نظرتْ آنا حولها مرة، ثم خفضت صوتها.
“كانتْ هناك خادمة كانت معجبةً به، لكنّه قتلها لأنها كانت تزعجه.”
ظهرَ عبوسٌ بين حاجبي راينا أخيراً.
“آه، لمْ تكن تلك الخادمة عادية. لقد تسلّلت إلى غرفة نومه ليلاً.”
واصلت آنا حديثها بنبرةٍ محرجة:
“كانتْ تتسلل أحياناً لترى وجهه النّائم، ثم تغادر. لكن في تلكَ اللّيلة، كانَ الدّوق مستيقظاً، فحدثت تلك الفاجعة.”
كانَ من الواضح أنّ تسلّل الخادمةِ إلى غرفة سيّدها خطأ فادح.
لكن طردها من القصرِ كانت عقوبة كافية، لا أن تفقد حياتها.
‘على الأرجحِ انّها إشاعة كاذبة.’
إذا ماتَ شخص في القصر، فمن المؤكّد أن عائلة إنغرسول سوف تعمل للتكتّم على الأمر.
لكن لمْ يكن بإمكانِ راينا تجاهل القصة تماماً كونها غير موثوقة.
‘ماذا لو كانتْ حقيقية؟’
بينما كانت راينا تشعر بالضيق، سمعتْ صوتاً.
“المديرة…”
دخلَ طفل إلى غرفة الاستقبال.
اقتربَ طفل يتألم، و وجهه متقلّص مِن الألم، وهو يعرج.
كانت راينا لا تزال تشعر بالضّيق.
“كنت نائماً في غرفة اللعب، لكن بطني يؤلمني كثيراً.”
اقتربَ الطفل من راينا، وليس من آنا.
“عيناي مغبشتان، وآه، صدري يعتصر.”
احتضنَ الطفل خصر راينا و هو يبكي.
يبدو أنّه أخطأ بين راينا وآنا بسبب ضعف بصره.
“حسناً، تعال…”
“لا بأس.”
أوقفتْ راينا آنا التي حاولتْ إبعاد الطفل.
لمستْ راينا جبهة الطّفل و رقبته، لكن لم يكن هناك حرارة.
نظرتْ راينا إلى آنا، فقالت آنا بهدوء:
“عادةً ما تكون عيناه وساقاه بخير. لقد تعرّض لحادثِ عربة كبير، وأحياناً يعتقد بسبب الآثار النفسية أنه يشعر بالألم كما في الحادث.”
كانَ الأمر نفسياً و ليس جسدياً.
شعرتْ راينا بالأسف و هي ترفع ملابسَ الطّفل المتدلية عن كتفيه.
فجأةً، تقيأ الطفل.
“يا إلهي!”
كانت آنا الأكثر ذعراً، لأن قيء الطفل لطخ تنورة راينا.
“آه، آسف…”
“لا بأس.”
ربّتت راينا على ظهر الطفل لتهدئته.
تقيأ الطفل عدّة مرّاتٍ أخرى قبل أن يرتخي جسده.
حملته راينا و وضعته على الأريكة، فبدأت عيناه تتثاقلان.
“أشعر بالنعاس.”
“يمكنكَ النوم.”
مسحت راينا فم الطفل بيدها.
نظرَ الطّفل إليها ببلاهة.
“… هل أنتِ ملاك؟”
ضحكتْ راينا بهدوء على سؤاله العفوي.
مع ضحكتها الناعمة والهادئة، أغمض الطفل عينيه ببطء.
“عندما تستيقظ، ستشعر بتحسن.”
بينما كانتْ راينا تنظر إلى الطفل بهدوء، لاحظت ظلاً يخيم فوق جسده، فرفعت رأسها.
كان لوسيوس يقفُ هناك، دون أن تعرف متى وصل.
كانت نظرته إليها غريبة.
“ما الذي حدث؟”
بدلاً من الإجابة على سؤال راينا، أخرج لوسيوس منديلاً من جيبه.
“شكراً.”
مدّت راينا يدها لتأخذ المنديل، لكنها ارتبكت للحظة، ثم أخفت تعابيرها بسرعة.
‘إنه هنا.’
أمسكتْ راينا المنديل و ابتلعت ريقها.
