سألت مارينا، وهي تمضغ قطعة من المادلين وتنظر إليّ.
وفورًا، خرج زفير ثقيل من فمي.
“مارينا، أليس كذلك؟ أظن أن بيني وبين ذاك الصندوق عداوة حقيقية. ها؟ ما الذي صُنع منه بالضبط كي لا ينفتح بأي وسيلة؟”
نظرتُ إلى الصندوق بنظرات حادة كما لو كنت أكنّ له الضغينة فعلًا، ثم أدرت رأسي أتفقد المكان من حولي.
كانت الأدوات مبعثرة في كل مكان. أدوات استعرتها من البستاني ومدير الخدم، كلها حادة وقوية.
ومع ذلك، لم يستطع أي منها اختراق ذاك الصندوق العتيق.
“ألا يمكن أن يكون عليه سحر ما؟”
“لا، لا أشعر بأي مانا.”
ركلت الصندوق بخفة، فاندفع بسهولة كما لو كان خفيفًا جدًا، الأمر الذي بدا مضحكًا مقارنة بعدم قدرة أي أداة على فتحه.
في الحقيقة، أنا أيضًا اعتقدت أنه ربما عليه تعويذة، كما قالت مارينا، لكنني لم أشعر بأي مانا ينبعث منه مهما تمعنت فيه.
المانا لها طبيعة مميزة. فحتى الشخص العادي، غير الساحر، يمكن أن يشعر بها على هيئة شعور مزعج وغير مريح.
لكن هذا الصندوق لم يُشعرني بأي شيء من ذلك.
“ليته كان سحرًا، فعلى الأقل كنا سنعرف كيف نتعامل معه.”
“بالفعل… لكن فكرة أنه لا ينفتح مهما فعلنا، هذا… مخيف قليلًا.”
لكن من الصعب تصديق خوفها، خاصة وهي تأكل المادلين بشهية واضحة.
مددت يدي لأزيل فتات الخبز العالق على طرف فمها ونظرت إليها. تدحرجت عينا مارينا بخفة وهي تسأل بحذر:
“هل اكتشفتِ أنني أكلت كثيرًا؟”
“كنت أعلم مسبقًا، يا صغيرة.”
ثم غيرتُ الموضوع.
“مارينا، هل تعرفين شيئًا عن أمي؟”
كان من النادر أن أذكر والدتي البيولوجية.
مارينا، ابنة أخت المُرضعة، كانت قد أُرسلت إليّ عندما رحلت المُرضعة.
كنت حينها في الثامنة من عمري، وقد التزمتُ الصمت الكامل بشأن والدتي، ولهذا كانت المرة الأولى التي أسأل فيها مارينا عنها.
“نعم، لدي بعض المعلومات.”
“حقًا؟!”
لم أستطع إخفاء دهشتي.
“لماذا؟ كيف تعرفين؟!”
“خالتي أخبرتني. قالت لي إنه عندما تكبرين وتسألين عن والدتك، عليّ أن أخبرك.”
“…آه.”
أدركت حينها نية المُرضعة.
لا بد أنها عرفت السبب وراء رحيلها، وكانت تعلم أنني، في تلك الفترة، لم أكن في حالة تسمح لي بسماع أو تذكّر أي شيء.
لذا، أوصت مارينا بإخباري بدلًا منها.
“لكن لماذا لم تخبريني من قبل؟ كان بإمكانك أن تخبريني حين بلغت سن الرشد.”
وضعت مارينا قطعة المادلين جانبًا وقالت بجدية:
“خالتي أوصتني بأن لا أقول شيئًا إلا إذا سألتِ بنفسك، آنستي.”
حدقت بها مطولًا.
“…كوني صادقة، هل نسيتي الأمر؟”
“هيهي، آنستي، لا تفتحي الملفات القديمة!”
بالتأكيد كانت قد نسيت. ضحكت مارينا ببراءة وأكملت تناول الحلوى. كانت تعرف تمامًا أنني لا أستطيع أن أغضب من وجهها الضاحك.
“لكنني جادة. كنت حينها مجرد طفلة في الثامنة، أليس طبيعيًا أن أنسى أمرًا كهذا حتى لو قلت لنفسي أنني سأخبرك عند بلوغك؟”
“صحيح، كلامك منطقي. حسنًا، أخبريني الآن. ماذا قالت لكِ خالتي؟”
كان هذا شيئًا لم أسمعه حتى في حياتي السابقة.
حينها، كنت مشغولة جدًا في البقاء على قيد الحياة لدرجة أنني لم أملك رفاهية التفكير في أمي.
“قالت خالتي إن والدتك كانت امرأة جميلة ذات ملامح غريبة قليلًا… وقد أخبرتني أنكِ تشبهينها تمامًا.”
رفعت يدي لألمس وجهي تلقائيًا وتذكرتُ الماركيز. لطالما شعرت أنني لا أشبهه، ويبدو أنني كنت أشبه والدتي بالفعل.
“كانت متبناة. لا أحد يعرف كيف تم تبنيها، لكن يبدو أنها لم تكن على وفاق مع عائلتها. قالت خالتي إن زوجة رب العائلة كانت تظنها ابنة غير شرعية فأساءت معاملتها.”
لم أتوقع أنني ورثتُ عنها حتى تلك المآسي.
“وأيضًا…”
ترددت مارينا، ثم تمتمت:
“ما الأمر؟ قولي.”
فقالت مارينا بصوت خافت:
“الصندوق الذي تركته لكِ… تركته وهي حامل بك. خالتي قالت إن طريقتها في الحديث كانت وكأنها… كانت تعرف أنها ستموت.”
“كانت تعرف…؟” رددت كلمات مارينا بصوت منخفض.
“وفقًا لكلامها، قابلت أمي خالتي بعد أن علمت بالحمل. وقتها كانت عائلتها قد انهارت فجأة، وبدأت الأحاديث تدور حول فسخ خطبتها من الماركيز. في تلك الظروف، لا بد أنها كانت في حالة اضطراب، لكنها ـ بحسب رواية خالتي ـ كانت هادئة، كأنها تنتظر شيئًا ما. وقد سلمت الصندوق، طالبة من خالتي أن تسلمه “لابنتي” — رغم أنني لم أكن قد وُلدت بعد.”
تفكرتُ في كلام مارينا، لكن كل شيء كان يزداد غموضًا.
“…لا يمكن ترك الأمر هكذا. لا بد أن أبحث عن معلومات بشأن أمي.”
“كيف؟ العائلة قد اختفت تمامًا، والعثور على أشخاص سيأخذ وقتًا طويلًا.”
“لكني أعرف شخصًا يمكنه مساعدتي.”
فكرت في “العم”. كان هو الشخص الوحيد الذي أعرف أن له علاقة بوالدتي.
لم أكن أنوي سؤاله من قبل، لكن الآن، لا يمكنني تجاهل شعوري بأن هناك شيئًا مخفيًا.
“مارينا، اعتني جيدًا بالصندوق.”
“حسنًا، سأضعه بجانب الزهور.”
نظرت نحو النافذة عند سماع تلك الكلمات. لقد مرّت ثلاثة أيام منذ أن تلقيت الزهور للمرة الأولى، ومنذ ذلك الحين، تصل الزهور كل صباح. كنت أختار من بينها الزهرة الأجمل وأقوم بإهدائها لشانور. واليوم، قررت أن أذهب بنفسي لأخبره بخروجي وأهديه الزهرة.
الآن، كانت جميع ستائر الطابق الثالث قد سُحبت.
وكان الضوء يتسلل إلى داخل قصر الدوق، ليكشف عن جماله الدافئ.
الطابق الثالث، حيث يقيم الدوق، كان فخمًا على نحو خاص، حتى أنني شعرت بالأسف لأنني لم أستطع رؤيته جيدًا من قبل.
