أدركت بيلوني أن إلنيس أصبح شديد الحساسية. كان يبتسم كما في العادة، لكن نبرة صوته وتعبير وجهه كانا باردين على نحو غريب.
لقد كان عداؤه العلني تجاه الإمبراطورة واضحًا لدرجة جعلها تراقب الموقف بحذر من غير أن تشعر.
قالت الإمبراطورة، محاولة الحفاظ على هيبتها:
“دور الحماة، يا ولي العهد… انتقِ كلماتك.”
ارتجف وجه الإمبراطورة المتجعد ارتجافًا خفيفًا.
إن أقرت بكلام ولي العهد، فسيكون ذلك إهانة للإمبراطورة السابقة، وإن أنكرت، فسيعني ذلك أنها كانت تضغط على بيلوني بلا مبرر.
أطلقت بيلوني تنهيدة إعجاب خافتة وهي ترى كيف أوقع إلنيس الإمبراطورة في مأزق ببضع جمل فقط.
لكنها لم ترغب في الوقوف لمشاهدة الإمبراطورة وهي تتخبط، بل أرادت مغادرة المكان بأسرع ما يمكن.
قالت فجأة:
“آه! أنا أعرف السبب.”
توجهت كل الأنظار نحوها.
تحققت بيلوني من أن ملامح إلنيس قد هدأت قليلًا، فتنفست الصعداء بخفة، ثم وضعت يديها على وجهها وابتسمت ابتسامة خجولة.
“أليس بسبب شهرة جمالي؟ جلالتكِ الإمبراطورة أردتِ التأكد بنفسك من صحّة ما يُقال عن جمالي، أليس كذلك؟”
كانت بيلوني، وهي تمسك خدّيها البيضاوين الناعمين، شديدة الجمال. انحنت زاوية عينيها الجميلتين برقة مرسومة، حتى إن كلماتها التي كان من الممكن أن تبدو متعجرفة بدت مقبولة ومقنعة.
“بُف…!”
انفجر إلنيس ضاحكًا.
الإمبراطورة التي لم تستطع إخفاء امتعاضها، والأمير الثالث الذي بدا مذهولًا، أفاقا على صوت ضحكه.
وفي النهاية، أومأت الإمبراطورة برأسها مكرهة.
“نعم… صحيح.”
ارتاحت بيلوني في داخلها لرؤيتها ترضخ.
قال إلنيس:
“إذن فقد كان ذلك الخبر خاطئًا… جمالكِ في الحقيقة يفوق ما يقال عنكِ، يا آنسة.”
“وجلالتكَ أيضًا، تبدو أجمل من الشائعات.”
“حقًّا؟ يثير فضولي أن أعرف ما يُقال عني. هل تخبرينني؟”
“يشرفني ذلك.”
وجد الاثنان ذريعة للخروج، وتبادلا الابتسامات. وقبل أن يديرا ظهريهما، التفت إلنيس إلى الإمبراطورة وكأنه تذكرها فجأة، وقال:
“هل يمكنني أخذ الآنسة بيلوني معي؟”
لم يكن هناك سوى جواب واحد يمكن أن تقوله الإمبراطورة في هذا الموقف.
وضعت يدها على جبينها وهي تحاول رسم ابتسامة مصطنعة.
“… لا مانع.”
“إذن لنذهب، يا آنسة.”
تحرك من غير أن يمنح الإمبراطورة وقتًا لتوديعهم، فاتبعته بيلوني كما لو أنها مجبرة، لكن في داخلها شعرت بالارتياح، إذ لم تكن ترغب في تحية الإمبراطورة التي كانت تختبرها بلا توقف.
✦✦✦
“… هكذا غادرا.”
أنهى الخادم ذو الملامح العادية تقريره وهو مطأطئ الرأس.
فانفجر الإمبراطور ضاحكًا بصوت عالٍ:
“هاهاها!”
ضحك حتى أمسك بطنه من الألم، وعيناه تلمعان بالدموع، بينما كان شانور أمامه يسأل الخادم بلهفة:
“هل أصابها مكروه؟ أو شعرت بأي ضيق؟”
“لا، آنسة بيلوني بخير تمامًا.”
