“ماذا……؟ رجلٌ أشقر؟ لا، لا يوجد.”
أجاب هوفارد بتعبيرٍ حائر، وراح الجميع يهَمهم قائلين “أشقر؟” بفضولٍ مرتبك.
لكن الوحيدة التي شحبَ وجهها كانت رنايا.
‘إن كان يقصد أشقر الشعر…… هل يبحث عن هير؟’
ما علاقته بهير حتى يبحث عنه؟ أمالت رنايا رأسهَا للأسفل كي لا يُلاحظ تغيّر تعابيرها.
رغم كثرة الأسئلة التي لم تجد لها إجابة، إلّا أنّ أمرًا واحدًا كان واضحًا.
إن كُشِفَ أمر وجوده هنا، فلن تنجو القرية، ولن يكون هو نفسهُ بأمان.
“حسنًا، لا بدّ أنّه لم يأتِ إلى مكانٍ كهذا.
المهم، دعونا نعود إلى صلب الموضوع.
أعتقد أنكم تدركون السبب الذي جعلني أكلّفَ نفسي المجيءَ إلى هنا بنفسَي.
أليس من المفترض أن تُعبّروا عن امتنانكم بدفعِ الضرائبَ على نحوٍ جيّد؟”
الضرائب.
ردّدت رنايا الكلمة في ذهنها وهي تعضّ على لسانها.
عندها فقط فهمت السببَ الحقيقي لزيارة الحاكم، الذي لم يُرَ وجهه طوال السنين الماضية.
هذا العام، تضرّرت مزارع التفاح بشكلٍ كبير، ولم يعد من الممكن دفع الضرَائب السنويةُ المعتادةُ.
لذلك، طلبت القرية تقليل الضرائب هذا العام، لكن طلبها رُفض.
“……كما يعلمُ سيادتكَ، لقد تسبّب الإعصار بخسائر كبيرة للمزارع. ومن غير الممكن أن ندفع ضرائَب هذا العام كما فعلنا في السابقـ”
“ألا تفهم ما يُقال لكَ؟”
قاطع جيربال توسّلات هوفارد دون أن يُبدي أيّ اهتمام. ولوّح بيده بتكاسل، فركله أحد أتباع جيربال على ذقنه وهو راكع.
“يا رئيس القرية!”
سارع الأهالي للاطمئنان عليهِ، فأصدر أنينًا، لكنه ما زال منحنِيًا على الأرض محاولًا تهدئةَ غضب البارون.
“أتعتقد أنني جئتُ كلّ هذه المسافة لسماع هذا الهراء؟ إن لم تدفعوا الضرائب بحلول الَغد، سأدمّر هذه القرية بأكملها.”
“سيدي البارون، أرجوكَ، أظهر لنا بعض الرأفة!”
“أظن أنني منحتكم الكثير أصلًا. تركتُ هذه القرية التافهة بلا عقابٍ كلّ هذه السنينَ.”
كانت الشتائم على وشكِ أن تفلت من فم رنايا، لكنها اكتفت بإحكام قبضتَيها.
في الرواية الأصلية، ظلّت قرية لوكلير هادئةً حتى بلغت ليليا السابعة.
ما يعني أن هذه الحادثة إما تعديل غير متوقَّع في الأحداث، أو مشهد تمّ حذفهُ من الروايِة.
أفكار رنايا كانت متشابكةً، وفي خضمّ هذا التوتّر، تقدّمت هيلدي بهدوء.
“سيدي، ماذا لو خفّضتَ ضرائب هذا العام، مقابل أن ندفع لكم العام المقبل أكثر من المعتاد؟”
“……”
“إن دفعنا الضرائب الآن، فلن نجد ما نأكلهُ حتى موسم الحصاد القادم. لذا، أرجوكَ، كن رحيمًا بنا.”
“……هاه، أكلَ كبرُ العمرِ على آذانكمَ أم ماذا؟”
كان جيربال غاضبًا تمامًا، ولم يُبدِ أيّ نيّة للاستماع.
وما إن همّ بركل هيلدي أيضًا، حتى خالفت رنايا أمر جدّتها بالبقاء صامتة.
أمسكت بتفّاحتين فاسدتين من ركنٍ قريب، ورمتهما بكلّ ما تملك من قوّة في وجهه وهي تصرخ:
“انتبهوا!”
