أخبرت بيلوني شانور بالأمس بأنها ترغب في زيارة قصر الماركيز.
“نعم.”
“هل هناك سبب يستدعي الذهاب؟”
“لدي بعض الأغراض التي يجب أن أحضرها… رغم أن والدي أو السيدة الماركيزة ربما تخلصا منها منذ زمن.”
وعندما بدا شانور غير مرتاح للفكرة، سألت بيلوني بحذر:
“هل تكره أن أذهب إلى قصر الماركيز؟”
“ليس لي الحق في منعك، لكن لا أعتقد أنك ستشهدين شيئًا جيدًا هناك. أنا قلق.”
ورغم ذلك، لم يمنعها شانور في النهاية.
بل إنه قال لها أن تركب العربة السوداء وتذهب قبل أن يرافقها. كان يخطط لإرسال عدد من الفرسان معها، إلى جانب نوسيل، لكنها رفضت ذلك لأنها شعرت بالعبء.
فأسرة ماركيز جيريم لم تكن قوية بما يكفي لحدوث أمر كبير يستدعي تدخل فرسان دوقية.
ومع ذلك، فإن تعبير شانور القلق من أجلها كان شيئًا أعجبها، فابتسمت بيلوني وتذكرت والدها، ماركيز جيريم.
ماركيز جيريم، في الحقيقة، لم يكن شخصًا يترك أثرًا في الذاكرة. نادرًا ما كانت تراه، مرة في الشهر بالكاد، وحتى عندما كانت تلتقيه كان يظهر لها دائمًا لامبالاة.
كانت في الماضي تتمنى حنانه، لكن تلك كانت أحلام طفولية ساذجة.
ماركيز جيريم لم يكن فقط غير مهتم ببيلوني، بل كان شخصًا يعتبر كل شيء مزعجًا، سواء سقطت الأسرة أم لا.
وكان بالكاد يُظهر بعض الاهتمام بالسيدة الماركيزة وابنته غير الشقيقة، أرييل.
وبشكل عام، لم يكن بينها وبين ماركيز جيريم أي تواصل، حتى أنها تساءلت أحيانًا إن كانت ابنته حقًا.
ولهذا لم يكن بوسعها تخمين ما سيكون رد فعله عندما تراه.
“لكن، ألم يكن ماركيز سعيدًا عندما تأكدت خطبتك إلى الكونت بيكهام؟”
“صحيح، كان كذلك.”
أومأت بيلوني وهي تسترجع ذلك الموقف.
كما قالت مارينا، حين تقررت خطبتها إلى إيان، أظهر ماركيز جيريم لأول مرة اهتمامًا بها.
“خطوبة؟”
“نعم، عزيزي. الكونت بيكهام يبلغ من العمر أربعة وعشرين عامًا، وهو شاب وسيم وبارع. أعتقد أنه يناسب بيلوني كثيرًا.”
كما اعتادت دومًا، تظاهرت الماركيزة بأنها زوجة الأب الطيبة أمامه، وأغرقت إيان بالثناء.
لكن في الحقيقة، حتى ذلك الاهتمام لم يكن حقيقيًا.
“…صحيح. لقد أصبحتِ في العشرين من عمرك. حان وقت الزواج.”
تلك العبارة الوحيدة كانت كل ما قاله.
ومع ذلك، سارعت الماركيزة لتغيير الموضوع، خوفًا من أن يُبدي ماركيز جيريم اهتمامًا أكبر ببيلوني.
وإن كان ذلك يُعد اهتمامًا، فربما يمكن اعتبار شانور شخصًا يحبها بعمق، حسبما فكرت بيلوني وهي تسخر في سرها.
ربما بسبب كونها زوجة أب، فقد كانت الماركيزة تشعر بخوف كبير من أن يهتم الماركيز ببيلوني.
لا شك أنها كانت تظن أن الماركيز كانت تربطه علاقة عميقة بوالدة بيلوني لدرجة أنه أنجب منها طفلة قبل الزواج، لكن بيلوني لم تفكر أبدًا بذلك الشكل.
“لم تكن بينهما علاقة عميقة أبدًا.”
عندما كبرت قليلًا، بدأت تتساءل عن والدتها البيولوجية.
فسألت الخدم القدامى في القصر إن كانوا يعرفون من هي.
وفي تلك الليلة، جاء الماركيز إلى غرفتها في حالة غضب شديد، وأمسكها من ياقة عنقها وصرخ قائلًا:
“لا تذكري تلك المرأة أبدًا. أبدًا!”
