عادت إيلي إلى غرفتها وابتسامة صغيرة ترتسم على وجهها.
كانت تشعر بامتلاء قلبها بإحساس أجمل من مجرد الفرح. وضعت يدها على صدرها شاعرة بخفقان لم تعهده من قبل.
“هل تؤلمك؟”
“ماري… أشعر وكأن شيئًا ما يضغط على صدري.”
دون أن تنبس بكلمة ضمتها ماري بقوة أكبر.
كان يجب أن تكون على دراية بهذه المشاعر. وكأنها طفل حديث الولادة يتعلم العواطف واحدة تلو الأخرى بدأت إيلي تفهم المشاعر تدريجيًا ولكن بسرعة في الوقت ذاته -الفرح، الحزن.
لذلك لم يكن أمام ماري سوى أن تربّت على ظهرها بلطف غير قادرة على فعل شيء آخر.
* * *
في صباح اليوم التالي.
منذ بزوغ الفجر أحدث رايفن ضجة مطالبًا بتناول الإفطار مع إيلي. وهكذا وجدا نفسيهما يجلسان معًا في قاعة الطعام يقضيان وقتًا هادئًا.
كان رايفن ينظر إليها برضا وهي تمضغ طعامها ببطء كالأرنب الصغير. في الآونة الأخيرة ازدادت شهية إيلي وكانت تأكل بشراهة.
وهو يراقبها بفخر سألها بلطف
“ألستِ جائعة؟”
“قـ… قليلًا.”
كانت كلماته غريبة. كيف يسألها إن كانت جائعة وهي تتناول الطعام بالفعل؟ بل الأغرب أن إيلي رغم تناولها كمية كبيرة لا تزال تشعر بالجوع.
لكن لم يبدو أن أحدًا استغرب ذلك واستمر وضع الطعام أمامها دون توقف.
بعدما أكلت قدرًا لا بأس به شعرت إيلي بالإحراج قليلاً فوضعت الملعقة ونظرت إلى رايفن بحذر.
“أنا آسفة… لقد أكلت كثيرًا.”
‘ماذا لو انزعج لأنه يجدني شرهة؟ لماذا أشعر بالجوع طوال الوقت؟’
خفضت رأسها بقلق وشفتيها متدليتين. لكن بدل أن ينهرها مدّ رايفن يده وربت على رأسها بلطف.
“لا بأس. عليكِ أن تأكلي كثيرًا لاستعادة الطاقة التي فقدتها خلال الفترة الماضية.”
“طاقة…؟”
“ابنتي مميزة لذا من الطبيعي أن تشعري بالجوع أكثر من الآخرين. كُلي بقدر ما تشائين.”
كان ينظر إليها بفخر لكن كلماته كانت غامضة بالنسبة لها.
‘لكن… هذا غريب. مهما أكلت ما زلت أشعر بالجوع… حتى معدتي لا تمتلئ…’
حتى أنها كانت تهضم الطعام بسرعة رغم الكمية الكبيرة التي تناولتها.
أرادت أن تطرح هذه التساؤلات لكنها خشيت أن يجعلها ذلك تبدو غير طبيعية فآثرت الصمت.
“لا تقلقي لن تصابي بعسر الهضم. كل شيء طبيعي تمامًا حتى أنا كنت كذلك.”
“أنتَ أيضًا يا أبي؟”
“بالطبع. فنحن نمتلك طاقةً وأرواحًا خاصة.”
لم تفهم تمامًا ما يعنيه لكنها أومأت برأسها وعادت إلى تناول الطعام بنهم.
“الحمد لله…”
لقد كانت قلقة من أن ينزعج من شهيتها المفرطة لكنه طمأنها بدل ذلك. مما جعل ابتسامة صغيرة تظهر على وجهها.
بعدما أنهت إيلي آخر قطعة من الكعكة مال رايفن إلى الأمام بجسده متكئًا بمرفقيه على الطاولة.
“بالمناسبة لدينا وجهة سنذهب إليها لاحقًا.”
“وجهة…؟”
“أجل. كنت قلقًا من أنكِ قد لا ترغبين في الذهاب.”
أين قد يكون ذلك المكان؟
تغيرت ملامحه قليلًا وكأنه متردد. شعرت إيلي بالخوف فارتجف جسدها قليلًا. لو كان رايفن يتردد هكذا فلا بد أن المكان الذي يقصده هو القصر الإمبراطوري.
أرادت أن تسأله إن كان ظنها صحيحًا لكن شفتيها لم تسعفاها.
شعر رايفن بتوترها فمال نحوها أكثر وقال بتردد
“إذا لم تريدي الذهاب يمكنني الذهاب وحدي. لكن، إيلي…”
“… نعم؟”
خافت أن يكون يحاول إجبارها فبدأت يداها ترتجفان. حتى وهي تحاول التظاهر بالهدوء كان ارتعاش جسدها واضحًا.
“لكن يا صغيرتي هل تعلمين ما هو أكثر شيء ممتع في هذا العالم؟”
هزّت إيلي رأسها بالنفي.
