في مكان يبعد قليلًا عن عاصمة الإمبراطورية يقع قصر الدوق. لكنه محاط بغابة الوحوش مما يجعله مكانًا لا يمكن لأي شخص أن يصل إليه بسهولة. لم يكن هناك من يدخل أو يخرج منه ولم يظهر الدوق نفسه أبدًا لدرجة أن الناس بدأوا يتساءلون عما إذا كان القصر موجودًا حقًا أم مجرد أسطورة.
كان هناك شخص واحد فقط يحمل رسالة احتجاج رسمية من الإمبراطور إلى الدوق وكأن كل هذا كان مخططًا له لم ينجُ أحد غير حامل الرسالة. البعض أصبح طعامًا للوحوش بينما ضل البعض الآخر طريقه داخل المتاهة ولم يتمكن من الخروج أبدًا.
بل إن الرسالة نفسها لم تكن موجهة إلى الدوق لتُسلَّم إليه وإنما كانت مجرد إخطار رسمي. كانت الرسالة تأمر بإحضار الدوق فورًا إلى القصر الإمبراطوري لمحاسبته على جريمة إيذاء الأميرة الوحيدة للإمبراطورية.
لكن لم يكن هناك أحد ليقتاد الدوق إلى القصر فقد قُضي عليهم جميعًا. أما الشخص الوحيد الذي بقي على قيد الحياة وهو ممسك بالرسالة فقد نجا بالكاد من وسط الوحوش بفضل الدوق رايفن الذي حرص على أن يصل شخص واحد فقط إلى قصره بسلام. حتى أن آخر فارس كان يحاول الفرار بعدما شاهد مقتل رفاقه لكنه وقع في فخ أوصله إلى بوابة القصر.
كان القصر المهيب يلفه الصمت المخيف.
“وفي النهاية ألقى الرسالة وهرب وجهه شاحب كالثلج.”
لم يكن بإمكان غير المدعوين رؤية القصر على حقيقته لذا ظن الفارس الذي أوصل الرسالة أنه مجرد قلعة مهجورة. ولشدة ذعره ألقى بالرسالة وهو يصرخ ثم لاذ بالفرار.
كان الدوق رايفن يتذكر تلك اللحظات بينما كان ديل مساعده ينظر إليه محاولًا إخفاء إحباطه.
“أتمنى لو توقفت عند هذا الحد.”
لكن رايفن بدا وكأنه لا يزال غير راضٍ فتثاءب بكسل ومد جسده ثم نقر بلسانه في إحباط.
“آه، كم هو مخيب للآمال. لو أن المزيد قد أتوا كان بإمكاني التمرن قليلًا.”
“…سيدي.”
“همم؟ ما الأمر؟”
“بالنسبة لشخص يشعر بالإحباط تبدو سعيدًا جدًا.”
“بالطبع أنا سعيد. كيف لا أكون سعيدًا وأنا سأذهب للانتقام ممن أذوا ابنتي؟”
ارتسمت ابتسامة على وجهه، فيما أطلق ديل تنهيدة طويلة وهز رأسه باستسلام.
وقف رايفن من مكانه وبدأ يمدد جسده ثم نظر من النافذة نحو القصر الإمبراطوري وابتسم ابتسامة ماكرة.
“لنلعب قليلًا… كنت أنتظر هذه اللحظة. سأعيد لهم الصاع صاعين.”
كانت لحظة درامية مناسبة لإنهاء المشهد لكن ديل قاطعه وهو يخرج مجموعة من الأوراق من جيبه.
“لكن قبل ذلك ماذا نفعل بهذه؟”
كان رايفن يحدق من النافذة دون تفكير لكنه فور أن رأى الأوراق في يد ديل أشرق وجهه بسعادة.
“آه، صحيح! علينا تعليقها فورًا. النتيجة أفضل مما توقعت. موهبتك في الرسم مذهلة يا ديل! انظر إلى هذه الصورة الجميلة لإيلي!”
“…يا إلهي.”
“لماذا تتنهد هكذا؟”
“لا شيء، فلنعلقها بسرعة. لكن لا تعطِني مثل هذا الأمر مجددًا كدت أفقد يدي من كثرة الرسم.”
“لا، علينا فعلها مجددًا غدًا. نحتاج إلى رسم إيلي وهي تأكل وهي تتحدث بلطافة… كل شيء!”
“…أعتقد أن الوقت قد حان لاستقالتي من منصب كبير الخدم.”
لكن رايفن لم يستمع إليه بل استمر في لصق الأوراق على الجدران والابتسامة لا تفارق وجهه.
“إنها جميلة جدًا بغض النظر عن الزاوية التي تنظر منها… تُرى مَن تشبه؟”
“بالمناسبة ألاحظ أنها تشبهك كثيرًا يا سيدي رغم أن جسدك مستعار من إنسان.”
“دمي قوي لهذا ظهر الوجه المنقوش في روحي. بعد كل هذه السنوات… إنها جميلة جدًا.”
كان وجهه مشرقًا بسعادة غامرة بينما كان يرفع الأوراق غير قادر على إخفاء فخره.
