“خالتي.”
“هل تنتظرين خالتكِ رنايا؟”
“نعم! أَنْتَظِرُ خالتي.”
“لأنّها قالت إنّها ستأتي اليوم، لكنها لم تأتِ بعد، وهذا يُقلقكِ، أليس كذلك؟”
“لماذا لمْ تأتِ خالتي؟”
كانتْ ليليا تُحبّ رنايا، جارتهم التي تسكنُ في المنزلِ المجاور، أكثرَ من أيِّ أحدٍ بعد والدتِها.
فقد كانتْ تشعرُ بصدقٍ كم تهتمُّ بها وتُحبّها كما تُحبّها أمّها تمامًا.
‘متى ستأتي خالتي؟’
كلّما مرّ الوقت، زادتْ شفتا ليليا في البروز إلى الأمام، علامةً على الحزن.
ولشدّةِ ظُرفِ ملامحِها في تلك اللحظة، ضحكتْ سيلين بخفّة.
وفجأة، سُمع صوتُ طرقٍ على الباب.
فما إن سمعتْ ليليا الصوت، حتى أشرقتْ ملامحُها.
“ليليا ستفتح الباب!”
“أحقًّا؟ ستذهبين لاستقبالها؟”
“نعم!”
سارتْ ليليا بخطواتٍ صغيرة حتى وصلتْ إلى الباب.
وما إن رأتْ وجهَ رنايا من خلالِ فتحة الباب، حتى ارتسمتْ على شفتيها ابتسامةٌ عريضة.
“خالتي!”
“ليليا، عيدُ ميلادٍ سعيد!”
“وااااه!”
أخرجتْ رنايا من خلفِ ظهرِها دُميةَ أرنبٍ ورديّة، وقدّمتْها لها.
حدّقتْ ليليا بالدمية بعيونٍ واسعة، وكأنّها ترى كنزًا.
ثمّ عانقتْ الأرنب الصغير بشدّة، وانفجرتْ بضحكةٍ رنّانةٍ مُفعمة بالسعادة.
بادلتْها سيلين النظرات، ثمّ شكرتْ رنايا بإيماءةٍ صامتة.
وقالت لابنتها:
“قولي: شكرًا لكِ، خالتي.”
“خالتي، شكرًا جزيلاً!”
‘كم هي لطيفةٌ!’
كان حديثُها أشبهَ بزقزقةِ صوصٍ صغير، ما جعل رنايا تضعُ يدَها على صدرِها دون وعيٍ، تتأمّلها بذهول.
“عيدُ ميلادٍ سعيد، ليليا. كُوني دائمًا بصحّةٍ وسعادة، ونمِي جيّدًا.”
“نعم!”
‘لطيفة… لطيفة جدًا.’
راحتْ تكرّر تلك الكلمة في رأسِها كمعجبةٍ تُشاهد نجمها المفضّل من مسافة قريبة.
وبعدَ أنْ تناولتْ ليليا العشاء، غلبها النعاس ونامتْ وهي تحتضن الأرنب.
لم تستطعْ رنايا إلا أنْ تبتسمَ وهي تُشاهدها نائمةً بذلك الشكل.
وضعتْها سيلين بلُطفٍ على السرير، ثمّ خرجتْ إلى غرفة المعيشة وقدّمتْ لرنايا كوبًا من شاي التفاحِ الدافئ.
“يبدو أنّكِ مُرهقة.”
“…هل حقًّا أبدو كذلك؟”
“من أعمالِ المزرعة، أليس كذلك؟ سمعتُ أنّ الأعاصير هذا العام ألحقتْ ضررًا شديدًا.”
تغيّرَ وجهُ سيلين قليلًا.
وعندها فقط تذكّرتْ رنايا مزرعةَ التفاحِ التي دُمّرتْ بالكامل.
لقد نسيتْ الأمر وسط انشغالها الليلة الماضية برعايةِ الرجلِ المريض.
‘أنْ يكونَ المزارع لا يهتمّ بمزرعته… هذه جريمة بحقّ المهنة.’
قالت سيلين:
“إنِ احتجتِ إلى مساعدة، أخبريني. قد لا أُجيد الزراعة، لكنّي سأساعدكِ بما أستطيع.”
“لا بأس… لا داعي للقلق بشأن المزرعةِ… أنهُ”
“كيف لا أقلق؟ إنها مزرعتُكِ، رنايا.”
رغم امتنانِها لنوايا سيلين الطيّبة، إلّا أنّها شعرتْ بقشعريرةٍ تسري من قدميها إلى رأسها.
تهرّبتْ من نظراتِ سيلين، وارتشفتْ جرعةً من الشاي محاولةً إخفاء توتّرها.
“أو ربما… لا ترغبين في مساعدتي؟”
“لـ… لا! أعني، أنا فقط أردتُ أن أقول إنّني قادرةٌ على التحمّل هذا العام، لهذا لا تقلقي. وأنا ممتنّةٌ لكِ فعلًا.”
“أعلم ذلكَ. كنتُ أمزح فقط.”
“……”
‘مُزاحُكِ هذا قد يُنهي حياةَ مزارعٍ بريءٍ، لو تعثّرَ بكِ في أحدِ الفصول.’
قالت رنايا بارتباك:
“في الحقيقة، أنا أعلم أنّها كانتْ مُزحة… حقًّا.”
‘عطشانة… أحتاجُ للماء.’
شربتْ رنايا الشاي دُفعةً واحدة، لكنّها شربته بسرعةٍ شديدة حتى اختنقتْ، وسعلتْ بشدّةٍ.
ناولتها سيلين منديلًا بلطفٍ وهي تنظر إليها بعينين دافئتين.
“ليتَكِ تعاملينني كما تُعاملين ليليا.”
“……”
“هل أنا ما زلتُ عبئًا عليكِ؟”
لم تستطعْ رنايا نفيَ ذلك. بل على العكس، كانتْ تجدُها ثقيلةً للغاية.
حتى لو عاشتْ سيلين اليوم كامرأةٍ من عامّة الشعب، فهي بالأصل ذاتُ مكانةٍ مرموقة.
فكيف تُعاملها ببساطةٍ وهي تعرفُ مَن ستكونُ بجانبها في المستقبل؟
في الرواية، يكون البطلُ في البداية وغدًا، ثمّ يتحوّل إلى مجنونٍ لاحقًا.
يُسيء إلى سيلين في البداية، ثمّ يُصبحُ شيطانًا لا يرحمُ كلّ مَن يُسيءُ إليها.
من قتلهُم؟ أولئك الذين تودّدوا لسيلين، أو تجرّأوا على التقرب منها.
حتى الخادمات اللواتي كنّ يُعاملنها بلُطف، قُتلنَ على يدِه.
‘لا أُريد أنْ أموت من أجلِ زلّةِ لسان.’
“سأحاولُ أن أكونَ أقرب.”
“هاه؟ لا داعي لأنْ تُجبري نفسَكِ…”
“بل أريد ذلك. أريدُ أن أكونَ أقربَ إليكِ.”
لم تذكرْ رنايا بعد ذلك الكثير من الحوار.
ما تذكّرتْه هو فقط هذه الفكرة:
‘عليّ أنْ أكونَ حذرة، لأُحافظ على حياتي.’
ومع مرورِ الوقت، نهضتْ من مجلسها لتعودَ إلى المنزل.
“شكرًا على العشاء. سأعدُّ لكِ شيئًا في المرّة القادمة.”
“سأكونُ ممتنّة.”
كانتْ تنوي المغادرةَ سريعًا، لكن الوقت تأخّر.
وفي اللحظةِ التي انحنتْ فيها مودّعةً، قالتْ سيلين بخجل:
“رنايا، شكرًا لكِ.”
“لأجل هديةِ عيدِ الميلاد؟”
“من أجلها، ومن أجل أشياءٍ كثيرة. أنتِ تفعلين لي أشياءً لا تُعدّ.”
“…أحقًّا؟”
اختفتْ ابتسامةُ رنايا.
استدارتْ سريعًا تخفي تغيّرَ ملامحِها، وتظاهرتْ بالهدوء.
“لقد تأخّر الوقت، سأذهب الآن. أرجو أنْ تنعمي بليلةٍ هانئة، سيلين.”
“أنتِ أيضًا، شكرًا لقدومكِ اليوم.”
وما إنْ ابتعدتْ قليلًا عن بيتِ سيلين، حتى توقّفتْ فجأةً وأطلقتْ زفرةً طويلة.
كانَ صدرُها يختنق.
لقد كانتْ تعلمُ تمامًا سببَ ذلك الضيق…
إنّه الذنب.
فهي لا تستحقُّ سماعَ عبارةِ “شكرًا لكِ”.
لأنّ كلّ ما تفعلُه مع سيلين، خلفهُ سبب.
‘أنا فقط أفعلُ ذلك من أجلِ القرية.’
لكن سيلين الطيّبة لا تعرفُ ذلك.
ولأنّها لا تعرف، تشعرُ رنايا بالذنب.
إنّه ذنبُ استغلالِ طيبةِ إنسانةٍ نقية.
‘لكنْ… لا مفرَّ من ذلك.’
رغم ثِقلِ ضميرِها، كان عليها حمايةُ القرية.
وحتى إنْ كان ضميرُها صامتًا بالأمس، اليومَ بالذات كانَ يُؤلمها.
ومع هذا الهمّ الثقيل، عادتْ رنايا إلى المخزن.
في ذلك الوقت، استعادَ هيرديان وعيه داخل المخزن، فأطلق ضحكةً ساخرة وهو يتذكّرُ ما حدث.
‘حقًّا، أُصِبتُ بجراحٍ كهذه وسقطتُ؟ مثيرٌ للسخرية.’
تأمّلَ ما حولَه وهو يعبس، حتى وقعتْ عيناه على الطاولة.
كان فوقها صحنُ حساءٍ بارد، وورقةٌ صغيرة.
تأمّلها لعدّةِ دقائق.
‘ما المكتوبُ عليها؟’
لم يكن هناك أسوأ من هذه الكتابة. أو ربّما ليستْ كتابةً بل لغةٌ أجنبية؟
نقرَ بلسانه ضيقًا، ثمّ نظر عبر النافذة الصغيرة.
كان القمرُ مُضيئًا في سماءِ الليلِ الحالكة.
عندها فقط أدرك أنّه فقد وعيه لمدّةٍ طويلة.
‘كم مضى؟ يوم؟ يومان؟’
لقد فقدَ الإحساسَ بالزمن.
وحين عجزَ عن تقديرِ الوقت، التقط سيفهُ الموضوعَ بجانبه.
كان يعلمُ أنّ الجميع أعلنوا موته.
ومع موتهِ، فقدَ كلَّ حقوقِه وثرواتِه.
‘لا يمكنني البقاءُ هنا هكذا.’
تقدّمَ نحو البابِ ليفتحه.
لكنه فوجئ بأنّه لا ينفتح.
‘ما هذا؟’
حرّكهُ عدّة مرّات دون فائدة.
تجمّدَ تعبيرُه على الفور.
لقد ظنّ أنه محتجز.
فأخرج سيفه بلا تردّد.
‘بابٌ كهذا، سأحطّمهُ إنْ لزمَ الأمر.’
وقبل أن يضربه… شعرَ بحركةٍ خلف الباب.
تب… تب…
مع اقترابِ صوتِ الأقدام التي تَخطو فوق الأرض، كتمَ أنفاسه وتراجعَ بهدوءٍ إلى الحائط، مستندًا إليه، مُنصتًا بتركيز.
كانت الخطوات خفيفة نسبيًّا، لا تُشبه خطواتِ الرجال.
وقفَ الشخصُ خلف الباب، تنفّس بعمقٍ حتى سُمع صوته من داخلِ المخزن، ثمّ فتحَ القفل ودخل.
وحين رأى مَن تجرّأ على حبسه، فتحَ عينيه بدهشة.
‘إمرأة؟
إمرأة؟!’
رغمَ ذلك، ظلّ سيفه مصوّبًا نحو عنقها دون تردّد.
فحتى لو كانت امرأة، فلا مجالَ للثقة أو التهاون.
“……!”
لم يكن هيرديان الوحيدَ الذي تفاجأ.
كانت رنايا قد جاءت فقط لتتفقَّد حاله، لكنها وجدتْ نفسَها فجأة تحت تهديدِ نصلٍ باردٍ حادّ، فلم تستطع حتى أن تصرخ.
وما زاد من دهشتها أنّ هذا الرجل، الذي كان حتى الأمس على شفيرِ الموت، أصبح الآن يُهدّدها بحياتها.
‘هل أنتَ مَن يردُّ الجميلَ بالخيانة؟’
تماسكتْ قدر استطاعتها، وفتحتْ فمَها لتتكلّم بهدوء:
“……استيقظتَ إذًا؟”
“……”
“من الطبيعي أنْ تشكّ في الغرباء. لكنّي لستُ شخصًا سيّئًا، أبدًا… هلا أبعدتَ هذا الشيء الخطر من فضلك؟”
لكن سيفَه بقيَ في مكانِه.
وكانتْ عيناه الزرقاوان تتلألآن وسط الظلام، نظرةٌ جعلتْ قلبَ رنايا يبردُ فجأة من شدةِ الرهبة.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"