الفصل 98

#الفصل 19: عودة بطل الندم الثاني، دوق ليشانييل

بعد أن نجوت أخيرًا من جحيم المناشف البخارية، خرجت باكرًا من القصر لأستمتع ببعض الاسترخاء في مقهى.

لقائي بـغييت وهو يعرض الجرعات في سوق الجرعات القريب، كان بلا شك صدفة عظيمة.

“أحيّي دوقة كالينوس.”

“مرحبًا، غييت. هل ترغب في فنجان قهوة؟”

عندما سألته بخفة، ابتسم بهدوء وأومأ برأسه.

لكن المشكلة كانت أنه لم يستطع التركيز على الحديث على الإطلاق.

حتى أثناء شربه لفنجان القهوة، كان ينظر نهايته إلى الفراغ وكأن تفكيره في مكان آخر.

“إن كان لديك أمر طارئ، يمكنك الذهاب.”

“آه، لا، ليس كذلك. فقط، هناك خبر سار في أوساطنا الطبية.”

“هم؟”

“الدوق ليشانييل قد عاد بعد أن أتم تدريبه الطويل في جولات برج السحر. وهناك احتمال أن يتولى منصب سيد البرج قريبًا.”

….ماذا؟

ذلك البعوض الملعون الذي كان يمتص المانا مني عاد إلى الإمبراطورية؟

“يقال إنه يعالج المصابين مجانًا بالقرب من القلعة القديمة التي تُعرف بالمكان المقدّس. وهناك طقس يدمج بين الطاقة المقدسة والمانا.”

“آه، هكذا؟ يقوم بطقوس كهذه؟”

“نعم! أشبه بتعميد باستخدام المانا، لكنه من ذوي البنية النادرة التي تجمع بين طاقة المانا والطاقة المقدسة. ويُقال إن الناس يُشفون بسرعة كبيرة… وبما أنني خبير في التطوع الطبي، فأنا مهتم بذلك جدًا.”

“إذًا الدوق ليشانييل يستطيع استخدام السحر وأيضًا الطاقة المقدسة؟”

بينما كان غييت يومئ برأسه، كنت أضع يدي على ذقني وأفكر.

‘صحيح… ذلك الوغد ذو البنية النادرة.’

كأن الأبطال الذكور حصلوا على بركات العالم كلها، فقد أخذوا كل الخصائص الجيدة.

تمامًا مثل مركيز بيرتو، الذي كان مبارزًا ماهرًا ورسامًا شهيرًا، كان للدوق ليشانييل أيضًا ما يميّزه.

فهو يملك القدرة على استخدام كل من المانا والطاقة المقدسة، ويُعتبر شخصًا مثاليًا بكل معنى الكلمة.

‘كيف يفترض بي أن أتخلص من ذلك اللعين؟’

فكرت وأنا أحدّق في الفراغ، ممسكة بذقني.

“هل لا توجد طريقة لمواجهته؟”

“تقصدين الدوق ليشانييل؟ آه، في مجال العلاج، من المستحيل تقريبًا التفوق عليه. إنه يُعد من الأقوياء.”

“….”

على عكس المركيز بيرتو الذي كان له صورة متهورة نوعًا ما، كانت صورة ليشانييل نقية 100%.

قديس ذو قلب صاف، أفضل معالج، حتى وجهه يُقال إنه مقدس.

بالفعل، بطل الرواية الذي يساعده العالم كله.

شعرتُ بغريزة القلق من مجرد فكرة مواجهة شخص مختلف تمامًا عني.

رغم أنني بالكاد استعدت حياتي السعيدة، شعرت بالخوف من أن تنهار مجددًا.

‘وماذا في ذلك؟ ليس من شأني. عليّ فقط أن أسحقه.’

ابتلعت قلقي وتوجهت بسرعة للبحث عن طريقة لمواجهته.

عندها، صفق غييت بيديه لتغيير الجو.

“آه! لا، في الواقع، هناك شخص واحد يمكنه مجاراة شعبية وقدرات الدوق ليشانييل.”

أوه؟

‘ربما يكون هذا حظًا جديدًا منحته لي هذه الرواية التي شوّهتها.’

ابتسمت له بخبث وأنا أنظر إليه.

“من يكون؟ أود حقًا مقابلته.”

عزمت على استمالته ليكون إلى جانبي، وابتسمت برضى.

وفي تلك اللحظة، نفخ غييت بشدة من أنفه وكأنه في قمة الحماسة.

ثم ضمّ يديه إلى صدره بجدية، وكأنه يتحدث عن بطله المفضل قائلاً:

“نعم، سأخبرك. الشخص الذي يمكنه مجاراة الدوق ليشانييل هو قديسة الشوارع!”

“أوه…!”

“هي من ألهم الأطباء، حامية الطب العظيم!”

كنت على وشك أن أرمش بعيني من الحماسة لفكرة أنني سأحصل على حليف، لكنني تجمدت فجأة.

….لمَ تبدو هذه الأوصاف مألوفة؟

“هي من أفاد هذا العالم، ومن شفى السيد نيسلان في لحظة…”

لا…

يعني ذلك الشخص هو…

“إنها السيدة موجي!”

إنها أنا، أليس كذلك؟

***

في تلك الأثناء، كان “غارنو” في قصر كالينوس منشغلًا بالبحث عن “موجي”.

‘لو حالفني الحظ، قد أتمكن من جعلها تشفي تلك الفتاة تمامًا.’

لم يكن قد اعترف بها كحفيدته بعد.

