اعتدلت نيلا في وقوفها ونظرت بعيون ثابتة في عيون إليون، لا خوف … لا تراجع .. فقط عيون واضحة مشحونة بالعزم والعناد ..
” هل حان وقت مكافأتي؟! … يا صاحب السعادة “
” ولمَ تعتقدين ذلك؟!”
” الحدس …”
” جيد …”
“…”
كان يبحث في إحدى الوثائق فاحتارت نيلا من رده وحركت رأسها بتعبير عدم الفهم، نظرت لفيكتور بمعنى هل تعلم لكنه حرك رأسه بعدم فهم …
” هذا …”
أخذت نيلا الورقة التي مررها لها إليون وقد كانت عقد عمل لصالح دي والتر …
[ ينص العقد على أن المذكور اسمها نيلا لوغان هارفي ستعمل في قصر دي والتر كمربية للسيد الشاب لأجل غير مسمى ، براتب ××××××× قطعة ذهبية في السنة مع تأمين المسكن والملبس لها خلال فترة عملها …
شروط العمل العناية بالسيد الشاب لدي والتر داميان إليون دي والتر وحمايته
احترام مكان عملها وعدم خيانة رب عملها ..
التوقيع …..]
” هل لديك أي شيء لإضافته؟!”
“…”
أشرق تعبير نيلا وحركت رأسها نافية واستلمت الريشة بلا أي سؤال، لكن إليون قبل تسليمها ريشة الكتابة والحبر قال بهدوء:
” الحبر سحري، إنه عقد يرتبط بالحياة …”
” وهل هناك مشكلة؟!”
” لا ، وقعي …”
وقعت نيلا اسمها وسلمت إليون العقد وعلى وجهها ابتسامة سعيدة، شعر إليون بالحيرة، وفكر بداخله:
‘ هل تحب هذا الطفل، لدرجة أنها لا بأس أن تتخلى عن حياتها …’
” هانز أرسلها لغرفتها …”
” أمر جلالتك …”
انحنى فيكتور وأشار لنيلا بأن تتبعه، ولكن نيلا قبل أن ترحل نظرت لإليون بهدوء وقالت:
” هل تحتاج أن تتحدث معي أرشيدوق؟!”
“…”
نظر لها إليون بنظرات خالية لكن بنظر نيلا تعلم أنها تحمل الكثير، تجاهلت صمته وقالت بابتسامة مرحة …
” لدينا الكثير من الوقت لنتحدث …”
أومأ إليون بتلقائية بنعم وتوسعت ابتسامة نيلا، بينما فيكتور في حالة دهشة، لكنه أحب ما يحدث أمامه، وبداخله …
‘ سأفعل أي شيء ليصبح هذا الرجل إنساناً حياً من جديد …’
* * *
بعد أن خرجا من المكتب سألت نيلا فيكتور وهما يتوجهان للطابق الثالث:
” هل داميان يعلم بذلك؟!”
” لا ، لم أستطع إخباره ..”
” هذا جيد ، ستكون مفاجأة سعيدة له في الغد …”
” أتفق معكِ ..”
نظرت نيلا بابتسامة ونظرة متفحصة لهانز وقالت:
” هل تشعر بالكراهية تجاهي؟!”
” لا أعلم شعوري، لكن بالتأكيد لا أكرهك كثيراً آنسة هارفي …”
” عرفت سبب إبقاء الأرشيدوق لك بجانبه … شخص لديه رؤية ..”
” أشكر امتداحكِ لي آنستي …”
” لكن فيكونت هانز، عليك الحذر … حتى وإن وجدت الكثير والكثير من الأسرار ما زال هناك أكثر … حماية دي والتر واجب كل فرد فيها …”
” هل تعتقدين أن هناك خونة بخلافكِ أرادوا تدمير دي والتر؟!”
” بخلافي أنا، هم يريدون الأذى ..”
” هل تعرفينهم؟!”
” حالياً لا … لكنني سوف أعرفهم جيداً “
” سأكون سعيداً بتبادل المعلومات معكِ آنسة هارفي …”
” وأنا كذلك … بخصوص الخادمتين … هل يمكنك جعلهما معي لوقت أطول قليلاً؟ “
” على أي حال كنت سأضعهما تحت إمرتكِ ..”