كانت بيلوني حينها لم تتجاوز الثامنة من عمرها، وقد أصابها ذلك الموقف بصدمة عميقة، ومنذ ذلك الحين لم تذكر والدتها مطلقًا.
وبسبب ذلك الحادث، تم طرد مربيتها من القصر.
ربما منذ تلك اللحظة، بدأت بيلوني تنسى والدتها وتتعامل مع والدها وكأنه غير موجود.
“حين تحدثوا عن زواجي من الكونت بيكهام، لم يكن رد فعل والدي تهنئة لي، بل كان أقرب إلى فرحة تخلّصه من عبء مزعج.”
“آنستي…”
عندما بدأ الجو يثقل، ابتسمت بيلوني ابتسامة مشرقة في وجه مارينا.
“دعينا نتوقف عن الأحاديث المزعجة. علينا أن نفرح الآن. حتى آل ماركيز لن يجرؤوا على معاملتنا باستخفاف بعد اليوم.”
خلال شهر تقريبًا، ستصبح بيلوني المرأة الأرفع مقامًا بعد الإمبراطورة.
شانور، الذي وُلد قبل تتويج الإمبراطور الحالي مباشرة، وُلد يتيمًا، إذ توفيت الإمبراطورة السابقة أثناء الولادة بسبب كبر سنها.
ومنذ ولادته، ربّاه الإمبراطور الحالي كما لو كان ابنه.
وتخلى شانور منذ صغره عن حقه في وراثة العرش، ومنح لقب دوق عظيم.
وبفضل إنجازاته في الحروب، نال شهرة ومكانة تفوق حتى وراثة العرش.
أن تصبح زوجته، لم يكن أمرًا بسيطًا مثل الانضمام إلى العائلة الإمبراطورية، بل كان شرفًا من مستوى مختلف تمامًا.
“بما أننا ذاهبتان، لما لا نُحرج السيدة الماركيزة وأرييل قليلًا؟”
“أجل! سأتباهى أمامهم بكل ما لدي!”
ابتسمت بيلوني وهي ترى مارينا ترفع ذقنها كأنها كانت تنتظر هذه اللحظة.
وفي تلك اللحظة، توقفت العربة.
“مَن… مَن أنتم؟”
سأل أحد فرسان آل ماركيز وقد بدا عليه الارتباك من ظهور العربة الفاخرة والمهيبة فجأة.
لم يتعرّف حتى على ختم دوقية راينهارت البارز عليها.
رغم أن نوسيل شعر بالدهشة، إلا أنه أخفاها وردّ بصوت جاف:
“نحن من دوقية راينهارت.”
“د- دوقية راينهارت؟! لماذا؟!”
سأل الفارس بذهول، بينما همس زميله الذي كان بجانبه:
“ألم تسمع؟ الآنسة الكبرى ستصبح دوقة راينهارت!”
“إذن ذلك الخبر كان حقيقيًا؟!”
بدأ الاثنان يتحدثان همسًا، ثم سرعان ما بدت عليهما ابتسامة متوترة.
“ت- تفضلوا بالدخول!”
أشار الفارس فورًا بعينيه لزميله، وبينما كان الآخر يفتح البوابة، ركض الفارس الأول داخل القصر.
بعد لحظات، توقفت العربة أمام مدخل القصر.
عندما نزلت بيلوني بتأنٍ، يرافقها نوسيل، كان كبير الخدم ورئيسة الخادمات يقفان أمام المدخل، يلهثان ويلتقطان أنفاسهما وهما يرتبون ملابسهم على عجل.
كان مشهدهم وهم ينحنون دون أن يجرؤوا حتى على النظر في عينيها مثيرًا للدهشة.
شعرت بمدى عظمة دوقية راينهارت، التي أصبحت الآن درعها الحقيقي.
“كبير الخدم، رئيسة الخادمات.”
نادتهما بيلوني بصوت ناعم.
“ن- نَـعَـم؟ آنسة؟!”
رفع الاثنان رأسيهما بصدمة.
غطت بيلوني فمها بمروحتها ونظرت إليهما من أعلى.
كانت تربطها بهما علاقة طويلة… ولكن في أسوأ جانب ممكن.
فهي الابنة الكبرى لعائلة ماركيز جيريم، ومع ذلك، تجاهلها والدها، وعاملتها زوجته بتمييز.