تنفس شانور الصعداء، لكن جسده ظل متوترًا كأنه على وشك الانطلاق للخارج في أي لحظة.
لمّا انسحب الخادم بصمت، توقف الإمبراطور عن الضحك، وحدق في شانور الذي لم يستطع الجلوس بهدوء.
“هل الأمر ملحٌّ لهذه الدرجة؟”
قال شانور بضيق:
“تعلم السبب جيدًا، يا جلالة الإمبراطور. لقد انتهى الأمر، لذا سأذهب الآن.”
“تمهّل، ألم تسمع أنهم خرجوا معًا بأمان؟”
أدرك شانور أن الإمبراطور لن يتركه يذهب بسهولة، فأطلق تنهيدة.
لقد فهم أخيرًا على من يشبه إلنيس… إنه صورة طبق الأصل من الإمبراطور، حتى في هوايتهما في اختبار الآخرين.
حين كانت بيلوني في لقاء منفرد مع الإمبراطور، كان شانور ينتظرها أمام الباب. لكن رئيس الخدم جاء وأخبره أن الإمبراطور أمره بالانتقال إلى غرفة أخرى.
عندها فقط أدرك شانور أن للإمبراطور مخططات أخرى.
وبعد مرور بعض الوقت، عاد الإمبراطور ومعه أحد الخدم، وهناك سمع شانور أن بيلوني التقت الأمير الثالث وتوجّهت إلى جناح الإمبراطورة.
ويبدو أن الخادم الذي روى القصة كان شاهدًا على ما جرى، إذ نقل الحوار كله بدقة حرفًا بحرف.
فهم شانور عندها أن الإمبراطور تعمد وضع بيلوني في مواجهة الإمبراطورة والأمير الثالث ليرى كيف ستتصرف.
قال الإمبراطور مبتسمًا:
“منذ زمن طويل لم تقل الإمبراطورة كلامًا صائبًا، لكنها كانت محقّة حين قالت إنك جلبت فتاة تشبهك.”
لم يعرف شانور إن كان ذلك مديحًا أم سخرية. أياً يكن، فقد سرّه أن بيلوني خرجت من الموقف مع الإمبراطورة والأمير الثالث من دون أن تُظهر أي ضعف، بل تملصت بمهارة.
“سأعتبره مديحًا.”
شعر بعرق بارد على وجهه من شدة التوتر، فمسح جبينه.
“بل هو مديح حقيقي. لقد عانيت كثيرًا في تربيتك، والآن حان دورك لتتذوق المعاناة.”
كانت في كلماته نبرة محبة، مما دفع شانور إلى كبت استيائه.
صحيح أنه أقدم على فعل ذلك كله من دون إذنه، لكنه كان يعلم أن الأمر برمته كان بدافع الاهتمام به.
“جلالتك…”
عند نداء شانور، خفتت الابتسامة التي كانت تلامس شفتي الإمبراطور.
ابتسم الأخير بخفة، إلا أن نظرات شانور كانت حادة تحمل تحذيرًا صريحًا.
“أفهم مقصدك يا جلالة الإمبراطور، لكن لا تكرر اختبار بيلوني بهذه الطريقة مرة أخرى. ما فعلته لا يختلف عمّا فعله ولي العهد.”
تظاهر بعدم الفهم، رغم أن إلنيس لا بد وأن أطلعه على كل شيء. لكن كلمات شانور التالية جعلت نظرته تتغير:
“بيلوني ليست شخصًا يحق لك أو لولي العهد معاملتها باستخفاف.”
التفت الإمبراطور نحوه، بلا انفعال، لكن بعينين تدرسان أخاه الأصغر عن قرب.
لم تكن تلك نظرة غضب، بل فحصٌ لمعاني كلماته.
شانور، بثبات، رد النظرة بهدوء.
“حتى ولي العهد أخبرني أنك وقعت في الحب، لكنني لم أصدق.”
لم يكن هذا مجرد إنكار، بل قناعة تشكلت على مدى سنوات طويلة.
كان قد ربّى شقيقه الأصغر الذي يصغره بعشرين عامًا كابنه، يعرف كل تقلباته، حتى بعد أن باعدت بينهما سنوات الحرب.
كان واثقًا أن شانور ليس من الرجال الذين يقعون في الحب.