عندما أخرج لوسيوس المنديل، رأتْ بوضوح داخل جيب سترته.
كانَ التّمثال الخشبي الذي تحدث عنه الوحش هناك.
‘تمثال بومر، لا شكَّ في ذلك.’
كان بومر دباً في القصة، والتمثال الذي رأته في جيب لوسيوس كانَ على شكل دب.
توجهت راينا إلى الحمام و هي تمسكُ المنديل بقوّة.
‘اهدأي.’
حتى لو كانَ الهدف في متناول يدها، فالتصرف بتهور قد يفسد كل شيء.
‘الآن، عليّ فقط التفكير في طريقةٍ لأخذ التمثال من لوسيوس.’
***
غيّرتْ راينا فستانها و ذهبتْ للبحث عن لوسيوس.
كان لوسيوس يقف أمام خزانة عرض في غرفة الاستقبال.
“سيدي الدّوق.”
التفت لوسيوس عندما نادته راينا.
“لم تجدْ أخاك هنا، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
“هل تنوي مواصلةَ البحث في دور الأيتام الأخرى؟”
بدلاً من الإجابة، أشار لوسيوس بعينيه إلى خزانة العرض وسأل
“هل تحتفظ دور الأيتام عادةً بالأدوية للأطفال؟”
كانتْ هناكَ زجاجات تحتوي على جرعات داكنة اللون داخل الخزانة.
“نعم، الأدوية الأساسيّة متوفّرة، وكذلك الأدوية الخاصّة بالأطفال الذين يعانون من أمراضٍ معينة.”
“إذاً، سأحاول البحث في دار أيتام أخرى مرة أخيرة.”
ثم قال لوسيوس شيئاً لم تتوقعه راينا:
“كاليكس يعاني من مرضٍ نادر.”
اتّسعتْ عينا راينا.
‘لوسيوس يتحدث عن مرض كاليكس من تلقاء نفسه!’
شعرت راينا أنّها فرصةٌ ذهبية، فاقتربتْ منه خطوة.
“مرض نادر؟”
نظرت إليه راينا بنبرة فضولية، فحدّق بها لوسيوس بهدوء.
لمع الفضول في عينيها، وهو ما بدا ملحوظاً لأن عينيها كانتا عادةً باردتين.
“كاليكس يعرفُ الأدوية التي تخفّف مِن حالته.”
“… ماذا؟”
“إذا ذهب كاليكس إلى دار أيتام، فمِن المحتمل أنه طلب الدواء الذي يحتاجه.”
شعرتْ راينا بإحساسٍ سيء.
“أنوي التّحقق مما إذا كانت هناك دور أيتام اشترت الأدوية التي يحتاجها كاليكس.”
“….”
“هذا سيقلّص عدد دور الأيتام التي يجب تفتيشها، ممّا سيجعل الأمر يستحق المحاولة.”
ابتعلت راينا ريقها.
كانت دار أيتامها، “غرين غاردن”، من بين تلك التي اشترت الأدوية التي يحتاجها كاليكس.
عندما أحضرت كاليكس إلى دار الأيتام الخاصّة بها، تلقت تقريراً من أوليفيا عن حالته.
أخبرتها أوليفيا أنّ كاليكس ذكرَ أنه بحاجةٍ إلى دواء يتناوله بانتظام، وقد طلبتْ ذلك الدواء.
‘إذا اكتشف لوسيوس أن دار أيتام خاصّتي قد اشترت تلك الأدوية…’
لنْ يتغاضى عن ذلكَ أبداً.
سيذهب لتفتيش دارها مرة أخرى، لكن هذه المرة لن يكون بمفرده، بل معَ فرسان يفتشون المكان بدقّة.
‘حتى لو أخفيته في مكان سري، إذا قرّرَ لوسيوس البحث بعزيمة، لن يفيد ذلك.’
شعرت راينا بالدّوار من مجرد التفكير، فتحدثت بسرعة:
“سأتحقق من ذلك و أخبرك بالنتائج، سيدي الدوق.”
رفع لوسيوس حاجباً.
“ألم نتّفق على أن مرافقتكِ لي ستقتصر على هذا المكان؟”
“قلتَ إن وجودي سيسهل تعاون دور الأيتام.”
“هذه مشكلتي، سأتولّاها بنفسي.”
