في اليوم التالي، انتظرت راينا لوسيوس منذ الصباح الباكر.
بما أنه قال إنه سيقابلها مجددًا للحديث بالتفصيل، فقد توقعت بطبيعة الحال أن يزور دار الأيتام.
لكن بما أن لوسيوس لم يظهر على الإطلاق، بدأت راينا تشعر بالقلق.
“كيف يمكنني أن أستخرج من لوسيوس الحديث عن اللعنة؟”
لم يكن من المتوقع أن يبوح لها بسهولة بأسرار عائلة إنغرسول.
“ما لم تكن هناك مناسبة تجعله يبوح بذلك.”
شعرت راينا أنها ربما تحصل على تلك المناسبة بسهولة أكثر مما توقعت.
“لو قابلني اليوم، فربما لوسيوس…”
وبينما كانت غارقة في التفكير، رفعت رأسها فجأة بسبب الضوضاء في الخارج.
أخيرًا، جاء لوسيوس لزيارتها.
اقتربت راينا من النافذة ونظرت إلى الخارج.
حين رأت لوسيوس بمفرده، شعرت بالارتياح.
بفضل إظهارها له القائمة بالأمس، لم يصحب معه أي فرسان لإجراء تحقيق إضافي.
راجعت راينا شكلها أمام المرآة و تأكدت من تعبير وجهها، ثم خرجت لاستقباله.
حين توجهت إلى الساحة، كانت إيلي قد سبقتها إلى الاستقبال و كانت تمسح جسد لوسيوس.
ظنت راينا أن لوسيوس سينزعج ويدفع إيلي، لكنه مدّ يده و ربّت على رأسها.
رغم أن تعابير وجهه كانت باردة، فإن لمسته بدت مريحة للجروة.
‘حتى بالأمس كان هكذا أيضًا، إنه مفاجئ.’
وبينما كانت راينا تخطو خطوة أخرى إلى الأمام، حوّل لوسيوس نظره من إيلي إليها.
“لقد أتيت، سيدي الدوق. كنت بانتظارك.”
قالت راينا بابتسامة على شفتيها.
لكن لوسيوس لم يجب، بل ظل يحدق بها بصمت.
في كل مرة يحدق بها هكذا بصمت، تشعر راينا وكأن عمرها ينقص.
“تفضل بالدخول. إن لم تكن قد تناولت الطعام بعد…”
“رأيت طريقًا للتنزه.”
قاطع لوسيوس حديثها وأشار بعينيه إلى الطريق المؤدي إلى الغابة.
“هل تودين المشي قليلًا؟”
“…فقط نحن الاثنين؟”
في غابة لا يراقبهم فيها أحد، ولا يوجد يمكن أن يساعدها، حيث يمكنه أن يؤذي شخصًا و يخفيه بسهولة؟
رد لوسيوس جعل راينا تكرر السؤال لا شعوريًا.
تجهم جبين لوسيوس قليلًا.
“وجودكِ أنتِ فقط يكفيني.”
هذه المرة، أصبح تعبير راينا غريبًا.
‘ما هذا الأسلوب؟’
أن يقول “لا حاجة لوجود شخص ثالث” بهذه الطريقة…
رغم انزعاجها، أومأت برأسها.
فقد لاحظت بسرعة أنه لا يحمل سيفًا على خصره.
‘مهما كان لوسيوس، فلن يشهر سيفه هنا.’
بهذا التفكير، بدأت تمشي مع لوسيوس في الغابة.
لم يكن بينهما كلام كثير.
تظاهرت راينا بوجه هادئ و كأنها تستمتع بالمنظر، لكنها كانت تلهث لمجاراة خطاه السريعة.
‘قال أنه يريد المشي معي، لكنه لا يراعي سرعتي إطلاقًا.’
حسنًا، من الغريب أن تطلب مثل هذا من الدوق الوحش.
بينما كانت راينا تشتمه في سرها، تحدث لوسيوس.
“كم من الوقت يستغرق الرد على رسالة تُرسل إلى دار الأيتام؟”
أجابت راينا بسرعة وهي تلحق به.
“أسرع من تبادل الرسائل العادي.”
فقد تم إنشاء شبكة الاتصال أساسًا للتواصل السريع.
