في قرية ريفية تُدعى لوكلير، لا يأتي إليها أحدٌ، والكلّ يرحلُ عنها.
لا يوجد سكّان جدد، ولا تُحترمَ الخصوصيةُ.
في هذه القريةِ المنعزلةِ التَي ندرَ فيهِا وجوَد الشباب، انتقلت إليها شابةٌ صغيرة غريبةٌ للجميع منذُ فترةٍ.
بالنسبهِ لرنايا المزارعةُ ، لم يعني الأمرُ الكثير.
وفي الوقت الحالي، نهضتَ رنايا من مكانها لتنفّذ الفكرةَ التي خطرت في ذهنها.
‘لم تكن تلك فكرةً سيئة.
إذا سارت الأمور على ما يُرام، فسأتمكّن من حماية مزرعة التفاح.’
وفي تلك اللحظة، سمعت حوارًا مريبًا يصدر من خارج غرفة الاستراحة.
“لِـ… لماذا تفعل هذا…؟”
“كنتِ تحدّقين بي منذ قليل. أليس لأنّكِ أردتِ التحدث معَي؟”
“أ… أبدًا، ليس كذلك. أرجوكَ، اترَكني…!”
اتّسعت عينا رنايا غضبًا، فأمسكت بصندوقَ تفاح كان مُلقى في الجوار، ثمّ هرعت خارج الغرفة.
أمسكت بمعصم الرجل الذي كان يتحرّش بيدِ سيلين، ثمّ هوَت بالصندوق على رأسه.
“أيّها اللعين المعتوه!”
‘لو اشتعلت النار في مزرعة التفاح خاصّتي، هل ستتحمّل أنت المسؤولية يا وغد؟!’
الفصل 1 – أصبحتُ أُربّي طفل البطلة الهاربة
لا يأتي أحد إلى هذه القرية، ولا يبقى فيها إلّا من لم يجد سبيلًا آخر.
قرية لوكلِ ، كما ينادوهَا، مكانٌ ناءٍ لا يُحترَم فيه أدنِى قدرٍ من الخصوصيّةِ.
واليوم، في هذا الركن المهَجور الذي ندِر فيهِ وجودَ الشباب، جاءتَ شابةٌ صغيرةٌ.
كانت رنايا تحدّق بدهشةٍ في الشابة الجميلةَ التي تبدو في مثل عمرها.
لقد كانت مذهولة تمامًا، ولم تستطع إخفاء ملامح البلاهة التي ارتسمَت على وجهها، إذ لم يسبقَ لها أن رأت فتاة بهذا الجمال من قبل.
“آنسة غريويل، أرجو من الجميع أن يستقبلوها بحفاوةٍ.”
بهذه الكلمات، قدّم العمدة هوفارد الشابَة سيلين غريويل إلى أهل القرية.
شعر حالك كسواد الليل، وعينان بلون الذهب.
بشرة شاحبة كأنّها لم تتعرّض للشمس قطّ، وملامح دقيقة ومنسّقة تشدّ الأنظار.
“مرحبًا بكم، أنا سيلين غريويل. أرجو أن أتلقّى منكم رعايةً طيّبة.”
صوتها العذب كان يشبه خرير الماء بجوار جدول صغير.
انحنت بعمق وهي تلقي تحيّتها، فرنّ صوتها الرقيق في أذن رنايا.
كانت رنايا قد صعدَت سلّمًا لقطف التفاح، وحين انتبهت متأخرة، احنت برأسها ردًّا على التحية.
وفي اللحظة نفسها، أطلقت سيلين ابتسامةً لطيفةً.
رغم بلوغها سنّ الرشد هذا العام، لم تكن رنايا تهتمّ بمظهرها أبدًا.
فهي تقضي وقتها كله في الحقول، ولم يكن هناكَ مجالٌ للاهتمام بالشكل أو الأناقةَ.
لكنّها أمام هذا الجمال الباهر، شعرتَ فجأةً بعدم الثقةِ في مظهرها المليء بالغبارِ.
شعرها الجافّ كالتبن كان غارقًا في العرقِ بالتأكيِد.
“حسنًا، آنسة غريويل، تفضّلي من هذا الطرَيق. سأُعرّفك على باقي سكّان القرية.”
ألقى العمدة تحيّة سريعة للعمّال العاملين في المزرعة، ثمّ مضى بصحبة سيلين.
وحين ابتعدا، استأنف بعض القرويين حديثهم المتوقّف بتذمّر:
“من يدري من تكونَ تلك المرأة؟
كيف نسمح بدخولها إلى القرية بهذه البساطة؟
ما الذي يفكّرُ فيهٌ العمدةُ؟”
“جسدها هزيل. يبدو أنّها لا تصلح للعمل في الحقولِ أصلًا.”
لم يُرحّب السكّان كثيرًا بالغريبةِ الجديدةَ.
فالقرية بطبيعتها مغلقة ومنعزلة، ومن الطبيعي أن يُظهر أهلها انزعاجًا من أيّ وافد جديد.
