ركبت راينا العربة وجلست إلى جانب كاليكس.
كانت مايا في المقعد المقابل.
تبادلت راينا و مايا النظرات.
أخبرت راينا مايا بالوجهة خفية عن نظر جوناثان، وطلبت منها أن توكل الأمر إلى سائق موثوق.
كانت تنظر إليها للتأكد مما إذا كانت قد فعلت ما طلبته.
لاحظت مايا ذلك وأومأت برأسها بخفة.
مايا، التي تنحدر من عائلة فرسان، كان ولاؤها لراينا استثنائيًا.
كانت ذكية، و كاتمة للأسرار، وكانت الشخص الوحيد الذي يمكن لراينا الوثوق به في القصر.
‘لحسن الحظ أن مايا موجودة.’
وبينما كانت راينا تشعر بالارتياح في داخلها، انطلقت العربة التي تقل الثلاثة.
حولت راينا نظرها إلى خارج نافذة العربة.
حاولت التركيز على المنظر، لكن دون جدوى.
‘الآن فعلاً…’
وضعت راينا يدها على جبينها بهدوء.
‘لقد انتهيت.’
أدركت راينا مرة أخرى مصيرها المظلم.
لقد شعرت بذلك مسبقًا، لذا قامت بتحطيم الشخصية التي حافظت عليها طوال الوقت و ضربت ظهر جوناثان بيديها.
بدلاً من معالجة الوضع، اتخذت نفس القرار الذي اتخذته البطلة في القصة الأصلية.
كان كاليكس بلا شك طفلًا مسكينًا ومثيرًا للشفقة.
راينا كانت تعرف من خلال القصة الأصلية كيف تمت معاملته أثناء نشأته في قصر الدوق إنغرسول.
ولهذا السبب بالتحديد لم تكن تنوي التدخل في القصة الأصلية.
لأنه إذا قابلت كاليكس، لم تكن واثقة من قدرتها على التظاهر بعدم معرفته.
“هاه…”
تنهدت راينا بصوت منخفض.
‘لقد انتهى الأمر بالفعل، لذا علي فقط التفكير في كيفية تدارك الأمر.’
ستحمي كاليكس، لكن من دون أن تُتهم ظلمًا كما حدث مع البطلة.
‘لكن لا يمكنني ببساطة الهروب و الاختباء من لوسيوس.’
توقعت راينا أن لوسيوس سيتعقب جوناثان قريبًا.
‘لوسيوس سيأتي إلى عائلة كرولوت.’
طالما أن مواجهته أمر لا مفر منه…
عضّت راينا شفتيها بقوة.
‘عندها يجب أن أُستبعد تمامًا من قائمة المشتبه بهم.’
فكيف يمكنها تحقيق ذلك؟
‘أولاً، يجب أن أُخفي كاليكس.’
قبضت راينا على قبضتها بإحكام.
‘ثم أساعد لوسيوس.’
تتظاهر بمساعدته و تعطيه معلومات مضللة حتى لا يتمكن من العثور على كاليكس فورًا.
‘علي أن أكسب الوقت قدر الإمكان.’
تذكّرت راينا ما قالته البطلة لـلوسيوس في القصة الأصلية.
إنه سوء تفاهم، يا دوق! كنت فقط أعتني بكاليكس وأبحث عن طريقة لعلاج مرضه!
كانت البطلة تحاول أن تُظهر لـلوسيوس أنها حاولت إنقاذ كاليكس.
‘كانت تؤمن أن الحرب لم تكن لتندلع لو أنها نجحت في علاجه.’
لكن كاليكس كان قد مات بالفعل.
حتى وإن حاولت الدفاع عن نفسها، لم يكن لوسيوس ليصدقها.
حين قرأت القصة الأصلية، ظنت أن ذلك مجرد وسيلة لإبراز موقف البطلة الحزين.
أما الآن وقد أصبحت راينا، فقد أصبحت تلك الكلمات هي طوق النجاة الوحيد لها.
أنا واثقة أن هناك طريقة. لو كان لدي القليل من الوقت فقط…
قالت البطلة إنها كانت متأكدة من وجود طريقة لعلاج كاليكس.
‘عليّ أن أكتشف ما هي.’
لأن نجاتي مرتبطة ببقاء كالكس على قيد الحياة.
نقلت راينا نظرها بهدوء إلى كاليكس.
منذ أن صعد إلى العربة، لم ينطق بكلمة واحدة.
كان يضع يديه متشابكتين على فخذيه و رأسه منحنٍ.
كأنه شخص تخلّى عن كل أمل و استسلم.
‘لابد أن كاليكس تعلّم كيف يستسلم مما مر به.’
عائلة الدوق إنغرسول كانت تنوي استغلال مرضه، ومدير المصحة لم يكن يهمه سوى المال الذي يحصل عليه من العائلة.
‘لابد أنه هرب وأصبح يتيمًا متشردًا من شدة ما عاناه.’
وبينما كانت راينا تشعر بالأسى تجاه كاليكس، اتسعت عيناها فجأة.
كان كاليكس يقرص ظهر يده.
ربما كان ذلك عادة، حيث كانت هناك قشرة جرح على يده بالفعل.
“ما الذي تفعله؟”
عندما سألته راينا، ارتجف جسد كاليكس فجأة.
أدركت راينا خطأها.
سألت بنبرة باردة كما اعتادت التمثيل بها.
“توقف عن ذلك.”
لكن حتى هذه الكلمات لم تخرج بنعومة، مما جعل راينا ترتبك أكثر.
توقف كاليكس مؤقتًا عند ملاحظتها، ثم عاد لفعلته.
كان في حالة من القلق والاضطراب الشديد.
‘لقد تصرفتُ بحماقة.’
ندم كاليكس على غبائه.
أن يتبع شخصًا غريبًا فقط لأنه لا يريد العودة إلى المنزل.
أعاد كاليكس التفكير في الحوار الذي سمعه بين المرأة و الرجل في القصر.
من الواضح أن العربة التي يستقلها تتجه به إلى مكان موته.
‘هل كان سيكون أفضل لو بقيت في المصحة؟’
… لا يمكن.
مهما كان الخيار الذي سيتخذه، كان كالكس سيصبح تعيسًا على أية حال.
‘لأنني مقدر لي أن أكون تعيسًا.’
عندما فكّر بذلك، أصبحت لمسته على ظهره يده أكثر خشونة.
كانت عادة لم يستطع التخلص منها رغم تكرار توبيخه عليها.
وفي كل مرة، كان عمه يصرخ فيه بغضب ويقول له أن يكف عن هذا التصرف المقزز.
‘يجب أن أتوقف قبل أن أتعرض للتوبيخ…’
لكن جسده لم يطاوعه رغم إرادته، وبدأ وجه كاليكس يتلوى بالألم.
“توقف.”
امتدت يد دافئة و ناعمة وأمسكت يد كاليكس بلطف.
“إنه يؤلمك.”
نظر كاليكس إلى ظهر يده عند كلمات راينا.
‘إنه يؤلم.’
عندها فقط شعر كاليكس بالألم.
كان مؤلمًا و حارقًا، فلماذا لم يدرك ذلك من قبل؟
كان عليه أن يتوقف لأنه يؤلمه، لكنه لم يفكر إلا في أن يتوقف لأن البالغين يكرهون ذلك.
أخرجت راينا منديلاً من جيبها عندما توقف كاليكس عن لمس يده.
“قلتَ انكَ لا تريد أن ترى أو تسمع أو تتحدث، فقط أن تبقى هنا، أليس كذلك؟”
قالت ذلك و هي تلف المنديل حول يد كاليكس.
“كنتُ أقول أشياء كهذه كثيرًا من قبل.”
تذكّرت راينا حياتها الماضية وهي تبتسم بسخرية.
بعد أن توفي والداها عندما كانت في المدرسة الابتدائية، اضطرت للتنقل بين بيوت أقاربها لتنشأ.
وكان الكبار يتنهدون بعمق حتى عندما كانت تمسك بملعقتها لتأكل.
لأنها أصبحت عبئًا على عائلة تعيش بالكاد، كانوا ينظرون إليها كشيء مزعج و يعاملوها بجفاء.
اللوازم المدرسية للفصل الجديد، الملابس الجديدة، و حتى المشاركة في أوقات العائلة السعيدة، كانت أمورًا لا يُسمح لها بها.
‘لن أطلب شيئًا، فقط لا تكرهوني.’
عندما سمعت راينا توسل كاليكس، بل منذ أن قرأت القصة الأصلية، رأت طفولتها في طفولته.
كانت تعرف أكثر من أي أحد ما الذي دفع كاليكس لقول تلك الكلمات.
ولهذا السبب بالتحديد، لم تستطع أن تتجاهل كاليكس كما فعل الكبار معها.
“لأنني إذا طلبتُ الكثير، سيظنونني طفلة جشعة.”
