الفصل 2
“الآن وأنا أفكر… في يوم دمار العالم كنت في طريقي إلى العمل أيضًا… لحظة… هل يُعقل أني متُّ قبل حتى أن أتمكّن من العودة من الدوام؟”
في الحقيقة لم تكن قد وصلت مكان العمل بعد، لذا عبارة “ماتت من دون أن تعود من العمل” لم تكن دقيقة تمامًا. لكنها تجاهلت الأمر بلا مبالاة.
وبينما تتمتم بحزن على نفسها المسكينة التي ماتت قبل حتى أن تنهي دوامها، أنهت ميلونا غسل وجهها سريعًا وغيّرت ثيابها، متجاهلة ثوب النوم المرمى على الأرض والسرير الذي صار فوضى.
“على أي حال، سأرتديه من جديد حين أعود، وسيُكَرَّمش مرة أخرى… لا داعي لترتيبه منذ الصباح في هذا الوقت الحرج.”
“أما ظهر اليد… فسأغطيه بالقفازات.”
ارتدت بلوزة بيضاء قديمة لكنها نظيفة، مع تنورة بنية داكنة تصل إلى الركبة تقريبًا، وعلى يديها قفازات سوداء نصفية لا تتناسب إطلاقًا مع ملابسها. زفرت تنهيدة صغيرة.
صحيح أن هذا حل مؤقت، لكن لا بد أن تجد طريقة أفضل قريبًا.
ثم نظرت إلى المرآة لتتأكد من مظهرها قبل أن تغادر على عجل.
كان صباح اليوم الثالث منذ عودتها، لكنها غابت يومين متتاليين دون إذن وتأخرت عن الحضور حتى الآن.
إن لم تُظهِر على الأقل أنها أسرعت، فقد تُقتل على يد رئيسها الحقود قبل أن تلاقي مصيرها مع دمار العالم.
ولو حدث ذلك، فهو سيحرص بالتأكيد على كتابة [سبب الوفاة: الإهمال في العمل] على شاهد قبرها بخط أكبر من اسمها نفسه.
“إنه من النوع الذي سيفعلها فعلًا…”
تمتمت لنفسها بصوت منخفض، ثم حيّت صاحب المتجر الذي يستأجر لها الغرفة في الطابق الثالث وبدأت تركض نحو عملها.
وبعد أن تصبّب العرق على جبينها، لاح لها من بعيد لافتة المحل الذي تعمل فيه:
<متجر الزهور العصفور الأزرق>
اسمٌ لا يمت بصلة إلى صاحبه.
بالنسبة لميلونا، العمل الأساسي هو “نقل الملكيات” (أي: السطو المحترف). لكن مصدر دخلها الثابت كان عملها الجزئي هنا كموظفة في محل زهور.
صحيح أن الأجر قليل مقارنة بعملها الأساسي، لكنه “ثابت”، ولهذا كان ثمينًا جدًا بالنسبة إليها.
وبما أنها عادت ثلاثة أعوام إلى الماضي، فهي لا تتذكر بدقة حالتها المالية وقتها، لكن لو فقدت هذا العمل فقد تعجز عن دفع إيجار الغرفة في نهاية الشهر.
ربما لن يتوقف الأمر عند الإيجار فقط…
حين تخيلت رئيسها وهو يحفر قبرها مسبقًا منتظرًا تقصيرها، رغبت بالهرب من جديد.
ايها الحاكم هل تسمعني؟ قبل الحديث عن الحب وإنقاذ العالم، أليس عليّ أن أبقى على قيد الحياة أولاً؟ فرجاءً… أنقذني.
كانت قد فقدت إيمانها منذ زمن بعيد، لكنه على الأقل لم يعد مجرد خيال بعدما رأته بعينيها. إذن ربما يكون الدعاء مجديًا؟
لكن… هل يُشترط الإيمان ليستجيب؟
على أي حال، هو نفسه مَن استدعى شخصًا بلا أي إيمان ليكلفه بإنقاذ العالم.
