“ليليا، لا تُفْلِتي يدَ العمّة أبدًا، حسنًا؟”
“نعم!”
أجابتْ ليليا بصوتٍ عالٍ، وهي تُمسِكُ بيدِ رنايا باليسرى، وبيدِ سيلين باليمنى بقوةٍ.
لماذا لَمْ تُذكُر هذه الطفلةُ، التي تبدو سعيدةً إلى هذا الحدّ، في الرّواية ولو لمرةٍ واحدةٍ أنّها تودُّ الخروجَ من القرية؟
منذ لحظةِ دخولها السّوق، بدا التّوتّرُ واضحًا على سيلين، لكنّها لَمْ تَعُدْ خائفةً كما كانتْ من قبلُ.
عندما مرّوا بمدخل السّوق، وأصبح الزّحامُ يزدادُ، توقّفَ السّكانُ الذين كانوا يسيرونَ أمامهم للحظةٍ، ونظروا إلى الخلفِ.
“سنتكفّلُ بشراءِ ما نحتاجُهُ من السّوق، فاصطحبي رنايا الطّفلةَ، ودعيها تنظرُ.”
“لدينا الكثيرُ لنشتريه اليومَ… ألا يُفضّلُ أنْ أذهبَ معكم؟”
“لا بأسَ بهذا القَدْرِ.
الطّفلةُ سعيدةٌ هكذا، فإذا تابعَتْنا نحن العجائزَ فقط، فلنْ تَستمتعَ.
وأنتِ أيضًا يا أمّ الطّفلة، تنفّسي الصّعداءَ طالما خرجتِ.”
سيلين، التي كانتْ تستمعُ بهدوءٍ، بدَتْ مندهشةً بعيونٍ متسعةٍ.
“…حسنًا. شكرًا لكم.”
شعرتْ سيلين بالحرجِ من لطفِ السّكانِ.
بعد ستّ سنواتٍ، بدأتِ المسافةُ بينها وبينهم تتقلّصُ تدريجيًا، لكنّ التأقلمَ سيستغرقُ وقتًا على ما يبدو.
‘ومع ذلك، هذا تقدّمٌ كبيرٌ.
إذا تذكّرتُ عندما جاءتْ سيلين إلى القريةِ لأوّل مرةٍ…’
أدارتْ رنايا رأسَها قليلًا لتمسحَ دموعَ التأثّرِ خلسةً.
ثمّ نظرتْ إلى السّكانِ وهم يبتعدونَ، وهزّتْ يدَ ليليا بلطفٍ.
“ما دمنا هنا، يمكننا شراءُ ملابسَ لليليا أيضًا.”
“ليليا تحبُّ كلّ شيءٍ!”
ليليا، التي كانتْ هادئةً مقارنةً بأقرانها عادةً، تصرّفتْ اليومَ كطفلةٍ في سنّها.
لو علمتْ رنايا أنّها ستفرحُ إلى هذا الحدّ، لكانتْ أحضرتْها من قبلُ.
اصطحبتْ رنايا سيلين وابنتَها إلى متجرٍ مختصٍّ بملابسِ الأطفالِ.
عند دخولهم المتجرَ المليءَ بالإكسسواراتِ الصّغيرةِ الجميلةِ، اتّسعتْ عينا ليليا كأنّ زلزالًا ضربَهما.
“أهلًا بكم!
أوه، يا لها من طفلةٍ صغيرةٍ رائعةٍ!”
خرجتْ صاحبةُ المتجرِ من الدّاخلِ، ورحّبتْ بالثّلاثةِ بحرارةٍ، ولم تتمكّنْ من إبعادِ عينيها عن ليليا.
كانتْ متأكّدةً أنّها أجملُ طفلةٍ رأتْها مؤخرًا.
“هل لديكِ ملابسُ تناسبُ الطّفلةَ؟”
“يبدو أنّ كلّ الملابسِ ستناسبُ هذه الصّغيرةَ!
أيّ نوعٍ من الملابسِ تحبّين يا صغيرتي؟”
عندما سألتْ صاحبةُ المتجرِ، نظرتْ ليليا إلى رنايا بحيرةٍ.
كان طبيعيًا أنْ تشعرَ بالحرجِ في مكانٍ تزورهُ لأوّل مرةٍ.
“هل تريدينَ يا ليليا أنْ تختاري ما يعجبكِ؟
سأنتظرُ أنا وأمّكِ هنا.”
“…لا تتركيني يا ليليا.”
“بالطّبعِ.
لنْ أذهبَ إلى أيّ مكانٍ بعيدًا عن عينيكِ.”
“حسنًا!”
بدأتْ ليليا، التي كانتْ متوترةً، تبتسمُ بإشراقٍ، وتبعتْ صاحبةَ المتجرِ لتتفرّجَ على الملابسِ.
اتّكأتْ رنايا على أريكةٍ قريبةٍ بارتياحٍ.
شعرتْ بألمٍ في جسدها بعد توتّرٍ لم تدركْهُ أثناءَ المشيِ.
جلستْ سيلين بجانبها بحذرٍ، وهمستْ بصوتٍ خافتٍ لا يسمعهُ صاحبُ المتجرِ:
“…رنايا، أليسَ هذا المكانُ باهظًا؟”
…نعم، هو باهظٌ.
ربّما تكلّفُ ثوبٌ واحدٌ للطفلةِ ما يعادلُ ثلاثةَ أثوابٍ مما ترتديهِ رنايا.
لكنّ قلبَ العمّةِ الذي يريدُ أنْ يرى ليليا بملابسَ جميلةٍ، لا يمكنُ أنْ يتوقّفَ بسببِ المالِ.
“لديَّ بعضُ المالِ المُدّخرِ لهذه المناسبةِ، فلا تقلقي.”
“لكن…”
“فكّري في الأمرِ كهديّةٍ تحملُ رغبتي في أنْ نبقى على وفاقٍ في المستقبلِ.”
“…”
تمتمتْ سيلين بشفتيها، ثمّ زفرتْ.
شعرتْ أنّه من المتأخرِ التراجعُ الآنَ، بينما ليليا سعيدةٌ إلى هذا الحدّ.
بعد أنْ تجوّلتْ ليليا في المتجرِ طويلًا، اختارتْ فستانًا أخضرَ فاتحًا، وآخرَ أصفرَ.
على الرّغمِ من اختلافِ الألوانِ والتصاميمِ، بدَتْ الطّفلةُ رائعةً في كليهما كما قالتْ صاحبةُ المتجرِ.
“كمْ المجموعُ؟”
بينما كانتْ رنايا تبحثُ عن محفظتها في جيبِ كمّها، سقطَ شيءٌ مع المحفظةِ على الأرضِ.
توقّفَ الجسمُ الصّغيرُ عند قدمَيْ سيلين بعد أنْ تدحرجَ.
التقطتْهُ سيلين باستغرابٍ.
“…زرّ؟”
“آه، شكرًا لأنكِ التقطتِهِ.”
كان زرًّا تلقّتْهُ رنايا من هير كمكافأةٍ.
لقد أعطاها إيّاهُ لتبيعهُ، وتستخدمَ ثمنَهُ للمعيشةِ، لكنّها لَمْ تستطعْ بيعَهُ.
على أيّ حالٍ، هو شيءٌ من صديقٍ، ولَمْ تكنْ بحاجةٍ للمالِ إلى درجةِ بيعِ زرٍّ.
“لا يبدو أنّهُ من ملابسكِ…”
“التقطتُهُ صدفةً.
مادّتُهُ بدَتْ غريبةً بعضَ الشيءِ.”
“حقًّا؟”
هل كانَ تخيّلًا أنْ بدا وجهُ سيلين مظلمًا؟
أخفتْ رنايا الزّرَّ بسرعةٍ في جيبها، وفتحتْ محفظتَها.
أصبحتِ المحفظةُ، التي كانتْ ممتلئةً نسبيًا، خفيفةً في لحظةٍ.
بعدَ انتهاءِ تسوّقِ ملابسِ ليليا، تجوّلوا وتناولوا بعضَ الطّعامِ الخفيفِ.
بعدَ الظّهيرةِ، ازدادَ الزّحامُ في السّوقِ، إذْ بدا الجميعُ مشغولينَ بتحضيراتِ مهرجانِ الحصادِ.
“عمّتي، ما هذا؟”
“آه، هذا… هذا…”
كانتْ ليليا، التي زارتِ السّوقَ لأوّل مرةٍ، مليئةً بالفضولِ.
كلُّ شيءٍ كانَ مثيرًا لها، فأشارتْ إلى هذا وذاكَ وسألتْ عنهما.
حاولتْ رنايا الإجابةَ بإخلاصٍ لإشباعِ فضولِ الطّفلةِ.
في تلكَ اللحظةِ، وقعتْ عينا رنايا على رجلٍ أشقرَ يمرُّ بجانبهم.
‘آه، أشقرُ.’
تعلمُ رنايا أنّ العالمَ مليءٌ بالشّقرِ.
ليسَ في قريةِ لوكلير فحسبُ، بل في القريةِ المجاورةِ، يكفي أنْ تديرَ عينيكَ لترى أشخاصًا شقرًا.
ومع ذلكَ، كانتْ عيناها تتبعانِ الرّجالَ الشّقرَ دونَ إرادةٍ منها.
‘…هير، هلْ عادَ إلى العاصمةِ الآنَ؟’
كمْ كانَ سيكونُ جميلًا لوْ ودّعتْهُ وداعًا لائقًا قبلَ رحيلهِ.
ذكرياتُها الأخيرةُ معهُ مليئةٌ بالأسفِ.
“عمّتي؟”
“ماذا؟ لا شيءَ.
هلْ تريدينَ شيئًا آخرَ تأكلينَهُ يا ليليا؟”
“أريدُ تجربةَ هذا!”
أشارتْ ليليا إلى متجرِ حلوىً يتجمّعُ حولهُ الأطفالُ.
بينما كانتْ رنايا تتّجهُ إلى هناكَ، توقّفتْ سيلين، التي كانتْ تتبعهم، فجأةً.
“…أنا آسفةٌ حقًا، لكنْ هلْ يمكنكِ الاعتناءُ بليليا قليلًا؟”
“لا بأسَ، لكنْ ما الّذي حدثَ؟”
“يبدو أنّ الطّعامَ لَمْ يناسبني.
أشعرُ باضطرابٍ في معدتي…”
أدركتْ رنايا حينها أنّ سيلين تبدو شاحبةً.
كانتْ بخيرٍ تمامًا في المتجرِ، لكنّها الآنَ تبدو كأنّها على وشكِ الانهيارِ.
شعرتْ رنايا بالأسفِ لأنّها ركّزتْ على ليليا ولم تلحظْ حالةَ سيلين.
“ألا يُفضّلُ أنْ تذهبي إلى الطّبيبِ؟”
“ليسَ إلى هذا الحدّ. أرجوكِ، فقط لبضعِ دقائقَ.
ليليا، لا تبتعدي عن عمّتكِ أبدًا.”
“حسنًا… عودي بسرعةٍ يا أمي.”
ربّتتْ سيلين على رأسِ ليليا وغادرتْ.
بدا ظهرُها وهي تبتعدُ وكأنّها على وشكِ السّقوطِ.
أعطتْ رنايا ليليا مصّاصةً، وتجوّلتْ بالقربِ من المكانِ.
لمْ تُرِدْ أنْ تبتعدَ كثيرًا لئلّا تفوتَها سيلين.
