كان على وشك أن يسألها إن كانت بخير لكنه ابتسم بلطف وحملها بين ذراعيه.
“حسنًا فهمت. سنذهب إلى هناك إذًا. هيا أغلقي عينيك. علينا الانطلاق فورًا لقد تأخرنا قليلًا عن الوقت الذي حدده الإمبراطور.”
عند سماع ذلك أغلقت إيلي عينيها بإحكام.
شعر رايفن بقلقها فشدّ رأسها بلطف إلى صدره ليمنحها بعض الطمأنينة.
“اتكئي عليّ سنصل سريعًا.”
“نعم…!”
بمجرد أن أنهى كلامه خطا رايفن في الفراغ وتغير المشهد من حولهما بسرعة مذهلة.
بعد ثوانٍ معدودة اخترق صوت دافئ أذني إيلي.
“لقد وصلنا.”
عند سماع ذلك فتحت عينيها ببطء.
قبل لحظات فقط كانت في الغرفة مع ماري ولكن عندما نظرت حولها الآن وجدت نفسها في قصرها القديم المظلم دائمًا.
لم يتغير شيء. القصر الذي عاشت فيه كان يبدو وكأنه مكان مهجور. كانت الأعشاب قد نمت حتى وصلت إلى مستوى خصر الإنسان مما زاد المكان كآبة. بدا وكأنه لم يُعتنَ به أبدًا.
كان القصر يقع في مكان لا تصل إليه أشعة الشمس مما جعله رطبًا تفوح منه رائحة العفن.
تصلّبت ملامح إيلي تلقائيًا عند رؤية المكان مجددًا.
“إنه أسوأ مما توقعت.”
لم تدرك مدى سوء المكان أثناء عيشها فيه لكن بعدما قضت بعض الوقت في قصر رايفن أصبحت تدرك كم كان وضعها مأساويًا.
بينما كان رايفن يتفحص القصر بنظرات سريعة فتحت إيلي فمها بحذر.
“أبي…”
“نعم؟”
“هذا هو المكان الذي كنت أعيش فيه…”
“يبدو أنك عانيتِ كثيرًا.”
“لقد كنتُ أُعامل بأسوأ من القمامة. أبي… ألا تخشى اللعنة؟ ألا تخشى أن أكون ملعونة؟”
تردد صوته الدافئ في أذنها.
“إيلي… أنتِ لستِ طفلة ملعونة. أنتِ طفلة أحبها الحاكم كثيرًا. ولا يزال يحبك. لقد مررتِ بأوقات صعبة لكن هذا لا يهم. أنتِ أغلى وأثمن طفلة في هذا العالم لا يمكن مقارنتكِ بأولئك البشر. لذا لا تعتقدي أبدًا أنكِ بلا قيمة بسبب ماضيكِ.”
امتلأت عينا إيلي بالدموع.
وكأنها كانت تنتظر سماع هذه الكلمات طوال حياتها شعرت بأن الأقفال التي كانت تقيد قلبها بدأت تتحطم واحدة تلو الأخرى.
“لا بأس يمكنكِ البكاء. يمكنكِ الحزن. لكن تذكري طالما أنني هنا لن أسمح أبدًا بأن يحدث لكِ شيء يجعلكِ حزينة أو متألمة. لا تقلقي سأكون بجانبكِ حتى تُشفى جراحكِ مهما طال الأمر.”
لم تستطع إيلي أن تنطق بكلمة “شكرًا” فدموعها كانت تتحدث بدلًا عنها تتساقط بلا توقف.
مرت فترة طويلة على هذا الحال قبل أن تدرك أنها جعلت رايفن ينتظر بصمت بجانبها.
بصوت متحشرج حثّته قائلة
“لِنغادر الآن…”
“هل أنتِ متأكدة؟ ألا تريدين أخذ شيء من هنا؟”
“آه… أبي هل يمكنني… زيارة مكان ما أولًا؟”
“أي مكان؟”
أمسكت بيده بصمت وقادته نحو وجهتها.
لم يكن المكان بعيدًا عنهم. في ذلك القصر الكئيب والمظلم كان هناك بقعة واحدة فقط تتسلل إليها أشعة الشمس. هناك برزت تلّة صغيرة مختلفة عن باقي الأرض المستوية.
لاحظ رايفن شكلها الغريب وأراد أن يسأل لكن قبل أن يتمكن من ذلك ركعت إيلي على الأرض وبدأت دموعها تتساقط مجددًا.
“أرييل… لقد عدت. هل كنتِ بخير؟”
“يا صغيرتي…”
“أرييل أريد أن أُعرّفكِ على أبي. لقد وجدني ويحبّني كثيرًا. لدرجة أنكِ لن تقلقي عليّ بعد الآن.”
أخيرًا أدرك رايفن هوية الشخص الذي كانت إيلي تبكي لأجله.
المرأة الوحيدة التي كانت بجانبها.
الاسم الذي سمعه سابقًا في ذكرياتها. أرييل المرأة التي كانت تعتني بها حتى آخر لحظاتها. بعد وفاتها بقيت إيلي وحيدة، جائعة وخائفة، تتمنى لو أنها ما زالت هنا.
“أبي… هذه أرييل. المرأة التي لم تتركني حتى النهاية والتي اهتمت بي في هذا القصر البائس…”
التعليقات لهذا الفصل "20"