تصدّع وجه لوسيوس لأول مرة بعدَتصريح راينا المفاجئ.
عدّلَ رأسه الذي كان مائلاً نحوها. تشكّلتْ تجاعيد عميقة بين حاجبيه.
“لماذا أنا حبّكِ الأول؟”
شعرتْ راينا بمزيدٍ من الإحراج.
كانَ لوسيوس يبدو كمن سمعَ كلامًا سخيفًا ، بل ومُزعجًا.
“لمْ نلتقِ من قبل قَطّ.”
تحوّلَ وجههُ إلى البرود تدريجيًّا.
كانَ يعتقدُ أن راينا اختلقت كذبةً سخيفةً لتفادي الأزمة.
“صحيح أننا لم نلتقِ، لكنني كنتُ أتابع أخبار إنجازاتكَ عبر الأخبار.”
“….”
“كنتُ أظنكَ شخصًا رائعًا ، و تخيّلتُ كم سيكونُ رائعًا لو التقيتكَ يومًا ما. رغم أن ضعفي منعني من مغادرةِ القصر.”
تنحنحتْ راينا بعفويّة.
“أخبرتكَ إنني ارتبكتُ في لقائنا الأوّل بسبب الإشاعات، لكن الحقيقة هِي هذه. لم أتوقع أن أقابل الشّخص الذي كنتُ أحلمُ به فجأة.”
بدا ردّ فعلهِ و كأنه لا يصدّقها أبداً، فارتفعت نبرة صوتها
“يمكنكَ التّحقق بنفسكَ إن كنتَ تشكُّ في ذلك. كّاّ مَن في قَصر كرولوت يعرفُ هذا الأمر.”
عبسَ لوسيوس أَكثر.
فكرت راينا: ‘هل بالغتُ في إظهارِ الصّدق؟’
غطّت وجهها بيديها علَى عجل.
“بالمناسبة، أنتَ قاسٍ حقاً. جعلتَني أقولُ هذا بنفسي!”
زيّفت راينا نبرةً حزينة.
فكّرت في إظهارُ الارتجاف، لكنها امتنعت لأنّ ذلك بدا مبالغاً فيه.
بدلاً من ذلك، أصدرتْ أنينًا خافتً او مرّتْ بجانبه.
تتبع لوسيوس ظهرها بعينيه و هيَ تبتعد بسرعة.
“… هه.”
ضحكَ لوسيوس بصوتٍ خافت و مرّرَ يده فِي شعره.
ثم أخرجَ شيئًا من جيبِ بنطاله.
كانت ورقة مطوية، مذكّرة من سيربل، أحد أتباعه المقربين.
وصلتْ نتيجة الأوامرِ التي أعطاها له بالأمس.
فتحَ لوسيوس المذكرة و قَرأ محتواها مرّةً أخرى.
تصلّبَ وجهه مع كلّ كلمةٍ يقرأها.
عصرَ المذكرة بيدهِ بعنف.
مسحَ فمه بيده بعادته، و وقفَ غارقًا في أفكاره لفترةٍ طويلة.
***
في اليوم التّالي، استعدّت راينا للخروج مبكّرًا.
كانت آنا قد سلمتها رسالة.
فوجئت راينا عندما تلقّتها.
‘ردَّ بهذه السرعة!’
بالأمس، أثناءَ تواصلها مع دار الأيتام، أرسلتْ راينا رسالةً شخصيّةً إضافيّة.
لسرقةِ تمثال لوسيوس، كانتْ بحاجة إلى مساعدة شخص معين: سيد متجر التّحف.
طلبتْ منه إرسالَ ردّ حول قبول طلبه إلى دار وايت فيلد.
لكن، بشكلٍ غير متوقع، جاء الرّد يفيد بأن الشيء الذي طلبته موجود و يمكنُ تَسليمه فورًا.
نظرتْ راينا إلى مكان و وقت الموعد في الرسالة و ابتسمت.
كانَ الرّجل فِي المدينة القريبة من وايت فيلد، مما جعلها تشعر أنّ الكون يساعدها.
‘لديّ مهمّة في المدينة، يمكنني زيارته بعد ذلك.’
توجهت راينا بحماسٍ إلى آنا لاستعارة عربة واتّجهتْ إلى سوقِ المدينة.
عند وصولها إلى السّوق، كانت الوحيدة التي تتجول دونَ حارسٍ أو خادمة.
شعرت بنظرات متطفلة، لكنها تجاهلتها و دخلتْ المتجر المستهدف.
بينما كانتْ تتفحص الألعاب المصغرة المستوحاة من شخصيات القصص، استدعتْ راينا أحد الموظفين وسألت:
“أين التّماثيل الخشبية؟”
أشارَ الموظّف إلى ركن معين، لكن التمثال الذي تبحث عنه لم يكن موجوداً.
“ألا يوجدُ تمثال بومر؟”
“لدينا فقط التّصميم الأساسي لبومر، هل يناسبك؟”
“هذا يكفي.”
نظرَ الموظف داخل الخزانة ومدّ يده نحو تمثال بومر مائل في الزاوية.
“ها هو…”
فجأة، تدّخلت يد رجل وأخذت التمثال.
“هذه آخر قطعة في المخزون.”
بدتْ نبرة الموظف مرتبكة.
“آخر قطعة؟”
رفعت راينا رأسها بسرعةٍ لترى الرّجل الذي أخذ تمثال بومر.
كانَ الرّجل يبتعد بالفعل، معطيًا ظهره.
“انتظر لحظة!”
نادتهُ راينا علَى عجل، فاستدارَ ببطء.
تقابلتْ عيناه مع عينيها وهو يرفع حاجبيه.
توقّفتْ راينا عَن الكلامِ للحظة.
كانَ الرجل وسيمًا بشكلٍ استثنائي.
كانَ لوسيوس وسيمًا أيضًا ، لكن هَذا الرّجل كانَ نقيضه.
إذا كانَ لوسيوس يَفرض هيبةً بمظهره، فإن هذا الرّجل كان له عينان ناعمتان و مبللتان.
وضعيته المستقيمة و ملابسه الباهظة كشفتا عن كونهِ نبيلاً.
كانَ يبدو كمن ينتمي إلى حفلةٍ سريّة للنّبلاء ليلاً…
‘ليس هذا وقت التّفكير في هذا.’
استعادتْ راينا تركيزها بعد أن تشتّتتْ للحظةٍ بسبب وسامته.
“أنا آسفة حقاً، لكن هلْ يمكنكَ التّنازلُ عن هذا التّمثال؟”
نظرَ الرجل إلى التّمثالِ في يده.
“هذا؟”
“إنّه شيء أحتاجهُ بشدّة، وهوَ آخر قطعة في المخزون.”
ابتسمَ الرّجل.
كانَ يبتسمُ بلطف، يبدو كرجلٍ صالح يَحترم فضيلة التّنازل.
شعرتْ راينا بالارتياح للحظة، لَكن…
“أنا آسف.”
“شكرًا. ماذا؟”
جاءَ ردّه بالرفض، و فهمته راينا متأخرّةً بسببِ نبرته الناعمة.
‘هذا لا ينبغي أنْ يَحدث.’
لم يكن تمثال بومر نادراً، لكن راينا كانت بحاجةٍ إليه الآن.
“هل هذا التّمثالُ مهمٌّ لهذه الدّرجة؟”
يبدو أن قلقها بدا واضحاً، فسألها الرّجل.
كانَ كمَنْ يقول إنه قدْ يتنازل إذا أقنعته بسببٍ منطقيّ.
لم تتردّدْ راينا وقالت:
“أخي الصغير يُحبّ بومر كثيرًا . أريدُ إهداءه له.”
“لديكِ أخٌ صغير؟”
أومأت راينا بِرأسها.
ازدادت ابتسامة الرّجل عمقًا.
“إذاً، يجب أنْ أتنازل للسّيدة.”
“شكراً!”
ابتسمت راينا بعرض وجهها و هي تأخذ التّمثال منه.
شعرتْ بالرّاحة و الإثارة للحصولِ عَلى آخر قطعة.
رمشَ الرّجل ببطء وهوَ يرى فرحتها، و اختفت ابتسامته، لكنها لم تلحظ ذلك.
خشيتْ أن يغيّرَ رأيه، فتوجّهتْ إلى الموظّف:
“سأدفع ثمنه، الآن.”
دفعتْ راينا ثمنَ التّمثال و غادرتْ المتجر.
كانتْ خطواتها خفيفةّ وهي تتجه إلى وجهتها التالية.
لكنها سُرعانَ ما تباطأت.
شعرتْ بحركةٍ تتبعها منذ خروجها من المتجر.
‘لا يعقل.’
هل هو لصّ يستهدف نبيلة وحيدة؟
ألقتْ راينا نظرة خلفها.
لكن الشخصَ الذي يتبعها كانَ الرّجل مِن متجر الألعاب.
“يبدو أن وجهتنا واحدة.”
قالَ الرّجلُ مبتسمًا.
ابتسمتْ راينا بتكلّف و أسرعتْ خطواتها.
لكنه سرعانَ ما لحق بها، و سارَ بجانبها و هو يتحدث:
“لماذا تتجولين وحدكِ؟ المدينة آمنة نسبيًّ ، لكن يجبُ أنْ تكوني حذرة.”
“نعم.”
“سأرافقكِ إلى وجهتك.”
“لا داعي لذلك.”
شعرتْ راينا بشيءٍ مقلق فيه، فأجابت باختصار.
“قلتِ إن أخاك يحبّ تمثال بومر.”
لكنه واصلَ الحديث دونَ اكتراث:
“أنا أيضاً أحبُّ قصّة بومر من بينِ قصص الأبطال. هل أخوكِ صبي؟”
أومأت راينا على مضض.
‘يبدو أنني تورّطتُ مع شخصٍ غريب.’
نظرت حولها، ولحسنِ الحظ، كانَ المقهى الذي ستُقابل فيه سيد التّحف قريبًا.
أسرعتْ راينا نحو المقهى.
عندما دخلت و نظرت خلفها، اتّسعت عيناها.
كان الرجل يتبعها إلى داخلِ المقهى.
نظرتْ إليه مذهولة، لكنّه حافظَ على ابتسامته.
“في هذا الوقت، أحبُّ شربَ كوبٍ من الشاي.”
ردّ على سؤالٍ لم تطرحه، فتأكدت راينا
‘إنّه مجنون بالتّأكيد.’
شعرتْ بالقشعريرة و توجّهت إلى الموظف.
ذكرتْ اسمها، فأرشدوها إلى مقعد حجزه سيد التحف.
كانَ المقهى مزدحمًا، و يبدو أن الحجز ضروري في ساعات الذروة.
‘الآن يجب أن يكونَ قد استسلم.’
جلستْ راينا عند النّافذة و رفعت رأسها لتتأكد من مغادرته.
لكن عينيها اتّسعتا أكثر.
كانَ الرّجل يجلسُ أمامها مباشرةً!
“اسمع!”
صرختْ راينا غاضبة.
“السيد إيليا، الآنسة راينا، سأساعدكما في الطّلب.”
وقفَ موظّف أمامهما وتحدّث بلطف.
فتحتْ راينا فمها ونظرت إلى الرّجل.
ابتسمَ إيليا و قال:
“الآنسة راينا، يشرّفني لقاؤكِ أخيرًا!”
التعليقات لهذا الفصل " 22"