كانت بيلوني غير قادرة على فهم مغزى كلمات شانور على الفور. رمشت بعدم فهم، فمسح شانور وجهه بيديه، وكأنه أدرك مدى إحراجه.
نظرة القلق التي ارتسمت على وجه بيلوني حين ذكرت إيان، جعلت قلبه يغوص في مكانه.
لقد كانت تكرهه لدرجة أنها ضربته، لكن رؤيتها تبدي قلقًا عليه هكذا…
‘غيرة؟ حقًا؟’
ضحك شانور بسخرية على مشاعره تلك.
“لا داعي للقلق بشأن إيان.”
لأنه شعر أن غيرته من إيان أمر سخيف، قرر أن يخبر بيلوني بالحقيقة.
لم يكن ينوي إخفاء الأمر أصلًا، وإنما ما منعه من الرد فورًا هو استياؤه من سؤالها عن إيان.
“لم يرتكب خطأً جسيمًا، لكنه كان ينشر شائعات سيئة عنك. لا تقلقي، لم يصدقه أحد.”
منذ عادت بيلوني من لقائها بإيان، بدأ شانور يراقبه. فقد كان يعلم أن إيان لن يبقى ساكنًا. وعندما بدأ بنشر الشائعات فعلًا، أوقف شانور تلك الأحاديث على الفور.
بل إنه فضح ماضي إيان، حتى بات الأخير مشغولًا بتقديم الأعذار بدلًا من النميمة.
ومؤخرًا، بدأ يتحدث عن بيلوني مجددًا، مما جعل شانور يفكر جديًا في كيفية التعامل معه.
“أنت تعلمين قوة الشائعات، لذا أظن أن عليّ التعامل مع إيان بيكهام…”
نظر إلى بيلوني بتردد. رغم انزعاجه من إيان، لم يرد التصرف بحرية دون أن يعرف رأيها.
“هل… هل توافقين؟”
“على ماذا بالضبط؟”
أجابت بيلوني بسؤال، ثم ما لبثت أن فهمت قصده.
“هل تسألني إن كان بإمكانك التخلص من إيان؟”
“ليس بالضبط التخلص منه، لكن على الأقل سأمنعه من تكرار الأمر مجددًا…”
غير شانور كلماته عندما شعر أن “التخلص” بدت قاسية.
“لكن لا يمكنني التساهل معه. لقد نشر شائعات سيئة عنك.”
“إذًا، أنت تقول إنك ستتخلص من إيان… من أجلي؟”
أومأ شانور برأسه، مراقبًا وجه بيلوني. وفجأة، ارتسمت على وجهها ابتسامة مشرقة.
“أنا متأثرة جدًا، سموّك.”
لم تكن تتوقع حقًا أن يقوم بكل هذا من أجلها. كان ذلك لطفًا غامرًا من جانبه.
“أنا لا يهمني ما سيحدث لإيان. كنت فقط قلقة من أن يؤذيك بطريقة ما. لكن لديّ شرط واحد، إن أمكن… اجعله يعاني لخمس سنوات على الأقل.”
لقد أرادت أن يتألم كما تألمت هي.
في الواقع، كانت ترغب أن تدوم معاناته لعشر سنوات، لكن لم تكن واثقة إن كان شانور سيكترث له لهذا الحد، لذا خفّضت المدة إلى خمس.
حين علم شانور أن بيلوني كانت قلقة عليه وليس على إيان، ابتسم بسعادة.
“حسنًا، سأجعله يتعذّب خمس سنوات كالجحيم.”
وهكذا، وبينما يعِد كلٌ منهما بعذاب إيان، تبادلا الابتسامات بخجل.
وحين أدركت بيلوني أن الوقت قد تأخر، بدأت تستعد للمغادرة، فنهض شانور معها.
فتح شانور باب المكتب، ومال بجسده ليسمح لها بالمرور، ثم قال بخفة:
“هل ستأتين لتوصيل الزهور غدًا أيضًا؟”
“نعم، سأحضرها بنفسي.”
