في تلك اللحظة، ابتسمت الوصيفة التي كانت تقف بجانب الأميرة وربّتت على يديها بخفة.
“يا إلهي…! لقد عرفت من تكون. جلالتك، لا تقتربي منها. إنها الطفلة الملعونة، أليس كذلك؟ صحيح أن لون شعرها قد تغير، لكنني واثقة من ذلك الوجه… لا يمكنني أن أنسى ذلك الوجه البغيض الذي يبعث على الاشمئزاز بمجرد النظر إليه.”
“آه… الطفلة الملعونة؟ أختي غير الشقيقة؟ ألم تكن قد ماتت؟ أبي قال إنه طردها. هل عادت للحياة مجددًا؟ يا لها من عنيدة. كيف لا تزالين على قيد الحياة رغم كل ما تعرضتِ له؟”
أحاديث دارت حول إيلي، فيما كانت روزبينا تمعن النظر إليها من رأسها حتى قدميها، متعمدة إظهار ازدرائها.
لكن رغم ذلك، بدأت تعابير روزبينا تتجمد شيئًا فشيئًا. لم يرق لها أي شيء في هذا الموقف. المرة الأخيرة التي رأت فيها إيلي، كانت ترتدي ثياب المتسولين، لكن الآن كانت ترتدي ملابس أنيقة. إضافة إلى ذلك، كان لون شعرها قد تغير، وكادت ألا تتعرف عليها بسببه، مما زاد من استيائها.
عندها، أمسكت روزبينا بشعر إيلي بقوة.
“هذا لم يكن لون شعرك في المرة الماضية. كم هذا مثير للاشمئزاز. من تظنين نفسك لتملكي هذا اللون؟”
“يا إلهي، يبدو أنها وضعت شيئًا على رأسها. لنرَ إن كان سيزال لو شددناه.”
وقبل أن تنهي الوصيفة كلامها، كانت قد شدت شعر إيلي بقوة.
‘ها هو الأمر… يبدأ مجددًا.’
رغم الألم الذي شعرت به وكأن شعرها سينتزع من جذوره، لم تستطع إيلي حتى أن تصدر أنينًا.
لأنها كانت تعلم أنه كلما أبدت ألمها، زادوا في تعذيبها. لذا، لم تفعل سوى أن تترك رأسها يتأرجح مع سحبهم له.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل استمر إيذاؤهم لها.
“وما هذه الملابس التي ترتدينها؟ مزعجة للنظر. هل هناك شخص غريب الأطوار يحب فتاة مثلك؟ أم أنكِ حصلتِ عليها من رجل كبير السن يعشق الفتيات الصغيرات؟ سمعت أن هناك من يمتلكون مثل هذه الأذواق المنحطة. وإلا، كيف حصلتِ على هذه الملابس بين عشية وضحاها؟ أنتِ أختي غير الشقيقة، صحيح؟ ومع ذلك، تفعلين مثل هذه الأمور؟ هل وجدتِ لكِ راعيًا ثريًا؟ يا لكِ من فتاة محظوظة، أن يجد أحدهم فتاة مثلك تستحق الاهتمام!”
“لـ، لا… الأمر ليس كذلك، أنا لم افعل… آه…!”
“ماذا؟”
كان الضغط هائلًا.
لم يمنحوا إيلي حتى فرصة لتوضيح موقفها، إذ استمرت روزبينا في التحدث بكلمات قاسية تخرج من شفتيها دون توقف.
“هاه، لا تفعلي؟”
“لا أفعل ماذا؟ هيا قوليها. هل تبيعين جسدك؟”
ابتسمت الأميرة بسخرية، ثم طعنت بأصابعها في صدر إيلي بقوة.
“ألا تستطيعين الرد؟ هل أكل القط لسانكِ؟ تحدثي!”
رغم أنها كانت تبلغ من العمر عشر سنوات فقط، إلا أن جسدها الهزيل، نتيجة سوء التغذية، لم يكن يبدو أكبر من جسد طفلة في السابعة. وعلى الجانب الآخر، كانت روزبينا، التي نشأت في بيئة مترفة، تملك جسد فتاة في الثالثة عشرة. كان من المستحيل على إيلي أن تتغلب عليها.