وحين أكد إلنيس تلك الشائعة، ظن أنها مجرد سر بين الاثنين، وتظاهر بالتصديق.
حتى لقاؤه ببيلوني لم يغير ذلك الانطباع.
لكن مشهد شانور وهو يترقب عودة الفتاة بقلق، نسف كل ما كان يعتقده.
“هل أنتما حقًا على علاقة؟”
لم يكن السؤال مفاجئًا، فالإمبراطور معروف بحدسه القوي.
ربما لهذا السبب كان شانور يتجنب لقاءه ببيلوني طوال الفترة الماضية.
لكن ما سمعه الآن لم يكن بحثًا عن دليل، بل اختبارًا للمشاعر.
ارتسمت ابتسامة هادئة على شفتيه وهو يستحضر صورتها في ذهنه.
“أحبها.”
امرأة ذكية، كفؤة، دافئة القلب… ومن المستحيل تقريبًا ألا يقع في حب من كانت تحشو بطانة قناعه بقطعة قماش إضافية لتحميه.
أردف بابتسامة تحمل شيئًا من الرجاء:
“وأتمنى أن تحترمها أنت أيضًا.”
لم تكن رغبته مقتصرة على حماية من يحب، بل أن تنال تقدير أقرب أفراد عائلته.
“وعدٌ منك ألا يتكرر هذا النوع من الاختبارات.”
ارتفع حاجبا الإمبراطور بدهشة طفيفة قبل أن يطلق تنهيدة ويهز رأسه.
“صدق من قال إن الرجل بعد زواجه ينحاز دومًا لزوجته… يبدو أنك بدأت مبكرًا.”
ورغم نبرة السخرية، كانت ملامحه تفيض بالرضا.
شانور لم يتردد:
“ولي العهد اختبرها ثم انحنى بنفسه ليعتذر… وأنت؟”
ضحكة قصيرة أفلتت من الإمبراطور، قبل أن يلوّح بيده:
“حسنًا، سأمنحها مكافأة سخية. هل يكفي هذا؟”
“المهم أن تسمح لي بالمغادرة.”
بدأت ملامح التململ واضحة على وجهه، مستعدًا للنهوض، لكن سعالًا حادًا شق الصمت فجأة.
ارتج جسد الإمبراطور، ورفع يده ليكتم فمه، إلا أن الدم تسلل من بين أصابعه.
اندفع شانور واقفًا، ثم توقف لحظة، وسرعان ما أخرج دواءً من جيبه، واضعًا إياه عند شفتي أخيه.
ابتلعه الإمبراطور ببطء، وأشار بيده علامة الاكتفاء.
“كفى… اذهب الآن، وإلا فلن تستطيع حضور الزفاف.”
“أخي…”
ابتسامة باهتة ظهرت على محيّاه، وربت على يد شانور.
“اذهب.”
“وصيتك… لم أنسها يومًا.”
تلك الوصية كانت قبل عشر سنوات، حين انهارت صحة الإمبراطور فجأة، وقبل أن يشد شانور رحاله إلى الحرب.
طلب منه حينها أمرًا واحدًا: أن يقف بجانب ولي العهد حتى يعتلي العرش بسلام.
كان ذلك أول طلب وأخير من أخيه الأكبر بصفته إمبراطورًا.
ابتسامة امتنان، يختلط فيها الاعتذار، ارتسمت على ملامحه:
“شكرًا… وأعتذر في الوقت نفسه.”
ورغم شكه في خبر زواج أخيه، إلا أن قلبه امتلأ بالفرح.
كان يعلم أن نهايته تقترب، وأن الوقت قد حان ليخرج شانور من عزلته التي طالت خمس سنوات، وأن بداية ذلك ستكون بزواجه.
ضحكة خفيفة تسللت من بين شفتيه:
“أريد أن أرى ابنة أخي… لقد تعبت بما فيه الكفاية من تربية رجلين أشداء طوال حياتي.”
كلماته أنهت جو التوتر، فابتسم شانور ابتسامة جافة وهو يهم بالمغادرة.
لكن في داخله، فكرة واحدة فقط كانت تسيطر عليه…
الزفاف ليس بداية حياة جديدة، بل سباق مع الوقت قبل أن يخسر كل شيء.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 37"