“آه، أفزعتني!”
كانت رنايا غارقة في التفكير حين انفتح الباب فجأة، فشهقت بصوتٍ عالٍ من المفاجأة.
حتى هيرديان نفسه بدا متفاجئًا، فقد اتّسعت عيناهُ للحظة قبل أن يقطب جبينه.
“ما كان عليك أن تظهر َفجأة هكذا!”
أشار هيرديان بذقنه إلى السلّة التي تحملها رنايا بيديها.
كان عشاءه اليوم عبارة عن ساندويتش بطاطا وعصير تفاح.
“آه، خرجتَ لأنك جائع. هيا، ادخل بسرعة.”
حاولت رنايا إخفاء توترها وابتسمت ابتسامة محرجة.
لكن فجأة، مدّ يده الكبيرة ووضعها على جبينها.
فتحت عينيها على اتساعهما من الدهشة.
“… مـ ر يــضـ ـه؟”
رفع يده الأخرى إلى جبينه هو، وبدا وكأنه يقارن بينهما.
عندها فهمت رنايا ما كان يخمّنه.
“أنا لستُ مريضة.”
“…”
“أقول لكَ، حقًا.”
حدّقت فيه، وهو يتجاهل كلامها تمامًا.
كانت ممتنّة لاهتمامه، لكن الحقيقة أنّها لم تكن مريضة أبدًا.
‘كان يبدو كشخصٍ لن يهتم لو مرضتُ أو متُّ. ما الذي غيّره خلال نصف يوم؟’
رمشت رنايا وتراجعتَ خطوةٍ للخلفِ،
عندها فقط سحب يده عن جبينها.
“أنا لا أعاني من أي شيء.”
“…”
“أعتقد أن التعب انعكس على وجهي فقط. لديّ الكثير لأفكّر فيه هذه الأيام.”
تحركت عيناها بتوتر، لم تكذب ولكنها شعرت بالذنبِ رغم ذلك.
تنهدت بخفة وبدّلت الموضوع:
“ما رأيك أن نتناول العشاء في الخارج اليوم؟”
أخذت رنايا هيرديان إلى تلة صغيرة تُطلّ على القرية.
لو كانت مدينة كبيرة، لكان بإمكانهما التمتع بأضواء الليل،
لكن بما أنها بلدة ريفية، لم يكن هناك ما يُرى،
وفوق ذلك، كانت السماء ملبدة بالغيوم، فلم تظهر لا نجوم ولا قمر.
كان المنظر في أسوأ حالاته، لكنه لم يكن سيئًا على الإطلاق.
ربما لأن الشخص الذي كان معها هو من جعَل الأجواء أفضل.
جلسا على بساطٍ فوق العشب، مستندين إلى ضوء القمر الخافت الذي شق طريقه بين الغيوم،
وبدأ هيرديان بتناول ساندويتشه بهدوء.
‘إنه شخصٌ غريب فعلًا.’
راقبته رنايا وهو يأكل بصمت.
لم يكن هناك أثر لحدة نظراته القديمة، فقد حلّ محلها زرقةٌ جميلة في عينيه.
منذ عادت شهيته للطعام، بدأت تتغيّر مشاعره التي تظهر في عينيه.
رغم أنّه أحيانًا يبدُو حزينًا، أو يحمل كرهًا باردًا في نظرته،
إلا أنه لا يُظهر هذه المشاعر كثيرًا حين يكون معها.
صحيحٌ أنه لا يزال حاد الطبع،
لكنّه على الأقل لا يُعامل الآخرين حسب مزاجه،
بل وحتى أظهر اهتمامًا بها قبل قلَيل.
‘لكن كونه ليس شخصًا سيئًا لا يعني أنه ليس غريبًا.’
في الواقع، لم تكن تعرف الكثير عنه.
رغم الحديث اليومي بينهما لمدّة أسبوع،
فإن كلّ ما تعرفه عنه هو اسمه:”هير”.
بقيّة الأمور كانت غامضة.
رجلٌ عاش سابقًا في العاصمة، وتعرض لهجوم قُطّاع طرق أثناء رحلته نحو الجنوب.
وهذا كل شيء.
كان هناك الكثير مما تودّ معرفته عنه،
فهو لم يظهر في الرواية، وكان دخوله غامضًا تمامًا.
لكنّه لم يشاركها أيّ شيء، وتجنّب الإجابة حين سألته.
رجل غريب تسلّل إلى القرية خفية.
ليس شريرًا، لكنه مريب ومليء بالأسرار.
ولذلك، رأت أنّ من الأفضل عدم التقرب منه أكثر من هذا الحد.
“عندما تتعافى تمامًا، ستغادرُ فورًا، أليس كذلك؟”
أومأ هيرديان برأسه دون تردد.
“كم هذا مؤسف…”
تلاشت كلمات رنايا في الهواء.
كانت قد قررت ألّا تقترب منه أكثر،
لكن لمَ شعرتْ بالحزن إذًا؟
“يبدو أنّي استمتعتُ بالحديث معك أكثر ممّا توقعت.
صحيح أنّني كنتُ أنا من يتكلم طوال الوقت،
لكنك كنت مستمعًا جيدًا، ربما لهذا السبب.”
تعلّقت بها نظرات هيرديان المندهشةِ.
فأشاحت وجهها بخجلٍ.
“ألم أخبرك سابقًا أن هذه القرية لا ترحّب بالغرباء؟
لذا، لا يدخلها أحد جديد، ومعظم سكانها من العجائز.
لم أكن أكره ذلك، لكنّي شعرتُ بالسعادة لأنني كوّنتُ صداقةً بعد وقت طويل.”