رفع كاليكس عينيه ببطء ونظر إلى راينا.
“فكرت أنه إذا طلبتُ شيئًا واحدًا فقط، فسوف يعتبرونني طفلة جيدة.”
ظهر الذهول في عيني كاليكس.
فمثل راينا، كان يحاول أن يكون طفلًا من هذا النوع طوال الوقت.
“كنت أتمنى فقط ألا أُكره، وفي النهاية…”
عندما ربطت راينا عقدة المنديل، نظرت في عيني كاليكس.
“كنت فقط أريد أن أكون طفلةً محبوبة”
“…هذا.”
تحركت شفتا كاليكس.
“في الحقيقة، هذه أكبر رغبة على الإطلاق، أليس كذلك؟”
كان كاليكس يفكر دائمًا.
لماذا من الصعب جدًا أن تتمنى شيئًا واحدًا فقط؟
لم يدرك ذلك إلا بعد أن تُرك في المصحة.
أن هذه الأمنية الواحدة، كانت أكبر من كل الرغبات الأخرى مجتمعة.
ولسوء حظه، كان هو من طمع بها.
“ليست طمعًا.”
قالت راينا بصوت هادئ.
“من الطبيعي أن يُدلل الطفل، ومن الطبيعي أن يُحب.”
“…”
“و الطفل الذي يسعى ليُحب، يستحق أن يُحب أكثر.”
عض كاليكس شفتيه بقوة.
بدأ شيء كان عالقًا بعمق في صدره بالتحرك بحرارة.
بدأ ينتفخ و كأنه سينفجر، مما جعل أنفه يحترق.
سرعان ما احمرت عيناه، و أصبحت رؤيته ضبابية.
“لكن لا أحد…”
يحبني.
انهمرت دموع كاليكس على خديه.
عندما رأت راينا كاليكس يبكي بصمت دون صوت، أعادت يدها إلى جيبها.
إلى جانب المنديل، كان هناك شيء آخر دائمًا ما تحمله.
حلوى مغلفة بورق.
كانت راينا، التي وُلدت بجهاز تنفسي ضعيف و تعيش دائمًا مع السعال، تضع دائمًا الحلوى في ملابسها بناءً على طلب الكونت و الكونتيسة.
في مرحلة ما، بدأ الجميع يولدون بأمراض مزمنة طفيفة في الإمبراطورية.
وكانت الشائعات تقول ان السبب هو تلوث أرض الإمبراطورية، لكن راينا اعتبرتها مجرد شائعات.
لأن جسد راينا، الذي تجسدت فيه، كان سليمًا تمامًا على عكس ما يُشاع.
‘حتى لو لم أكن بحاجة لها، من الجيد أنني أحملها.’
قدمت راينا الحلوى إلى كاليكس.
“من الآن فصاعدًا، عندما تشعر برغبة في لمس يدك، كل هذه الحلوى.”
نظر كاليكس إلى الحلوى الموجودة في يد راينا.
“غدًا، و بعد غد، سأعطيكَ الحلوى دائمًا.”
“…”
“أتمنى أن تتطلع لليوم الذي ستتساءل فيه: أي نوع من الحلوى سأحصل عليها اليوم؟ بدلًا من لمس يدك.”
وضعت راينا الحلوى في يد كاليكس المترددة.
“استمع جيدًا.”
رغم أن نبرتها كانت لا تزال حادة و كأنها تأمره، إلا أن كاليكس لم يُفاجأ.
لأن يد راينا كانت دافئة جدًا، على عكس صوتها البارد.
“إذا لم تكن ترغب في ذلك، فلن أعيدكَ إلى أي مكان، ولن أبيعكَ لتاجر عبيد.”
فتح كاليكس فمه قليلاً.
“سأجعلكَ تقيم في المكان الذي سنصل إليه قريبًا.”
حتى يكون آمنًا من لوسيوس و من عائلة دوق إنغرسول.
“لذا عليكَ مساعدتي أيضًا. هل تستطيع؟”
نظر كاليكس إلى راينا بعينين مرتجفتين.
وعندما رمش، سقطت دمعة من طرف عينه.
لكن لم تسقط أي دمعة أخرى بعد ذلك.
حتى الثقل الكئيب الذي كان جاثمًا على صدره كالصخرة بدأ يتلاشى ببطء.
“أستطيع.”
وبدلاً من ذلك، بدأ قلبه يخفق بسرعة بالأمل والتوقع.
التعليقات لهذا الفصل "4"