“سأنامُ في غرفةِ المعيشة.”
“لماذا؟ يمكنُنا النومُ معًا، أنتِ والعمُّ وليليا.”
“…”
“ألا تحبّينَ النومَ معنا يا أمي؟”
لم يكن الأمرُ مسألةَ إعجابٍ أو كراهية. هل من المنطقيِّ أن يتشاركَ رجلٌ وامرأةٌ غيرُ متزوّجَين السريرَ ذاتَه؟
في الشمال، كان النومُ معًا أمرًا لا مفرَّ منه. كان ذلك بسببِ ظروفٍ عرضيّةٍ حدثتْ أثناءَ رعايةِ ليليا.
“أريدُ النومَ معكما…”
أنزلتْ ليليا زوايا عينَيها، مُظهرةً تعبيرًا حزينًا. كانت تعرفُ جيّدًا أنّ هذا التعبيرَ سيجعلُ أمّها تستسلمُ لها.
“لننمْ معًا. لابدّ أنّكِ متعبةٌ من السفر. النومُ على الأريكةِ سيكونُ غيرَ مريح.”
“…”
نظرتْ رنايا بالتناوبِ إلى الاثنَين اللذَين ينظرانِ إليها بحرارة.
لم يكن النومُ الثلاثةُ معًا أمرًا مزعجًا بالنسبةِ لها. بل على العكس، كانت أصواتُ أنفاسِهما والدفءُ الناعمُ المنبعثُ منهما مُريحَين للغاية.
لأنّها تعرفُ هذا الشعورَ بالأمان، كان من الصعبِ مقاومةُ هذا الإغراء.
بعد تفكيرٍ طويل، أمسكتْ رنايا وسادتَها و اقتربتْ من السرير.
تردّدتْ قليلًا ثمّ استلقت، فضحكتْ ليليا بسعادةٍ وتعلّقتْ بها.
“تصبحينَ على خيرٍ يا أمي. تصبحُ على خيرٍ يا عمّي.”
“…أحلامًا سعيدةً يا ليليا.”
في السريرِ الضيّق، كان الثلاثةُ متجمّعين بطريقةٍ تجعلُ المرءَ يشعرُ بالضيق، لكن ليليا كانت سعيدةً فقط، تضحكُ بمرحٍ ثمّ غرقتْ في النومِ بسرعة.
في الغرفة، كان صوتُ المطرِ وتكتكةُ الساعةِ وأنفاسُ ليليا المنتظمةُ هي الأصواتُ الوحيدة.
استلقتْ رنايا ساكنةً لفترةٍ وهي تستمعُ إلى الأصوات، ثمّ تنهّدتْ بهدوءٍ وتحرّكت.
‘لا أستطيعُ النوم…’
تقلّبتْ مرّةً إلى اليسار، ثمّ إلى اليمين، ثمّ عادتْ إلى اليسار.
بسببِ حركتِها المستمرّة، قال هيرديان، الذي كان مغمضَ العينَين:
“توقّفي عن الحركة، ستوقظينَ ليليا.”
“…لذلك قلتُ إنّني سأنامُ في غرفةِ المعيشة.”
“هل أنا السببُ في شعوركِ بالانزعاج؟”
لم تستطعْ قولَ “لا”. أدارتْ رنايا ظهرَها لتتجنّبَ الإجابة.
عاد الصمتُ من جديد. في تلك اللحظة، تحرّكتْ ليليا بقوّةٍ وضربتْ صدرَ هيرديان بذراعِها.
“آخ!”
“…هل أنتَ بخير؟!”
استدارتْ رنايا بدهشةٍ ونظرتْ إليه. بدا هيرديان مرتبكًا وهو يرمشُ بعينَيه بعد أن ضربتهُ الطفلة.
“…عاداتُ نومِها تزدادُ عنفًا يومًا بعد يوم.”
أومأتْ رنايا موافقةً بشدّة. في الحقيقة، كانت هي أيضًا تستيقظُ أحيانًا من النومِ بسببِ ركلاتِ ليليا.
في البداية، كانت الركلاتُ خفيفة، لكنّها الآن أصبحتْ قويّةً ومؤلمة.
أنزل هيرديان ذراعَ ليليا وغطّاها جيّدًا بالبطانيّة. لحسنِ الحظّ، لم تستيقظْ الطفلةُ وكانت لا تزالُ تحلمُ في عالمِ الأحلام.
في الظلام، تقاطعتْ أنظارُهما، ولم يستطيعا منعَ الضحكِ الذي انفجرَ في نفسِ الوقت.
“قصّةُ تسربِ الماءِ من السقفِ كانت كذبة، أليس كذلك؟”
“…”
“عندما سألتْ ليليا إن كنا سنعيشُ معًا، لم تجبْ وقتَها. هل كنتَ تخطّطُ لهذا منذ البداية؟”
أدار هيرديان ظهرَه بصراحةٍ واضحةٍ ليتجنّبَ الإجابة.