” شكراً لك …”
ابتسم هانز، الذي احتار لمَ غير الدوق الأكبر رأيه بجعل نيلا هارفي مربية لداميان، بعد أن قال عكس ذلك، فكر أنه سوف يسأله في وقتٍ ما …
* * *
كانت الغرفة التي تُركت أمامها نيلا فاخرة بكل ما تعنيه الكلمة، ليس أنها لم ترها من قبل، المربية الخاصة للوريث تعتبر امتيازاً لا يستحقه سوى العائلات الأكثر ولاءً للأرشيدوق، الذي يعد أعظم قوة حتى من العائلة الإمبراطورية …
” بما نخدم الآنسة؟!…”
كانت الخادمتان منحيتا الرأس أمامها بانتظار أوامرها، نظرت نيلا لسيلين ثم للخادمة الأخرى التي تكلمت وقالت بتفكير …
” ما هو اسمكِ؟!…”
” مارثا ، اسمي مارثا سيدتي …”
” جيد …”
“…”
“…”
” مارثا وسيلين، ستكونان في خدمتي بدءاً من اليوم … اممم … أريد أن نكون صديقات ولا نخفي عن بعضنا شيئاً … “
ارتبكت الخادمتان عندما وقفت بينهما نيلا والتي كانت أقصر منهما وأصغر قليلاً ..
” بالتأكيد سيدتي …”
تكلمت الخادمتان بينما قامت نيلا بإمساكهما من ذراعيهما بشدة وابتسمت بلطف بعكس القوة التي تمسك بها الخادمتين …
” لكن إن عرفت أنكما تخفيان عني شيئاً … سأكون حزينة … جداً ..”
“…”
“…”
في كلمتها الأخيرة قبضت بقوة عليهما، فابتلعتا لعابهما وحركتا رأسيهما بإيجاب والدموع تكاد تخرج من عيونهما …
” سأترك نفسي في عنايتكما …”
انحنت الخادمتان وتكلمت سيلين رغم اهتزاز صوتها …
” هل أعد الحمام، سيدتي؟!…”
” حسناً …”
” سأقوم أنا بإعداد الملابس بينما تأخذين حمامكِ سيدتي ..”
كانت الأخرى ترتجف أيضاً لكنها حاولت الثبات، فحركت نيلا يديها بمعنى افعلي ما شئتِ …
تحركت الخادمتان بانسجام بينما نيلا ترتب أغراضها البسيطة وتضعها في الدرج …
” الحمام جاهز …”
” حسناً …”
“…”
” سأدخل وحدي …”
تراجعت سيلين بينما دخلت نيلا وحدها الحمام، كان معداً بكل اهتمام، حمام بالزهور والزيوت العطرية، شعرت نيلا بالانتعاش ومع حرارة المياه بدأ جسدها المسترخي بدفع عقلها للتفكير ..
لم ترغب بالخدم بشكل خاص، ولكنها ستكون قوة داميان ودعمه داخل الدوقية الكبرى، فطفل بلا أم عرضة للأذى والتنمر، وخصوصاً أن عائلة الدوقة السابقة تهربت من الموضوع لضمان سلامة سمعتها، فأعلن وفاة الدوقة، أما هي فلا تملك عائلة تدعمها لمساعدة داميان كان المتبقي لديها من آل هارفي والدها بينما والدتها كانت من أصل عامي، صحيح أن أماندا سوف تحاول حماية داميان، لكن سلطتها محدودة …
أخذت نيلا نفساً عميقاً وأنهت حمامها أخيراً، لتخرج وتجد الخادمتين مستعدتين بملابس نوم جديدة وفاخرة، تنهدت نيلا عندما وجدت الخادمتين لم تبرحا مكانيهما …
” سأكمل كل شيء وحدي ، يمكنكما الرحيل …”
رغم ارتباك الخادمتين لكنهما خرجتا أخيراً، ليس لأن نيلا ليست معتادة على الخدم لكنها تحب فعل كل شيء بمفردها، لقد كانت في حياتها السابقة من الطبقة المخملية في المجتمع رغم حياتها القاسية لكنها كانت تعيش في رفاهية، رغم أنها كانت خانقة، وفي هذا العالم تلقت عناية شديدة من والديها، فلم يكن هذا غريباً عليها … لكن الحياة في الريف قد جعلتها أشد وأكثر قوة …
” لنفكر الآن ، كيف أفاجئ دامي؟!…”
ابتسمت بحماس في داخلها وكانت ترغب الآن بمداعبة خدي طفلها وشعره، لكنها كبحت حماسها لتفاجئه صباحاً …
* * *
” عليك إكمال صحنك سيدي الشاب …”
كان قد أنهى تقريباً صحنه لكن حبات البازلاء ما زالت لم تُمس تماماً، تنهدت أماندا بعد محاولتها البائسة …
” سيدي الشاب إذا أنهيت طبقك كاملاً لدي مفاجأة لك …”
“…”
“…”
التفتت أماندا وداميان لمصدر الصوت وكان فيكتور يبتسم بحماس، حرك داميان رأسه بعدم فهم، فتقدم فيكتور وهمس في أذنه …
” سترى الآنسة هارفي …”
” حقاً؟!…”
أشرق تعبير داميان وبسرعة أنهى ما تبقى من صحنه، ومسح فمه وبحماس ..