في تلك اللحظة، كانت الوصيفة تضحك مستمتعة بالمشهد، حتى الفرسان الذين حضروا لحماية الأميرة سخروا من إيلي.
لم يمنع أحد روزبينا، رغم أن كلامها لم يكن مناسبًا لعمرها.
فقد كان هذا هو الحال دائمًا.
ومع ازدياد تأييد الجميع لها، ابتسمت روزبينا ببرود ومسحت على رأس إيلي.
“هل تحتاجين إلى الضرب مجددًا حتى تستوعبي؟”
“……”
“هل أصفعكِ؟ أبي يقول إنكِ لا تفهمين إلا بالضرب.”
ضحكت الأميرة وهي ترفع يدها لتصفع إيلي.
بالنسبة للجميع في القصر الإمبراطوري، كانت إيلي مجرد شخص يمكنهم ضربه وإهانته دون تردد.
وبينما كانت إيلي تُدفع إلى الزاوية، سمعت فجأة صوتًا اخترق الجمود من حولها:
“ما الذي تظنون أنفسكم فاعلين… بأبنتي”
اتسعت عينا إيلي بصدمة.
“أبي…!”
لكن رغم سماعها لصوته، لم تستطع رؤيته.
ارتبكت إيلي وأخذت تبحث بعينيها في كل مكان، لكنها لم تستطع الرؤية بوضوح بسبب وقوف الأميرة روزبينا والجنود أمامها. حتى عندما وقفت على أطراف أصابعها، لم تستطع رؤيته. حاولت القفز، لكن لم يكن ذلك مجديًا. بل حتى صوتها لم يصل إليه.
في داخلها، تسللت مخاوف قاتمة:
‘ما الذي حدث؟ لا يمكن… هل تعرض للأذى؟’
بدأ بعض الجنود في التحرك باتجاه مصدر الصوت. شعرت إيلي وكأن عقلها سينفجر من شدة القلق.
كنت سعيدة أخيرًا… ظننت أنني سأتمكن من الضحك مجددًا… كنت قد بدأت أتقبل دفء لمسة البشر…
وفجأة.
آه!
دوّى صوت سقوط أجساد على الأرض، تلاه صوت اهتزاز قوي.
لم يكن مصدر الصوت بعيدًا.
شحبت ملامح إيلي، وامتلأت عيناها بالذعر، وهي تتخيل الأسوأ، ماذا لو كان رايفن هو من سقط؟
دفعت نفسها للأمام محاولة اختراق الحشد لرؤيته.
لكن الشخص الذي سقط لم يكن رايفن.
بل كان صوته لا يزال يتردد في الأرجاء، حازمًا رغم دفئه:
“حسنًا، ألن تعيدوا لي ابنتي؟”
“س،ساحر؟!”
في لحظة، ساد الارتباك. بدأت الجموع التي كانت تحيط بإيلي بالتراجع ببطء.
أدركت روزبينا أن الوضع بدأ يأخذ منحى غير متوقع، فاستدارت بغضب قبل أن تنظر إلى إيلي بحدة.
“تبا…! أمسكوا بها أولًا! طالما أننا نمسك بها، سيكون الأمر تحت سيطرتنا، أيها الأغبياء!”
بمجرد أن نطقت بذلك، تحرك أحد الرجال بسرعة نحو إيلي.
وفي تلك اللحظة—
“آااه!!”
مع وميض من الضوء، طار الجندي الذي كان يقترب من إيلي بعيدًا. لم يكن واضحًا ما إذا كان قد ارتد بفعل شيء ما أو تعرض لهجوم، لكنه انتهى به المطاف محلقًا لمسافة بعيدة عن المكان الذي كان يقف فيه. بل إن المفاجأة كانت أكبر عندما انجرف معه بعض الفرسان الآخرين وسقطوا أرضًا.
كانت الأحداث سريعة ومباغتة لدرجة أن الأميرة روزبينا، وكذلك جنود حراستها، لم يستطيعوا سوى التحديق في رفاقهم الذين طاروا بعيدًا، مصدومين. كان جسد أحد الجنود قد التوى بشكل غير طبيعي نتيجة السقوط العنيف.
تحولت أنظار الجميع إلى إيلي، وكأنهم يتساءلون عن مصدر هذه القوة المفاجئة.
