الفصل 3
وايد لي فونتي.
لقد بدأ دمار العالم بفتحه «بوابة الفناء».
ولم يكن ذلك مجازًا، بل حقيقة. لقد فتح بابًا، وكان خلفه الدمار.
لم يعرف أحد لماذا فعل ذلك، فلم تمضِ لحظة بعد فتحه حتى ابتلع الخراب كل شيء، ولم يبقَ وقت للتساؤل.
«الحاكم» لم يفسّر شيئًا بوضوح، واكتفى بالقول إن قلبه القاحل هو ما مكّنه من فتح تلك البوابة. لكنه لم يُخبر ميلونا لماذا، أو ما الذي أجبره على ذلك.
لو كان الأمر مجرّد عميلٍ غامض يخبّئ أسراره، لكانت تجاهلت الطلب تمامًا.
لكنها وُضعت في ظرفٍ قهري، فاضطرت لقبوله، ولم تستطع كبح فضولها:
لماذا فتح وايد تلك البوابة؟ أو لماذا اضطر إلى فتحها؟
***
«لا بد أن هناك فخًا هناك…»
فخ تعرف بوجوده، لكنها لا تملك خيارًا إلا السير نحوه. طريقٌ لا عودة فيه، فماذا عساها تفعل؟ لا يبقى سوى الضحك.
“يا إلهي، رفيقتك في النقابة هذه… مجنونة فعلًا.”
“تريدين أن أنقلها إلى نقابتي؟”
“الكفاءة مطلوبة، لكن الجنون… يجعل المعلومة فاقدة الثقة.”
“مرحبا؟ أنا أسمعكم! عقلي سليم تمامًا، كفوا عن الكلام الفارغ.”
ابتسامتها بعد كلماتٍ كهذه لم تجعلها تبدو سوى أكثر جنونًا. حتى إن التوأمين تراجعا خطوتين بعيدًا عنها. عندها عضّت ميلونا شفتها وهي تبتسم في الوقت نفسه.
حقًا، لا يضاهيهما أحد في إثارة أعصابها.
“إن كنتِ عاقلة… فهذا أسوأ.”
“هل ترغبين بتدمير نقابتنا عن قصد؟”
“أنا لا أريد التفاصيل المعقّدة، فلا تقلق. ثم أيها الرئيس، توقف عن التدخل! انت تزعجني!”
نجحت أخيرًا في إسكات دانيلو – ولو مؤقتًا – مع أنها تعرف أن العواقب ستأتي لاحقًا. التفتت نحو دانييلا التي كانت تنظر إليها بجدية، وقالت:
“أكرر، لا أريد كل التفاصيل. فقط أريد معرفة موعد زيارة الدوق للـ«معبد».”
****
في إمبراطورية ريسيوس، اعتاد النبلاء أن يزوروا المعبد دوريًا، حاملين التبرعات والقرابين، ليصلّوا من أجل رخاء أسرهم والإمبراطورية.
لم يكن القانون يُلزم بذلك، لكن العرف القديم كان أقوى من أي قانون. ولا أحد من النبلاء يجرؤ على تجاهله.
وهذا يشمل أيضًا الدوق – والأمير – وايد لي فونتي.
“أمر مثل زيارة المعبد… يمكن معرفته، أليس كذلك؟”
“لا تنسي أنه ليس مجرّد نبيل. إنه دوق، وفوق ذلك أمير من العائلة الإمبراطورية. مجرد محاولة لمعرفة مواعيده قد تُعتبر جريمة كبرى تودي برقبتك.”
“أعرف.”
أجابتها ميلونا بحزم.
فكّرت دانييلا لحظة، ثم أومأت. كانت تعرف أن ميلونا – التي تضع الأمان قبل كل شيء – لن ترمي نفسها في الخطر بلا سبب.
وفوق ذلك، هي موظفة موهوبة تعترف بكفاءتها، فلمَ لا تجعلها مدينة لها بخدمةٍ كهذه؟
اعتدلت دانييلا في جلستها، ولم تعد مجرّد صاحبة حانة «الريفِن»، بل «الغراب الأسود»، سيدة نقابة المعلومات.
