“السوق دائمًا مزدحم بالناس. في الواقع، لا أحبه كثيرًا، لأنه يجعلني أشعر بالإرهاق. ربما ستشعرين بالإرهاق أيضًا يا إيلي.”
لكن كلمات رايفن القلقة مرت بجوار أذن الفتاة دون أن تلتفت إليها، فقد كانت تعابيرها مليئة بالحماس والتطلع.
كيف سيبدوا؟ من هم الأشخاص الموجودون هناك؟ هل سيكون ممتعًا…؟
مرت بيدها على شعرها للحظة قبل أن تبتسم بهدوء.
الآن… لن يكون هناك أحد يعرفني. على الأقل، لن أسبب أي ضرر لأبي. هذا يكفي.
بمجرد أن شعرت بالاطمئنان، أمسكت بيد رايفن بقوة أكبر، وبدأ وجهها يشرق شيئًا فشيئًا.
وربما لهذا السبب، شعرت بخفة غير معتادة في خطواتها.
أحدهما كان سعيدًا بزيارة السوق، والآخر كان سعيدًا بالذهاب في نزهة مع ابنته، فاستمتعا بهذه اللحظة كلٌّ منهما بطريقته.
لم يمر وقت طويل حتى خرجا من الزقاق وعبرا المنعطف، ليظهر أمامهما مشهد السوق.
لكن وجه رايفن، الذي كان يبتسم بفرح ترقبًا لسعادة الفتاة، تجمد فور أن تجاوز المنعطف.
“همم…؟”
“ما الأمر؟ هل هناك شيء غريب؟”
خشيت إلي أن يكون هناك مشكلة، فسألت رايفن بسرعة.
“لا، ليس كذلك، ولكن…”
كان هناك شيء غير مألوف في أجواء السوق.
بدا المكان مرتابًا بشكل غير عادي. لم يكن هناك حشود صاخبة، ولم تكن العربات تمر كما هو معتاد. كان الأمر أشبه بأن السوق لا يضم سوى الأشخاص الضروريين فقط.
رايفن، الذي استخدم السحر للانتقال مباشرة من قلعته إلى هنا، أمال رأسه في حيرة. ربما لو كان قد أتى بعربة، لكان قد لاحظ سبب هذا التغير، لكنه لم يكن لديه أي فكرة عن سبب هذا الجو المختلف.
“الأجواء هنا غريبة…”
“هل… تعتقد ذلك؟”
لأنها لم تزر السوق من قبل، نظرت إلي حولها بفضول، متأملة الأكشاك المليئة بالبضائع.
إن لم يكن مزدحمًا، فهذا أفضل. فكرت إيلي بذلك وهي تمسك بذراع رايفن برفق.
“ألا تعتقد أنه لا بأس؟ على الأقل، لم يعد هناك الكثير من الروائح القوية التي كانت تفوح منذ أن دخلنا.”
“هل أنتِ متأكدة أنه لا يزعجك؟”
“نعم، أشعر أنني بخير الآن. في الواقع، أعتقد أن الأمر سيكون أسهل للتجول.”
“حسنًا، ربما يكون كذلك.”
نعم، لا بأس.
كان هناك شيء يثير قلقه قليلًا، لكنه قرر ألا يهتم كثيرًا، مادام هو موجودًا لحمايتها.
رغم قلة الناس، كانت جميع المتاجر مفتوحة.
في الواقع، كان غياب الزحام مريحًا لهما، مما جعلهما يتجولان بحرية. وعلى الرغم من أن تعابير بعض أصحاب المتاجر لم تكن لطيفة، إلا أن الأمر لم يكن يستحق الاهتمام.
إيلي، التي كانت سعيدة بالخروج، بدت أكثر إشراقًا من المعتاد، تبتسم بين الحين والآخر. أما رايفن، فقد كان يقدّر كل لحظة معها. لحظات ثمينة قد لا تتكرر. حتى لو زارا السوق مرة أخرى، فإن الذكريات التي سيصنعانها حينها ستكون مختلفة عن الآن.
لهذا السبب، قادها في جولة واسعة، زائرًا العديد من المتاجر.
اشترى من كل متجر تقريبًا، حتى بدا وكأنه اشترى متجرًا بأكمله. رغم وجود العديد من الملابس في القلعة، إلا أن كمية الملابس التي اشتراها جعلت من السهل تصديق أنه اشترى متجرًا كاملًا. لم يكن الأمر يقتصر على الملابس فقط، بل اشترى المجوهرات والألعاب أيضًا.
وعندما سأله التجار عن عنوان التسليم، أجاب عشرات المرات بأنه سيرسل عربة في اليوم التالي لاستلام المشتريات.
نظرت إليه إيلي باندهاش، لكنه رد عليها بثقة، قائلًا إنه يملك ما يكفي من المال، ورفع كتفيه بفخر أمامها.