ثم فجأة، وكأنّهم اتّفقوا على ذلك، وجّهوا جميعًا أنظارهم نَحو رنايا.
كانت تراقب سيلين وهي تبتعدُ، وحين أحسّت بالأنظار، ابتسمت ابتسامة مرتبكةً.
“… حسنًا، لنترك الأمر للعمدة. دعونا نتاَبع عملَنا.”
تفرّق الناس وواصلوا أعمالهم، وبقيت رنايا تحدّق للحظة، ثمّ حكّت رأسها بتردّد.
كانت تدرك سبب نظراتهم جيدًا.
الغريبة.
نعم، فقد كانت يومًا تُوصف بذلكَ أيضًا.
لكنّه ماضٍ قديم طواهُ النسِيان.
وبينما كانت على وشك العودةَ إلى العمل وسط ذلك الجوّ الحرج، سمعت تنهيدة من السيّدة لوسون وهي تنقلَ صناديق التفاح.
“ما الأمر، عمّتي؟”
سألتها رنايا من أعلى، فتنهدّت السيّدة وقالت:
“تبدو حال تلك الفتاة مؤسفةً حقًا.”
“هل تعرفينها؟”
“لا، لكنّ الأمر واضح كوضوح الشمس. ألم تلحظيَ شيئًا يا رنايا؟”
“ماذا تقصدين؟”
أجابت المرأة بثقة:
“يبدو أنّها حامل.”
“حامل؟!”
“حين انحنت قبل قليل، كانت تضع يدها على بطنها.”
هل فعلتَ؟
لقد كانت رنايا مبهورةً بجِمالها لدرجة أنها لم تنتبهَ لأيّ حركة أخرى.
“ربّما كان بطنها يؤلمها فحسَب.”
“أنتِ لم تحملي من قبل، لذا لا تعرفيَن.
حين تَحملُ المرأة، فالأمر يَظهر لا محالة.”
“…”
“تبدو في نفس عمركِ تقريبًا. ألَا تفكرين في الزواج؟”
“لماذا تغيّرين الموضوع فجأةً؟”
“يا لهذه الفتاة! ألا يَحقّ لي أن أسأل؟”
ضحكت السيّدة لوسون بصوتٍ خافتٍ.
فمنذ أن بلغت رنايا سنّ الرشد، لم تفوّت فرصةً دون أن تفتحَ معها موضوعَ الزواج، بل وأظهرت نواياهاَ بوضوح حين أرادت تزويجها لابنها المغترِب.
“هل تُحبّين أحدًا في القرية؟”
أدارت رنايا رأسها بانزعاج.
كلّ من في القرية من كبار السن، عن أيّ حبٍّ تتحدّث؟
“لا يوجدُ أحدٌ.”
“ولا تفكرين في الرحيل؟”
أغلب مَن هم في مثل سنّ رنايا غادروا القرية فور بلوغهم.
فالعيش هنا طيلةَ الحياة ليس بالأمر السهل.
رنايا أيضًا فكّرت في الأمر مرارًا، لكنّها لم تستطع المغادرة لسببَين:
أوّلًا، لا يمكنها ترك جدّتها هيلدي وحدها.
وثانيًا، لأنّها ورثت مسؤولية إدارة مزرعة التفاح خلفها.
“… لا. لن أذهبَ إلى أيّ مكان.”
أجابت وكأنّها لا تبالي، ثمّ واصلتَ العمل.
وحين شعرت لوسون بعدم رغبتها في مواصلةِ الحديث، انسحبت وهي ترتسمُ على وجهها نظرةٌ حزينةٌ.
قطفت رنايا تفاحةً ناضجة وهي تغرق في أفكارها.
‘لماذا تأتي فتاة بهذا الجمال، وهي حاملٌ، إلى قريةٍ منعزلةٍ كهذه؟’
هذا السؤال لم يغادر عقلها حتّى بعد انتهاءِ العملِ.
عند غروب الشمس، تناولت العشاء مع جدّتها هيلدي.
شوربة الفاصولياء الساخنة وفطيرةُ التفاح الحلوةَ أبهجتا حواسها.
“الفتاة الجديدة في البيت المجاور، تبدو لطيفة جدًا.”
“بيتنا المجاور؟”
“نعم. تعلمين مَن انتقل إليه؟”
“رأيتُها في النهار قليلًا.”
كان المنزل المجاور فارغًا منذ عشر سنوات، منذ رحيل الزوجَين الشابَّين.
رنايا التي نسيت وجود هذَا البيت، اتّسعت عيناهَا دهشةً.
‘القرية مليئة بالمنازل المهجورة، لماذا اختارت بيتنا بالذات؟’
“لقد جاءت لتحيّتنا قبل قليل. أظن أنّ اسمها كان… غِرينا؟”
“ليس غِرينا، بل سيلين غريويل.”
“آه، صحيح. غريويل.
من الجيّد أن يكون في القريةِ من هو في سنّكِ.