في البداية، كان كبير الخدم ورئيسة الخادمات يعاملانها بلطف، لكن بعد ولادة أرييل تغيّر سلوكهم، وبدؤوا يرون فيها عائقًا.
وبما أن سادة المنزل أظهَروا مثل هذا السلوك، أصبح الخدم يتعاملون معها كما يحلو لهم.
الطعام البارد، الماء المثلج، الغسيل غير النظيف، والغرف المغطاة بالغبار… كانت أمورًا اعتيادية.
ومن خلال هذا كله، أدركت بيلوني أن وضع قصر آل ماركيز كان أسوأ مما توقعت.
زوجة الماركيز، التي لم تولد في عائلة راقية ولم تتلقَ تعليمًا مناسبًا، لم تهتم بشؤون المنزل، واضطرت بيلوني لتحمل هذه المسؤولية بدلًا عنها.
وبسبب ذلك، كانت تحتك بكبير الخدم ورئيسة الخادمات كثيرًا، وغالبًا ما كانت تصطدم بهما.
وبعد أن اكتشفت أنهما يسرقان المال معًا، تدهورت علاقتهما بها نهائيًا.
ثم، عندما دخلت بيلوني المجتمع الراقي، اضطرت لترك مهامها المنزلية، فاستغل الاثنان ذلك وبدآ بمضايقتها أكثر، بينما لم يكن لديها أحد تشتكي إليه.
حتى عندما علمت أن إيان شخص سطحي، وافقت على الزواج منه فقط لأنها لم تعد تحتمل الإهانة في قصر آل ماركيز.
لكن الآن، كل شيء تغيّر.
بيلوني على وشك أن تصبح دوقة، بينما هما ما زالا مجرد خادمين في قصرٍ يحتضر.
“مضى وقت طويل، أليس كذلك؟”
أطلقت بيلوني ابتسامة مشرقة بقدر ما تستطيع.
وعندما أنزلت المروحة عن فمها وظهرت ملامح وجهها، رمشا بعينيهما بدهشة.
عندما سمعوا أن دوقية راينهارت أرسلت أحدًا، خمّنوا مباشرة أنها بيلوني.
قبل شهر، وصلت رسالة من الدوقية تعلن عن خطبتها، لكن لم يصدقها أحد.
إلى أن تحدثت عنها مجلّة الفضائح مرتين متتاليتين، بدأ البعض يدرك أن الأمر حقيقي.
في الحقيقة، شعر الخدم بالفرح.
فهي الابنة الكبرى، ولا بد أنها ستساعد الأسرة.
وهذا يعني أنهم قد يتخلصون من عبء العمل المرهق مقابل رواتبهم القليلة.
لم يخطر ببال أحد منهم تذكّر المعاناة التي مرت بها بيلوني في هذا القصر.
لكن، بمجرد أن التقت أعينهم بعينيها الواسعتين المليئتين بالثقة، عادت كل ذكريات إيذائهم لها.
الفرح تحول إلى رعب في لحظة.
“آ- آنسة. ماذا… يجلبكِ إلى…؟”
“هل هناك مشكلة في مجيئي إلى منزلي؟”
أمالت بيلوني رأسها قليلًا ثم ابتسمت وقالت:
“صحيح… بالكاد يمكنني أن أسميه منزلًا، بالنظر إلى كم العذاب الذي لقيته فيه.”
عندها، ومضت نظرة حادة في عيني الفارس الواقف بجوارها، والذي كان يحمل على سيفه ختم دوقية راينهارت.
بدأ الاثنان يرتجفان.
“أوه، لماذا ترتجفان هكذا؟ هل حلّ الشتاء بالفعل؟”
قالت بيلوني بخفة وهي تطوي مروحتها.
رفعت مارينا ذقنها وتكلمت ببرود:
“سيدي الخادم، سيدتي رئيسة الخادمات، ألا تنوون مرافقة الآنسة؟ هل ستتركونها واقفة؟”
“لـ- لا طبعًا!”
ردّت رئيسة الخادمات بسرعة، دون أن تلاحظ أنها تتحدث باحترام مع نفس الخادمة التي كانت تُذلّها سابقًا.
“بالطبع علينا مرافقتها! من هنا، آنستي!”
نظرت بيلوني إلى ظهورهم المنحنية التي تقلّصت من الذل، وزفرت بهدوء.
كانت تظن أن إنفاق المال هو ما يعطي شعورًا باللذة… لكن استخدام السلطة؟ كان أكثر إثارة.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 25"