“إذن لم يكن حلماً حقًا… كنت أظن أنه مجرد حلم. أن يتحول كل ما حدث هنا… إلى مجرد حلم عابر في ليلة واحدة.”
شعرت بالخوف.
كانت إيلي تخشى أن تكون تلك السعادة العابرة مجرد حلم. لكن لمسة ماري التي تهدئها أكدت لها أكثر من أي شيء آخر أن كل هذا كان حقيقياً.
“نعم، ليس حلماً. إنه الواقع. هل حلمتِ حلماً جميلاً؟”
“أ… أعتقد ذلك.”
خفضت إيلي رأسها بخجل، وبدأت تتذكر أحداث الليلة الماضية.
لم تكن تتذكرها بوضوح، لكنها كانت متأكدة من شيء واحد—وسط الكوابيس التي لطالما ملأت أحلامها، كان هناك شخص ما قد مدّ يده نحوها. قائلاً لها: لا بأس. لا داعي للألم.
ولهذا، بدا وجهها مشرقًا وكأنها قد رأت حلمًا جيدًا حقًا.
“هذا مطمئن. آنستي، سأجهز لكِ الإفطار على الفور.”
“الإفطار؟”
“نعم، السيد قال إنه سينطلق بمجرد أن تنهي آنستي إفطارها وتستعد.”
“إلى أين؟”
“إلى السوق!”
حاولت إيلي أن تبدو غير مبالية، لكن وجهها أضاء بسعادة واضحة عند سماع الكلمة.
“السوق…!”
“لقد جهزنا لكِ بالفعل الملابس التي سترتدينها للخروج.”
كانت هذه هي المرة الأولى التي تبدو فيها إيلي مشرقة بهذا الشكل.
على الرغم من أنها قضت يومًا واحدًا فقط في هذا المكان، إلا أن الخدم كانوا يحملون صورة محددة عنها—صورة لم تكن مشرقة على الإطلاق.
شخص غارق في الظلام، من الصعب الاقتراب منه. طفلة مليئة بالجراح العاطفية، لا يمكنها إلا أن تبقى منغلقة على نفسها.
حتى قبل قدوم إيلي، أصدر رايفن أوامره لجميع الخدم بعدم الضغط عليها، إذ كانت تحمل جروحًا كبيرة. لذا، كانوا حذرين معها وتوقعوا أن تكون متحفظة.
لكن حين رأوها لأول مرة، اكتشفوا أن جراحها كانت أعمق مما تخيلوا. كانت ترفض اقتراب أي شخص منها، مما جعلهم يشعرون بالحزن عليها بطريقة لم يسبق لهم أن شعروا بها من قبل تجاه أي شخص آخر.
لذلك، كانوا قلقين—هل ستتحسن حالتها؟ وإن بقيت كما هي، فماذا عليهم أن يفعلوا؟
ولكن الآن، رؤية تعبيرها المشرق عند سماعها عن السوق منحتهم جميعًا شعورًا بالأمل.
بدا وجهها مضيئًا وكأنها تتطلع للخروج. حتى ماري، التي كانت بجانبها، وكذلك الخادمتان اللتان دخلتا لتحضير وجبة الإفطار، بدت ملامحهن أكثر إشراقًا.
وربما لأنها لم تكن جائعة كما في اليوم السابق، أو ربما لأنها كانت أكثر هدوءًا، فقد تناولت إيلي طعامها ببطء هذه المرة. وحتى عندما اضطرّت إلى إظهار جسدها أثناء تبديل ملابسها، لم تكن متوترة كما كانت في اليوم السابق. بل على العكس، كانت سعيدة. لأنها ستتمكن من الخروج.
وحين جلست أمام المرآة لتصفيف شعرها، لم تستطع إخفاء دهشتها.
“آه… وجهي.”
“ماذا هناك، آنستي؟”
كانت الندوب التي كانت تملأ وجهها حتى اليوم السابق قد اختفت تمامًا.