بعض دور الأيتام كانت تقوم أيضًا بإنقاذ أطفال الشوارع، لذلك كانت تُستخدم لتبادل المعلومات.
“إذا أرسلتُ رسالة أسأل فيها إن كان قد وصل طفل بمواصفات معينة، متى سأتلقى الرد؟”
“إذا أرسلتها اليوم، فقد تحصل على الرد غدًا أو بعد غد.”
“جيد، هذا يعني أن الوقت المطلوب للذهاب وتفتيش الدور المشبوهة سيكون أقل.”
توقف لوسيوس عن المشي فجأة ونظر إلى راينا.
“بعد حديثكِ بالأمس، قمت بإجراء تحقيق.”
“تحقيق؟”
“لأنك تحدثتِ و كأن الطفل موجود حتمًا في دار الأيتام، أردت أن أعرف ما هو أساس اعتقادك.”
شعرت راينا بالقلق.
لقد لاحظ لوسيوس أنها تحاول توجيه انتباهه إلى دور الأيتام.
“ظهر نظام جديد في الإمبراطورية أثناء غيابي.”
نظام تم إنشاؤه لمواجهة تزايد أعداد الأيتام المتشردين.
كان الغرض من النظام هو الحد من جرائم خطف الأطفال و بيعهم.
من يكتشف طفلًا مشردًا و يؤويه في دار أيتام يحصل على مكافأة مالية.
“سمعت أن الجرائم انخفضت لأن المكافأة، رغم أنها أقل من البيع، لكنها أقل مخاطرة.”
“……”
“لذا شعرت بضرورة تفتيش دور الأيتام. ولذلك، يا آنسة راينا…”
نظر لوسيوس مباشرة إلى راينا.
“أرغب في طلب مساعدتكِ.”
“……”
“إذا ساعدتِني، فسأرد لكِ هذا الجميل باسم عائلتي.”
عضت راينا على شفتيها.
لمنع نفسها من الابتسام.
‘كما توقعت، لوسيوس سيطلب مساعدتي!’
توقعت أن لوسيوس سيطلب منها المساعدة مع تقدم الأحداث.
لكنها لم تتخيل أنه سيقدم هذا الطلب باسم عائلته.
هذا يعني أن الأمر ليس مجرد طلب شخصي، بل عرض رسمي بين العائلتين.
‘بل و يعد بالمكافأة أيضًا.’
ألا يعني هذا أنه تخلّى عن شكوكه تمامًا؟
كان قلب راينا يخفق بسرعة.
‘ابقِي هادئة.’
لو بدت مطمئنة أكثر من اللازم، ستثير الشكوك.
وبينما كانت راينا تحاول أن تبدي مظهرًا جامدًا وتستعد للإجابة…
“لكن.”
واصل لوسيوس الحديث وهو يحدق بها.
“يجب أن ترافقيني.”
“مرافقتكَ تعني…”
“يعني أنه يجب أن تكوني بجانبي.”
انفرجت شفتا راينا بهدوء.
“هل يمكنكَ أن تشرح لي بالتحديد ماذا تقصد بذلك؟”
“إن رافقتِـني، سيكون من الأسهل الحصول على تعاون في تفتيش دور الأيتام، أليس كذلك.”
حتى لو كان دوق إنغرسول، فإن القول إنه سيقوم بتفتيش دار أيتام خارج إقطاعيته بشكل مفاجئ لن يجعل التعاون سهلاً.
علاوة على ذلك، بما أن الإمبراطورية قد أنشأت نظامًا جديدًا لحماية الأيتام، فقد أصبحت الحماية القانونية لدور الأيتام أقوى.
بمعنى آخر، كان من حق دور الأيتام رفض تفتيش لوسيوس.
كان من الممكن أن يصرّ على التفتيش، لكن ذلك سيؤدي إلى إضاعة الكثير من الوقت بلا فائدة.
“بما أنكِ تديرين دار أيتام مثلهم، فإنهم سيكونون أقل حذرًا منكِ من أن يكونوا مني.”
لم تجد راينا ما تقوله للحظة.
‘أن أذهب مع لوكيوس…’
هذا الأمر لم يكن ضمن خطتها.
حتى لو كانت ستساعده، لم تكن تفكر أبداً بأن تلتصق به بهذا الشكل.
