المكان الذي أخذت فيه راينا كاليكس كان دار أيتام تقع على مسافة قصيرة من أراضي كرولوت.
دار الأيتام <حديقة الزمرد>، المحاطة بالغابات الخضراء، كانت هادئة و سلمية، إذ نادراً ما يمر بها أحد.
نظرت راينا إلى المبنى الخشن الذي يحمل آثار الزمن بعينين مليئتين بالعاطفة.
‘أصولي الآمنة.’
نعم.
دار الأيتام هذه كانت ملكاً لراينا.
وفي الوقت نفسه، كان هو المخرج الوحيد الذي سيمنحها الحرية من عائلة كرولوت.
عندما بلغت راينا المتجسدة سن الثامنة عشرة، اقترح عليها الكونت و زوجته أن تبدأ عملاً تجارياً، وكأنهما كانا ينتظران تلك اللحظة.
‘وكان ذلك من أجل غسيل الأموال.’
بعد تفكير طويل، اختارت راينا دار الأيتام هذه.
“سيدة راينا! لم أكن أتوقع أن تأتي من دون سابق إنذار.”
عندما رأت امرأة في منتصف العمر العربة قادمة، هرعت لاستقبال راينا.
“أوليفيا، هل كنت بخير في هذه الأثناء؟”
“بفضلكِ، سيدة راينا، لم أواجه أي مشاكل.”
كانت أوليفيا خادمة طُردت من منزل عائلة كرولوت لمجرد أنها أخذت يوماً إجازة للعناية بابنها المريض.
و عندما فقدت حتى زوجها في حادث، شعرت راينا بالأسى عليها، وأسندت لها إدارة دار الأيتام.
لم تُعيّنها كمجرد موظفة، بل كمديرة، لأن موهبتها كانت عظيمة جداً لتُترك دون استخدام.
“هل أتيتِ لتفقدي السجلات؟”
همست أوليفيا إلى راينا.
كلفت راينا أوليفيا التي كانت بارعة في الحسابات بإعداد دفاتر مزدوجة.
ليس من أجل غسيل الأموال فعلياً، بل لتبدو كأنها تفعل ذلك لتخدع الكونت و زوجته.
“كما قلتِ، لا تزال التبرعات تتدفق.”
أومأت راينا برأسها بهدوء.
كان الكونت و الكونتيسة قد عارضا إدارة دار الأيتام عندما اختارته راينا كمشروع لها.
قالا ان دار أيتام لا يُطعم سوى الأيتام، فكيف يكون مربحاً؟
لكن راينا جادلت بأنه يجب استغلال هؤلاء الأيتام.
و مع ازدياد التفاوت الطبقي في الإمبراطورية يوماً بعد يوم، ازداد عدد الأيتام بشكل ملحوظ.
أضيف إلى ذلك عادة غريبة انتشرت بين السيدات النبيلات و بنات النبلاء، مما جعل من إدارة دار الأيتام مشروعاً مقبولاً.
فقد بدأن في إنفاق الأموال الطائلة على رعاية الفقراء.
وكان التبرع وسيلة فعالة لإبراز صورتهن كنساء رحيمات و كريمات.
ومن بين أشكال التبرع، كان التبرع لدور الأيتام التي تساعد الأطفال هو الأكثر شعبية.
أقنعت راينا الكونت و زوجته بأن عليهم اقتناص الفرصة الآن ما دام الأغنياء يرمون أموالهم على الأرض.
و بإعجابهم براينا، اشتريا فوراً دار أيتام كان على وشك الإفلاس.
“أنا واثقة أن أوليفيا ستقوم بعمل جيد. لقد جئت اليوم لأن لدي طلباً خاصاً.”
في اللحظة التي تغيرت فيها نظرة أوليفيا بسبب تعبير “طلب خاص”،
ترجلت مايا من العربة مع كاليكس.
“أود منكِ أن تعتني بهذا الطفل هنا.”
قالت راينا مشيرةً بعينيها إلى كاليكس.
“ولكن، أود ألا يعرف أحد بوجود هذا الطفل. هل هذا ممكن؟”
أومأت أوليفيا برأسها دون تردد.
“اتركيه لي.”
أوليفيا كانت تؤمن إيماناً راسخاً براينا التي كانت بمثابة منقذتها، و كانت تنوي مساعدتها بكل ما أوتيت من قوة.
“شكراً. سأرسل لكِ التفاصيل لاحقاً من خلال مايا.”
استدارت راينا نحو كاليكس.
ركعت و نظرت إليه من الأسفل.
“ما اسمك؟”
تردد كاليكس ثم أجاب.
“كاليكس.”
“كاليكس، أنا اسمي راينا.”
“راينا…”
ردد كاليكس اسمها بصوت خافت، ثم نظر حوله بحذر.
كان واضحاً أنه شعر بالرهبة من المكان والناس الغرباء.
قررت راينا أن تصرف انتباهه قليلاً لتخفف توتره.