تحسست إيلي وجهها، غير مصدقة.
“لكن… كان هناك جروح هنا…”
“صحيح، بالأمس كانت هناك جروح بالفعل.”
نظرت ماري إلى وجه إيلي بدهشة، لكنها سرعان ما فهمت شيئًا وأومأت برأسها بهدوء.
“يبدو أن السيد استخدم قوته.”
“ماذا؟”
“السيد يمتلك قوة خاصة لا يمكننا حتى تخيلها. يبدو أنه شفى جراح وجهكِ أيضًا.”
“آه…!”
تحسست إيلي خدها مرة أخرى، مصدومة.
“لقد… شفاني بنفسه؟”
خفق قلبها بسرعة.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يعتني بها أحدٌ بهذا الشكل، والمرة الأولى التي تختبر فيها هذا الشعور الغريب، شعور يجعل قلبها ينبض بإثارة دافئة.
“حسنًا، انتهينا الآن. هل نذهب؟”
“…نعم!”
ابتسمت إيلي ابتسامة مشرقة ونهضت من مقعدها.
وبعد أن أكملت استعدادها، خرجت مع ماري متشابكتا الأيدي، متجهتين إلى البوابة الرئيسية.
عند البوابة المفتوحة على مصراعيها، كان رايفن ينتظرها بالفعل. وبمجرد أن رأى إيلي، ابتسم بسعادة.
شعرت إيلي بالحرج، فظهرت على وجهها ابتسامة صغيرة بينما كانت تحرك جسدها بتوتر.
“أنتِ جميلة اليوم أيضًا.”
“شكرًا لك…”
“هل يمكنني مسك يدكِ؟”
“نعم…”
ترددت قليلاً قبل أن تضع يدها في يده.
“لنذهب.”
بدون أي تردد، قادها رايفن عبر الساحة الواسعة، متجاوزًا النافورة، ومتجهًا نحو البوابة الخارجية.
“عودي سالمة يا آنستي.”
عند سماع صوت ماري الحزين، توقفت إيلي فجأة والتفتت إليها.
كانت قد خرجت بالفعل إلى الخارج برفقة رايفن، لكن ماري، التي جاءت معها، وكذلك ديل، الذي رافق رايفن، كانوا واقفين داخل البوابة، وكأنهم لا يستطيعون المغادرة.
“أليست المربية ترافق الطفل دائمًا؟”
شعرت إيلي بالحيرة وتوقفت مكانها، قبل أن تستدير لتنظر إلى ماري.
لكن ماري لم تتجاوز البوابة، بل ظلت واقفة هناك، وكأنها شخص غير مسموح له بالخروج.
حينها، وبعد تردد طويل، أخرجت ماري رسالة صغيرة من جيبها، وناولت إيلي إياها.
“المعذرة… عندما تذهبون إلى السوق وترون متجر الفواكه ‘ماديل’… هل يمكنكم وضع هذا في صندوق الرسائل هناك؟”
“ما هذا؟”
“إنها رسالة… رسالة أبعثها إلى ابني الصغير. رسالة لم أتمكن من إرسالها ولو لمرة واحدة طوال هذه السنوات، والآن بالكاد أتمكن من إرسالها أخيرًا.”
“ابن…؟”
“كان في نفس عمرك تمامًا. لا أعرف كم أصبح عمره الآن. لقد قلت لكِ بالأمس، صحيح؟ إنني كنت أقصّ الشعر كثيرًا. كنت أقص شعر ابني. وكأن ذلك كان بالأمس فقط…”
“آه…!”
لقد أساءت الفهم.
كانت إيلي تعتقد أن المرأة كانت تشير إلى أنها كانت تقص شعرها هي، لكنها لم تتخيل أبدًا أن الأمر يتعلق بابنها.
