سارت بيلوني مع الأمير الثالث محافظة على مسافة خطوة بينهما.
حاول الأمير الثالث تعديل سرعة خطواته، لكن بيلوني حافظت على تلك المسافة بدقة كما لو كانت تقيسها بالمسطرة.
أوقف الأمير الثالث عبثه، وأمال رأسه قليلًا وهو ينظر إليها مباشرة.
بعد نحو شهر من لقائهما الأخير، بدت بيلوني هذه المرة أكثر نضارة وصحة.
وكأنه كان يعرف الجواب دون أن يسأل، لكنه أصر على أن يطرح عليها نفس السؤال القديم.
“هل فكرتِ في جواب ذلك السؤال؟”
“… سمو الأمير الثالث، بصراحة، لا أحد يرغب أن يكون محظية.”
وخاصة إذا كانت تلك المكانة تأتي بعد إقصاء زوجة الدوق الكبرى.
ابتلعت بيلوني بقية كلامها، لكن الأمير الثالث استطاع بسهولة أن يخمّن ما كانت ستقوله.
“أن تصبحي محظية، أهون من أن تموتي.”
عند سماع هذه العبارة المروعة، توقفت بيلوني فجأة عن السير.
“هل أنا ذاهبة الآن لأموت؟”
“ليس الآن. فأنتِ تنالين اهتمام الإمبراطور حاليًا، ولو قتلتك الآن فلن أستطيع الحفاظ على مكاني.”
تنفست بيلوني الصعداء في سرها.
لحسن الحظ، يبدو أن الأمير الثالث فهم نواياها وتقبلها.
ورغم أن مثل هذا الموقف سيتكرر لاحقًا، إلا أن الأهم هو أنها الآن أنقذت حياتها.
كلما اقتربت من قصر الإمبراطورة، بدأت قطرات العرق البارد تتشكل بين يديها المتشابكتين.
أخذت بيلوني نفسًا عميقًا وهي تسترجع ما تعرفه عن الإمبراطورة.
كانت الإمبراطورة زوجة الإمبراطور لأسباب سياسية بحتة.
كان لكل منهما شخص يحبه، والإمبراطور تزوج الإمبراطورة مقابل أن يتخذ محبوبته كزوجة ثانوية، ولم يكن يكترث بما تفعله الإمبراطورة.
لذلك لم تُرزق الإمبراطورة بأبناء لفترة طويلة.
ولم تنجب إلا بعد أن فقدت الزوجة الثانوية حملها مرة، وأنجبت ولي العهد، ثم أنجبت الإمبراطورة الأمير الثالث.
من هذا الموقف يمكن فهم مقدار حب الإمبراطور للزوجة الثانوية.
فبعد أن فقدت طفلها الأول في أواخر الحمل، وعلم أنه كان ذكرًا، قام الإمبراطور على الفور بتسجيله كـ “ولي العهد الأول” رغم موته.
وكان هناك شائعة قديمة سمعتها بيلوني منذ زمن.
تقول الشائعة إن الإمبراطورة كانت تحب الإمبراطور بالفعل، لكنها تظاهرت بحب شخص آخر لتتمكن من الزواج به.
وعندما علم الإمبراطور لاحقًا بحقيقة مشاعرها، غضب بشدة.
فأعطاها أشد أنواع الإهانة الممكنة، وهي ألا ينجب منها أبدًا.
ودليل هذه الشائعة أن بطن الإمبراطورة ظل فارغًا بينما كانت الزوجة الثانوية تلد مرتين.
وبعبارة أخرى، كان الأمير الثالث ثمرة خطأ وقع عندما كان الإمبراطور في حالة ضعف بعد فقده للزوجة الثانوية.
لا أحد يعرف إن كانت الشائعة صحيحة أو لا، لكن بيلوني كانت تعتقد أن فيها شيئًا من الحقيقة.
فبعد أن أنجبت الزوجة الثانوية ولي العهد وتدهورت صحتها بسرعة، توفيت بعد إنجاب إلنيس، بينما وُلد الأمير الثالث بعد ذلك بعامين.
أي أنه وُلد حين كان الإمبراطور في مأزق نفسي.
صدفة غريبة، وربما ليست مصادفة أبدًا.
على أية حال، إذا كان حدس بيلوني صحيحًا، فالإمبراطورة ليست خصمًا سهلًا أبدًا.
صحيح أنها لا تظهر في المجتمع وتبقى دائمًا في قصرها، ولم يُعرف عن شخصيتها شيء، لكن كونها ربت الأمير الثالث بهذه الطبيعة، يعني أنها بالتأكيد امرأة خطيرة.
وصلوا أخيرًا إلى باب كبير، فأخذت بيلوني نفسًا عميقًا ببطء.
لكن الأمير الثالث لم ينتظرها وفتح الباب مباشرة.
في الداخل، كانت هناك سيدة في منتصف العمر تشبهه كثيرًا.
سمعت بيلوني أن الإمبراطورة في نفس عمر الإمبراطور تقريبًا، لكنها بدت أكبر سنًا من عمرها الحقيقي.
“أحيي جلالتكم، الإمبراطورة.”
أدت بيلوني تحية مختصرة مماثلة لتلك التي وجهتها للإمبراطور.
“لقد أتيتِ.”
ردت الإمبراطورة بصوت بارد.
“اجلسي.”
جلست بيلوني مقابل الأمير الثالث، لكنها لم تلمس فنجان الشاي أمامها.
تأملت الإمبراطورة بيلوني بلا تردد من رأسها حتى قدميها.
“أجمل مما سمعت.”
ابتسمت بيلوني ابتسامة خفيفة.
تذكرت أن الأمير الثالث قال لها شيئًا مشابهًا عند لقائهما الأول.