بووم! أصابت التفّاحتان عينيه مباشرةً.
وتحطّمتا لتسقطا أرضًا، بينما فغرت أفواه الأهاليَ ذهولًا من المشهد.
أول من تفاعل كان أحد أتباع جيربال، إذ غطّى أنفه وأدار ظهره وهو يهمّ بالتقيّؤ.
“أوهغ…!”
ثم لحقه الباقون يغلقون أنوفهم من شدّة الرائحة.
وجه جيربال المغطّى بعصير التفّاح الفَاسد صار أحمرًا كمن شارف على الانفجِار.
“أنتم… أيّها الحثالة……!”
“أعتذر! انزلقت التفاحة من يدي فجأةً…… حقًا، أنا آسفة، سيدي البارون!”
وقفت رنايا أمام هيلدا منحنيةً، محاوِلةً كتمَ ضحكتها.
لو أنه تعامل بالكلام لكان أفضل، لكن ما دام فكّر بإيذاء جدّتها، فلم يكن أمَامها خيار.
“هاكَ هذه، سيدي جيربال.”
“أبعدْها عنّي! تريدينني أن أمسح وجهي بهذا القماش العَفن؟!”
ركل ساق خادمه غاضبًا، ثم أخرج منديلًا ثمينًا من جيبه ومسح وجههُ.
حينها، تكلّمت رنايا بنبرة خجولٍة مدروسةٍ:
“سيدي، نحن لم نتأخّر قطّ عن دفع الضرائب منَذ أكثر من عشر سنوات. بإمكانك التأكّد من السجلات.”
نظر جيربال إلى أحد أتباعه وكأنّه يطلب تأكيدًا. فأومأ له التابع برأسه.
رغم صِغَر قرية لوكلير، إلّا أنّها كانت ذات دخلٍ جيد، وقد حافظت على التزامها الماليّ دومًا.
لكن جيربال الغبيّ لم يهتمّ بتلك َالحقائق، إذ لم يرَ سوى الربح اللحظيّ.
قرية تدفع = مفيدة.
قرية تتأخّر = لا فائدة منها.
وبالنسبة له، كانت لوكلير من النوع الثاني.
“إن اختفت قريتنا، فإنّ الضّرائب التي تجنيَها ستنخفض في النهاية. ولا أظنّكَ ترغب بذلك.”
انتقت رنايا كلماتها بعناية.
فأن تطلب من غبيّ أن يرحل بأسلوبٍ راقٍ، أصعب بكثير مما يبدو.
أما أن تقذفه بتفاحة؟ فهذا كان خطأً، بالطبعٌ.
“……هاه. صِرنا نرى مَن تتجرّأ على الحديث من دون إذني!”
نفد صبر جيربال تمامًا، فجذب رنايا من شعرها بعنفٍ.
لكنّها لم تُصدر صوتًا، واكتفت بفتح عينيها غضبًا. لم ترد أن تُذلّ بالصراخ.
“هممم؟ من هذه المسافة، تبدين جميلةً بعض الشيء. لم أظنّ أن في هذه القرية القذرة فتاةً تصلحُ لشيء.”
“……”
“ما رأيك أن تسدّدي أنتِ ما تبقّى من الضرائب بجسدكِ؟ هكذا تَسلمين، وتَسلم القرية، ويرتاح هؤلاء العجزة.
وتدفعين أيضًا ثمن التفّاحة التي ألقيتِها على وجهي.”
كان اقتراحًا يثير الغثيان.
نشأت رنايا على حبّ جدّتها لها، ولَم تُقابل في حياتها شخصًا يجرؤ على إهانتها بهذه الطريقة.
وقفت مشدوهة لا تجد ما تقول، في حين جثت هيلدي على ركبتيها متوسّلةً:
“أرجوك، لا تؤذِ رنايا… إنّها كلّ ما أملكَ في هذه الحياة…”
“……جدّتي.”
لكن جيربال لم يُعر توسّلاتها أيّ اهتمام، وأشار لخدَمه بلا مبالاة.
مرّت اللحظة ببطء في عينَي رنايا، وهي ترى المجرمين يقتربون من جدّتها، وهي نفسها عاجزةٌ عن الحراك.