“ألستِ ذاهبة…؟”
“الأصح أنني لا أستطيع الذهاب. بدلًا مني، هل يمكنكِ أن تنظري إليه وتحفظي صورته في ذهنكِ؟ ابني العزيز… أريد أن أعرف كم تغيّر.”
كانت إيلي على وشك أن تسأل “إذا كنتِ تشتاقين إليه، فلماذا لا تذهبين؟”، لكنها أغلقت فمها بصمت. لا بد أن لديها سببًا. أمام هذا الوجه الحزين الذي بدا وكأنه يذيب القلب، لم تستطع الطفلة قول أي شيء.
“سأوصلها له… بالتأكيد.”
وضعت الطفلة الرسالة في حضنها وأمسكتها بإحكام.
وبعد أن توقفتا للحظة، واصلوا السير مجددًا نحو السوق.
وأثناء سيرها ببطء وهي تشعر بلمسة رايفن الدافئة، لاحظت إيلي المشهد أمامها وأمالت رأسها في حيرة.
كانت تعرف أن القصور أو القلاع عادةً ما تكون محاطة بالجبال أو القرى، باستثناء القصر الإمبراطوري، الذي كان بعيدًا عن كل شيء. كانت الخادمة أرييل تشتكي كثيرًا من هذا الأمر، قائلة إنه من المتعب أن يكون القصر بعيدًا جدًا عن القرية، بينما تقع بقية القصور بالقرب من بعضها البعض، مما يسهل على السكان التنقل. كانت تشتكي بهذا الشكل عندما كانت تأتي خلسة في وقت متأخر من الليل أو في الصباح الباكر بعد أن تحصل على عمل لصالح إيلي. (ترا هاي خادمه ايلي المتوفية الي ناسي)
لكن الآن، بدا لها المشهد أمامها غريبًا.
لم تكن غابة… ولم تكن قرية أيضًا.
أو بالأحرى، يمكن تصنيفه كغابة بالفعل.
“إنها مظلمة…”
لكن الأمر المهم هو أنها كانت غابة لا يمكن رؤية أي شيء داخلها.
في تلك اللحظة، وبينما كانت الطفلة تتأمل المشهد بدهشة، تحدث رايفن.
“بهذا الشكل، نبدو حقًا كأب وابنته.”
“هاه؟”
“أقصد، ألا نبدو كأب وابنة حقيقيين في نظر الآخرين؟”.
“……….”.
بعد أن استوعبت كلماته، خفضت إيلي رأسها قليلًا وابتسمت بخفة.
وأثناء النظر إليه، أدركت لأول مرة أن وجود الأب قد لا يكون مخيفًا دائمًا.
لطالما اعتقدت أن أي شخص يحمل لقب أب هو شخص قاسٍ.
لقد سمعت أن والدها كان يعامل أختها غير الشقيقة، روزبينا، بحب، لكنها ظنت أن ذلك مجرد إشاعة.
حتى عندما ركلها بقدمه لمجرد أن روزبينا قد رآتها، حتى عندما نُفيت بسبب أنها “طفلة ملعونة”، لم تصدق أن هناك آباء يحبون بناتهم.
لكن الآن، بدأت تشعر أن ذلك قد يكون حقيقيًا.
“لنذهب الآن.”
“أ… ألن يأتي الآخرون…؟”
“لن يتمكنوا من القدوم. هم أناس لا ينبغي لهم الوجود أصلًا.”
كلمات مبهمة…
كانت مشابهة لما قالته ماري سابقًا.
استدارت إيلي لتنظر نحو القلعة. برؤية ماري و ديل لا يزالان يلوحان لهما مودعين. لم يكن أمام إيلي سوى أن تلوح لهما بالمثل، ثم رفعت رأسها لتنظر إلى رايفن.
“هل… سنمر من هنا؟”
أشارت إلى الغابة أمامهما بحذر.
“همم؟ ولماذا تسألين؟”
نظر رايفن إلى الاتجاه الذي تشير إليه، ثم أمال رأسه قليلًا.