مر الوقت سريعًا، لكن كثرة المشي بدأت ترهق إيلي، فبدأت خطواتها تتباطأ تدريجيًا.
رايفن الذي أدرك ذلك متأخرًا، شعر بالذنب وجلس بسرعة على مقعد قريب.
“آه، قد تكون ساقاكِ تؤلمانكِ.”
“هاه؟”
“بسبب المشي الطويل. هل تودين الجلوس أيضًا؟”
“أوه… نعم!”
ابتسمت الفتاة بفرح وجلست بجانبه بسرعة.
منذ قليل، كانت تنظر إلى المقاعد وتتمنى الجلوس، لذا شعرت بالراحة أخيرًا.
لم تكن هناك روائح غريبة في الهواء، لكن الجو كان ثقيلًا بطريقة غريبة، وكأن شيئًا ما يضغط على صدرها.
بما أنها اعتادت البقاء ساكنة في القصر الإمبراطوري، فقد تعبت بسرعة.
كادت أن تخبره بذلك لكنها ترددت، لذا كان من حسن حظها أنه قرر الجلوس.
مرت فترة قصيرة وهما جالسان بهدوء على المقعد، وبينما كانت إلي تهز قدميها بخفة، بدأت تدندن بلحن صغير.
“هل استمتعتِ؟”
“هاه؟”
توقفت عن التلحين وحدقت فيه فورًا.
“أوه… نعم! السوق مكان رائع. والآن بعد أن فكرت في الأمر… المكان الذي وُجدتُ فيه بعد أن تُركت كان قريبًا من هنا، أليس كذلك؟”
رايفن، الذي رأى الظلام يخيّم على تعابيرها، مدّ يده ليمسح على رأسها.
قبل أن تتمكن من التراجع، لامست يده شعرها برفق، فرفعت عينيها ونظرت إليه.
“سأعوّضك عن كل ما مررتِ به. سأجعلكِ أسعد من أي شخص آخر.”
أحنت إيلي رأسها بخجل، لكن ابتسامة صغيرة ظهرت على وجهها.
“أوه إيلي. ألستِ جائعة؟”
“أمم… ربما قليلًا.”
رغم أنها تناولت بعض الوجبات الخفيفة أثناء التسوق، إلا أنها شعرت بجوع غريب، وكأن أي طعام لا يكفي لسد الفراغ داخلها.
“انتظري هنا قليلًا، سأذهب لشراء شيء لك. بما أن قدميك تؤلمانك، ابقي بالقرب من هنا. سأعود بسرعة.”
“أوه… لا، لا بأس…”
“أنا أيضًا أشعر بالجوع، لذا لا تقلقي.”
ابتسم رايفن بلطف وسحب يده عن رأسها.
هل سيعتقد أنني أتناول الكثير؟ هل سيكرهني إن كنت شرهة؟ كيف يمكنني ألا أجعله يكرهني…؟
نظرت إليه بعينين قلقتين، لكنها وجدت نظراته مليئة بالدفء.
وكأنه قرأ أفكارها، أخرج كيسًا صغيرًا من جيبه ومدّه نحوها.
كان يعلم أنها ستشعر بالحرج إن جلست هكذا دون فعل شيء، لذا حاول أن يشغلها بطريقة ما.
“سأعود سريعًا… حسنًا، لماذا لا تتجولي قليلًا هنا في هذه الأثناء؟”
“هاه؟”
“أرجوكِ، أثناء تجولكِ هنا، هل يمكنكِ اختيار شيءٍ يناسبني؟ لا يهم ما هو، سأترك الأمر لكِ.”
“لكن…”
نظرت إليه إيلي بعينين متردّدتين.
“أنا لست جيدًا في اختيار هذه الأشياء. عندما أطلب من ماري أن تختار لي، تنتهي باختيار أشياء تناسب كبار السن. لذا، هل يمكنكِ اختيار شيء يناسبني؟ لا داعي للقلق، فكري في الأمر وكأنه مجرد مهمة صغيرة.”
عند سماع كلماته، أومأت إيلي برأسها بهدوء.
لقد وثق بي.
أعطاني فرصةً للقيام بشيء بمفردي. شعور لم يسبق لها أن اختبرته من قبل، مما جعل قلبها يمتلئ بالحماس.
“… سأحاول.”
“جيد، أي شيء تختارينه سيكون رائعًا. طالما أنه منكِ، فسأحبه.”
ابتسم رايفن برفق ووضع كيسًا صغيرًا في يدها. رغم لمسته، حاولت إيلي جاهدة ألا ترتعش، متعمدةً حبس أنفاسها للحظة.
رأى رايفن ذلك، فظهر على وجهه ابتسامة حزينة.
“إذن، أصبحتِ الآن قادرة على تحمل هذا القدر على الأقل.”