لكن قبل أن يلمسوها، أطلقت السيّدة لوسُن صرخة غاضبة وهي ترشق جيربال بتفّاحةٍ فاسدةٍ.
“إلى أين تظنّ أنكَ تَأخذَ رنايا؟!”
أصابت التفاحةُ صدرهُ، ملوّثةً ثيابه الأنيقة.
“……سيّدة لوسن؟”
حدّقت رنايا بدهشةٍ، ثمّ بدأت القريبات من المسنّات برشق التفّاح الفاسد على البارون معًا.
“لن تأخذ رنايا منّا! إن أردتَها، فعليكَ أن تمرّ فوقَ جثثنا، أيّها الحقير الذي لا يساوي حتى تفّاحة عَفِنة!”
“العجوزُةُ لا يقولُ اليومَ سوى الكلامِ الصّحيحِ!”
في قريةِ لوكل، حيثُ نادرًا ما يُرى الشّبابُ، كانتْ تعيشُ شابّةٌ مزارعةٌ تُدعى رنايا فيليت، مع جدّتِها المُسنّةِ.
فتاةٌ مهذّبةٌ تُجِلُّ الكبارَ وتُحبُّ قريتَها بصدقٍ.
كانتْ شخصًا لا يمكنُ لسُكّانِ القريةِ أنْ يكرهوهُ، حتّى إنْ أرادوا ذلك.
باستثناءِ رجلٍ واحدٍ فقط، كانتْ قد ضربتْه بصندوقِ تفّاحٍ على رأسِه منذُ عدّةِ سنواتٍ.
عندما وقعتْ رنايا في مأزقٍ، لمْ يستطعِ الجميعُ كتمَ غضبِهم، فبدأوا يتدخّلون واحدًا تلو الآخر.
“كانَ عليكَ أنْ تشيخَ بكرامةٍ. أهذا ما يفعله الخَرَف بكَ؟! آرغ!”
تفّاحةٌ فاسدةٌ أصابتْ وسطَ وجهِ جيربال تمامًا.
وما إنْ فقدَ قبضتَه من الصّدمةِ، حتّى انسحبتْ رنايا بسرعةٍ دونَ أنْ تُفوّتَ الفرصةَ.
“أترغبُ في تذوّقِ قبضةِ العجوزِ المصابةِ بالخَرَف؟”
“إنْ استهنْتَ بي، فسوفَ تندمُ. لقدْ قضيتُ خمسينَ عامًا أضربُ ظهرَ زوجي!”
“… خفّفي الضّربَ قليلًا، يا عجوزُ.”
بعدَ ذلكَ، يمكنُ اختصارُ ما حدثَ بكلمةٍ واحدةٍ: فوضى.
بدأ الجميعُ، دونَ تفكيرٍ، برمي جيربال بالتّفاحِ الفاسدِ حتّى نفدَ ما كانَ مخزونًا في السّاحةِ.
انتشرتْ رائحةُ العفنِ من جسدِه كلّه.
“أ-أنتم…! أوقفوا هؤلاء المجانين حالًا!”
“الأمرُ فقط أنّ… الرّائحة… لا تُحتملُ… أووغ…”
كانَ من المستحيلِ على منْ لمْ يسبقْ له العملُ في الزّراعةِ أنْ يتحمّلَ رائحةَ الفاكهةِ الفاسدةِ.
لمْ يحتملْ الخدمُ الرّائحةَ المنبعثةَ من جسدِ جيربال، فتقيّؤوا ما في بطونِهم على الفورِ.
“آآغ…!
سأنسحبُ اليومَ بسببِ بعضِ الأشغالِ، لكنْ في المرّةِ القادمةِ، لنْ أكونَ رحيمًا! إنْ لمْ تُدفعِ الضّرائبُ بحلولِ الغدِ، فهذهِ المرأةُ ستدفعُ جسديًّا، فافهموا ذلك جيدًا!”
هدّدَ جيرفال سكّانَ القريةِ حتّى لحظةِ مغادرتِه.
لكنْ، وبالطّبعِ، لمْ يكنْ لتهديداتِه أيُّ تأثيرٍ على العجائزِ الذين شمروا عن سواعدِهم استعدادًا للعراكِ.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"