“هناك ثلاث جهات لا تجرؤ نقابتنا على الاقتراب منها، وأعتقد نقابتكم كذلك.
القصر الإمبراطوري.
بيت دوق فونتي.
وبيت المركيز غلوفر.
كل أحمق حاول الاقتراب… مات.”
أكمل دانيلو، وقد جلس بجوار شقيقته:
كانت عيناه تقولان إنه لم يعد صاحب متجر الزهور «العصفور الأزرق»، بل سيد نقابة اللصوص.
ولأن إحدى لصوص نقابته تطلب معلومة محرّمة من نقابة المعلومات، كان لزامًا عليه أن يتدخل.
“حتى لو كان موعد المعبد شبه علني، كونه يخص أحد أفراد العائلة الإمبراطورية… يجعله بالغ الخطورة.”
“أنا أعرف أنكِ لا تقدمين على حماقات، لكن لا بد أن أسألك: لماذا تحتاجين هذه المعلومة عن ذلك «السيد الكبير»؟
كانت ميلونا على وشك أن تجيب بصدق: «لأنني سأُنقذ العالم بحبه!»
لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة، مكتفية بزفرة خفية لم يلحظها التوأمان.
الصدق يجب أن يُقال في وقته ومكانه. وحتى لو صرّحت، من سيصدّقها؟
«غالبًا سيزجون بي في مصحّ عقلي… إذا لم يقتلوني أولًا.»
فقررت أن تكتفي بابتسامة مشرقة، وقالت:
“لأنني أريد أن أراه وجهًا لوجه!”
***
“كدتُ أموت اليوم…”
تمتمت ميلونا بعد عودتها إلى غرفتها، وقد بدّلت ثيابها من البلوزة والتنورة إلى زيّ العمل. ارتجفت وهي تتذكر ما حدث.
“من كان يتوقّع أن تطير المقصّات عليّ مجددًا؟! والآن بالشوكة أيضًا؟! من أين أحضروها أصلًا؟”
التوأمان كانا غاضبين بحق: هل تطلبين معلومة خطرة كهذه فقط لأنكِ «مشتاقة لرؤية ملامحه»؟!
فتطايرت المقصّات والشوك، وحتى نبتة صبار صغيرة كانت معدّة للزراعة طارت باتجاه رأسها.
“لو لم أكن أنا… لكان أي شخص آخر قد مات فورًا.”
شدّت قفازها الأسود حتى رسغها بإحكام، وأطلقت تنهيدة طويلة.
لكنها رغم كل شيء، خرجت رابحة:
نقابة «الغراب الأسود» – التي تحتكر المعلومات في لوآسا – لم تكن لتدع فرصة ذهبية كهذه تفلت منها.
صحيح أن محفظتها خرجت شبه فارغة، لكن بفضل بعض التخفيضات، لم تفلس بالكامل.
“صحيح أن العقد ينصّ: في حال فشلت المهمة أو تورطت، تُلغى عضويتي في النقابة فورًا، وأدفع للتوأمين تعويضًا ثلاث أضعاف ثمن المعلومة… لكن لا بأس! … حتى لو لم يكن لا بأس.”
هكذا حاولت إقناع نفسها.
وقفت أمام المرآة. كان القناع الأسود يغطي نصف وجهها، ولمعان عينيها البنفسجيتين فقط هو ما يضيء الظلام.
ارتدت الرداء الأسود وغطت شعرها المبعثر تحت القبعة.
بالنسبة للبعض، كان الخروج من الباب كافياً. لكن لميلونا – كـ«مختصة نقل ملكيات» – كانت النافذة هي الطريق الشرعي.
قفزت بخفة إلى السطح القريب. حذاؤها المبطّن بالجلد أسكت كل أثر لصوت الخطوات، فلم يبقَ سوى صفير الريح.
«غريب… هل هو حظ جيد أم سيئ أن موعده مع المعبد غدًا صباحًا بالذات؟ أهذا ما يسمّى خدمة إلهية؟»
لو كان الأمر «هدية» من السماء، فهي لم تشعر بالامتنان على الإطلاق.