“هه.” أطلقتْ رنايا ضحكةً قصيرةً وهي تنظرُ إلى ظهرِه العريض.
شعرتْ بشعورٍ غريب. رغم أنّ هذا المكانَ هو العاصمة، شعرتْ وكأنّها لا تزالُ في قصرِ فرماوين.
كان عدمُ شعورِ ليليا بالقلقِ الشديدِ في هذا المكانِ الجديدِ يعودُ كلّه إلى هيرديان.
لأنّها تعرفُ ذلك جيّدًا، كانت رنايا ممتنّةً سرًّا لأنّه جاءَ رغم كذبتِه الواضحة.
‘إذا استمرَّ الأمرُ هكذا، سأظلُّ أعتمدُ عليهِ إلى الأبد.’
مضى الوقت، وأشارتْ الساعةُ إلى الفجر.
نظرتْ رنايا إلى وجهِ هيرديان النائم، ثمّ أغلقتْ عينَيها بقوّة.
‘ماذا أفعل؟ لا أستطيعُ النوم.’
لأسبابٍ غيرِ معروفة، كان صوتُ خفقانِ قلبِها أعلى من صوتِ المطر.
بعد تقلّبٍ طويل، اضطرّتْ رنايا لقضاءِ الليلِ ساهرةً بعيونٍ مفتوحة.
* * *
في اليومِ التالي بعد الظهر، زارتْ بيليندا المنزلَ الجديدَ حاملةً أصيصَ زهورٍ صغيرًا.
بعد انتهاءِ دروسِها الخصوصيّة في فرماوين، عادتْ إلى العاصمة.
“أهلًا، مرحبًا بالمعلّمة بيليندا.”
“لم نلتقِ منذ فترة، يا سيّدة. هذه هديّةُ انتقالكِ.”
“كان يكفي مجيئُكِ… شكرًا جزيلًا.”
ابتسمتْ رنايا وأخذتْ الأصيصَ ثمّ دعتْ بيليندا للدخول.
كانت ليليا ترسمُ مع هيرديان في غرفةِ المعيشة، وعندما سمعتْ أنّ المعلّمةَ جاءت، ركضتْ نحوهما بحماس.
“مرحبًا يا معلّمة!”
“مرحبًا يا ليليا. هل كنتِ بخيرٍ خلال هذه الفترة؟”
“نعم!”
بينما كانتا، المعلّمةُ والطالبة، تتبادلانِ التحيّةَ بحماس، تحرّك ظلٌّ كبيرٌ خلفَ ليليا.
عندما أدركتْ بيليندا هويّةَ الظلِّ متأخّرة، تصلّبتْ زاويةُ فمِها قليلًا.
“…”
“…”
بدلًا من التحيّةِ بالكلام، اكتفى هيرديان وبيليندا بانحناءةٍ خفيفة.
لم تبدُ تعابيرُهما سعيدةً جدًّا، فبدتْ ليليا، التي كانت بينهما، مرتبكة.
“لكن لماذا السيرُ روتشستر هنا…؟”
“بسببِ ظرفٍ مؤقّت. لا داعيَ للقلقِ يا معلّمة.”
“آه… ظرف…”
ردّتْ بيليندا بتردّدٍ وهي تُنهي جملتَها بصوتٍ منخفض.
“اليوم ليس للدروس، لذا يمكنُكِ اللعبُ يا ليليا.”
“إذًا، سأخرجُ لألعبَ مع العمّ!”
بمجرّدِ أن سُمحَ لها باللعب، أمسكتْ ليليا بيدِ هيرديان وتوجّهتْ إلى حديقةِ المنزلِ الأماميّة.
بما أنّه لا يمكنُ صنعُ رجلِ ثلج، يبدو أنّها حوّلتْ اهتمامَها إلى الحديقة.
بعد خروجِهما، أقامتْ رنايا جلسةَ شايٍ بسيطةً في غرفةِ المعيشة وواصلتْ الحديثَ كأمٍّ ومعلّمة.
“الامتحانُ سيعقدُ بعد خمسةِ أيّامٍ في أكاديميّةِ كليرفور. يُسمحُ فقط للمتقدّمينَ بالدخول، ويجبُ على الأولياءِ الانتظارُ خارجًا.”
شرحتْ بيليندا موعدَ بدءِ الامتحانِ وانتهائه، وأنواعَ الاختباراتِ بشكلٍ موجز.
كانت هذه المعلوماتُ قد سُمعتْ من قبل، لكن مع اقترابِ موعدِ الامتحان، شعرتْ رنايا وكأنّها تستمعُ إليها للمرّةِ الأولى.
“لا تقلقي كثيرًا. إذا كانت ليليا هي الطالبة، فستنجحُ في الامتحانِ بسهولة، إذا كان مُدرّسوا الأكاديميّةِ لا يزالونَ يملكونَ نظرةً ثاقبة.”