“إذًا… تعالي، وسنتناول الغداء سويًا.”
لم يسبق أن تناولا الطعام معًا من قبل. شانور كان دائمًا يأكل في غرفته أو في المكتب، أما بيلوني فتتناول طعامها وحيدة في قاعة الطعام الواسعة.
“سآتي لأصطحبك، انتظريني.”
عندما سمعت أنه سيأتي ليصطحبها بنفسه، ابتسمت بيلوني بلطف.
“حسنًا.”
وهكذا، ومع وعده لها، أصبحت زيارتها الصباحية بلا مبرر حقيقي. لكن كلاهما لم ينتبه لذلك.
وأثناء عودتهما، راقبت مارينا بيلوني وهي تدندن وتبتسم، ثم همست:
“يبدو أن رؤيتك لسموّ الأمير تجعل مزاجك جيدًا دائمًا.”
“حقًا؟”
سألتها بيلوني بدهشة حقيقية.
“نعم، تبدين وكأنك ستحلقين في السماء. أعتقد أنك حين ترحلين بعد عام، سيكون من الصعب عليك نسيانه.”
وبكلماتها تلك، سقط قلب بيلوني من السماء إلى الأرض.
‘عام واحد…’
كانت قد نسيت ذلك، نسيت أن علاقتها بشانور ستنتهي بعد عام.
لأنه كان طيبًا أكثر مما توقعت، ورقيقًا أكثر مما تخيلت، نسيت أن النهاية قادمة.
نظرت بيلوني من النافذة، وملامحها تغيم فجأة.
‘ما الذي عليّ فعله؟’
مجرد التفكير في الفراق بعد عام، كان يؤلمها مسبقًا.
* * *
حين وصلت بيلوني إلى المتجر الذي دلّها عليه زعيم الحي الخلفي في وقت سابق، تعرّف عليها الموظف فورًا.
“آه، أليست الآنسة بيلوني؟ إن كنتِ هنا، فالسيد سيصل قريبًا.”
صعدت إلى الطابق الثاني من المتجر العادي في مظهره، فوجدت الغرفة هناك تعجّ بأجواء عتيقة ومظلمة.
لم يكن نوسيل يتوقع أن تدخل بنفسها إلى المكتب الخاص لزعيم الحي الخلفي، فجلست بظهر مستقيم، تتفحص المكان حولها بحذر. في المرة السابقة، حين جاءت مع بيلوني لتسليم نصف مبلغ الاستثمار، كان اللقاء في مبنى بسيط لا يلفت النظر. أما الآن، فقد كان واضحًا أنّ هذا المكان هو المكتب السري للزعيم.
وكان ذلك كافيًا ليدرك نوسيل مدى أهمية بيلوني بالنسبة له، رغم أن بيلوني نفسها لم تكن تبدو وكأنها تعي ذلك.
أتى الموظف الذي رافقهم حاملًا الشاي والحلوى.
“في الواقع، كان السيد يخطط للمرور بالمكان اليوم، حضرتكِ جئتِ في الوقت المناسب.”.
“آه، لم أجد وسيلة للتواصل، فاضطررت للمجيء هكذا. لكن في المرة القادمة، أود أن أبلغه مسبقًا. كيف يمكنني فعل ذلك؟”
“يمكنك إرسال أحدهم إلى هذا المتجر، وسأتكفل أنا بإيصال الرسالة إلى السيد، آنستي.”
“شكرًا لك.”
ابتسم الموظف بلطف ثم غادر.
“الموظف هنا لطيف جدًا، آنستي.”
“ليس لأنه جلب لنا الحلوى فقط؟”
“آه، لقد كشفتِني فعلًا!”