لكن مشهد انهيارها كان صدمة كبيرة له.

‘كِدتُ أفقد شخصًا آخر بسبب خطئي مجددًا….’

كان يشعر بالذنب والانكماش.

لهذا أراد فقط أن يعثر على معالج يمكنه أن يجعلها بصحة أفضل.

وفي الوقت الذي كان فيه غارنو يبحث عن موجي، جاء بعض أفراد العائلة بهدوء إلى قاعة استقباله.

استقبل دوق غارنو السابق أفراد أسرته بوجه متجهم كعادته مؤخرًا.

“ما سبب زيارتكم؟”

“لقد حلّت كارثة على عائلتنا، يا سيدي.”

“ندرك أنك كنت في حزن شديد بسبب ما حدث مع فاي، ونحن أيضًا تأثرنا كثيرًا بتلك الحادثة.”

يبدو أن قولهم إنهم صُدموا لم يكن كذبًا تمامًا، فبعضهم بدا وجهه غير مرتاح.

“لكن… عليك الآن أن تستعيد رباطة جأشك.”

قالها أحدهم بصوت خافت جدًا.

“وردتنا بلاغات تفيد بأن بذور الوحوش قد ظهرت في الإقطاعية.”

وعند سماع ذلك، تغير وجه غارنو كليًا وأصبح شاحبًا.

“بذور…. بذور الوحوش؟”

“نعم!”

<بذور الوحوش>.

هكذا سمّى الناس الكائنات البدائية التي خرجت من شقوق الوحوش.

الوحوش الضعيفة تولد مثل البشر من رحم والديها، أما الوحوش الأقوى فهي تولد من بذور، تمامًا كالنباتات.

تبدأ في أضعف حالاتها، ثم في لحظة ما، تسيطر على كامل الإقليم بقوة الشر، وتخلق بيئة مناسبة لتفترس كما تشاء.

وقد تم اكتشاف شيء خطير من هذا النوع…

“هل اتُّخذت الإجراءات؟”

“تم التخلص من البذور التي عثرنا عليها، لكنك تعرف، أليس كذلك؟ كل الحروب السابقة ضد الوحوش بدأت بعد اكتشاف بذور الوحوش.”

“……”

غاصت عينا غارنو في الألم.

الحرب. لمجرد أن خطرت له تلك الكلمة، شعر وكأن الأرض تحت قدميه غاصت في الوحل.

وكأن الجنود الموتى يجرّونه نحو الأسفل.

“لقد أمرت بمراقبة الصدع الذي قد تخرج منه الوحوش عن كثب. لكن….”

تمتم غارنو وهو يضغط على طرف عينيه المتعبتين.

“نعم، نحتاج إلى معالج يمكنه إنقاذ المرتزقة وأفراد عائلتنا في حال اندلعت حرب لا يمكن التنبؤ بها.”

“أجل. بل وأكثر من ذلك، نحتاج إلى شخص يمتلك قوة الشفاء أو الطاقة المقدسة لتنقية <بذور الوحوش>.”

حتى غارنو لم يستطع إخفاء اضطرابه عند سماعه بخبر اكتشاف <بذور الوحوش>.

لم يخرج منه سوى الزفير الثقيل والحسرات.

أحد الأقارب، والذي فقد ذراعه بسبب وحش في الماضي، تمتم بأسى:

“للأسف…. عائلة ليشانييل المقدسة رفضت طلب مساعدتنا.”

“تلك الحثالة المتعجرفة، هل سبق أن قدموا لنا يد العون يومًا؟!”

قال غارنو بغضب وهو ينفث الهواء من أنفه.

“هاه… من كان يظن أن افتقار عائلتنا لقوة الشفاء سيعيقنا إلى هذا الحد.”

تنهد بعمق وأخذ يعبث بشعره بانفعال.

“على أية حال، قد يتمكن رب العائلة الحالي من إقامة صلة أقوى مع عائلة دوق ليشانييل.”

“من المؤكد أن تنقية <بذور الوحوش> لا تتم إلا بقوة ليشانييل المقدسة. لذلك، إن تم العثور على بذرة داخل القصر أيضًا، فقد نضطر فعلًا إلى الانحناء أمامهم….”

عندها، تمتم أحدهم بهدوء:

“…. لكن، هل سيقبل الدوق فعلًا بالانحناء؟”

“رغم أنه يبدو غير اجتماعي، إلا أن اهتمامه بالعائلة صادق. لا يوجد سبب لرفضه.”

“لكن، همم… ربما يكون الأمر متعلقًا ببعض المشاكل العاطفية أيضًا…”

أمال أحد أفراد العائلة رأسه بهدوء وتمتم عن العلاقة العاطفية بين جيزيل ودوق ليشانييل.

بعد سماع القصة كاملة، تحول وجه غارنو الى وجه شاحب تماما.

‘إذا كان الأمر بهذا الحد، فأظن أنه سيكون من حسن الحظ إن لم يمسكه من عنقه.’

حتى هو، كاد أن يغضب من الدوق الذي لا يُظهر أي نبل، فكيف بالبقية؟

عندها، خطرت له فجأة ذكرى من وجبة سابقة قال فيها أحدهم إن الدوق سيلتقي بعائلة ليشانييل.

نظر غارنو فجأة إلى أقاربه بقلق.

“متى كان موعد الاجتماع مع دوق ليشانييل؟”

“آه، سيدي… دعني أراجع الجدول…”

أخذ أحدهم يفكر بعمق، ثم اتسعت عيناه فجأة.

“أوه، إنه اليوم…! هذا العصر!”