” انتهيت ، خذني لرؤية والدتي ..”
عندما وقف داميان بعناد ابتسم فيكتور بمرح وقال وهو ينظر إلى أماندا بثقة:
” سيدتي ، هل تتبعيني أيضاً؟!..”
لقد أراد فيكتور إيصال رسالة لعمته، لم تفهم أماندا بعد وتحرك داميان بجانب فيكتور بوجه متحمس والغريب بالنسبة له هو وأماندا أن الوجهة كانت داخل القصر لا خارجه …
* * *
كانت قد تناولت طعامها وارتدت من الملابس التي تم تحضيرها لها، لقد كانت ملابس بسيطة التصميم لكنها كانت من مواد فاخرة جداً ..
‘ هذا ما عناه عندما كُتب الملبس ….’
لم تكن نيلا تهتم كثيراً بالملابس حتى في حياتها السابقة، كان الهدف الأهم هو النظافة وحسن الهندام …
استعدت بحماس للخروج من الغرفة والذهاب لقاعة الطعام للقاء داميان وقد تبعتها الخادمتان بإخلاص وقبل أن تنزل حتى من الدرج، وجدت الطفل يقف أسفل السلم بعيون مفتوحة، ومن دون أي مقدمات صعد داميان الدرج بحماس حتى عانق نيلا والتي بدورها ربتت عليه بدفء …
” لم أصدق السيد هانز في البداية .. أنا سعيد”
“…”
لم تجد نيلا أي كلمة تصف سعادتها حقاً، لقد أصبح لديها الآن الفرصة لتبقى بجانب هذا الطفل الجميل ورؤيته يكبر أمام عينيها ..
” أمي ، كيف أتيتِ إلى هنا؟!..”
” سيدي الشاب … السيدة هارفي من الآن وصاعداً أصبحت المربية الخاصة لسموك …”
” حقاً؟!…”
عندما نظر هانز للوجه المشرق للطفل الذي أمامه، شعر بالدفء في قلبه، لقد كان هذا القصر بارداً لسنوات طويلة، لقد أحب وجود هذا الكيان الدافئ، فنظر لحوله وقد شعر بوجود آذان ستنشر الخبر في جميع أنحاء القصر فابتسم لسيده الشاب وقال بذقن مرفوع:
” لقد منح جلالته السيدة شرف رعاية سيدي الشاب، واحترام آل دي والتر … فأي إساءة للسيدة هارفي هي إساءة لدي والتر …”
فتح داميان فمه بدهشة وقد كان متحمساً جداً ونظر لنيلا بمعنى هل سمعتِ، ابتسمت نيلا بعطف لهذا الطفل الجميل ..
” لأن صغيري الجميل عزيز على قلب الجميع … أنت سيدهم الذي يحبونه “
فرح داميان بصدق وأمسك بيد والدته وهو يزهو بسعادة حتى أسرع معها للدخول لغرفته لتراها والدته ..
كانت نيلا سعيدة بأن الطفل كان يبتسم بسعادة …
” لم ينظر للغرفة أبداً … يبدو أنه انتظر السيدة …”
التفتت نيلا لمصدر الصوت وقد كانت أماندا تحني رأسها بنوع من الخضوع، كانت نيلا تدرك حجم الخيانة التي تسببت بها لأماندا، القلب الذي احتضنها في هذا القصر …
كانت تعلم أنه من الصعب عودة كل شيء لسابق عهده، لكن لا يعني أنه مستحيل، أخذت نفساً عميقاً وتكلمت بلطف:
” يمكن للسيدة أماندا مناداتي باسمي …”
” إنه تجاوز لمكانتي سيدتي …”
شعرت نيلا بالإحباط، لقد قررت أن تتصرف ببطء وتروٍ، لكن لا يعني أن لا تبدأ بالتصرف أولاً بحزم ثم ترك الأمور لتُحل ببطء …
” سيدة أماندا أنا حقاً أعتذر … لا أستطيع إخباركِ بشيء …”
انحنت نيلا لأماندا بكل صدق ما جعل أماندا تشعر بتوتر وتعجز عن الرد، ابتسم هانز بمرح، كان يدرك أن المرأة التي أمامه ماكرة، لكن لم يتوقع أن تكون عنيدة …
كتم ضحكته ولإعادة الجميع للواقع تكلم بهدوء مخاطباً داميان:
” سيدي الشاب .. سيبدأ درسك بعد نصف ساعة …”
” ماذا؟!… لا أريد “
أحب هانز الجانب المتمرد والعنيد للطفل، لكنه ما زال يحب الانضباط في الحياة، فنظر للطفل بمعنى لا مجال للمساومة ..