كانت ليليا هي من ستخوضُ الامتحان، فلماذا تشعرُ رنايا بالتوترِ أكثر؟
كعادتِها، تتبّعتْ رنايا ليليا بعينَيها وهي تنظرُ من النافذة. كانت الطفلةُ تملأُ رذّاذةَ الماءِ وتسقي الحديقةَ مع هيرديان.
استدارتْ بيليندا أيضًا، ونظرتْ إلى هيرديان بعينَين تحملانِ شيئًا من الامتعاض.
“على فكرة…”
توقّفتْ رنايا لحظةً قبل طرحِ سؤالِها.
“هل علاقتُكِ مع هيرديان… أقصد، السيرَ روتشستر، ليستْ جيّدة؟”
“…”
“لقد لاحظتُ للتوّ، حتّى السيرُ روتشستر كان يتصرّفُ بنفسِ الطريقة…”
لم ترَ رنايا هيرديان يتصرّفُ بمثلِ هذا الفتورِ مع أيِّ شخصٍ خارجَ العائلةِ من قبل. وكذلك بيليندا.
كانت تعرفُ أنّ كليهما شخصٌ يحترمُ الآخرَين، لذا كان هذا الأمرُ أكثرَ إثارةً للتساؤل.
“…هل كنتُ واضحةً جدًّا؟ أعتذرُ عن ذلك.”
“لا، لا داعيَ للاعتذار. كنتُ فقط فضوليّةً حقًّا.”
عبثتْ بيليندا بفنجانِ الشايِ وعبستْ قليلًا. بدتْ وكأنّها تختارُ كلماتِها بعناية، ثمّ تنهّدتْ باختصارٍ وقالت:
“إذا كان عليَّ اختيارُ إحدى الإجابتَين، جيّدةٌ أو سيّئة، فستكونُ سيّئة.”
“…هل حدثَ شيءٌ ما؟”
“كنا زملاءَ في الأكاديميّة. لم نكن مقربَين لفترةٍ طويلة، لأنّ السيرَ روتشستر ذهبَ إلى الشمالِ في منتصفِ الطريق.”
“…أفهم. إذًا كنتم تعرفانِ بعضَكما منذ الطفولة… لم أكن أعرف.”
‘ما هذا الشعور؟’ شعرتْ رنايا وكأنّ أحدًا سكبَ ماءً باردًا عليها، وانخفضَ مزاجُها فجأة.
لم تفهمْ سببَ هذا التغيّرِ في مشاعرِها، فشعرتْ بالارتباك.
“قولُ أنّنا كنا نعرفُ بعضَنا قد يكونُ محرجًا. لقد كنا مجرّدَ زملاءَ لفترةٍ قصيرةٍ في الطفولة.”
تحدّثتْ بيليندا باختصارٍ عن أيّامِ دراستِها معه في الأكاديميّة.
في كلِّ المنافسات، كانا دائمًا يتنافسانِ على المركزِ الأوّل. لهذا، كان من الطبيعيِّ أن يُدركَ كلٌّ منهما وجودَ الآخرِ ويحترسَ منه.
“إذًا، هل كانت علاقتُكما سيّئةً بسببِ ذلك؟”
“لا.”
أجابتْ بيليندا بحزم.
“أدركتُ منذ اللحظةِ الأولى أنّنا متشابهان. يمكنُ تسميتُه نوعًا من كراهيةِ الشبيه. كنتُ أتجنّبُه لأنّني لم أحبّ رؤيةَ تصنّعِه وهو لا يزالُ طفلًا.”
“…”
‘إذًا، كانت علاقتُهما سيّئةً إذن.’
لم تعرفْ رنايا كيفَ تردّ، فأغلقتْ فمَها.
“لهذا لم أكن أرغبُ في لقائه، لكن يبدو أنّني أظهرتُ جانبًا محرجًا.”
“إذًا، لماذا قبلتِ العقدَ معه؟”
“لأنّني لا أخلطُ مشاعري الشخصيّةَ بالعمل. والسيرُ روتشستر من النوعِ نفسه، لذا اقترحَ العقدَ على الأرجح.”
كان من الصعبِ فهمُ أن يعهدَ شخصٌ إلى شخصٍ لا يحبّه بالعمل، أو أن يقبلَ شخصٌ عرضَ عملٍ من شخصٍ يكرهُه.
لكن، بشكلٍ ما، بدا الأمرُ مفهومًا. ربّما لا يرغبانِ في التقرّبِ إنسانيًّا، لكنّهما يعترفانِ بقدراتِ بعضِهما.
“…حسنًا، فهمتُ الأمر.”
“في المرّةِ القادمةِ التي نلتقي فيها، سأحاولُ إخفاءَ ذلك قدرَ الإمكان.”
“لا، لا… لا داعيَ لذلك. اليومَ كان ظرفًا استثنائيًّا، ولأنّنا لا نعيشُ معًا، فلن نلتقيَ كثيرًا.”
“ألم تكونا ستعيشانِ معًا قريبًا؟”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون الروابط، لحسابي واتباد، وقناة الملفات في أول تعليق~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 67"