لم يبقَ وقتٌ لتخطيطٍ دقيق.
هي تعلم تمامًا أن العالم يرى اللصوص كفراشاتٍ حمقاء تحترق بألسنة اللهب.
و… ربما لم يكن ذلك بعيدًا عن الحقيقة.
لكنها كانت استثناءً بينهم: حياتها عندها أثمن من كل شيء.
صحيح أن كارثة مثل «الفناء» يمكن أن تبتلعها بلا حول ولا قوة، لكنها كانت تؤمن أن من واجبها على الأقل أن تحتاط قدر المستطاع.
في العادة، ما كانت لتتحرك من أجل أي مهمة دون ثلاث خطط بديلة على الأقل.
لكن هذه المرة… الوقت ضيق.
«لن أفعل سوى رؤيته… مجرد النظر إليه. لا بأس… صحيح؟»
لكن مع ذلك، قلبها لم يتوقف عن الخفقان بقلق.
شقّت ميلونا صمت المساء وهي تجري بخفة فوق أسطح المباني، لكن عقلها كان معقداً أكثر من خطواتها.
لم تكن المشكلة فقط أنها تركض الآن نحو المعبد من دون أي خطة واضحة، بل المشكلة الأكبر كانت ما بعد رؤية وجه ويد. حسناً، ستراه… ثم ماذا بعد ذلك؟ كيف عليها أن تتحرك بعد الخطوة التالية؟
لم يخطر ببالها أي جواب. لم يكن الأمر أنها تريد الجواب الصحيح، بل حتى جواباً ملتفاً يرضيها. لكن على ما يبدو… بما أن الموكّل هذه المرة هو “إله”، فقد ارتفع مستوى صعوبة المهمة إلى مرتبة إلهية كذلك.
عندما رأت المعبد يقترب أكثر فأكثر، تنهدت ميلونا مرة أخرى تنهيدة طويلة.
لقد كان الأمر حقاً… ميؤوساً منه.
لو كان بوسعها، لأمسكت بـ”النور” من ياقة ثوبه وصاحت في وجهه: “لماذا جررتني لمهمة مرعبة بهذا الحجم؟!”
صحيح أنها صباح اليوم نفسه أقسمت أن لا تفكر في الأمر بشكل معقد، وأنها ستتصرف بطريقتها الخاصة وتحلّه بأسلوبها… لكن هل هذا ممكن فعلاً؟
توقفت فجأة، وانخفض جسدها تلقائياً إلى الظل كما اعتادت في حياتها المهنية. عضّت شفتها من تحت القناع وهمست مع نفسها:
“فكّري… فكّري جيداً. طريقتي الخاصة… طريقة خبيرة نقل الملكية!”
فمهما قال الناس، الشيء الذي تجيده ميلونا أكثر من أي شيء آخر هو… السرقة.
وخاصةً سرقة الجيوب، فقد أصبحت يداها تتحركان من تلقاء نفسها من شدة التمرّس، حتى من دون أن تُفكّر.
وبهذا المنطق، فإن الخطوة “المنطقية” التالية التي تستطيع التفكير بها لم تكن سوى واحدة:
“أولاً أرى وجهه… ثم أتسلل بخفة وأسرق كيس الذهب من جيبه، وبعدها أعيد الكيس إليه وأنا أقول: لقد سرقتُ هذا المبلغ الضخم لأول مرة في حياتي، لكنني شعرتُ بالذنب فجئتُ أعيده! … فماذا لو وقع في حبي حينها؟”
ربما سيقول: “أنتِ أول من يسرقني ثم يعترف بنفسه! هذا يثير إعجابي!”
ثم… هكذا تبدأ القصة الرومانسية!
ميلونا ابتسمت تحت القناع، ثم على الفور تجمّدت ابتسامتها.
“…لا، لا أظن أن هذا سينجح.”
رفعت رأسها إلى السماء وكأنها تخاطب أحداً فوقها:
“يا إلهي… حقاً لا يصلح؟ لا يمكن؟ … ألن تمشي الخطة؟ ها؟”
المترجمة:”شيوتا 🩵”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 3"