“إنه رؤية أولئك الذين آذوكِ وهم ينهارون.”
كان يتحدث عن المكان ذاته الذي تخشاه.
ما إن أدركت ذلك عضّت شفتيها حتى شعرت بطعم الدم.
“لكن… إنهم أقوياء…”
القلق كان يسيطر عليها. لم يكن رايفن ضعيفًا على الإطلاق فقد رأته بنفسها أقوى من أي شخص آخر. وبالرغم من أنه ليس ساحرًا إلا أنه كان يستخدم السحر بمستوى يضاهي السحرة وهذا بحد ذاته أمر نادر وقيم.
سمعت أن السحرة نادرون في الإمبراطورية. لكن هذا لا يعني أنها تستطيع الاطمئنان.
“أنا… قوي.”
“………؟”
“………؟”
ساد الصمت في الغرفة.
ظلت إيلي متوترة لكن فجأة أفلتت منها ضحكة خفيفة.
أحس رايفن بوخزة من خيبة الأمل لكنه لم يستطع منع نفسه من الشعور بالسعادة لرؤية ابتسامتها.
“لقد ضحكتِ.”
“لـ… لا، لم أفعل.”
“بل فعلتِ!”
“لـ… لا لم أفعل!”
“ضحكتِ ضحكتِ! ابنتي ضحكت!”
“……..”
“لقد ضحكتِ!”
كان متحمسًا بشكل مبالغ فيه حتى أن ديل اضطر إلى التدخل.
“سيدي هذا كثير بعض الشيء.”
“حقًا؟ هاه… من الصعب معرفة كيف أجعل الأطفال سعداء. الأمر معقد.”
لم يرد عليه أحد.
كان من الواضح أنها لم تكن سعيدة بذلك لكنه لم يكن يدرك ذلك.
كل من في الغرفة لم يجدوا ما يقولونه، مكتفين بالتحديق في الأب المبتدئ الذي لا يزال يجهل كيف يتعامل مع طفلته.
“على أي حال عن ماذا كنا نتحدث؟”
“القصر الإمبراطوري…”
“آه صحيح. لا تقلقي لن أسمح بأن يصيبك أي مكروه. ألستِ تثقين بي؟”
رفعت إيلي رأسها لتنظر إليه.
عندها وقع نظرها على معصمه الأبيض حيث كان السوار الذي أعطته له يتلألأ.
ظهرت ابتسامة تلقائية على وجهها.
‘لقد ارتداه على الفور…’
“كما أن لديّ سلاحًا سريًا.”
“سلاح سري؟”
توهجت عينا إيلي بحماس متناسية خوفها للحظة.
“راقبي جيدًا.”
بمجرد أن أنهى جملته لوّح رايفن بيده في الهواء.
“آه! أبي! يدك اختفت!”
في لحظة اختفت نصف يده عن الأنظار مما جعل إيلي تحدق فيه بذهول.
“لا تقلقي هذه واحدة من القدرات التي يمكنكِ استخدامها لاحقًا. إنها تسمح لي بإخفاء أشياء مختلفة في بُعد آخر. والآن… أين هي… آه وجدتها!”
بمجرد أن سحب يده ظهر في قبضته قماش يشع بألوان قوس قزح.
“ما هذا؟”
“هذا هو السحر الحقيقي! ديل اقترب قليلاً.”
ما إن فعل حتى ألقى رايفن القماش فوقه.
في لحظة اختفى جسد ديل ولم يتبقَ منه سوى ساقيه العائمتين في الهواء.
“هـ… هل هذه…؟ سحر؟”
“لا إنه مجرد قماش يجعلك غير مرئي!”
“آآآه…!”
“لذلك لن يتمكنوا من رؤية ابنتنا. لذا لا داعي للقلق. كل ما عليكِ فعله هو المشاهدة فقط ورؤية ما سيحدث لأولئك البشر.”
غرقت إيلي في أفكارها عند سماع تلك الكلمات.
“هل يمكنني الذهاب…؟”
كانت خائفة. خائفة من أن تُضرَب مرة أخرى.
خائفة من أن تفقد هذه السعادة البسيطة.
لكن في الوقت نفسه لم تستطع البقاء مترددة إلى الأبد خاصة عندما كان والدها يبذل كل هذا الجهد لحمايتها ووضع خطط لضمان سلامتها.
إضافة إلى ذلك كانت تتذكر كيف اهتزت الأرض بعنف عندما لاحقها جنود القصر وخادمة الأميرة في السوق وكان ذلك دليلًا على أن رايفن شخص قوي حقًا.
‘صحيح… ربما يمكنني التغيير… ولو قليلاً فقط… لا يمكنني البقاء عالقة في مكاني إلى الأبد…’
كان ذلك قرارًا يتطلب شجاعة هائلة.
مجرد التفكير في العودة إلى ذلك المكان بعد أن بدأت بالكاد تتحرر من خوفها كان بمثابة رهان بكل شيء تملكه.
لكن لم يكن هناك خيار آخر كان عليها أن تواجه الأمر.