“تسك. ألم أقل إنه لن يجدي نفعًا؟ هل تظنون أنني سأترك ابنتي وحيدة دون حماية؟”
حاول بعض الفرسان المذهولين استيعاب الموقف وهم يحدقون في رايفن بتوتر، لكنه فقط ابتسم باستهزاء، ثم نظر إلى إيلي بحنان.
“قوة ابنتي قوية بعض الشيء، كما ترون.”
مرة أخرى، توجهت كل الأنظار إلى إيلي. حتى هي نفسها لم تفهم ما حدث. لم تفعل شيئًا، لكنها شعرت بطاقة غريبة تنبعث منها بمجرد أن لمسها رايفن.
وبدا أن تلك الطاقة لم تختفِ بعد، إذ كان جسدها لا يزال يشع بوهج ذهبي.
في هذه الأثناء، بدأ جنود الأميرة روزبينا يبتعدون عنها، وكأنهم شُقوا إلى نصفين مثل أمواج البحر، متأثرين بالصدمة مما حدث. كانوا في حالة اضطراب شديد لدرجة أنهم لم يحاولوا حتى العودة إلى أماكنهم الأصلية.
وبهدوء تام، بدأ رايفن بالسير عبرهم باتجاه إيلي، قاصدًا الإمساك بيدها.
“ها نحن هنا. كيف حال ابنتي العزيزة؟”
بمجرد أن تأكد أن إيلي أمامه، ابتسم ابتسامة دافئة وحملها بين ذراعيه. كان الأمر مفاجئًا تمامًا بالنسبة لها، لكنها لم تستطع مقاومة ذلك، وانتهى بها المطاف محاطة بدفئه.
لم تستطع إلا التلعثم بتوتر.
“أنا… أنا ثقيلة، أليس كذلك؟”
“أبدًا، لستِ ثقيلة على الإطلاق.”
“لكن… أن تحملني هكذا…”
“لماذا؟ ألا تحبين ذلك؟”
“لا… ليس الأمر كذلك…”
خفضت إيلي رأسها بخجل، غير معتادة على أن تُحتضن من قبل أي شخص. كان ذلك أول مرة تشعر فيها بهذا القرب من شخص آخر، وكان الأمر يربكها تمامًا. لكن رايفن لم يبدُ منزعجًا من ارتباكها، بل واصل الحديث بلطف.
“إذن، كل شيء بخير. هل تأذيت في أي مكان؟”
“أه… لا، أنا… بخير.”
“هذا مطمئن. بالمناسبة، إيلي، من هؤلاء الأشخاص؟ هل تعرفينهم؟”
اختفت الابتسامة اللطيفة عن وجه رايفن، وحل محلها تعبير بارد مخيف. بدأت عيناه تفحصان الجنود المحيطين به والأميرة روزبينا، وكأنه يحكم عليهم.
“أه… أنا، في الواقع…”
كيف يمكنها أن تشرح هذا؟
هل تخبره أنها الابنة الحقيقية للإمبراطور؟ أم تقول إنها مجرد شخص التقت به مرة واحدة؟ تدافعت الأفكار في رأس إيلي.
الأمر معقد، فهذه ليست مجرد فتاة عادية، إنها أميرة. أي خطر قد يصيبها سيثير غضب الإمبراطور نفسه. لذلك أرادت إيلي إنهاء هذا الموقف بأسرع ما يمكن.
لكن روزبينا، التي استعادت رباطة جأشها، حدقت بها بغضب وبدأت تتفوه بكلمات وقحة مرة أخرى.
“من أين أتى هذا القذر…؟ هل هذا الرجل هو راعيك؟ يبدو أنك ورثتِ عن والدتكِ عاداتها الرخيصة، أليس كذلك؟ وإلا كيف حصلتِ فجأة على راعٍ؟”
“ماذا؟”
لم تكن إيلي قد غضبت أبدًا من قبل، لكنها ما إن سمعت ذكر والدتها بهذه الطريقة حتى احمر وجهها غضبًا، وحدقت في روزبينا بعيون مشتعلة.
“ماذا؟ هل قلتُ شيئًا خاطئًا؟ الجميع يعرف الحقيقة. والدتك لم تكن سوى امرأة حقيرة أنجبتِك دون أن يعرف أحد من هو والدكِ. أنتِ حتى لستِ ابنة والدنا!”