انفجرت بيلوني ومارينا بالضحك أثناء تناولهما الحلوى سويًا، ونوسيل كان يراقبهما بصمت. كان يودّ أن يقول لهما إن هذا الموظف بالذات هو الذراع اليمنى الشهير بقسوته للزعيم، لكنه قرر أن يصمت. فمن نظراتهما، لم يبدُ أن أيًّا منهما سيتفاجأ أصلًا إن علم الحقيقة.
وبينما كانت بيلوني ترتشف الشاي، سُمِعت خطوات ثقيلة تقترب. فجلس نوسيل أكثر تصلبًا، وقد اجتاحه التوتر.
رغم أنه لم يكن لقاؤه الأول بالزعيم، إلا أن التوتر كان لا مفر منه.
“بيلوني!”
فتح الباب فجأة، وظهر الزعيم بصوته الأجشّ.
“وصلت يا عمي؟”
أجابت بيلوني بابتسامة وهي تنظر نحوه. كان يضع عصابة على إحدى عينيه، وجلس أمامها وهو يضحك.
“قالوا لي إنك تبحثين عني، فأتيت مسرعًا. لم تنتظري طويلًا، أليس كذلك؟”
“أبدًا. الحلوى كانت لذيذة جدًا فلم أشعر بالوقت.”
رغم أنها تعرف مدى خطورته، إلا أن بيلوني كانت تشعر بالراحة معه.
فقد ساعدها مرارًا، وكان دائمًا يعاملها بلطف.
“أرى أن الوصيفة المرحة والفارس الكئيب قدِما معكِ أيضًا.”
رمق الزعيم مارينا ونوسيل بنظرة حادة. لكن تلك النظرة لم تكن سوى لنوسيل وحده، أما مارينا فتجاهلها تمامًا.
ابتلع نوسيل ريقه بتوتر، وحاول أن يضبط أعصابه.
“في الواقع، جئتُ لأسألك عن شيء، وأعرف أن عليّ دفع ثمن المعلومة.”
“معلومة؟ عن من؟”
“عن والدتي.”
توقف الزعيم قليلًا بعد أن شرب الشاي دفعة واحدة.
ثم وضع الفنجان على الطاولة، ومسح فمه بظهر يده، ونظر إلى بيلوني.
“فجأة أصبحتِ مهتمة بوالدتك؟”
“نعم.”
“ولماذا؟”
كان هذا هو لقاؤهما الثاني، وبالنظر إلى طبيعته، فمن الطبيعي أن يتساءل الزعيم عن سبب السؤال المفاجئ عن والدتها.
“ذهبت إلى قصر الماركيز لأخذ بعض أشيائي، وهناك صادفت صندوقًا تركته والدتي لي. كان غريبًا… لا يُفتح بأي وسيلة مهما حاولت. ولأنها تركته لي، فكرت أنه قد يكون له علاقة بها، ومن هنا بدأت أشعر بالفضول.”
راحت بيلوني تعبث بفنجان الشاي وهي تكمل حديثها.
“كنتُ دائمًا، وأنا صغيرة، أتساءل عن والدتي.
لكن في كل مرة كنت أُفكر في السؤال عنها، كان من حولي يتأذّون،
لذا حاولت نسيانها بكل طاقتي، ونجحت في ذلك.”
عندما علمت أن مربية طفولتها التي أبعدوها بسببها قد ماتت مريضة، أقسمت بيلوني أنها لن تنطق باسم والدتها أبدًا ما دامت حية.
ورغم أنها حصلت الآن على فرصة جديدة للحياة، إلا أن حقيقة أنها لا تستطيع إنقاذ مربيتها كانت تؤلمها بشدة.
“لكنني الآن أدركت أن التهرب لم يكن الحل. أن أتجاهلها ليس الطريقة لحماية من أحب.”
كانت المواجهة هي الطريقة الوحيدة لحماية أولئك الذين تعتز بهم.
الهروب والتجاهل… لم يكونا أبدًا الطريق الصحيح.
وقد أدركت بيلوني ذلك… لكن بعد فوات الأوان.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 30"