“هل انتشرت عني شائعات سيئة؟”
فكل من يلقاها يقول لها ذلك، مما جعلها تظن أن هناك مشكلة في ما يُشاع عنها.
“لكن الدوق ليس من النوع الذي يُغريه الجمال وحده… فكيف حصلتِ على مكانة زوجته الكبرى؟”
رغم أن السؤال بدا عابرًا، إلا أن ثقله كان واضحًا.
لكن بما أنها توقعت هذا السؤال، ظلّت ابتسامة بيلوني ثابتة بلا أي ارتباك.
“الجمال وحده له حدوده يا جلالة الإمبراطورة، لقد حصلت على مكانة بجانب شانور بكل ما أملك.”
وبالمعنى الدقيق، لم تكن تكذب.
فـ “كل ما تملكه” يشمل أيضًا كونها الشخص الوحيد القادر على كسر اللعنة.
“هذا مثير للاهتمام، حصل الدوق على امرأة مثلي.”
“شكرًا لكِ، جلالتك. أنا لست جميلة مثل شانور، لكنك ترينني بعين حسنة.”
ابتسمت وهي تضع يدها على خدها، فتجمدت ابتسامة الإمبراطورة قليلًا.
حتى الأمير الثالث، الذي كان غير مكترث طوال الوقت، بدأ ينظر باهتمام إلى حديثهما.
“حسنًا، بما أنني زوجة أخيه، يمكنني أن أسألك عن لقائكما الأول، أليس كذلك؟”
“بالطبع. كان لقاؤنا الأول قدرًا محضًا.”
ما كان يُعرف بين الناس هو أن بيلوني وشانور كانا عاشقين منذ عدة أشهر فقط.
ولم يجرؤ أحد من قبل على سؤالها عن أول لقاء، لذا كانت هذه أول مرة تتحدث فيه بنفسها.
“كان يومًا ماطرًا جدًا، كنت في الساحة، وانكسر كعب حذائي فأصبت بالتواء في كاحلي. وفجأة ظهر شانور، وقدم لي المساعدة. وعندما تلاقى نظرنا، أدركت أنني سأتزوجه يومًا ما.”
ابتسمت بيلوني ابتسامة أوسع عن قصد.
‘من الأفضل أن أبدو قليلة الحيلة’.
بالطبع، ربما كانت هذه أول مرة يرى فيها الأمير الثالث هذا الجانب منها، لكن الأمر لم يكن يهمها.
إذ يجب أن تؤدي دور المرأة العمياء بحبها القدري حتى لا تتوجس منها الإمبراطورة كثيرًا.
“إنه لقاء أول مثير للاهتمام فعلًا.”
“أليس كذلك يا جلالة الإمبراطورة؟ يبدو أنني وشانور مرتبطان بالقدر فعلًا.”
كلما زادت ابتسامتها العريضة، ازداد عبوس الإمبراطورة.
ومع رؤية ذلك، شعرت بيلوني بأن توترها بدأ يخف، فرفعت فنجان الشاي لتروي عطشها.
ارتشفت رشفة، وما إن وضعته حتى التصقت نظرات الأمير الثالث بأطراف أصابعها.
“والدتي، جلالته بدى معجب بها للغاية، حتى أنه منحتها هدية بنفسه، وقال إنه على استعداد لتخصيص وقت لها متى شاءت.”
أرسلت بيلوني نظرة خاطفة إلى الأمير الثالث.
لم تستطع التنبؤ إن كان تغييره للموضوع في صالحها أم ضدها، وبدأت تراقب الإمبراطورة خشية أن يكون هذا قد أثار غضبها.
لكن على عكس المتوقع، بدت الإمبراطورة وقد هدأ غضبها.
أخذت بيلوني تتأمل ملامحها المتغيرة، إذ بدت لوهلة وكأنها فقدت حيويتها.
لكن هذا التعب سرعان ما اختفى، وعادت الإمبراطورة إلى طبيعتها.
“بما أن الأمير الثالث لم يتزوج بعد، فلا يوجد لدي من ترافقني أو تحدثني. هل تأتين أحيانًا إلى القصر لتؤنسي وحدتي؟”
كان عرضًا مربكًا للغاية.
إن قبلت، ستقع في متاعب ومواقف مرهقة، وإن رفضت دون عذر مقنع، فقد تغضب الإمبراطورة منها.
“أوه، أحب صحبتك كثيرًا يا جلالة الإمبراطورة، وأرغب بذلك، لكن…”
رفعت الإمبراطورة حاجبها تنتظر إكمال الجملة.
ابتسمت بيلوني بحياء مصطنع.
“شانور لا يحب ذلك!”
تسمرت نظرات الإمبراطورة عليها.
وضعت بيلوني كفيها على خديها متظاهرة بالحرج.
“شانور لا يريد أن يبتعد عني حتى للحظة، وأخشى أن ينتهي بنا الأمر قبل الزواج ونحن نتشارك الغرفة… أوه! لقد قلت شيئًا غير لائق، انسِ الأمر!”
كانت الكلمات تخرج من فمها بلا توقف، لكنها في داخلها كانت تتنفس الصعداء.
تذكرت ما قاله لها شانور في عربة القصر:
‘إن حاولت الإمبراطورة أو الأمير الثالث إحراجك، فاذكري أنني لا أحتمل الابتعاد عنك’.
صحيح أنه لم يقل أن تضيف كل هذا، لكن المعنى نفسه.
راقبت الإمبراطورة والأمير الثالث ملامح بيلوني وهي تلتف بخجل مصطنع، بينما أمسكت الإمبراطورة رأسها بتعب.
“ومن يهتم بمثل هذه التفاصيل…!”
انفجر صوتها بضيق، لكن قبل أن يتطور الأمر، فُتح الباب فجأة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 36"