لكنْ بعدَ أكثرَ من نصفِ ساعةٍ، لَمْ تَعُدْ سيلين.
اقتربَ السّكانُ، الذين انتهوا من التّسوّقِ، من رنايا وسألوها:
“أينَ أمّ الطّفلةِ؟
لماذا أنتما وحدكما؟”
“قالتْ إنّها تشعرُ باضطرابٍ في معدتها وغادرتْ قليلًا.
كانَ يجبُ أنْ تعودَ الآنَ، لكنْ هذا غريبٌ.”
“حقًا؟ يجبُ أنْ نغادرَ الآنَ، هذه مشكلةٌ.”
هلْ ضلّتْ سيلين الطّريقَ؟
السّوقُ ليسَ كبيرًا جدًا، لكنْ بما أنّها المرّةُ الأولىُ لها، فقدْ يكونُ ذلكَ محتملًا.
“اعتنوا بليليا قليلًا.
سأذهبُ للبحثِ عنها.”
طمأنتْ رنايا الطّفلةَ أنْ تنتظرَ قليلًا، وتوجّهتْ نحوَ المكانِ الذي ذهبتْ إليهِ سيلين.
إذا كانتْ تنوي التّخلّصَ من اضطرابِ معدتها، فمنَ المؤكَّدِ أنّها ذهبتْ إلى زاويةٍ ما.
وهكذا، دخلتْ رنايا زقاقًا، فلمحتْ ظهرَ منْ كانتْ تبحثُ عنها.
كانتْ سيلين جالسةً على الأرضِ القذرةِ، شعرُها الأسودُ الطّويلُ متدلٍّ.
بينما كانتْ رنايا على وشكِ مناداتها، سمعتْ صوتَ بكاءٍ خافتٍ.
“هَكْ… هَكْ، أُوكْ، أُوكْ…”
كانتْ تبكي وتتقيّأ في الوقتِ ذاتِهِ.
في لحظاتٍ، أصبحتْ حالةُ سيلين سيّئةً للغايةِ.
لا يمكنُ أنْ يكونَ مجرّدُ اضطرابِ معدةٍ قدْ جعلَها تبكي بهذا الحزنِ.
شيءٌ ما قدْ أثارَ جرحًا داخلَها.
‘…’
لمْ تتمكّنْ رنايا من الاقترابِ منها بتهوّرٍ.
كانتْ تعلمُ أنّ أيّ كلامٍ لن يُهدّئَها.
لكيلا تُلاحَظْ، اختبأتْ رنايا خلفَ جدارٍ.
شعرتْ بثقلٍ في قلبِها، كما شعرتْ عندما كانتْ سيلين على وشكِ مغادرةِ القريةِ.
‘…سيلين لَمْ تتغلّبْ بعدُ على جرحِها من البطلِ.’
يبدو أنّ سيلين رأتْ الرّجلَ الأشقرَ أيضًا.
وإلّا، فكيفَ يُفسَّرُ أنّها تذكّرتِ البطلَ فجأةً وبكتْ؟
على مدى ستّ سنواتٍ، رأتْ رنايا سيلين تعتني بليليا بحبٍّ، فظنّتْ أنّ جرحَها بدأ يلتئمُ تدريجيًا.
لكنّ الجرحَ لَمْ يلتئمْ، بلْ كانَ مخفيًا فحسبُ.
كانتْ سيلين لا تزالُ تعاني من الألمِ ذاتِهِ الّذي شعرتْ بهِ آنذاكَ.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 18"
يعمري عليها😞 زوج سيلين والي هو بطل الرواية الاصلية عندي مشكله معاه
ليه هو البطل مع انه كان سيء معاها
لو اني مكان بطلتنا الي قرأت الرواية كان عصبت وقلت ليش مافي بطل ثاني 😡
لانه منجد يقهر
شكل الزر في شعار عائلة الكونت لان وجه سيلين قلب