“لأنه… ليس خطرًا…”
“بالطبع، لن أكون أبدًا مصدر خطرٍ لكِ، يا إيلي. هذا أمرٌ مؤكد.”
“سأعود قريبًا وأحضر لنا بعض الطعام اللذيذ.”
“… نعم!”
رغم قلقها من الابتعاد عنه، أمسكت إلي الكيس الصغير بإحكام وأومأت برأسها. عندما أخذته، شعرت بوميض غريب للحظة، لكنه عاد إلى لونه الطبيعي بسرعة، مما جعلها تعتقد أنها تخيلت الأمر.
لاحظ رايفن نظرتها إلى الكيس، فخشي أن تلاحظ السحر الذي وضعه عليه، فبادر إلى الحديث سريعًا:
“آه، بالمناسبة، إذا شعرتِ بأنكِ تريدين رؤيتي، فقط ناديني في قلبك.”
“… ماذا؟”
“إذا ناديتني ‘أبي’، فسأكون بجانبك على الفور.”
توسعت عينا إيلي من الدهشة، رمشت أكثر من مرة وهي تحدق به.
“أنا أمزح فقط. لا تقلقي، سأكون دائمًا بجانبك.”
“آه… نعم!”
على أي حال، المكان الذي طلب منها أن تختار منه شيئًا لم يكن يبعد سوى عشر خطواتٍ عن المقعد.
في الحقيقة، لم يكن يريد منها أن تختار شيئًا فحسب، بل أراد أيضًا أن يمنحها وقتًا لتستريح بعيدًا عنه، إذ كان يشعر بأنها غير مرتاحة أثناء وجوده. كما أن الرائحة الغريبة التي أقلقته منذ وصولهما لم تكن موجودة هنا، لذا لم يكن هناك داعٍ للقلق. وهكذا، بدأ بالسير ببطء مبتعدًا عنها.
بمجرد أن اختفى عن أنظارها، شعرت إيلي بحماسٍ يغمرها وهي تفكر في إكمال مهمتها على أكمل وجه.
— “شيء يناسبه…”
بما أن عينيه بلون السماء الصافية، فقد بدأت تبحث عن شيء يعكس هذا اللون.
شعور دافئ ملأ قلبها عندما فكرت في أنه طلب منها شيئًا لأول مرة.
خلافًا لتوقعاتها بأنها ستجد شيئًا بسرعة، أخذت إيلي وقتها في التحقق من كل شيء، متجولةً حول الأكشاك، حتى وقعت عيناها على شيء في أحد الأكشاك في آخر السوق.
كان سوارًا بسيطًا مصنوعًا من الخيط، تتدلى منه خرزة بلون السماء. لم يكن يبدو مميزًا بشكل خاص، لكن تلك الخرزة في المنتصف بدت جميلة ومتألقة.
عندما رأته، ارتسمت ابتسامة على وجهها.
“هذا هو!”
هذا السوار سيكون مناسبًا له تمامًا.
تخيلت شكله وهو يرتديه، مما جعل ابتسامتها تتسع أكثر.
وبحماس، مدت يدها لتأخذ السوار.
لكن في اللحظة نفسها، امتدت يد أخرى إلى نفس السوار.
“آه…”
كانت إيلي منشغلة تمامًا باختيارها لدرجة أنها لم تنتبه إلى وجود شخص آخر بجانبها. نظرت بسرعة إلى الأعلى، لكنها لم تفلت السوار، بل أمسكت به بإحكام.
“أنا من رأيته أولًا، وأريد شراءه.”
“يدي… لمسته أولًا.”
كان سوارًا بلون السماء، تمامًا مثل عيني رايفن. لم تكن مستعدةً للتخلي عنه، لأنه كان أفضل شيء يناسبه.
لأول مرة في حياتها، شعرت إيلي برغبةٍ حقيقية في امتلاك شيءٍ ما.
لطالما عاشت بلا أي رغبات، لكن الآن، أرادت هذا الشيء بشدة، ليس لنفسها، بل لشخصٍ كان دائمًا لطيفًا معها.
لهذا السبب، شدّت قبضتها أكثر على السوار.
كانت تملك المال، ولا سبب يدعوها للتخلي عنه. والأهم من ذلك، أنها لمسته أولًا، بينما الأخرى لم تكن سوى شخصٍ يحاول انتزاعه منها.
“لقد أمسكته قبلكِ.”
لكن الفتاة الأخرى لم تتراجع، بل حاولت انتزاع يد إيلي بقوة.
“آه!”
صرخت الفتاة الأخرى بصوتٍ عالٍ وتراجعت خطوة إلى الخلف، بينما سارعت إيلي إلى إعطاء البائع عملتين ذهبيتين وأحكمت قبضتها على السوار.
بعد ذلك، رفعت رأسها أخيرًا لتنظر إلى الفتاة التي كانت تحاول أخذ السوار.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "9"