهم ينوون بيعي؟”
سرت قشعريرة في جسده، ودق قلبه بسرعة.
كان عليه أن يهرب، وصوّت له حدسه بذلك، فنهض فجأة دون تردد.
حتى وإن كان جسده يصرخ من الألم لعدم تلقيه أي علاج، إلا أن شعوره بخطر على حياته منحه قوة خارقة ليتحمل، وانطلق هاربًا من الغرفة.
“أوي! أمسكوه!”
وعندما رأى أحد موظفي الكازينو يركض نحوه للإمساك به، هرب إيان من المكان بسرعة.
لكن لسوء حظه، كان الكازينو في زاوية معزولة، فلم يكن هناك من يساعده.
ظل يعرج وهو يركض عبر الأزقة.
“آآخ!”
لكن يدًا أمسكت بشعره فجأة، فارتطم جسده بالحائط.
“أيها الجرذ الحقير، أين تظن نفسك ذاهبًا؟”
ذلك الموظف الذي كان يبتسم له بلطف في كل مرة يراه، صار الآن يسبه دون تردد، وعندها فقط أدرك إيان كم كان تصرفه حينها غبيًا.
لقد أخذ قرضًا ذا فائدة عالية مرتين، ولهذا تراكم عليه دين يفوق عشرة أضعاف المبلغ الأصلي في أقل من شهر.
وقبل كل شيء، لم تكن لديهم أي نية لإطلاق سراحه.
حين أدرك هذه الحقيقة، بدأ جسده يرتجف.
“تذكرت أن لدي طلبًا صغيرًا من أحدهم…”
تمتم الرجل ببطء وهو يخرج خنجرًا من معطفه.
“يبدو أنك كنت طائشًا في علاقاتك النسائية؟ هناك من طلب مني أن أقتص منك بدلًا عنه.”
اقترب منه ضاحكًا، وعندها شعر إيان بغريزته بالخطر.
وفجأة تذكر اليوم الذي بدأ منه كل هذا قبل أيام قليلة.
_ “أوه، أليس هذا هو الكونت بيكهام بخفة جيبه مثل خفة نزواته؟”
وعلى وجه بدا مألوفًا، لمح للحظة ملامح خادمة كان قد تجاهلها منذ زمن.
لكن الألم الذي انفجر من أسفل جسده جعله غير قادر على تذكر المزيد.
“آآااااخ!”
صرخته الممزقة دوّت في الزقاق الصامت.
ظل إيان لثوانٍ يحدق بين رجليه وبين الخنجر الملقى بعيدًا، قبل أن يفقد وعيه.
“كان عليك أن تحفظ وقارك قليلًا.”
نقر الرجل بلسانه وهو يجرّ إيان عائدًا إلى الكازينو.
وبعد قليل، عاد الهدوء إلى الزقاق، وظهرت منه ظلّان.
“منظر مقزز.”
مد شانور يده ليغطي عيني بيلوني التي أخرجت رأسها لتنظر.
“لا بأس.”
وعلى عكس ما كان يخشى، ابتسمت بيلوني قليلًا وهي تمسك بيده وتبعدها عن وجهها.
وكان شانور قد استغل الفرصة ليمسك يدها بهدوء.
ولحسن حظه، كانت بيلوني منشغلة تراقب شيئًا آخر، فأمسكت يده تلقائيًا دون أن تنتبه.
شانور لم يرد أن ترى بيلوني ذلك المشهد المقزز، لكن بما أن الأمر كان انتقامًا لها، لم يمنعها.
“إيان بيكهام سيتم جره إلى المحجر.”
“المحجر؟”
رفعت بيلوني رأسها تنظر إليه، إذ لم يخطر ذلك ببالها.
وبينما كانت عيناها تلتقي بعينيه، تابع شانور بصوت أكثر خفة:
“سيعمل هناك كعامل منجم لمدة لا تقل عن خمس سنوات، وكل ما يجنيه سيؤول إليك.”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 39"