“لا… فقط…”
“إنه… مخيف.”
كانت الغابة حالكة السواد، تنبعث منها رائحة الوحوش.
كان من المضحك أن تقول إن الوحوش لها رائحة، لكنها شعرت بها بوضوح.
كانت تلك رائحة كائنات بدت وكأنها على وشك الانقضاض عليها في أي لحظة.
تجهمت ملامح إيلي دون وعي.
بعد أن راقبها رايفن للحظة، ابتسم وسحبها برفق لتقف بجانبه.
“لن نمشي، ولن نأخذ عربة أيضًا. سنذهب بطريقة ممتعة.”
قبض على كتفها بلطف وهو يبتسم.
“ممتعة؟”
“أغمضي عينيكِ، وعندما أعدّ إلى ثلاثة، سنكون قد وصلنا.”
أومأت إيلي برأسها وأغلقت عينيها بإحكام.
كانت تمسك خصر رايفن بإحكام، خشية أن تفقده.
واحد… اثنان… ثلاثة.
كما قال تمامًا، عدّت إيلي في داخلها.
في تلك اللحظة، تغيرت الرائحة المحيطة بها فجأة.
بدلًا من رائحة الأزهار والعشب، كان هناك الآن عبق ثقيل كأن الأرض كانت مبللة بعد المطر.
“الرائحة…!”
كان الأمر غريبًا.
مرت من هنا سابقًا عندما عاشت في العاصمة، وكذلك عندما تم نفيها من القصر، لكنها لم تشم هذه الرائحة حينها.
لكن الآن، كانت الرائحة شديدة لدرجة أنها شعرت بعدم الارتياح.
حينها، سمعت صوت رايفن الهادئ.
“لقد وصلنا.”
فتحت إيلي عينيها بحذر وألقت نظرة خاطفة.
ظنت أنه السوق، فتألقت عيناها، لكن المشهد لم يكن كما توقعت.
كان المكان هادئًا جدًا ليكون سوقًا، على عكس ما سمعت عن السوق المزدحم دائمًا.
أمالت رأسها باستغراب.
“هل هذا هو السوق؟”
“بالطبع لا. هذه الأزقة الخلفية.”
عندها فقط، بدأت إيلي تلاحظ محيطها.
لم تكن قد لاحظت ذلك سابقًا، لكنها الآن أدركت أنهما يقفان في زقاق ضيق تحيط به منازل صغيرة.
شعرت بخيبة أمل واضحة، فابتسم رايفن وأمسك بيدها.
“هيا، لنذهب لرؤية السوق.”
“حسنًا!”
“بالمناسبة، يا إيلي.”
“نعم؟”
“هل تجدين صعوبة في تحمل الرائحة؟ مثلما حدث قبل قليل؟”
“آه… قليلاً…”
خافت أن يُنظر إليها على أنها غريبة إذا ذكرت أن الرائحة كانت مزعجة.
“هذا مطمئن… يبدو أنه لم يفت الأوان بعد.”
“لم يفت الأوان…؟”
“إن كنتِ قد بدأتِ تشعرين بالرائحة فجأة، فهذا أمر جيد. لا تقلقي.”
“آه…”
“إنه أمر طبيعي جدًا. حتى أنا لا أطيق رائحة البشر. لهذا لا آتي إلى هنا كثيرًا. لكن لأن صغيرتي قد تجد الأمر صعبًا، سأستخدم السحر.”
وما إن أنهى كلامه حتى مرر يده بلطف على وجه إيلي.
“هاه؟”
“الآن لم تعودي تشمينها، صحيح؟”
“نعم!”
اختفت الرائحة الكريهة فجأة، واستبدلت برائحة زكية.
أخيرًا، تمكنت إيلي من التوقف عن العبوس.
“بما أن صغيرتي أصبحت بخير، لنذهب إلى السوق.”
“نعم!”
~ ترجمة : سـنو.
~ واتباد : @punnychanehe
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "8"