هزّت رأسها بعنف لطرد هذه الأفكار، وابتلعت ريقها بصعوبة وهي تحدق بالباب المغلق أمامها.
لم تشعر بهذا القدر من التوتر حتى وهي تواجه نهاية العالم.
فوق ذلك، حينها لم يكن لديها وقت لتشعر بالخوف، أما الآن فكل شيء يبدو كفتح بوابة إلى الجحيم.
لكن لا خيار لها… مهما كان ينتظرها خلف هذا الباب — جحيم، دمار، أو رئيسها الحقود — فعليها أن تدخله.
“هـــووف… فلنفتح!”
همست تشجع نفسها، ثم مدت يدًا مرتجفة وبدأت تفتح الباب ببطء.
“آه… ص-صباح الخير، أنا— هيااااااك!”
شيءٌ ما طار نحوها.
أسرعت تغلق الباب قبل أن ينفتح بالكامل، وارتدّت للخلف وهي تلهث.
دوّى صوت ارتطام الباب، يليه صوت أداة معدنية اصطدمت بشدة بالخشب من الداخل.
ولم تحتج أن تراها لتعرف ماهيتها، فقد سمعت صوت أحدهم يقول من الداخل:
“هل تُلقي مقصّات البستنة على الناس، يا مجنون؟!”
مقصات البستنة؟! هذا السلاح الفظيع كاد ينهي حياتها بعد ثلاثة أيام فقط من عودتها! لولا حدسها الحاد، لكانت الآن في حضرة الإله من جديد.
هل أهرب فقط؟
فكرت للحظة في التظاهر بالغياب يومًا آخر، لكنها تراجعت حين تخيلت زائرًا مخيفًا يقتحم غرفتها ليلًا.
ابتلعت ريقها من جديد، ثم أعادت فتح الباب بحذر وأدخلت رأسها قليلًا.
“آ… هاهاها… رئي…سـي؟ هل غضبت؟”
“قلت لك مئات المرات! هنا يُقال: المدير.”
“مع هذه العقلية المتحجرة في التعامل مع الموظفين، طبيعي أن أتغيب. ميلونا، ما رأيك؟ اتركي هذا العجوز وتعالي اعملي تحت إمرتي.”
كانوا “عائلتها” التي عادت إليها بعد ثلاث سنوات، رغم أن عائلتهم هذه غير عادية إطلاقًا.
إذ يستطيعون ببرود أن يرموا أدوات حادة في وجهك…!
وطبعًا من يلقيها دائمًا هم “الآخرون”، بينما ميلونا الطرف الذي يتلقى.
صحيح أني أتفاداها دائمًا بمهارة، لكن لو قلتها بفخر فقد أفقد حياتي حقًا…
من حسن حظها أنهم واثقون دومًا بأنها ستتفادى، ولهذا يرمون من دون تردد. لكن يبقى الأمر مرعبًا.
وحين تأكدت أنه لن يُلقى شيء آخر، زفرت ميلونا بارتياح وحوّلت نظرها إلى الداخل.
“على أي حال، أنا التي فزت، لذا ادفعوا المال.”
قالت ذلك الفتاة ذات العيون البنية الداكنة التي حدّدتها بالكحل الأسود، بشعر أخضر قصير ينسدل حادًا على خدها وهي تسخر من توأمها: دانييلا.
“لكن… لو دفنتك خارجًا، ألا أكون أنا الفائزة؟”
أجابها الشاب ذو العيون ذاتها، يخفيها خلف نظارات بلا عدسات، بشعر أخضر مربوط ذيل حصان، بابتسامة ودودة — أو مرعبة: دانييلو.
رغم أنهما توأمان غير متطابقين، إلا أن ملامحهما تكاد تجعلهما يُخطَآن كتوأم متطابق. لكن لباسهما وهالتهما مختلفان تمامًا:
دانييلا ترتدي فستانًا ضيقًا يبرز جسدها وتتحلى بالمجوهرات البراقة، بينما دانييلو يرتدي ثياب عمل بسيطة متسخة بالتراب.