وبينما كنت أترنم بلحن صغير، وصلت إلى مكتب شانور.
لم تكن يدَي حرتين لطرق الباب، فرفعت صوتي قليلًا.
“يا صاحب السمو، هل أنت هناك؟ إن كنت موجودًا، هلّا فتحت الباب من فضلك؟”
وقبل أن أكمل جملتي، انفتح الباب فجأة.
“بيلوني؟”
سرعان ما انتقل نظر شانور المتسائل إلى مزهرية الزهور التي كنت أحملها بين ذراعي.
“اليوم أحضرتها بنفسي.”
ابتسم شانور وأدار جسده قليلًا ليفسح لي المجال.
دخلتُ إلى مكتبه وألقيت نظرة سريعة على المكان.
“أين أضعها؟”
كان هناك مزهريتان بالفعل قرب النافذة، وواحدة أخرى فوق الطاولة بجانب الأريكة.
“على المكتب من فضلك.”
“اجلس مكانك، لن أسقطها، فلا تقلق.”
حين تبعني شانور بخطاه، قلت له بنبرة مازحة، ثم وضعت المزهرية على مكتبه.
وبينما كنت أحاول اختيار الموضع الأنسب لها، وقعت عيناي على كلمة مألوفة في إحدى الأوراق المبعثرة.
أبعدت بصري عنها فورًا وجلست أمامه على الأريكة المقابلة.
“في الحقيقة، إيصال الزهور لم يكن سوى ذريعة، أردت الحديث معك. أفكر بالخروج قليلًا.”
“إلى أين؟”
“عندي أمر مع العم.”
أومأ شانور برأسه دون أن يطرح المزيد من الأسئلة.
“اذهبي وعدي.”
ذلك كان كل ما أردت إخباره به، لكني لم أغادر مكاني فورًا.
“جلالتك… في الحقيقة رأيت قبل قليل بعض الأوراق على مكتبك. هل حدث شيء مع إيان؟”
الاسم الذي رأيته في الورقة لم يكن إلا اسم “إيان”.
لم يكن قلقي عليه بحد ذاته، بل خشيت أن يكون قد ارتكب مصيبة جديدة.
“نعم، يبدو أنه فعل شيئًا.”
“لا تقل… هل سبب مشكلة؟”
كم حجم الكارثة التي ارتكبها ليصل تقريرها إلى شانور نفسه؟
إيان غبي، ضعيف، وجبان، ولا يملك الجرأة ليفعل شيئًا كبيرًا.
لكن حتى الدودة إن دُعِست عليها، فإنها تلتوي.
آخر لقاء بيننا جرح كرامته بشدة، فربما كانت هذه محاولته الأخيرة لإثبات نفسه.
رجوت في داخلي ألا يكون قد سبب أذًى لشانور، وانتظرت الجواب بقلق متصاعد.
لكن، حتى بعد مرور لحظة طويلة، لم ينبس شانور ببنت شفة. اكتفى بالتحديق بي بصمت.
ابتلعت ريقي الجاف.
“جلالتك؟ ما الأمر؟ هل الأمر خطير حقًا؟”
شعرت وكأن قلبي سقط إلى قاع معدتي.
‘هل يمكن أن يكون إيان قد وضع جلالته في موقف حرج؟ هل كان عليّ أن أضربه وقتها حتى يعجز عن التحرك؟’
شعرت بالندم.
كان عليّ ضربه بالسيف أو بقبضتي بدلًا من الكلمات.
ومع تزايد التجهم في وجه شانور، تأكدت أن إيان ارتكب كارثة.
وبينما كنت أتحرك بتوتر في مكاني، قال شانور وهو يقطب حاجبيه:
“هل أنتِ قلقة على إيان بيكهام إلى هذا الحد؟”
“هاه؟”
“هل هو شخص مهم بالنسبة لكِ لدرجة أن تقلقي وتتوتري هكذا من أجله؟”
…ما الذي يعنيه هذا الكلام؟
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 29"