” أمي …”
نظر داميان بعيون الجرو لوالدته التي يبدو أنها أشد حزماً من هانز فقالت:
” لا مجال …”
“…”
عبس داميان بشكل لطيف، فلان قلب نيلا ونظرت لطفلها بابتسامة دافئة ثم نظرت لفيكتور وقالت بأسلوب رجاء:
” سيد هانز ، هل يمكنك أن تطلب من السيد وينسون إكمال درس داميان أسرع قليلاً …”
شعر هانز بالراحة، أن نيلا تحب تدليل سيده بشكل معتدل وهذا إيجابي، فنظر لسيده الشاب وقال:
” سأتكلم مع السيد وينسون، ربما إذا بذل السيد الشاب جهداً أفضل اليوم سيخرج باكراً …”
” سأكمل الدرس أسرع مما تتخيل ..”
رفع داميان ذقنه بتحدٍ وقال مخاطباً فيكتور، ابتسم فيكتور للعناد اللطيف وقال بطريقة تحدٍ:
” لنرى …”
احتضن داميان والدته بقوة ثم غادر الغرفة، وقبل أن يغادر هانز متابعاً لسيده الشاب تكلم بتذكر:
” يمكن للآنسة التجول أو فعل أي شيء للترفيه عن نفسها، حتى ينتهي درس السيد الشاب ..”
” شكراً لك ..”
ابتسمت نيلا بطريقة كريمة وعندما لم يتبقَ أحد في الغرفة سواها هي والخادمتان، بدأت تتجول في الغرفة بتأمل، وأثناء عبثها بإحدى الريش الخاصة بالكتابة، نظرت مارثا وسيلين لبعضهما ثم تكلمت مارثا الأكثر جرأة …
” سيدتي …”
“…”
التفتت نيلا بدون كلمات ونظرت مباشرة في وجه مارثا وسيلين، فاستجمعت سيلين شجاعتها وقالت:
” إن لينا فرانز تنشر شائعات سيئة عن السيدة …”
ارتبكت سيلين عندما رفعت نيلا حاجبها باستفسار، فنظرت لزميلتها التي تكلمت بصوت مرتجف:
” تقول إن السيدة تسعى لمنصب الأرشيدوقة، وأن نوايا السيدة ليست طاهرة …”
ضحكت نيلا بشعور من الرضا، كانت لينا تكرهها جداً ولكنها لا تعلم أن غيرتها الطفولية ستساعدها أحياناً …
” دعنها تنشر ما بدا لها …”
“…”
“…”
نظرتا لها ثم لبعضهما، لقد شعرت الفتاتان بالحيرة حقاً، كانت نيلا تعرف أن هاتين الخادمتين جديدتان فقد أتيتا بعد حادثة الاختطاف، ليس هما بل أكثر من ثلثي الخدم تم تغييرهم وإسكات الذين غادروا إما بالتهديد أو الترغيب وبالتأكيد السحر، أما الذين بقوا هم من الذين خدموا الدوقية الكبرى لأجيال طويلة … الأكثرية العظمى لا تعلم الطبيعة الحقيقية لها وكيف أن لينا لم تدخر جهداً لتشويه سمعتها سواء في الماضي أو الحاضر ..
” أممم ، بما أن الطفل يعمل بجد ، لِمَ لا يتم مكافأته ببعض الحلوى اللذيذة؟!..”
………………… يتبع …………………
انتم ايش تتوقعون بتعمل نيلا 🤭 بنزل صور لو بدكم في قناتي ع التليجرام نفس اليوز @sara_luffy11
ولا تنسوا ما تابعوا باقي اعمالي في حسابي ع واتباد 😅
التعليقات لهذا الفصل " 10"