ومع ذلك، حين ناولها دانييلو عملة ذهبية، ابتسمت دانييلا بفرح عريض كالفوز العظيم.
ميلونا، وقد رأت ذلك، أدركت أنها لن تموت اليوم على الأقل، فتقدمت إلى الداخل بخطوات مطمئنة.
“لقد حبست نفسك في البيت يومين كاملين بلا حركة، هل حدث شيء لا أعرفه؟”
“وهل يمكن أن يحدث شيء في مدينة رواسا من دون أن تعرفه دانييلا؟”
“همم… هذا مريب.”
ضيّقت دانييلا عينيها تراقبها، لكن ميلونا تجاهلتها واقتربت من دانييلو، الذي كان ينظر إليها بوجهٍ يملؤه الغضب المكتوم.
أطرقت رأسها، شبكت يديها كفتاة بريئة، وتمتمت كأنها في وضع اعتذار صادق.
ورغم أنه رئيس قاسٍ، إلا أن دانييلو كان هو من أخذ بيدها في طفولتها وعلّمها المهنة، ولهذا كان يقدّرها.
ولو كان أي شخص آخر مكانها، لدفنه فعلًا في الخارج. لكن ميلونا كانت رفيقة عمره منذ الصغر.
“كفى حيلًا.”
“هيهي.”
يا إلهي، هل ترى؟ لقد نجوت من جديد اليوم!
ابتلعت تنهيدة الارتياح، وتجاهلت نظرات دانييلو المتفحصة لها، ثم أدارت ظهرها.
ورغم أنها حضرت إلى العمل، فإن متجر الزهور كان يغلق باكرًا بسبب “العمل الحقيقي” لصاحبه، لذا لم تكن تفكر بجدية في بذل مجهود.
خصوصًا أن دانييلا هنا أيضًا.
كانت ميلونا تفكر بعد الانتهاء من عملها أن تذهب إلى حانة «الريفِن» لتلتقي دانييلا، لكنها رأت في هذه المصادفة السعيدة فرصة لتستغل وقتها وتوفّر على نفسها عناء الانتظار.
“دانييلا، أعلم أن وقت «الدوام الرسمي» لم يبدأ بعد… لكن عندي معلومة أريد شراءها.”
“قلت لك مرارًا أن تنتقلي للعمل معي. حينها لن تحتاجي لدفع أي شيء.”
“قلت لك مئة مرة أن تتخلي عن هذه الفكرة. أنا أفتخر بمهنتي بقدر ما أحب عملي في محل الزهور. ثم إن خيانة رئيسي الذي يوفّر لي دخلي الأساسي… برأيك كيف سيكون مصيري؟”
خصوصًا وأن ذلك الرئيس يقف خلفها الآن يرمقها بنظرات حادة. لو قبلت مزاحًا حتى، فلن يتركها على قيد الحياة هذه المرة. وربما يُكتب على شاهد قبرها بخط عريض: «الخائنة». مجرد تخيّل هذا المصير كان كافيًا ليجعل ميلونا ترفضه بشدة.
“هممم، خسارة إذًا. حسنًا، لندخل في صلب العمل. ما هي المعلومة التي تبحثين عنها؟”
“بالتحديد… ما أحتاجه ليس مجرد معلومة، بل معلومات عن شخص ما.”
“عن مَن؟”
لمعت عينا دانييلا الفضوليتان، وبالمثل أحسّت ميلونا بلمعان العيون نفسها قادمًا من وراء ظهرها
حيث يقف دانيلو يترقب. ازدردت ريقها قليلًا ثم تكلمت ببطء:
“عن دوق الإمبراطورية… ويد لي فونتي.”
“هل فقدتِ عقلك؟!”
“أأنتِ في كامل وعيك؟!”
المترجمة:”شيوتا 🩵”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 2"