“من هو البطل؟”
“نعم؟”
أشارت راينا بإصبعها إلى عنقه.
“أقصد بطل الحكاية المعلّق في عنقك.”
نظر كاليكس إلى حيث أشارت، وفتح عينيه على اتساعهما.
“هو، هو…”
أخرج التمثال المعلّق من تحت ملابسه ووضعه في كفه.
“اسمه ‘بومر’، حمى القرية من عصابة لصوص.”
“بومر؟”
عندما أبدت راينا اهتمامها، بدأ صوت كاليكس يعلو ويزداد سرعة.
“بومر كان ضعيف البنية، لذا لم يأخذه أهل القرية على محمل الجد. لكن عندما ظهرت عصابة اللصوص، اختبأ الجميع خوفاً، ما عدا بومر الذي واجههم.”
كان كاليكس يفضل بومر على الأبطال الآخرين الأكثر بريقاً.
لأن بومر، الضعيف مثل كاليكس، أصبح بطلاً، مما أعطاه الشجاعة.
“بومر ذكي. استخدم الأرض و الأشجار لصنع فخاخ…”
لكن عندما التقت عيناه بعيني راينا، التي كانت تنظر إليه بصمت، توقف عن الكلام.
ثم أخفض رأسه فجأة.
وما لبث وجهه أن احمر خجلاً.
الناس لم يكونوا يصغون لقصصه. بعضهم قال إنها مزعجة، و بعضهم استمع دون أن يهتم بها.
كان التحدث بقصص لا يريد أحد سماعها أكثر من مجرد أمر محرج.
كلما تحدث أكثر، كلما شعر كاليكس بالوحدة أكثر.
‘رغم أنني أعرف ذلك، تكلمتُ مجدداً كالأحمق لوحدي.’
ندم كاليكس وأغلق فمه بإحكام.
“لماذا توقفت؟ كانت القصة ممتعة.”
قالت راينا ببساطة، فرفع كاليكس رأسه ببطء.
“الآن عرفت لماذا تحبه. بومر بطل رائع وشجاع.”
ابتسمت راينا ابتسامة خفيفة.
كانت ابتسامة لا إرادية، لذا لم تفهم لماذا بدا كاليكس مذهولاً.
“كاليكس.”
نادته راينا، التي بدا أنها قد ارتاحت قليلاً.
“الشخص الذي سيعتني بكَ هو شخص موثوق به. سيتعامل معكَ بلطف، ويجب أن تثق به وتتبعه.”
“… وماذا عنكِ، راينا؟”
“أنا؟”
“ألن تكوني هنا؟”
عندما أومأت راينا برأسها، أصبح وجه كاليكس حزينًا على الفور.
“سأعود لرؤيتكَ قريبًا.”
“…”
“فقط انتظر لبضعة أيام.”
انتظر، سأعود، لذا كن جيدًا.
الوعود التي قطعها له الكبار لم تُوفَ بها يومًا.
ولكن إن أبدى رفضه، فسيجلب لنفسه الكراهية.
أومأ كاليكس برأسه بضعف.
وبينما كان يحدق في ظهر راينا وهي تغادره، قبض على يده بقوة.
كانت في يده الحلوى التي أعطتها له راينا.
****
كما توقع.
لم يكن حدس كاليكس خاطئًا.
جلس على حافة السرير يحدق بصمت من النافذة.
منذ البارحة و السماء تكسوها طبقة رمادية، واليوم انهمر المطر الغزير.
وفيما كان ينصت لصوت المطر الذي يقرع النافذة، امتلأت عينا كاليكس بخيبة الأمل.
كان هذا اليوم السابع له في دار الأيتام.
راينا، التي قالت انها ستعود قريبًا، لم تصل بعد.
“كنت أظن أنها قد تأتي اليوم.”
راينا التي لم تأتِ حتى في الأيام المشمسة، لم يكن من المعقول أن تزوره في مثل هذا الطقس السيئ.
مد كاليكس يده إلى جيبه بدلًا من أن يلمس ظهر يده كعادته.
في الجيب كانت هناك الحلوى التي أعطتها له راينا.
رغم أنه كانت هناك حلوى جديدة تُقدَّم مع الوجبات الخفيفة يوميًا، لم يستطع كاليكس أبدًا أن يأكل الحلوى التي أعطتها له راينا لأنها عزيزة عليه.
بدلًا من لمس ظهر يده، أخذ يتحسس الحلوى المستديرة.
“ربما كان هذا أفضل.”
حتى حالته الصحية لم تكن جيدة اليوم.
منذ الصباح و هو يشعر بقشعريرة خفيفة تسري في جسده.
حتى إن جاءت راينا لزيارته اليوم، كان سيضطر للبقاء حبيس الغرفة.
“على أية حال، كان يجب أن أبقى في الغرفة.”
أوليفيا، مديرة دار الأيتام التي قدمت نفسها بهذا الاسم، جعلت كاليكس يقيم بمفرده.
و كما وعدته راينا بأنها ستخفيه، كان كاليكس يعيش منفصلًا عن باقي الأطفال.
ولأن هذا النمط من الحياة كان مألوفًا له، لم يشعر كاليكس بأي استياء خاص.
رغم أن لوسيوس كان مشهورًا في الإمبراطورية، إلا أن قلة من الناس كانت تعرف أن له أخًا.
حتى الذين علموا بوجود الأخ، نادرًا ما عرفوا اسمه.
لهذا السبب، كان كاليكس يُربّى بطريقة لا تثير الشك حتى وإن اختفى فجأة.
ولهذا السبب أيضًا، كان كاليكس يولي اهتمامًا أكبر بالوفاء بطلب راينا بدلًا من التركيز على مجرد الاختباء.
“قالت ان علي أن أساعد أيضًا.”
كان كاليكس دائمًا هو من يطلب المساعدة، ودائمًا ما يُقابل بالتجاهل.
لكن عندما طلبت راينا مساعدته، شعر بأنه شخص ذو قيمة.
ولأنها كانت أول مرة يشعر فيها بهذا الإحساس، لهذا قرر كاليكس أن يتبع رغبة راينا مهما حصل.
“مقارنة بالأماكن التي كنت فيها، هذا المكان أسهل للاختباء.”
كان كاليكس يبتسم بمرارة عندما…
تكتكة، تكتكة.
أحدهم كان يدير مقبض باب الغرفة التي كان فيها.
“أوليفيا لم تأتِ في مثل هذا الوقت من قبل…”
مستحيل…
بينما راقب الباب يُفتح ببطء، لم يستطع كاليكس إخفاء تطلعه.
لكن الشخص الذي دخل لم يكن من كان ينتظره.
كان فتى في مثل سن كاليكس.
عندما رأى الفتى المُنمّش الوجه كاليكس، أضاءت عيناه.
“كما توقعت!”
اقترب الفتى من كاليكس بخطى واثقة.
فنهض كاليكس من مكانه بدهشة.
“كنت أتساءل لماذا تدخل المديرة كثيرًا غرفة لا يستخدمها أحد… فاتضح أن هناك شخصًا فيها.”
وبدا الفتى سعيدًا لأن توقعه كان صحيحًا.
“اسمي بيل. و أنت؟”
بدأ قلب كاليكس ينبض بعنف.
لقد انكشف أمره.
كانت راينا قد خبأته، و كان عليه أن يساعدها ويظل مختبئًا.
لكنه فشل في الالتزام بطلبها البسيط.
‘راينا ستصاب بخيبة أمل.’
وإذا شعرت راينا بخيبة أمل، فلن تأتي لرؤيته مرة أخرى، بلا شك.
“لا…!”
أسرع كاليكس و مد يده إلى السرير وسحب اللحاف فوقه.
“ما هذا؟ هل تظن أنكَ غير مرئي الآن؟ هل أنتَ أحمق؟”
ضحك الفتى، بيل، وكأنه وجد الأمر مسليًا.
رغم أن كلماته لم تكن خبيثة، إلا أنها لم تكن كذلك بالنسبة لكاليكس.
أحمق. ناقص. بلا فائدة.
ترددت الأصوات في أذنيه، وبدأ جسده يرتجف.
حرارة بدأت تنتشر من معدته، وعرق بارد ظهر على جبينه.
كانت هذه إشارات قدوم الحمى.
الحمى التي لطالما عذبته.
“هاي، قل شيئًا. هل غضبتَ لأنني قلتُ إنكَ أحمق؟”
مد بيل يده نحو كاليكس، وفي تلك اللحظة، قفز كاليكس من مكانه.
“آه!”
ارتطم ببيل الذي سقط أرضًا، لكن كاليكس لم يهتم.
أسرع كاليكس خارجًا من الغرفة.
عندما تأتي الحمى، يجب أن يكون وحده.
أخذ يجري في الممر.
من دون هدف واضح، تابع الركض حتى رأى السلم فبدأ في النزول.
كانت البطانية التي تغطيه تحجب رؤيته، فالسلالم تظهر و تختفي أمام عينيه.
وخلال نزوله الخطر، داس على البطانية وتعثر للأمام.
أغمض كاليكس عينيه بشدة.
لكن بدلاً من الارتطام بالأرض الصلبة، وجد نفسه محاطًا بشيء ناعم ودافئ.
“كاليكس؟”
عندما انكشفت البطانية عن وجهه، رفع كاليكس رأسه فجأة.
ومن كان قد أمسك به لم يكن سوى راينا.
لقد جاءت لرؤيته رغم المطر الغزير، وهي مبتلة تمامًا بمياه المطر.
لماذا الآن بالضبط…
لماذا راينا بالتحديد…
“لا، لا…!”
حاول كاليكس دفع راينا مبتعدًا بسرعة، لكنه كان قد تأخر.
بدأت رؤيته تظلم، و فقد وعيه على الفور.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "5"