فذلك يزيد من خطورة وضعها، وسيتوجب عليها أيضًا أن تترك كاليكس بمفرده.
‘إذاً هو لم يتخلَّ عن شكوكه.’
بل على العكس، كان لوسيوس يشك براينا بشدة.
اقتراحه بمرافقتها له تضمن نيته في إبقائها إلى جانبه ليكشف عن دواخلها.
و حين لم تُجب راينا وقد سادها شعور بالخذلان، تكلم لوسيوس.
“لقد حصلت مسبقًا على إذن من الكونت و زوجته من عائلة كرلوت.”
اتسعت عينا راينا بدهشة.
“إذاً سبب مجيئكَ في هذا الوقت هو…”
“لأني مررت على قصر كرلوت قبل القدوم إليكِ.”
راينا رغبت بشدة في أن تمسك جبهتها.
لقد عرض عليهم اقتراحه أولًا.
‘هذا يعني أنني لم أعد قادرة على الرفض.’
فمن المؤكد أن الكونت كرولوت و زوجته…..
“قالوا إنهما، و بالطبع الآنسة راينا أيضًا ، على استعداد لتقديم كل ما يمكن تقديمه لمساعدتي.”
نعم.
فهذا ما كانا سيقولانه بالتأكيد.
‘فقد حصل الكونت وزوجته أخيرًا على فرصة لإقامة صلة مع عائلة دوق إنغرسول التي طالما رغبا بها.’
رغم أن الكونت و زوجته كانا يتمتعان بسمعة طيبة بين النبلاء، إلا أنهما لم يتمكنا من بناء علاقات مع عائلات ذات تاريخ ونفوذ كعائلة إنغرسول.
كان الدوق إنغرسول لا يتعامل إلا مع العائلات التي تربطه بها علاقات متجذرة منذ زمن بعيد.
ولأن الكونت و زوجته كانا يترقبان الفرصة للانضمام إلى ذلك العالم، فلا عجب في أنهما لم يرفضا عرض لوسيوس.
أغمضت راينا عينيها بشدة ثم فتحتهما.
‘لوسيوس، لقد فعلت هذا عمدًا.’
تعمد لوسيوس لقاء الكونت و زوجته أولًا قبل لقاء راينا.
لقد هيأ كل شيء كما يريد، ثم جاء ليبلغ راينا بالأمر بشكل أحادي.
‘ وبعد كل هذا تقول إن وجودي وحدي يكفي؟’
إنه يتلاعب بها تمامًا.
كتمت راينا غضبها و تحدثت.
“من البداية، لم تكن لتأخذ في اعتبارك احتمالية أن أرفض، صحيح؟”
“طلبت مساعدتكِ لأنني أعلم أنكِ ترغبين بذلك. ألا تريدين تقديم المساعدة؟”
أدركت راينا أنها وقعت في فخ لوسيوس.
لكنها لم تكن تنوي الخضوع له بهذه السهولة.
“إذًا، هل ستخبرني ما علاقتكَ بالطفل الذي تبحث عنه؟”
“هل هذا هو ما يثير فضولكِ الآن؟”
“ليس فضولًا، بل أمر ينبغي معرفته من الأساس.”
ارتفعت زاوية شفتي لوسيوس قليلاً.
“إذا قبلتِ عرضي، سأخبرك.”
أجاب بسلاسة.
أومأت راينا برأسها بخفة.
“حسنًا، موافقة.”
ثم انتظرت منه أن يخبرها من هو الطفل.
“كاليكس إنغرسول. إنه شقيقي.”
حين أجابها بهذه السهولة، شعرت راينا بالدهشة.
قال إنه سيخبرها إن قبلت عرضه، وها هو يخبرها فورًا.
كاليكس هو الشخص الذي ظلت عائلة دوق إنغرسول تخفيه عن العلن.
‘هذا جيد.’
بما أنه أخبرها بوجود كاليكس، فإن هذا يعد مدخلًا للحصول منه على معلومات أعمق عن شؤون العائلة.
“أرغب في طلب شيئين مقابل مساعدتي لك، سيدي الدوق.”
ضاقت عينا لوسيوس قليلًا.
لكن راينا تابعت دون اكتراث.
“هل ستستمع لي؟”
التعليقات لهذا الفصل "15"