“…”
“آه، هل قلتُ ‘صديق’؟ ربما بالغتُ قليلًا.
لنقل إنّني فقط عرفتُ شخصًا جديدًا.”
لم يُجب، لكن صمته بدا وكأنه موافقة،
فابتسمت له برقةٍ.
“في الحقيقة، أنا أيضًا غريبة عن هذه القرية.
جدّتي تبنّتني عندما تخلّى عني والداي وأنا رضيعة.
كنت دائمًا أعيش وأنا أراقب تصرفاتي بحذر…
أما الآن، فالأمور أفضل.”
لم تكن قد أخبرت أحدًا بذلك من قبل.
لم ترغب أبدًا في كسبَ شفقة الآخرين.
‘لكن لماذا أريد أن أفتح قلبي له؟
لستُ سكرانةٌ، فلماذا كل هذه الرغبة بالكلام؟
هل السبب أنّ الجو كئيب؟ أم لأنّه سيرحلُ قريبًا؟’
الغريب أنّ الحديث مع شخصٍ لا يعرفها جيدًا، وسيرحل،
جعلها تشعر براحةٍ لم تعهدها من قبل.
ربما لأنها نادرًا ما التقت بأشخاصٍ يملكون صبرًا للاستماع دون أن يتضجروا.
ضمّت ركبتيها بذراعيها، وتابعت:
“قالت لي صديقتي اليوم إنّني سأكون أمًّا رائعة يومًا ما.”
“…”
“لكنني لا أستطيع تخيّل ذلك. أن أتزوّج، وأكوّن عائلة، وأصبح أمًّا…
ربما لأني لم أتلقَ الحب من والديّ قَط.”
“…”
“بصراحةٍ، أنا خائفةٌ.”
إلى متى ستتحمّل ضغوط العجائز اللواتي يطلبن منها الزواج؟
كيف يستطيع الناس تكوين عائلات بهذه السهولة؟
ألا يخافون من احتمال أن يتركوهم أحبّاؤهم؟
أما هي…
فقد تم التخلي عنها مرة، وتخشى أن تُترَك مجددًا.
لذلك، فكرت أن عدم بدء علاقة من الأصل قد يكون أسلمَ لها
تنهدت بهدوء، وحين أدارت رأسها،
التقت عيناها بنظرات هيرديان العابسةَ، فتصلّبت في مكانها.
“لِـ… لماذا تنظر هكذا؟”
حرّك شفتيه وكأنه سيقول شيئًا،
لكنه لم يستطع إخراج صوته. بدا منزعجًا.
التقط غصنًا صغيرًا وكتب عليه شيئًا.
راحت رنايا تقرأ كلماته، ثم عبستَ.
[هل أنتِ غبية؟]
‘هذا ما كان يُفكر فيه طوال الوقت؟!’
فتحت له قلبها، فاتهمَها بالغباء!
بدت كلماتً قاسيةً، لكن هيرديان لم يتوقفَ.
كانت لديه أشياءٍ أخرى ليقولها.
فأخرجت رنايا من جيبها ورقة وقلمًا.
“رأيتكَ مؤخرًا قد شارفت على إنهاء دفترك.
وقلمك كان على وشك الانكسار.
فأحضرتُ لك ما تحتاجه من البيت.”
أخذ القلم فورًا، وبدأ يكتب مجددًا.
فقالت له وهي تراقب:
“إذا كتبتَ كلمة ‘غبية’ ثانية، فسآخذ القلم.”
فتوقّف عن الكتابةُ على الفوِر.
وبعد لحظة من التفكير، كتب جملةً أخرى.
وحين قرأتها رنايا، اتّسعت عيناها من التأثّر.
[حتى لو لم تكن لديكِ ذكريات دافئة،
فأنتِ غبية طيبة
أنقذتْ شخصًا مثلي،
لذلكَ ستكونين بخير.]
…لم تكن تتوقع أن تتلقّى عزاءً.
فهي لم تُخبره بما في قلبها بحثًا عن كلماتٍ لطيفة.
تأمّلت الجملة المكتوبة، وابتسمت بهدوء.
“شخصٌ مثلكَ؟”
“…”
“أجل، من النادرِ أن ينَقذ أحدهَم محتالًا.”
لكن وجه هيرديان تكدر فجأة.
وكأن كلمة “محتال” أزعجتهُ بشدةٍ،
فتنهد وكتب:
[بل أنهُ أحمق يُخدع دومًا ويُطعن في ظهرهِ.]
‘…يُطعن؟’
توقعت أن ينفي كونهُ محتالًا، كما فعلَ سابقًا،
لكن بدلًا من ذلك، واجهها بجملةٍ لم تكن في الحسَبان.
من خلال تلك الجملة القصيرة، خمّنت رنايا تقريبًا ما الذي مرّ به.
‘إذًا، لم يُصب بسبب قُطّاع الطرق.’
الطعنات، والجروح التي خلّفتها السيوف…
تلك الإصابات كلّها كانت بسبب خيانةِ من شخصٍ ما.
حرّكت رنايا شفتيها،
فكما أنه قد واساها، شعرت أنها بدورها يجب أن تقول شيئًا،
لكنها لم تجد الكلمات المناسبة.
[أنا أيضًا… أشبهكِ كثيرًا.
أنا يتيمٌ، وحتى مَن يُفترض أنهم عائَلتي،
لم يكونوا سوى طامعين فيما أملكُ.]
“……”
[أنا أفهمكِ.
أن تخاف من أن تُترَك وحدك…
وأن يكون ما تحبّهُ شيئًا تخشاهُ في الوقت ذاته.]
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"