بل إنها في الجوار، فلتتقاربي معها إن استطعتِ.”
“أممم… نعم. إن سمحتَ الفرصةُ.”
أجابت ببرود، ووضعت قطعة من الفطيرة في فمها.
كانت مشغولةً.
وستظلّ مشغولةً كثيرًا في الفترة القادمة.
فهذا وقت الحصادِ، وهي وريثة المزرعة، والانشغال واجبٌ لا مفرّ منه.
‘لا بأس. ستعيش بطريقتها، ولا داعي لأن أهتمّ بها.’
هكذا فكّرت رنايا بإخلاص.
في اليوم التالي، وأثناء العمل، سقطت تفاحةٌ من الأعلى على رأس رنايا، فأغمي عليها.
وبشكلٍ مفاجئٍ، استعادتَ ذكريات حياتهَا السابقةِ.
“رنايا! هل أنتِ بخير؟!”
“هل تعرفيننا؟!”
أطلق القرويون، وعلى رأسهم السيّدة لوسون، أنفاسَ ارتياح حين أفاقتَ.
فتحتَ رنايا عينيها ببطءٍ.
“عمّتي… ما اسم المرأة التي انتقلت للبيت المجاور؟”
“ماذا؟ لما هذا السؤَال؟”
“أرجوكِ، أجيبي. ما اسمها؟”
“كان… سيلين غريويل، أليس كذلك؟
لكن هل رأسكِ بخير؟”
آه… ليتها لم تكن كذلك.
تنهدّت رنايا بعمق، وغطّت وجهها بكلتا يديها.
سيلين غريويل.
كانت بطلةَ رواية قرأتها في حياتها السابقة.
بل إنّ اسم الرواية كان سيلين غريويل نفسه.
تبدأ الرواية حين تهرب سيلين، التي أُجبرت على زواج سياسي من عائلة كونت، وهي حامل.
زوجها كان وريث عائلة روتشستر، ذو طبعٍ بارد، جرَحها بقسوتهِ، ولم يشعر بالندم إلا بعد فوات الأوان..
سيعثر الكونت الصغير روتشستر على سيلين عندمَا يبلغ طفلهما السابع من العمر.
ولأنّ الطفل لم يُولد بعد الآن…
فهذا يعني أنّ ذلك سيحدثُ بعد ثماني سنوات من الآنَ.
“ما بكِ يا رنايا؟ هل يؤلمكِ رأسكِ كثيرًا؟ هل أستدعي الطبيب؟”
“… لا، لا داعي. أشعر بدوارٍ فقط. هل يمكنني أن أرتاح وحدي قليلًا؟”
“طبعًا، هذا الأفضل. إن احتجتِ شيئًا فأخبريني.”
تركها القرويون وحدها في غرفة الاستراحة القديمة ذات الجدران المهترئة والمدعّمة بالألواح الخشبية.
وحين خيّم الصمت على المكان، رفعت رنايا الجزءَ العلوي من جسدِها وأطلقت زفرةً عميقةً.
بعد ثماني سنوات، وعندما يجد الكونت الصغير زوجته وابنه، سيُشعل النار في قرية لوكلِ دون أن يُبدي ذرّة رحمة.
والسبب أنّ السكّان أخفوا سيلين، بل وتعمّدوا إيذاءهِا.
في الرواية، كان أهل قرية لوكلِ لا ينظرون إلى سيلين بعينَ الرضِى.
فالقرية محافظة إلى درجةٍ كبيرةٍ، ونظرتهم إلى الأمهات غير المتزوجاَت كانت مليئة بالتحامِل، ناهيكَ عن أنّ جسدها الهزيل لم يكن يصلح للعمل في المزارع.
وبعد أن نفدت أموالها ولم تتمَكن من إيجاد مصدرِ رزق، بدأت تطلب المساعدة من جيرانها رغم الخجل.
كانت تقول دومًا:
“أنا بخير، فقط… أرجوكم، أطعموا طفلتي.”
لكن لا أحدَ في القريةٌ مدّ يد العون للأم وابنتها، رغَم حالتهما البائسة.
‘صحيح أنّني لم أكن من الذين تعمّدوا إخفاءها، لكنّني من الصنف الثاني… ولا أعذرُ نفسي.’
بعد مرور ثماني سنوات، افقد أنا ساكنة القرية رقمُ 1 صاحبة مزرعة التفاح في لحظةٍ واحدة، وأتحوّلُ إلى مفلسةٍ تتنقّل مع جدّتها من منطقةٍ إلى أخرى حتى تلقَى حتفها.
ساكنة القرية رقمُ 1 ، تلكَ التي لم يُذكر اسمها مرّة واحدةً في الرواية، كانتَ أنا.
رنايا فيليت.
‘هل أُرسلُ لـ عائلة روتشستر فورًا؟
أُخبرهم بأنّ زوجته موجودةٌ هنا، وأطلبُ منهم أن يأخذوها مقابَل ألا يمسّوا القرية بسوءٍ؟’
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 1"