في بعض الأحيان، كانَت الحيوانات الجائعة تنزلُ من الجبال إلى القرية.
لهذا فتحت رنايا عينيها جيدًا، تحاول التمييز إنْ كان الذي تراهُ إنسانًا أم حيوانًا.
ومن خلال خيوط المطر، تبيّن لها أن الشكل الذي يَتراءى هو بالفعلِ إنسانّ.
وبتوتّر، بلعت ريقها واقتربتَ من الرجل.
رغم تساقط المطر الغزير، كانت رائحةُالدم قوية وواضحة.
“أ- أنتَ… هل أنتَ بخير؟”
(ميري : أزاي يا حضرتكِ يعني يكون بخير)
قطّبت رنايا حاجبيها، ومدّت يدها لتلمَس الرجل بحذر.
لكن، وفجأةً، أمسكَ الرجلُ بمعصمها.
“أبـ… ي.”
“هاه؟”
تمتم الرجل بكلماتٍ غير مفهومة، ثمّ فقدَ وعيه.
وكان الدمُ قد لطّخ معصَم رنايا حيث أمسكهُ.
هل رأى حياته تمرّ أمام عينيه قبل موتهِ؟
يُقال إنّ الإنسان يرى مَن يحبّهم أكثر شيء قبل أن يموت.
وربما هذا الرجل رأى فيها والدهُ.
شعرت رنايا بعدم الارتياح، فدفعت جسدهُ قليلًا مرةً أخرى، ثم وضعت أصابعها تحت أنفه.
لحسن الحظَ، كان لا يَزال يتَنفّس.
‘… يجب أن أنقلهُ أولًا.’
كان واضحًا أنه ليس من سكان القريةِ، لكن لم يكن بإمكانها أن تتركه ينزف ويموتُ هكذا.
وفي تلك اللحظة، أصبح المطر أغزرَ.
فرفعت جسدهُ بصعوبةٍ، وأسرعت خُطاهَ.
المكان الذي أخذت فيه رنايا الرجل كان مستودعًا قديمًا خلفَ منزلها.
رغم أنّه مهجور ومليء بالغبارِ والأغراض القديمة، إلا أنّه كان أفضل من تركه تحتَ المطر.
وضعت الرجل على كومةِ من التبن، ثمّ التقطت أنفاسها بصعوبة.
ثم بدأت تبحث وسط الأشياء حتى وجدت شَمعدانًا محترقًا جزئيًّا، وأشعلت الشمعة بمهارةٍ.
ومع انبعاث الضوء في المستودع، استطاعت أخيرًا رؤية ملامح وجه الرجل بوضوح.
كان أوّل ما جذب انتباهها هو جمَال وجههِ الأخّاذ.
شعرٌ ذهبيّ كأنّه من ذهب، رموشٌ كثيفة، أنف مرتفع، فكّ حاد، وشفاه دامية.
مثلما صُدمت عندما رأت سيلين أول مرةٍ، هكذا صُدمت الآن.
‘… هذا المظهرُ يَصلحُ لبطل روايةٍ، حرفيًّا.’
ضيّقت رنايا عينيها، تحدّق بتركيزٍ في وجهِه.
في رواية سيلين غريويل، وُصف البطل بأنّه شابٌ وسيم ذو شعرٍ أشقر وهالة باردة.
والرجل الذي أمامها الآن يمتلك شعرًا أشقر ووجهًا جميلًا أيضًا.
“لا يمكن… لا يمكن أن يكون هو. ليليا ما زالت في الخامسةِ فقط.”
كان من المفترض أن يأتي زوج سيلين إلى القرية بعد سنتين من الآن.
وطالما أن مجرى الأحَداث ما زال كما هو، فلا داعي للقلق.
مع ذلك، ظلتَ تحدّق فيه.
كونه وسيمًا بهذا الشكل يثير الشكَ، لكن لا يكفَي للجزم أنه البطل.
‘… لا يعقل أن يُصاب البطل بجروحٍ خطيرة هكذا، أليس كذلك؟ المفترض أن يملكَ حرّاسًا، وهو بارعٌ في القتال.’
ربما رنايا أصبحت متوتّرة من كثرة مراقبتها لنمو ليليا يومًا بعد يوم.
هزّت رأسها، تقرّر أن تُركّز فقط على معالجةِ جروحه.
كان وضعه أسوأ بكثير مما رأته من خلال المطر.
وبعد لحظة من التردّد، خلعت عنه قميصه الملَطّخ بالدم.
وكما توقّعت، كانت الإصاباتُ على صدرهِ شنيعةً.
جروح كثيرةٌ، بعضها من طعنات وأخرى من شفرات حادّة، وحتى سهَم غائرٌ في الكتَف.
معجزةٌ أنه لا يزال حيًّا.
“آه…!”
“هل استيقظتَ؟”
“…”
“هيه! هل تسمعني؟!”
كاد أن يستعيد وعيه، لكنه أطلق أنينًا خافتًا ثم غاب عن الوعي مجددًا.
عندما بدأت الدماء تنزف من جروحهِ مجددًا، سحبت رنايا منديلًا من جيبها وبدأت تُوقف النزيفَ.
الجروح أسوأ بكثير مما توقّعَت.
كان هذا يتجاوز قدرتها، ويحتاج إلى طبيب.
لكن في قرية لوكل ، لم يكن هناكَ طبيب.
وحتى إن أرادت إحضار طبيَب من القريةِ المجاورة، فالمطر يمنع ذلك.
“… ماذا أفعل؟”
وأثناء تردّدها، بدأت أنفاس الرجل تضعف أكثر.
لقد نزف كثيرًا. وإن تأخّرت أكثر، سيموت فعلًا.
امتلأ المنديل بالدم، وأصبح رطبًا تمامًا.
نظرت إلى الرجل للحظة، ثم عضّت شفتيها وخرجت من المستودع.
وحالما دخلت المنزل وسط المطر، بدأت تفتّش في الأدراج.
جمعت الضمادات القديمة، والأعشاب الطبية، والأدوات الضرورية.
وفجأة، سمعت صوت هيلدي وهي تخرج من الغرفة.
“لقد عدتِ للتو، إلى أين تذهبين الآن؟”
توقّفت رنايا محبوسة الأنفاس، ثم أجابت وهي تتفادى النظر في عينيها.
“رأيتُ طائرًا جريحًا قرب المستودع… ذاهبة لأُعالجه.”
“لماذا لم تحضريه إلى هنا؟ كان يمكن علاجه بسهولة في الداخل.”
“… الطيور تخاف من الناس. شعرتُ أنّه سيكون أكثر راحة في الخارج.”
رفعت رنايا طرف شفتيها بابتسامة مصطنعة، تُخفي توتّرها.
لم تكن تريد أن تكذب، لكنّ قولَ الحقيقة كان مُقلقًا أيضًا.
قرية لوكل قرية منغلقة. لا يُحبّ سكانها الغربَاء.
حتى بعد 6 سنواتٍ، ما زال بعضهَم لا يُرحّب بسيلين لأنها من خارج القرية.
كانت تحييهم، فيردّون بإيماءةٍ باردة أو صوت امتعاضٍ مسموع.
حاولت رنايا مرارًا تحسين العلاقة بين سيلين والقرويين، لكنها فشلت دائمًا، وخصوصًا مع كبار السنّ.
الناس الغرباء قلوبهم سوداءٌ. لا تتعلّقي بهم يا رنايا، حتى لا تصبحي مثلهم.
جملة سمعتها مرارًا منذ كانتَ صغيرةً.
ورغم أن سيلين امرأة ضعيفة لا تؤذي أحدًا، فكيف برجل مجهول الهوية والهيئة؟ من المؤكد أنهم سيرفضونه تمامًا.
‘هيلدي ليست مثلهم، لكن لو علم الآخرون، قد تنتَشر الأخبار بسرعةٍ…’
عيب القرى الصغيرة أنها لا تُبقي سرًّا.
لذا إن أردتَ إخفاء شيء، فإما ألا تفعله، أو تدفنه معكَ إلى القبر.
“سأذهب بسرعةٍ وأعالجهُ. لا تنتظريني، جدتي!”
هربت رنايا من المنزل قبل أن تُفتضح كذبتها، ثم دخلت المستودع وأقفلت الباب بإحكام، وزفرت بعمق.
ثم بدأت تُخرج الأدوات، وبدأت بتعقَيم جروحِ الرجل.
لم تعد متردّدة هذه المرّة، بل كانت حركتها واثقة وحازمة.
‘لا أعرف من يكون… لكن عليّ أن أنقذهُ أولًا.’
لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي بينما يموت شخصٌ أمامها.
أخذت نفسًا عميقًا، ثم بدأت تدهن جروحه بدقّة.
رغم تأوّه الرجل من الألم، وارتجافه أحيانًا، لم تتوقف عن العلاج.
لم تعرف كم من الوقت مرّ، لكنها لاحظت ضوء الشمس بدأ يتسلّل من نافذة المستودع، مع بزوغ الفجر.
وظلّت جالسةً إلى جانبه حتى حينها.
* * *
”أرجوك… سامحني يا سيّدي الشاب…أو لا ، لا تغفر ليَ.”
كانت هذه آخر كلمات سمعها هرديان من أحد أتباعهِ قبل أن يسَقط من فوق الجرف.
وعندما فتح عينيه أخيرًا، كان أوّل ما رآه هو سقفٌ قديم.
كانت عيناه الزرقاوان، كزرقةِ البحر العميق، تتحركان ببطء تتفحّصان المكان.
أغراض متراكمةٌ في الزاوية، غبار يتطاير، شمس تتسرّب من نافذة قديمة، ضمادات نظيفة وأعشاب وأدوية موضوعة بجانبه.
استوعب ما حوله، ثم حاول النهوض.
وفي نفس اللحظة، فُتح فمه لأنّة ألم.
“آه…”
كان جسده ملفوفًا بالضمادات.
ورغم أنه بالكاد تحرّك، إلا أن الدم بدأ يتسرّب من بين لفائف القماش.
‘مَن الذي أنقذني؟’
منذ أن سقط من فوق الجرف، لم يعُد يتَذكّر شيئًا تقريبًا.
وكلّ ما يتبادر إلى ذهنه بصورة متقطّعة هو أنّه ظلّ يمشي بلا هدف، مدفوعًا برغبةٍ يائسةٍ في البقاء على قيد الحياة.
راح هرديان يستعرَض آخر ذكرياته، قبل أن يبتسم بسخريةٍ.
”ليتوجّه هرديان روتشستر حالًا إلى منطقة رونديل في الجنوب، ويكرّس نفسه لإعادة الإعماَر ومساعدة المتضرّرين من الفيضانات.”
كان هذا أمرًا مفاجئًا صدر إليه من ربّ الأسرة، رغم أنه كان يعيش بهدوء في “فِيرماوين”، أقصى نقطةٍ في الشمال.
كان فخًّا واضحًا.
عمّه، الذي قتل والده وتولّى منصب ربّ الأسرة في النهاية، كان يريد الآن التخلص من ابن أخيه أيضًا.
”ما بالكَ يا ميغيل؟ يبدو على وجهكَ وكأنني ذاهبٌ إلى الموت.”
حتى اللحظة الأخيرة قبل المغادرة، كان وجه مساعده ميغيل شاحبًا كالحيوان المُساق إلى المسلخ.
”أنا أعلمُ جيدًا أنّ هذه المهمة فخّ.”
”… هل ستذهبُ رغم أنكَ تعرف أنّها فخ؟”
”هل سبق وأن كنتُ في موضع يسمحَ لي برفضَ الأوامر؟ ثم إنّكَ معي، أليس كذلك؟ فلا داعي للقلق.”
كان ميغيل قد تربّى في بيت آلـ روتشستر منذ أن كان طفلًا صغيرًا، ورافق هرديان طوالَ حياته.
حتى عندما طُرد سيده إلى الشمال بعد خسارته كلّ شيء، ظلّ ميغيل يقف بجانبه، يؤدي دور الدرعَ والسيف بوفاء.
لهذا، لم يكن غريبًا أن يحظى بثقة هرديان العمياءَ.
”لا تقلق، ميغيل. طالما أنّهم يرغبون في موتي، فلن أموت بسهولةٍ.”
لكن رغم كلماتهُ تلك، لم يتخلَّ ميغيل عن تعابير وجهه القلقة.
حينها، لم يُعر هرديان لذلك اهتمامًا كبيرًا.
كان عليه أن يُدرك.
أنّ الفخ الذي نصبهُ عمه… كان ميغيل نفسهُ.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"