شعرت راينا بالدّهشة.
كانَ يقول سابقاً إنها ضرورية له، والآن يرفض مساعدتها.
‘إذاً، كانَ يريد إبقائي معه فقط.’
شعرتْ أن الدّوق الوحش كان لطيفاً أكثر من اللازم في بحثه.
“سمعتُ أن كاليكس يعاني من مرض نادر، فكيف أتجاهل ذلك؟”
أخفضتْ راينا عينيها، متظاهرة بالأسف.
“أخ مفقود و مريض أيضًا. حتى لو لم تُظهر ذلك، سموّ الدوق، يجب أن يكون قلبكَ مثقلاً.”
“….”
“لذا أريد مساعدتكَ بقدر ما أستطيع.”
على أيّ حال، لسرقة تمثال بومر من لوسيوس، كان عليها البقاء معه لفترةٍ أطول.
كانتْ راينا تفكّر في كيفيّة طرح الموضوع، لكنها شعرتْ أنّ هذه فرصة جيدة.
“قلتِ إن جسمك ضعيف لدرجة لا تسمح لكِ بالبقاء خارجاً لفترة طويلة.”
أمال لوسيوس رأسه قليلاً.
“لم أرَكِ تتناولين أي دواء خلال مرافقتكِ لي.”
“….”
“والآن تقترحين مرافقتي أكثر. هل جسمكِ ضعيف حقاً؟”
“….”
“كانت رئتيكِ ضعيفتين، و كنتِ تتناولين الدواء بانتظام لسنوات، لكنك توقفتِ عن ذلك منذ ستة أشهر.”
اتّسعتْ عينا راينا.
‘كيف عرف لوسيوس ذلك؟’
هل حقّق في أمري؟
أمسكتْ يدها الباردة من التوتر خفية وأجابت:
“صحيح أن جسمي ضعيف. لكن تناول الدواء لا يعالجني، لذا توقّفت عنه.”
“….”
“لكن إذا أرهقتُ نفسي أو تراكم التّعب، أمرض. لهذا قلتُ إن هناك حدوداً لمرافقتي لك.”
قررت راينا في داخلها أن تتظاهرَ بالسّعال أمامه من الآن فصاعداً.
هكذا ستجد عذراً للعودة إلى دارها بعد تحقيق أهدافها.
“و علاوةً على ذلك،”
تابعت راينا بنبرة هادئة:
“شعرتُ أن هذا قدْ يجعلني أتحرّر من شكوكك.”
“….”
“لا تزال تشكُّ بي، أليس كذلك؟”
حاولتْ راينا التّحدث بنبرة خفيفة لتبدو واثقة.
اتكأ لوسيوس على خزانة العرض وهو يشبك ذراعيه.
ارتفعت زاوية فمه قليلاً.
“لا تبدينَ مضطربة أبدًا.”
“لأنه لا يوجد سبب لذلك.”
“لا، راينا.”
أمالَ لوسيوس رأسه نحوها.
اقتربَ وجهه فجأةً ، فشعرت راينا بالتوتر لا إرادياً.
“إذا قلتِ ذلك، فإن ارتباككِ عندما التقينا أول مرة يبدو أكثر ريبة.”
“….”
“أليس كذلك؟”
انخفض صوت لوسيوس إلى همس.
“أنا أعطيكِ فرصةً الآن.”
“….”
“فرصة لقولِ الحقيقة قبل أن تصبحَ الأمور خارج السّيطرة.”
ابتلعت راينا ريقها.
كانتْ نبرته لطيفةً بشكلٍ غير معتاد، ممّا جعلها تبدو أكثر تهديداً.
“كما قلتُ سابقاً، في تلكَ اللّحظة…”
“كفى عن عذر الإشاعات عني.”
أمسكتْ راينا قبضتها بقوّة.
‘لم أرد استخدام هذه الورقة.’
لكن لم يكنْ لديها خيار.
أخذت راينا نفساً عميقاً و تحدثت بصوت عالٍ:
“حسناً، بما أنك تريد معرفة الحقيقة، سأكون صريحة.”
حدّقتْ في لوسيوس بعينين متسعتين.
“لقد كنتَ حُبّي الأوّل!”
التعليقات لهذا الفصل " 21"