وبعد أن عزمت أمرها أطبقت شفتيها بإحكام وأومأت برأسها.
“لنذهب.”
“همم؟”
“سـ… سأذهب، طالما أن والدي… يبذل كل هذا الجهد من أجلي…!”
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تهز رأسها تحاول إقناع نفسها بأن الأمور ستكون على ما يرام.
“لن يحدث شيء… سيكون كل شيء بخير… ما دام والدي معي يمكنني الوثوق به.”
“أنا فخور بكِ.”
شعر رايفن بالسعادة لرؤيتها تتخذ خطوة للأمام وتتحرر قليلاً من جراحها القديمة.
كان قلقًا من أنها قد لا تجرؤ على مواجهة الأمر. في الواقع لم يكن هناك داعٍ ملحٍ لذهابها اليوم كان يمكنها البقاء هنا.
لكنه تعمد فتح الموضوع لأنه كان يعلم أن الجراح لا تلتئم ما لم يتم مواجهتها.
إخفاؤها لن يؤدي إلا إلى تفاقمها وانفجارها في النهاية. لذلك، منحها خيار المواجهة وأخيرًا قررت إيلي أن تمد يدها وتمسك بيده.
“لأنك… ستكون معي.”
“بالطبع سأحميكِ.”
حدقا في بعضهما بصمت.
ما الذي جعلهما يتبادلان هذه النظرات الحنونة؟ ولماذا كان من المستحيل عليهما أن يشيحا بأنظارهما عن بعض؟
في تلك اللحظة اقتربت ماري من إيلي.
“إذن هل نذهب للاستعداد؟”
“أه… نـ… نعم!”
نهضت إيلي بسرعة ممسكة بيد ماري بحزم.
وبمجرد عودتهما إلى الغرفة بدأتا التحضير على عجل.
كانت إيلي تريد أن تُظهر لأولئك الأشخاص أنها بخير حتى لو كان بإمكانها استخدام القماش الشفاف لتخفي نفسها إلا أنها قررت ألا تفعل ذلك.
وكأن ماري أدركت مشاعرها فسارعت بتجهيزها.
صففت شعرها الناعم برقة واختارت لها أجمل فستان من بين العديد من الفساتين ثم ألبستها تاجًا أنيقًا مما جعلها تبدو كفتاة نبيلة بحق.
وبعد أن انتهت نظرت ماري إلى إيلي بابتسامة مشرقة.
“أنتِ أجمل من أي شخص آخر.”
“أنا… جميلة؟”
“بالطبع! أنتِ ابنة من؟ من تكونين؟ بالطبع أنتِ جميلة!”
في تلك اللحظة دخل رايفن إلى الغرفة مبتسمًا ثم حمل إيلي التي كانت تقف على منصة مرتفعة قليلًا.
“أنتِ جميلة جدًا.”
“أه… وأبي أيضًا…”
“همم؟”
“أبي… وسيم جدًا…!”
بمجرد أن نطقت بهذه الكلمات خفضت رأسها خجلًا.
“شكراً لكِ. لا شيء يسعدني أكثر من سماع مديحكِ.”
“………”
“والآن ماذا سنفعل؟”
شعر رايفن ببعض الإحراج من إطرائها المفاجئ فابتسم وهو ينظر من النافذة.
رغم أن القصر لم يكن بعيدًا جدًا إلا أنه لم يكن قريبًا أيضًا.
تنهد وهو يتمتم
“بما أننا ذاهبون إلى القصر هل سيكون من الغريب استخدام السحر؟ لكن السفر بالعربة ممل بعض الشيء… هل هناك طريقة أخرى تكون أكثر هدوءًا وسرية؟”
كان الانتقال السحري هو الخيار المثالي.
أما العربة فكانت ستأخذ وقتًا طويلاً مما سيجعل الرحلة مرهقة بالنسبة لإيلي.
إضافة إلى ذلك كان رايفن معتادًا على استخدام السحر ولم يكن يحب السفر بالعربات.
أثناء تفكيره فتحت إيلي فمها بهدوء وقالت
“المكان الذي كنت أعيش فيه… هناك لن يكون هناك أحد يا أبي.”
“المكان الذي كنتِ تعيشين فيه؟”
تجمد وجه رايفن للحظة عند سماع تلك الكلمات.
لكن إيلي كانت مصممة.
حتى مجرد التفكير في ذلك المكان كان يجعلها ترتجف.
كانت لا تزال تعاني من كوابيس بسببه.
ومع ذلك أرادت أن تأخذ رايفن إلى هناك لتريه بنفسها كيف كانت تعيش.
على الأقل أريد أن أخبره أنني كنت أعيش في ذلك المكان وأنه رغم كل شيء أنا بخير.
كانت تعلم أن ذلك يتطلب شجاعة كبيرة.
حتى الآن كانت يداها ترتجفان خوفًا عند التفكير في العودة.
لكن رغم ذلك نظرت إلى رايفن بعزم وقالت بحزم
“أنا بخير… فلنذهب إلى هناك.”
~ ترجمة : سنو.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "19"