في ذلك الوقت كانت إيلي في غرفتها التي أوصلها إليها رايفن تنتظر ماري بوجه متورد.
عندما دخلت إيلي كانت ماري تقف في الغرفة محدقة في الفراغ. وما إن رأت إيلي حتى اندفعت إلى الحمام لتحضير ماء الاستحمام وكأنها تحاول الهروب من شيء ما.
جلست إيلي على الكرسي تتململ وهي تفكر في تسليم الصور لماري لكنها شعرت بالقلق عندما طال غيابها. في النهاية نهضت وتوجهت إلى الحمام.
في الداخل كانت ماري تعض شفتيها بتوتر.
“لا بد أنها ستتحدث عن الأمر.”
لابد أن رسالتها وصلت وإيلي قد عرفت بمحتواها. لهذا جاءت بسعادة غامرة. لكن هذا ما جعل ماري تشعر بقلق أكبر. كانت يداها ترتجفان غارقة في التفكير لدرجة أنها لم تلحظ أن الماء بدأ يفيض بل وتبللت ملابسها تمامًا.
لم تنتبه حتى اقتحمت إيلي الحمام وهي تصرخ.
“ماري! هل أنتِ بخير؟”
“آه… آنسة إيلي.”
لاحظت إيلي أن ماري تبدو شاردة على غير العادة فاجتاحها القلق. هل أصابها مكروه؟ هل هي مريضة؟
مدّت إيلي يدها الصغيرة ولمست خدها.
“هل تؤلمكِ؟”
“…ماذا؟”
“آه… آسفة لم أقصد أن ألمسكِ…”
بمجرد أن شعرت ماري بلمسة إيلي بدت مصدومة. فسحبت إيلي يدها بسرعة.
لكن ماري أمسكت بيدها الصغيرة برفق.
“إنها دافئة.”
“آه…”
“أفكر فقط… أنكِ تحملين هذه الدفء في داخلكِ.”
“لكن… قالوا لي ألا ألمس أحدًا.”
“من قال ذلك؟”
كانت إيلي على وشك البكاء لكنها حبست دموعها. لطالما قيل لها إن لمستها لعنة وإن الجميع يكرهونها حتى لو كان مجرد شعرة منها تلامسهم. لكن هنا… كان الأمر مختلفًا.
امتلأت عيناها بالدموع لكنها خفضت رأسها حتى لا يراها أحد.
“لا يوجد شيء اسمه ممنوع اللمس. أنا والسيد رايفن كلانا نحب لمساتكِ.”
“حقًا…؟ هل هو أيضًا؟”
“تقصدين السيد؟”
“نعم…”
لم تكن إيلي قد لمست رايفن من قبل لذلك شعرت بالقلق.
“لا تقلقي أبدًا. لو مددتِ يدكِ إليه سيكون سعيدًا جدًا.”
“حقًا؟ هل تعتقدين ذلك؟”
“ثقي بي فقط.”
أدركت ماري أن إيلي قد صدّقت الأكاذيب التي قيلت لها طوال حياتها. فقلبها تألم مرة أخرى.
لذلك ابتسمت بلطف والتقت عيناها بعيني إيلي.
“لننتهي من الاستحمام الآن. ارفعي يديكِ للأعلى سأساعدكِ في خلع الملابس.”
“آه… حسنًا.”
عادةً كانت إيلي تطيع فورًا لكنها ترددت هذه المرة مما دفع ماري إلى الجلوس على ركبتيها أمامها.
“هل هناك ما يؤلمكِ؟”
“أم… هذا…”
ترددت الطفلة وهي تحرك شفتيها بتردد غير قادرة على التعبير عمّا في داخلها. عندها سألتها ماري مجددًا بلطف
“هل لديكِ شيء ترغبين في قوله؟”
“ماري… هذه!”
عندها فقط مدت الطفلة يدها الصغيرة ممسكة بإحكام بصورة كانت تحملها طوال الوقت. كانت تمسك بها بقوة وكأنها تخشى فقدانها لدرجة أن الصورة بدت وكأنها أصبحت رطبة بسبب حرارة قبضتها.
أخذت ماري الصورة منها ببطء بينما كانت تنظر إليها باستغراب، ثم سألت بهدوء
“ما هذه؟”
أجابت الطفلة بصوت خافت وكأنها تنقل كلمات محفورة في قلبها
“إنه يشكركِ… أنا لا أعرف ما معنى العائلة لذا لا أفهم الحب جيدًا… لكن المشاعر التي أظهرها لي ابنكِ كانت… ممتنة ومليئة بالمحبة… بالكثير من تلك المشاعر الدافئة.”
توقفت قليلًا ثم أضافت وكأنها تحاول استجماع كلماتها
“آه، كان عليّ أن أوصلها بشكل جيد… إذًا يعني… أمم…”
“آه…”
“قال إنه يحبكما وإنه لن ينسى هذا الحب أبدًا… وقال أيضًا إنكما كنتما السبب في أن الجميع استطاعوا الابتسام مجددًا. لقد طلب مني أن أنقل لكما ذلك.”
بدأت إيلي بتحريك شفتيها محاولة تذكر الكلمات تمامًا كما قيل لها، كانت قلقة بشأن ما إذا كانت تنقل المشاعر بشكل صحيح أم لا. لكن رغم قلقها يبدو أن المشاعر الدافئة التي حملها ابنها قد وصلت إلى ماري كما هي.
“آه… شكرًا لكِ.”
حاولت ماري أن تبدو غير متأثرة لكنها شعرت بثقل كبير في صدرها فور سماع كلمات إيلي. نظرت إلى الرسالة ثم قلبتها بين يديها ظنًا منها أنها مجرد رسالة مكتوبة تحمل كلمات أراد ابنها إيصالها. لكنها شهقت بصوت خافت عندما رأت أن الجهة الأخرى لم تكن تحتوي على كلمات بل على صورة.
“آه… لقد… لقد كبر كثيرًا… وأصبح بهذا الجمال…”
رغم محاولتها التماسك امتلأت عيناها بالدموع. مرّت أصابعها على الصورة برفق بحنان وألم في آنٍ واحد.
كيف يمكنها التعبير عن شعورها؟ ابنها الذي اضطررت لتركه وحده قد كبر الآن وأصبح لديه عائلة.
رغم أنه نشأ بلا والدين إلا أن الطفل في الصورة كان يبتسم بسعادة مشرقة.
لم تستطع ماري إلا أن تجلس على الأرض باكية بهدوء لفترة طويلة. لم تستطع أن تنطق بأي كلمة.
كانت تعرف أنها مذنبة ولهذا عندما عرض عليها رايفن أن يوصل إليها أخباره رفضت قائلة إن مجرد معرفتها بأنه بخير كافٍ.
ولكن بعد عشر سنوات أخيرًا وجدت الشجاعة لكتابة رسالة إليه. عندما رأت كيف كان رايفن يبذل قصارى جهده للبحث عن ابنه والتعبير عن مشاعره شعرت هي أيضًا برغبة أن تفعل الشيء ذاته. ولهذا كتبت الرسالة أخبرته فيها أنها بخير وسألته إن كان بخير أيضًا. لم تكتب “أنا آسفة” بل اكتفت بنقل مشاعرها بصدق ظنًا منها أن ذلك سيكون كافيًا.
لكنها لم تتوقع أن ابنها الذي كانت تعتبر نفسها مذنبة في حقه قد أصبح الآن في عمر والديه اللذين رحلا عنه.
ليس هذا فحسب بل نقل لها مشاعره قائلًا إنه ممتن لها وإنه يحبها.
وأنه يعتقد أن كل شيء كان بفضلهما رغم أنه نشأ وحيدًا بلا والدين.
لم تستطع فعل شيء سوى الجلوس هناك تبكي بصمت لفترة طويلة.
رأت إيلي ذلك فاقتربت بهدوء ثم وضعت يدها برفق على رأس ماري تربت عليها بلطف.
“لقد بدا سعيدًا حقًا… أنا لا أفهم كثيرًا عن السعادة أو الفرح أو الحب… لكن حتى أنا استطعت أن أشعر بأنه كان سعيدًا جدًا. لذا لا تقلقي كثيرًا يا ماري حسنًا؟”
مسحت ماري دموعها وهي تنظر مجددًا إلى الصورة بين يديها ثم همست بصوت مرتجف
“لقد كبر كثيرًا… وأصبح بهذا الجمال… كما أن والديه بخير ولديه أطفال أيضًا.”
“نعم! آه وبالنسبة لمتجر الفاكهة… لقد أصبح ضخمًا!”
لم تكن إيلي ممن يظهرون الحماس عادة لكنها أرادت أن ترفع من معنويات ماري فرفعت يديها عاليًا وهي تبتسم بحماس مصطنع.
“لقد أصبح بهذا الحجم! لدرجة أنكِ لا تستطيعين رؤيته كله بعينيك!”
“آه…”
“في البداية لم أكن واثقة أنه هو وكنت سأمرّ بجانبه دون أن أدرك… متجر فاكهة ماديل. لم يكن الناس يعرفونه جيدًا من قبل لكنه الآن لم يعد مجرد متجر فاكهة بل أصبح متجر ماديل الكبير! وأيضًا… آه أصبح ابنكِ فارسًا!”
رفعت ماري رأسها ببطء عند سماع ذلك وكأنها تدرك الآن نوايا إيلي الطيبة في محاولة مواساتها.
كانت لا تزال تمسح دموعها وهي تنظر إلى إيلي بعينين محمرتين ثم همست بصوت يحمل خليطًا من الفخر والحزن
“اسمه سيلس… كان طفلًا عزيزًا جدًا… أردت أن أربيه بحب أكثر من أي شخص آخر… لكن أنا وديل… فقدنا حياتنا في حادث عربة. كان في مثل عمركِ تقريبًا حينها… لكن على الأقل أشعر بالامتنان… لأنني استطعت رؤيته حتى ولو بهذا الشكل… أشعر بالامتنان لوجوده.”
~ ترجمة : سـنو .
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "16"