“لا… لا، هذا ليس صحيحًا… أمي…”
لم تكن إيلي تعرف كيف تغضب أو ترد بالكلمات الجارحة مثل الآخرين، فكل ما فعلته هو فتح فمها في صدمة ثم إدارة رأسها بعيدًا.
يمكنها تحمل أي شيء، لكن ليس الإهانة لوالدتها.
حتى لو لم ترها أبدًا، كانت تعرف كم كانت والدتها رائعة من خلال كلمات آرييل، المرأة التي ربتها.
آرييل كانت تحكي لها دائمًا عن والدتها بياتريس، عن مدى جمالها وشجاعتها.
لقد أنقذت بياتريس آرييل عندما كانت على وشك الموت، ولهذا كرست آرييل حياتها لرعاية إيلي، حتى لو كانت يداها تتشققان من العمل الشاق.
حتى في لحظاتها الأخيرة، لم تكن تفكر إلا في طعام إيلي وصحتها.
تذكرت إيلي كل ذلك، وشعرت بدموعها تتجمع في عينيها.
“أمي… لم تكن كذلك! لا تجرئي على إهانة أمي!”
“هكذا؟ هراء.”
وبدون أي تردد، أطلقت روزبينا المزيد من الإهانات الجارحة.
في تلك اللحظة، فقدت إيلي القدرة على الكلام.
لم تستطع حتى التلفظ بالشتائم كما فعلت روزبينا.
أرادت الدفاع عن والدتها، لكنها كانت تعلم أن لا شيء ستقوله سيغير شيئًا.
فالأشخاص الذين يسدون آذانهم عن الحقيقة لن يسمعوها أبدًا.
كل ما استطاعت فعله هو التنفس بصعوبة، في محاولة لكتم غضبها.
لم يتغير شيء.
حتى عندما كانت في القصر، كان الإمبراطور يكرر هذه الكلمات دائمًا.
كان يقول إن والدتها لم تكن سوى أميرة من مملكة صغيرة، ولا أحد يعرف كيف حملت بها.
وفي كل مرة حاولت إيلي إنكار ذلك، كانت روزبينا تُضرب بالكلمات بقسوة أكبر.
كانت تعتقد أنه إذا واجهت موقفًا مشابهًا مرة أخرى، فستكون قادرة على الدفاع عن والدتها.
لكن الآن، لم تستطع سوى البكاء، ودمعة دافئة انزلقت على خدها.
في اللحظة التي رأى فيها رايفن ذلك، تغيرت تعابيره تمامًا.
نظر إليها بحنان للحظة، لكنه سرعان ما وجه عينيه الباردتين إلى روزبينا.
“انظروا إليها، لا تستطيع الرد حتى. والآن أيها السيد، هل أنتَ أيضًا من ذلك النوع؟ هل تحب الفتيات الصغيرات؟ هل لديك أذواق منحرفة؟”
كانت روزبينا تواصل الحديث باستهزاء، غير مدركة لخطورة كلماتها.
ولم لا؟ لم يكن هناك أحد يمنعها من قول ما تشاء، في أي وقت وأي مكان.
في الآونة الأخيرة، بدأت تشعر أن هناك شيئًا غريبًا فيها. صحيح أنها نشأت مدللة ومتعجرفة، لكنها لم تكن بهذا الشكل تمامًا. ومع مرور الوقت، كلما حاولت الامتناع عن استخدام الكلمات القاسية، شعرت بضيق شديد وكأن أنفاسها تُحبس، وتشتعل بداخلها نوبات غضب لا يمكن السيطرة عليها.
حتى أن والدتها كانت تبرر ذلك بقولها: “هذا أمر طبيعي تمامًا. كل ما فعلته كان ضروريًا لجعلك من سلالة نبيلة. عليكِ تحمله.”
لكن روزبينا لم تستطع كبح ذلك الغضب المتصاعد داخلها.
لذلك، كانت الشتائم تنساب من شفتيها بلا توقف. وكأنها الطريقة الوحيدة التي تمكنها من التنفس.
وكالسحر، كلما ألقت كلماتها الجارحة على إيلي، بدأ لون وجهها يتحسن. شعرت براحة غريبة، وبمجرد أن هدأت، بدأت توجه كلمات أشد قسوة لإيلي.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات