للحظةٌ انخفضَ قلبُ رنايا فجأةً. ذلك لأنّ اسمًا لا يجب أن يخرج من فم ليليا قد ذُكر.
بقلْبٍ مذهول، انتزعت الظرفَ من يد الطفل وتحققَت منه.
كان نقشُ ختم الشمع الأبيض المعتّم مألوفًا.
النجمة في الوسط والحلقة الدائرية التي تحيطُ بها.
كان ذلك رمزًا لعائلةِ الكونت روتشيستر.
“أمّي، ما الخطب؟”
لاحظت ليليا ذلك.
“هل تشعرين بالأسى لأنّها لم تُرسل من قبل الجدة؟”
كانَت اليد التي تمسُكُ ظرفَ الرسالة ترتعشُ خفيفًا.
أخفت رنايا يدها إلى الخلف وأجبرت شفتيها على الابتسام.
“نعم… أشعرُ بالحزن.”
* * *
طارَ كأسُ زجاجٍ بسرعةٍ ومرَّ بجانب خَدّ كاين واصطدمَ بالحائط.
تفرّقت الشظايا على الأرض، وجرى أثر دمٍ واضح على خده.
ليبيد روتشيستر، الذي لم يهدأ غيظه حتى بعد رمي الكأس، تنفّس بغضبٍ.
“أنتَ مجنونٌ حقًا.”
“هذا أمرٌ جديدٌ عليكَ؟ ألم تكن تعرفه من قبل؟”
“اصمت! أيها الأحمق عديم الفائدة!”
صاح ليبيد وهو يضرب الطاولة بقبضته بعنف.
كان سبب غضبه الشديد هو تقريرٌ بأن ابنه يحفرُ قبور النساء.
‘كيف يكون ابني الوحيد هذا الوغد الأحمق…’
كان يجب ألا يُزوّج.
تحديدًا، لم يكن ينبغي إدخال تلك المرأة التي لم تكن سوى فتاةٍ تافهةٍ لم تستطع الإنجاب في العائلة.
لم يستطع ليبيد إخفاء خيبة أمله من ابنه الذي لا يتوقف عن البحث عن تلك المرأة التي لا يعرف إن كانت حية أو ميتة.
“حتى متى ستعيش هكذا؟ أنت وريث العائلة وتلهث خلف النساء فقط… كيف لي كأب أن أرفع رأسي أمام الناس!”
“أنا أنفذ ما أمرتني به، أليس هذا كافيًا؟”
“إييك… وأنتَ ما زلت!”
“أعتقد أنّه من المبالغة أن تهتمّ بحياتي الخاصة حتى هذا الحد.”
كان ذلك بمثابة أمرٍ له أن لا يهتم. سواء طارد النساء أم حفر القبور.
“…”
شعر ليبيد كأن نار الغضب تحترق بداخله.
كان يعتقد أنّه ربّى ابنه بشكل جيد، لكنه الآن يقرّ بأنه أخطأ في تربيته، وأنه ربّى أحمقًا وليس ابنًا.
شرب ماءً باردًا محاولًا تهدئة نفسه، لكن الغضب لم يخفِ تمامًا.
“في الحفل القادم الأسبوع المقبل، دُعِيت البنات الصالحة للزواج.”
“أبي.”
“امسك واحدة على الأقل. لن أهتمّ بمن تختار.”
“أبي ، هل تريد حقًا أن تستمرّ في السلالة؟ هل تريد الحفاظ على مكانتكَ التي حصلت عليها بشق الأنفس؟”
“فمك مفتوح كثيرًا…”
لم يستطع ليبيد كبح غضبه فمسك بالسيف. لكن كاين لم يشعر بالخوف، بل رحّب بذلك وكأنه يقول له:
“جرّب أن تقتلني إن استطعت.”
وابتسم ابتسامة ملتوية.
“لن أحتضن امرأة أخرى مهما قال والدي. إن لم تستطع تقبل ذلك، فاعتبرني عاجزًا.”
“إييك… إييك…”
“إذا كنت تريد أن تستمرّ في السلالة، فلتجلب أنت ابنًا جديدًا. أنت لا تزال بصحةٍ جيدة، أليس كذلك؟”
تخلّف كاين عن ليبيد الذي كان يمسك بالسيف لكنه لم يسحبه، وخرج من مكتب العمل بقسوة.
بعد إغلاق الباب، سُمعت أصوات خلفه، وهو يرمي كل ما يقع تحت يده بغضب.
‘كنت أتساءل لماذا استدعيتني.’
مسح كاين الدماء عن ظهر يده وهو يلتهم غضبه.
تبعه خادمه بهدوء. عند دخول الغرفة، فكّ ربطة عنقه وقال بهدوء منخفض:
“هل سيحضر هيرديان الحفل الأسبوع المقبل؟”
“أرسلنا الدعوة، لكنه لم يرد بعد.”
كان يعلم أن هيرديان قد عاد إلى الشمال.
لم يقم بأي شيء هناك سوى الراحة، وفق ما رأى الخادم، فقد عمل في مزرعة مع الفلاحين.
الأمر المثير للقلق أنه أخذ امرأة معه إلى بيرماوين.
‘هل ذلك كان ذلك الشعور الذي شعرت به من قبل؟’
يبدو أنه يعتني بها كثيرًا ليأخذها بنفسه. لا توجد معلومات أخرى عن اسمها أو سبب أخذه لها.
“راقبوه عن كثب. لا تدعوه يفعل شيئًا أحمق.”
“نعم، سيدي.”
كان كاين وحيدًا، استعد ليرتدي ملابسه ثم خرج من غرفة النوم. توجه إلى غرفة بعيدة وعميقة في القصر. فتح الباب فاستقبله الغبار المتراكم.
كانت تلك الغرفة التي كانت تستخدمها سيلين قديمًا.
لم ينظفها كاين بعد رحيلها، ولم يدخلها أحد، فغطتها طبقة من الغبار، لكن بقيت كل الأشياء كما هي.
سحب الستارة الطويلة على الجدار ليظهر بورتريه ضخم لسيلين جالسة على الأريكة تنظر إلى الأمام بحرج.
“…ها.”
تنفّس كاين بارتياح بعدما نظر إلى الصورة.
مدّ يده ومسح الصورة بأطراف أصابعه.
وعينيه مليئتان برغبة عنيدة في استعادتها.
* * *
يمكنهُا تذكر حياة زواج سيلين الصعبة.
رغم أنها استمرت سنة واحدة فقط في القصر ، فهي قد عانت كثيرًا.
خاصة ما حدث في حفل عائلة روتشيستر السنوي في هذا الوقت من السنة لا يزال يثقل قلب رنايا.
‘سيلين كانت تعاني من تحضير حفل عيد ميلاد والد زوجها بمفردها…’
يبدو للقارئ أن سيلين كانت مجتهدة جدًا.
قلّلت من نومها واهتمّت بكل شيء، حتى أغطية الطاولات في القاعة.
لكن ليبيد، والد زوجها، لم يعجبه ذلك، وكان ينتقدها دائمًا. في النهاية، غضب منها علنًا في الحفل لأن الطعام لم يعجب الضيوف.
كان من المستحيل إرضاء جميع أذواق الضيوف، وكانت سيلين تحاول تعويض ذلك بزيادة أنواع الطعام.
رغم ذلك، كان ليبيد يرفع صوته فقط لأنه لم يكن يحبّها.
كان ذلك أسوأ حفل لها.
بعد الحفل، وجدت سيلين تبكي في الزاوية، وكاين لم يساعدها بكلامٍ لطيف.
لم يكن هناك أحد بجانبها.
‘ليليا كبرت كثيرًا الآن، فهذه قصةٌ قديمة.’
كان حدثًا مضى.
كثيرون ممن حضروا الحفل ربما نسوا ما حدث، لكن سيلين لم تنساه، على الأقل حتى قبل عامين.
‘…لا بأس. لا شيء يخيفني. لم تُكشف ليليا بعد.’
قبضت رنايا على الدعوة بقوة، وأخذت نفسًا عميقًا ثم طرقت باب مكتب هيرديان.
“ادخل.”
رفع هيرديان رأسه وهو مشغول بفحص الأوراق. عندما دخلت رنايا، ظهر عليه الاستغراب.
“رنايا؟”
“…وصل البريد.”
نظر هيرديان إلى الظرف فقط فعرف من أرسله.
تحوّل لون وجهه إلى الأسوأ ثم عاد إلى طبيعته بسرعة.
“لا حاجة لأن تأتي بها بنفسك… اجلسي أولاً، وسنتناول الشاي.”
“هل يمكن؟ تبدو مشغولًا جدًا.”
كانت الأوراق على الطاولة كثيرة.
منذ قدومها للشمال، لم ترى هيرديان تستريح أبدًا.
لم تكن تعرف ما الذي يفعله، لكن بالتأكيد ليس لديه وقت فراغ.
“هناك وقت لأخذ استراحة قصيرة.”
جلست رنايا بتوترٍ على الأريكة في المكتب.
ربتت على الشاي الذي قدمه الخادم ورمت نظرة خفية على الدعوة على الطاولة. بدأت الحديث وكأنها لا تعرف شيئًا.
“من أرسلها؟”
“دعوة حفل عيد ميلاد عمي. تُرسل كل عام في هذا الوقت.”
“كنتِ تحضرهُ كل عام؟”
تردد هيرديان قليلاً ثم أجاب:
“…منذ عامين.”
حالُ رنايا تغيّر إلى القلق.
حاولت الابتسام لكن لم تستطع، وانخفض رأسها وهي تحدق في فنجان الشاي، مستذكرة ما حدث قبل عامين.
‘قبل عامين…’
كانت السنة التي كاد فيها هيرديان أن يُقتل، وكان المرسل هو من أرسل الدعوة.
لا بدّ أنه يعرف جيدًا من حاول قتله.
حضر تلك الحفلة لمدة عامين، رغم أنها كانت من عدوّه الذي قتل عائلته وكان يود قتله أيضًا.
كيف يمكن أن يكون ذلك؟
لم تستطع رنايا فهم ذلك. لو كانت مكانه، لكانت تلعنهم بدلاً من التهنئة.
“هل ستذهب هذا العام أيضًا؟”
“نعم، سأذهب هذا العام أيضًا.”
“أعتقدتُ ذلك.”
توقف هيرديان عن الكلام، ثم وضع فنجان الشاي جانبًا كما لو تذكر شيئًا.
“قلتُ لكِ إنّ استلام الدعوة فقط يجعلني أشعرُ بعدم الارتياح.”
“نعم، صحيح.”
“ليس أمنيةّ… لكن هل يمكنك أن تساعديني في طلب؟ ليس صعبًا.”
“ما هو؟ سأسمعهُ.”
رغم تواضع طلبه، فرحت رنايا كثيرًا حين سمعته.
أخيرًا سيكون بإمكانها فعل شيء.
“هل يمكنك أن تكوني خطيبتي ليوم واحد فقط؟”
“…؟”
شعرت بصدمة كبيرة. لم تكن تتوقع ذلك ولم تستطع الرد، فقط رمشت عينيها.
أكد هيرديان طلبه مرة أخرى لرنايا التي لم تستطع استيعابه.
“أريدكِ أن تحضري الحَفل معي كـخطيبتي.”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات