كانت تتذكّر ما قرأته عن الولادة عندما كانت تحلم بأنْ تصبح طبيبة، لكن يداها وقدماها كانتا ترتجفان وهي تستعدّ لاستقبال الطّفل.
كان من الصَّعب حتّى ابتلاع ريقها من التوتّر.
عندما اشتدَّت الآلام، كانت سيلين في حالةٍ شبيهةٍ بالإغماء.
“واآآ!”
بعد اثنتي عشرة ساعة طويلة، أنجبت سيلين فتاةً جميلة.
بكت الطّفلة بصوتٍ عالٍ فور خروجها إلى العالم.
نظَّفت رنايا جسدها، لفَّتها بقماش، ووضعتها في حضن سيلين المرهقة.
نظرت سيلين إلى الطّفلة بعيونٍ متعبة وذرفت الدّموع.
في ذلك الوقت، ظنَّت رنايا أنَّها دموع الفرح.
بعد سنوات، وبعد أنْ هربت سيلين، أدركت الحقيقة.
لم تكن تبكي فرحًا برؤية طفلتها.
كانت سيلين تبكي لأنَّ رؤية طفلتها الجميلة ذكَّرتها بزوجها المكروه.
لو عادت إلى الماضي… أو لو التقت بسيلين مجدَّدًا، كان لدى رنايا شيءٌ واحدٌ تريد قوله.
حتّى لو لم تكن ملامح ليليا تشبهها، فإنَّ قلبها الرّقيق الذي يتأذَّى بسهولة، ووجهها المشرق الذي لا يمكن إبعاد العين عنه، كانا نسخةً طبق الأصل من والدتها.
ركضت رنايا تحت المطر كالمجنونة.
اكتشفها هيرديان، الذي كان يستعدّ لمغادرة القرية، واقترب منها بوجهٍ مندهش.
“رنايا، المطر يهطل، إلى أين أنتِ ذاهبة”
“…ليليا اختفت.”
“…؟”
“أرجوكَ… ساعدني في العثور على ليليا. أرجوكَ…”
* * *
خرج أهل القرية كلّهم للبحث عن ليليا تحت المطر. لكن عندما لم يأتِ أيّ خبر، فقدت رنايا صوابها.
فكرة أنَّها قد لا ترى طفلتها مجدَّدًا جعلتها تشعر وكأنَّ روحها تُنتزع منها.
“…ايا.”
“…؟”
“…رنايا!”
أمسك هيرديان كتفي رنايا بقوَّة وهي تقف مذهولة تحت المطر.
عندها فقط عادت الرّوح إلى عينيها الخضراوين.
لم تكن تبكي. كان المطر يتدفَّق على خدّيها، لكن هيرديان ظنَّ أَّنها تبكي.
“انتبهي. كيف تكونين هكذا وأنتِ الأم؟ يجب أنْ نجد الطّفلة.”
“…لا أراها. بحثتُ في الأماكن التي تذهب إليها عادةً… لكنها ليست في أيّ مكان…”
“ابحثي مرَّةً أخرى. سأذهب إلى الغابة. لا تفكّري في التّسلل ورائي.”
“…؟”
“ستكون بخير. ثقي بي. إذا لم تثقي بي، ثقي بذكاءَ تلكَ الطّفلة.”
لم تكن هناك ذرّة اهتزاز في عيني هيرديان.
لم تكن رنايا في حالةٍ تتيح لها الحكم إنْ كانت كلماته مجرَّد مواساة أم أنَّه واثقٌ حقًّا من أنَّ ليليا بخير.
بعد ذلك، عادت رنايا كالمسحورة لتتبع الطّرق التي سلكتها بحثًا عن الطّفلة.
لم يجرؤ أحدٌ من أهل القرية على التحدّث إليها بسبب حالتها غير المعتادة.
“…يجب أنْ أجدها. ليليا تنتظرني.”
كانت ليليا شجاعةً بطبيعتها.
تضحك كثيرًا، تأكل جيّدًا، وتلعب بحيويّة، وكأنَّها نسيت ما حدث قبل عامين تمامًا.
لكن رنايا كانت تعلم. لم تكن ليليا قد نسيت، بل كانت تخفي ذلك في أعماق قلبها.
إذا تُركت وحدها، ستعود تلك الذّكريات لتطاردها وتسبّب لها الألم.
“…لأنّني كنتُ كذلكَ في طفولتي.”
عندما كانت وحيدة، كانت تغرق في التفكير بوالديها اللذين لا تتذكّرهما، متسائلةً لماذا تخلّيا عنها.
ماذا فعلت كطفلةٍ رضيعة لتُحرم من بركة والديها؟
هل ندم والداها على تخلّيهما عنها؟
أدركتْ لاحقًا أنَّ هذه الأفكار لا فائدة منها.
لكن في طفولتها، لم تكن تعرف ذلك.
لذلك، كان عليها إنقاذ ليليا قبل أنْ تغرق في أفكارٍ سيّئة. قبل فوات الأوان.
* * *
هربت ليليا من اللصوص ووجهها شاحبٌ كالأموات.
ضحك رجلان ضخمان وهما يطاردان الطّفلة التي كانت تهرب بيأس.
أغلقت عينيها بقوَّة عندما تردَّد صوت ضحكاتهم في أذنيها.
“…آه!”
انزلقت على الطّريق المبلّل وسقطت مرارًا.
كانت ملابسها الجميلة ملطّخةً بالطّين منذ زمن.
نهضت ليليا متعثرةً وركضت مجدَّدًا، لكن سرعتها تباطأت.
“الصَّغيرة سريعةٌ في الرّكض! توقّفي عن المعاناة وتعالي معنا.”
لم يكن لدى اللصوص نيّة إعادة طفلةٍ رأت وجوههم إلى القرية.
كانوا يخطّطون لإعادة التجمّع في الجبل ونهب القرية القريبة.
أدركت ليليا غريزيًّا أنَّها إذا أُمسكت من قِبلهم، قد لا ترى والدتها مجدَّدًا.
لذلك، هربت بيأسٍ أكبر.
“هل أنا أعُاقبُ لأنّني ارتكبتُ شيئًا سيّئًا…؟”
“آه!”
هذه المرَّة، سقطت بقوَّة أكبر. عندما حاولت النهوض، شعرت بألمٍ في كاحلها منعها من الحركة.
زحفت الطّفلة ببطء، اتّكأت على شجرةٍ قريبة، وأمسكت غصنًا سقط على الأرض ووجهته نحوهم.
“إذا اقتربتم، سأضربكم بهذا!”
“يا إلهي، مرعبٌ جدًّا. هل ستضربيننا بهذا؟ هيّا، اضربي!”
سخر اللصوص من الطّفلة المذعورة.
“ابتعدوا عن ليليا!”
صرخت ليليا وهي تغلق عينيها بقوَّة.
في تلك اللحظة، توقَّفت الضّحكات، وتبعتها أصوات اختناق.
قبل أنْ تفتح عينيها، سمعت صوتًا مألوفًا.
“إذا كنتِ فتاةً طيّبة، أبقي عينيكِ مغلقتين.”
“…سيدي؟”
أمسك هيرديان برقبة أحد اللصوص بيده اليسرى ونظر إلى الخلف.
كانت ليليا مغلقة العينين بطاعةٍ.
بسهولة، كسر رقبة اللصّ وألقاه على الأرض.
عبس اللصّ المتبقّي بغضب.
“كيف تجرؤ، أيّها الوغد…!”
رنَّ صوت اصطدام المعدن. تردَّدت أصوات مخيفة من السيوف وهي تتصادم.
لوّح هيرديان بسيفه بيده اليمنى، لكنَّه عبس من ألم معصمه.
استغلَّ اللصّ الفرصة واندفع نحوه بعنف.
لكن هيرديان دار بسرعة، متجنّبًا مسار اللصّ، وأمسك برقبته.
“…آه!”
اخترق صوت الأنين صوت المطر.
ارتجفت ليليا من الرّعب، مدركةً ما يحدث أمامها رغم عينيها المغلقتين.
توقَّف صوت أحد الرّجال بعد الأنين.
نادت ليليا هيرديان بحذر.
“…سيدي؟”
“استمرّي في إغلاقِ عينيكِ.”
“…حسنًا.”
اقترب هيرديان وحمل الطّفلة على ظهره.
عندما لم تعد الجثث المتناثرة على الأرض مرئيّة، سمح لها بفتح عينيها.
فتحت ليليا عينيها ونظرت إلى الظَّهر الغريب الذي يحملها.
كان مختلفًا عن ظهر والدتها، أكثر صلابة، لكن الدّفء كان متشابهًا.
“…شكرًا لإنقاذكَ لي، سيدي.”
“بالأمس، وهناك القابٌ مثل سيّد القرية، وعمّ، لماذا أخترتيَ سيدي ورجلٌ سيءٌ على وجه التّحديد؟”
“لأنَّكَ تحاول التودّد إلى ماما.”
توقَّفت خطوات هيرديان فجأة.
التودّد؟ هل هذه كلمةٌ يستخدمها طفلٌ في السابعة؟ فكَّر بجدّيّة.
“أيّ كتبٍ تقرئينها لتتعلمي هذه الكلمات؟”
“أقرأ كتب الصّور.”
“…كتب الصّور؟”
يبدو أنَّ هناك كلّ أنواع كتب الصّور في العالم.
هزَّ هيرديان رأسه وواصل المشي.
أسندت ليليا خدّها على ظهره المتين وتمتمت:
“…هل كانت ماما تبحث عني كثيرًا؟”
“نعم.”
“هل ستغضبُ؟”
“على الأرجحِ.”
“…هل سَتكرهني ماما؟”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات