عادت رنايا إلى قاعة الحفل وأخذت تُلقي نظرةً حولها.
لم يظهر هيرديان بعد، وكذلك الكونت روتشيستر وكاين، لم يكونوا في المكان.
فركَت ليليا عينيها بظاهر يدها. في العادة، يكون هذا وقت نومها، لذا بدت عليها ملامح التعب.
سألت رنايا أحد الخدم المارّين:
“عذرًا، هل يوجد مكان يمكننا أن نرتاح فيه قليلًا؟”
“يوجد صالون في الطابق الثاني، في الوسط تمامًا. يمكنكم الراحة هناك. هل أُرافقكما؟”
“لا، لا داعي، شكرًا لك.”
أخذت رنايا ليليا التي بدأت تغفو إلى الطابق الثاني.
وبما أنّ الجميع كان في القاعة، كان الطابق الثاني هادئًا تمامًا ولم يصادفوا أحدًا.
لكن، ما إن وصلا إلى نهاية الرواق الطويل أمام الصالون…
“كواااانغ!”
انفتح الباب بقوّة، واندفع شخص من الداخل نحو الخارج.
فتحت ليليا عينيها من الدهشة، ورنايا أيضًا لم تُخفِ صدمتها.
دفعت الطفلة خلفها بغريزةٍ لحمايتها، وحدّقت لتتأكد من هوية الشخص القادم.
‘تلك المرأة…’
تطلّعت رنايا إلى المرأة بدهشة. كانت واحدةً من أولئك الذين اغتابوها قبل قليل في القاعة.
لكن حالتها كانت غريبة. لم يكن لباسها غير مُرتّب فحسب، بل كان وجهها محمرًّا أيضًا.
“هل أنْتِ بخير؟”
“…”
عضّت المرأة شفتها ورحلت من دون أن تُجيب.
‘ما الذي حدث للتو؟’
تطلّعت رنايا إلى داخل الغرفة عبر الباب المفتوح بفضول. وما رأته هناك كان صادمًا.
تقابلت نظراتها مع رجلٍ جالسٍ عند النافذة.
‘لماذا… كاين هنا؟!’
لقد ظهر فقط في بداية الحفل، ثم اختفى، وها هو الآن هنا… مع امرأةٍ ليست سيلين.
شعرت رنايا وكأنّ أحدهم صفعها على رأسها.
‘هل نَسِيَ سيلين بالفعل؟’
لم يكن ذلك أمرًا مستبعدًا. الأحداث لم تَسِر كما في الرواية، لذا كان احتمال حدوث هذا قائمًا.
بل إنّه من وجهة نظرها، كان شيئًا جيدًا. فلن تضطر إلى الهروب مع ليليا بعد الآن.
ومع ذلك، شعرت بالاختناق. فكرة أن كاين نسي سيلين، وأنّ بطل الرواية لا يُحبّ البطلة…
‘ربّما كنتُ أتمنّى أن يُكافَأ قلب سيلين ولو قليلًا.’
لو نسيها كاين هكذا ببساطة… فهل ستكون جراحها وكل ما عانته بلا معنى؟
عضّت رنايا باطن شفتيها. كانت على وشك أن تنفجر.
‘كيف تستطيع أن تفعل هذا؟ هل تعرف كم كانت سيلين تتألّم؟’
لكنها كتمت صوتها، وقالت ببرود:
“أعتذر، لم أكن أعلم أنّ أحدًا في الداخل.”
لكن في اللحظة التي همّت فيها بالدوران…
“انتظري.”
اخترقت أذنيها نبرة منخفضة من كاين.
“هل تنوين حقًا الزواج من هيرديان؟”
فتحت رنايا فمها بتردّد، كأنّها تُجيب رغمًا عنها:
“نعم…”
“ستُعانين. فهو من النوع الذي يُبدّل النساء كثيرًا.”
‘يُبدّل النساء؟’
لم يكن هذا الوصف يليق بهيرديان، لذا صُدمت رنايا.
بل إنّ من يليق به هذا الوصف هو الشخص الواقف أمامها.
“ماذا… تعني؟”
قطّبت حاجبيها ولم تُكمل. سواء كان الكلام صحيحًا أم لا، لم يكن من شأنها أن تتحمّل مثل هذه الإهانات.
حينها، التقت عينا كاين بعيني ليليا، التي كانت تَختبئ خلف ظهر رنايا وتطل برأسها الصغير.
“كم عُمرها؟”
سأل كاين الطفلة مباشرة.
رمشت ليليا بعينيها ثم أجابت:
“ليليا عُمرها سبع سنوات.”
“أفهَم.”
أرادت رنايا المغادرة فورًا.
لم تفهم لماذا بدأ كاين بالاهتمام بليليا فجأة، بينما لم يُبدِ لها أيّ اهتمام من قبل.
اقترب كاين فجأة.
“لِماذا؟”
سألته ليليا بخوفٍ ظاهر على وجهها. كان يُحدّق بها بوجهٍ مخيف، ما جعلها تشعر بالخوف.
“لأنّك تُشبهين شخصًا أعرفه.”
قال كاين هذا، ثم خرج من الصالون.
حين اختفى وقع خطواته، تنفّست رنايا أخيرًا بارتياح.
بل إنّ العرق البارد سال على جبينها، وجعل ليليا تلتفت إليها بقلق:
“ماما… هل أنْتِ بخير؟ هل أنْتِ مريضة؟”
“لا، أظنّني فقط مُتعبة.”
‘ما الذي قصده بآخر كلامه؟’
أمسكت رنايا بطرف فستانها، تُهدّئ نفسها.
“ماما، أنْتِ لن تصيري عائلة مع ذاك العمّ، صح؟ كنّا نمثل فقط، أليس كذلك؟”
“هل تُريدين أن نصير عائلة حقيقية؟”
هزّت ليليا رأسها بسرعة.
من وجهة نظر الطفلة، كان هيرديان رجلًا طيّبًا.
أنقذها، واعتنى بها.
لكن، الطيبة لا تعني أنها تريد أن يُصبح من عائلتها.
بالنسبة لها، وجود ماما وجدّتها هيلدي كان كافيًا كعائلة.
“نعم، نحن فقط نُمثّل الآن. وماما تحبّكِ كثيرًا، وستظلّ معًا طوال الحياة، فلا تقلقي.”
“حقًا…؟ سنظل معًا دائمًا؟”
“طبعًا.”
احتضنتها رنايا بقوّة. وشعرت أخيرًا أن توتّرها بدأ يهدأ شيئًا فشيئًا.
“ماما، ليليا تُحبّك كثيرًا كثيرًا.”
“… وماما أيضًا تُحبّك كثيرًا، ليليا.”
كانت تعلم أنّه سيأتي يومٌ تُخبر فيه ليليا عن والدها الحقيقي، لتمنحها حقّ الاختيار.
لكن… هل سيكون من الصواب أن تُخبرها بوجود رجلٍ مثل ذاك؟
أغمضت رنايا عينيها، وغاصت في التفكير، وصورة سيلين طافت في ذهنها.
دُقّ الباب بلطف من الخارج. وكان الطارق هو هيرديان.
حين رأى رنايا، تخلّى عن تعبيره البارد، واقترب منها.
رأى ليليا نائمة على ركبة أمّها، وتسلّلت ابتسامةٌ خفيفة إلى وجهه.
كانت الطفلة مغطاةً بلِحافٍ ناعم، وغارقة في النوم.
لم تكن تستيقظ بسهولة هذه الأيام، لذا على الأرجح لن تستيقظ قبل الصباح.
“هل انتهى حديثكَ؟”
سألته رنايا، فأجاب بلا مبالاة:
“نوعًا ما.”
ثم خلع معطفه ووضعه على كتفيها. كان لا يزال دافئًا بحرارته.
قالت وهي تبتسم وتشكره، لكنّها صُدمت حين رأت خده الأيسر منتفخًا قليلاً.
وضعت يديها على وجهه تتفحّصه:
“ماذا حصل؟ هل ضَرَبك أحد؟”
“أمم، حدث ذلك صدفةً…”
“مَن ضربك؟! لا تقل لي أنّه عمّك؟”
اشتعلت غضبًا، لكنّه ابتسم بلطف:
“لا تقلقي، سيزول بسرعة.”
“هذا ليس مهمًا! لِماذا تتعرّض للضرب وأنت لم تفعل شيئًا؟!”
“… يعجبني هذا، أن تهتمّي بي.”
كان دفء يديها على وجهه مُريحًا.
أسند خدّه إلى راحتها وأغمض عينيه.
‘كان يستحق أن يُضرب أكثر ما دام سيحصل على اهتمامها.’
“يجب أن تضع كمادة باردة. وإلّا سيتورّم.”
“سأفعل ذلك في البيت. على أيّ حال، كنتُ أنوي العودة.”
“انتهيتَ من كلّ ما عليك؟ الحفل لم ينتهِ بعد، هل يُمكننا المغادرة؟”
“الآن لا يتبقى سوى الذين يحبّون اللهو. لا حاجة لنا بالبقاء معهم.”
تنفّست رنايا الصعداء وهزّت رأسها موافقة.
“سأحمل ليليا.”
حملها على ظهره بخفّة.
واستسلمت الطفلة للنوم على ظهره دون أن تدري.
خرج الثلاثة من الصالون متّجهين إلى القاعة، ومنها للخروج.
لكن، حين اقتربوا من القاعة…
“كييع!”
صرخةٌ حادّة لامرأة.
التقت نظرات رنايا وهيرديان بسرعة، وركضا إلى الداخل من دون أن يتفقا.
وما إن دخلا حتى…
“فُك! فُك!”
كان كاين يُوجّه اللكمات إلى وجه رجلٍ غارقٍ في الدماء.
ضرب، وضرب، وضرب. كأنّه يُريد إنهاء حياته.
انتشرت بقع الدماء على الأرضية المذهّبة للقاعة.
لم يجرؤ أحدٌ على التدخل. بدا أنّ الجميع خائفٌ على حياته.
عندها فقط، تكلّم هيرديان:
“أخي، أرجوكَ… يكفي.”
ت
وقّف كاين فجأة.
نَظر إلى وجه الرجل المشوّه، وتراجع.
قطرات الدم تنزف من قبضته.
“… ما زال هناك حثالة يتفوهون بالكلام الفارغ.”
“…”
“جَرِّبوا مرةً أخرى ، إن لم تكونوا تخافون على حياتكم.”
في تلك اللحظة، شحبَت وجوه الجميع من شدّة الرعب.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات