الفصل 97
***
“أممم، سمو الدوق.”
“نعم؟”
“هل لي أن أسأل عمّا تفعله الآن…؟”
تحدثت وأنا أرتدي على وجهي تعبير يشبه التمثال، ناظرة إلى الأمام حيث لا أرى شيئًا بسبب الظلام.
بعد مرور بضعة أيام على حادثة “دمية القوة المقدسة” فاي، بدأ قصر كالينوس يستعيد أجواء الهدوء تدريجيًا.
ولأن أحدًا لم يعرف من كان خلف تلك الحادثة، فقد أُغلق الملف على أنه جريمة منفردة من فاي فقط.
وأنا، صرت الآن أخطط للانتقام من دوق ليشانييل لأمزقه شرّ تمزيق.
لكن المشكلة هي…
“يجب أن تظلي في السرير. لا تتحركي.”
“لا بأس، سأظل مستلقية، لكنني فقط لا أستطيع الرؤية.”
“لا مفر من ذلك إن أردنا علاج مرض مستعصٍ يضر بحياة الإنسان، ألا وهو جفاف العين.”
صرخت داخلي حين لف الدوق منشفة ساخنة بالبخار حول عينيّ.
“مستحيل…”
لكن، حسنًا.
منذ أن أصبحت طريحة الفراش، أصبح دوق كالينوس مخلصًا للغاية، لطيفًا جدًا، ويعتني بي بعناية تامة.
بصراحة، بفضل هذه المنشفة البخارية، باتت عيناي أكثر رطوبة بالفعل.
‘لكن من الذي يعالج جفاف العين بكل هذه الجدية؟ وأنا حتى لم أكن أعاني منه كثيرًا!’
تنهدت متحسرة على العالم المعتم الذي صرت أراه.
“لقد شُفيت تمامًا الآن، أليس كذلك؟ حتى الطبيب قال إنني في أفضل حالاتي.”
“لا.”
آه، لا ماذا بالضبط؟!
ضقت ذرعًا بمعارضة الدوق لكل ما أقول، وبدافع الغضب، نزعت المنشفة عن عيني.
وما إن فعلت حتى….
“هاه!”
اتسعت عيناي على آخرهما.
كان أمامي الدوق، يحدّق بي بجدية، مرتديًا قميصًا أبيض مبلل بالماء.
ومن بين الأزرار التي توشك على الانفجار، كانت بشرته المبتلة ظاهرة للعيان…
“تعبيركِ يدل على القلق. يبدو أنك تعانين من مشكلة صحية خطيرة.”
…تماسكي، تماسكي.
“لا، فقط شعرت وكأن بصري عاد فجأة.”
ولم يبتعد صدره الظاهر أمامي إلا بعدما تأكد أنني بخير.
‘آه… هذا الأمر يبدو محبطًا بعض الشيء… لا، لا، ما هذا الجنون.’
وبينما كنت أطرد من رأسي تلك الأفكار الشيطانية التي كادت تسيطر عليّ، حاولت فهم الموقف وسألته:
“هل… هل تعرّقت؟”
“آه. سكبت بعض الماء أثناء التجارب للحصول على حرارة 40 درجة المثلى للمنشفة البخارية.”
….عذرًا؟
رغم أنني لا يجب أن أقول هذا لسيدي، إلا أنني لم أتمالك نفسي وسألته ثانية.
“هل أنت دائمًا بهذه الجدية في كل شيء؟ حتى أنك تسخن المنشفة بنفسك من أجل موظفة مثلي؟”
“بالطبع لا. لكنك، جيزيل، مميزة عندي.”
قالها بنبرة عادية جدًا.
كأنني سألته: “كم سعر هذه المنشفة؟” فأجابني: “ألف فضة.”
لكن ما تضمنته كلماته من معنى “أنتِ مميزة عندي” هو ما جعل قلبي يضطرب.
ربما لهذا السبب، لم أستطع الرد وبقيت صامتة، وسرعان ما خيّم جو غريب علينا.
عندها فقط أدركت حقيقة الوضع.
أنا على سرير ناعم. ورجل يحدّق بي وكأنما يراقبني، ونحن وحدنا تمامًا.
وفي تلك اللحظة، تذكرت ما قالته إيفانكا حين كنت في قصر فلوريت:
“كان يحدق في الهواء وينادي باسمك، ثم يتوقف فجأة! وعندما رآه الكونت تيرين، أتعلمين ماقال؟”
“….”
“يا للعجب. من كان يصدق أن شقيقي سيصبح هكذا عندما يحب شخصًا؟! ذلك الرجل الصلب صار هكذا… أليس هذا ممتعًا جدًا، إيفانكا؟”
على الفور احمرّ وجهي كليًا. تمتمت بكلمات عشوائية هربًا من الإحراج.
“أنا… أنا مميزة إذًا. أليس كذلك؟”
“نعم. هذا أمر بديهي تمامًا. هل يوجد أحد مثلك؟ لم أرَ شخصًا مثلكِ من قبل.”
عادة كنت سأرد: “كلامك غريب كما هو متوقع منك.” وأتخطى الأمر.
لكن الآن، بدأت أشعر بحيرة حقيقية تجاه مشاعره.
كلما استمر دوق كالينوس في إرباكي بهذا الشكل، كلما فكرت فيه أكثر فأكثر.
‘لا يصح أن أكنّ مشاعر لصاحب عملي، وأنا أسعى لاتفاق طلاق سلمي بقيمة خمسين مليار!’
كررت لنفسي بسرعة أن الحب في بيئة العمل هو تذكرة سريعة إلى الجحيم.
فضلًا عن أن المقهى سيعود لي ضمن شروط الطلاق أيضًا.
وإذا أردت اتباع طريق والدي لأصبح ساحرة عظيمة، فلا يمكنني البقاء كزوجة دوق مرتبطة بهذا القصر للأبد.
كنت أعدد في داخلي كل الأسباب التي تمنعني من الوقوع في شراكه، ثم توقفت فجأة.
لأن يده الباردة لامست جبهتي بلا مبالاة.
“يبدو أن لديكِ حمى.”
ما إن فكرت أنني بدأت أرتبك، حتى لامستني تلك اللمسة الخفيفة كريش على جلدي، فهاجت أفكاري وارتبكت.
دون أن أشعر، توقفت يده الخشنة المتصلبة، التي عبرت أذنيَّ وخديَّ المحمرين، على شفتي.
“يبدو أن حرارتك أعلى من المعتاد بـ0.7 درجة.”
“هل أنتَ ميزان حرارة أم ماذا؟”
رغم قولي ذلك، أصبح من الصعب أن أنظر في عينيه حين حدّق بي مباشرة.
وعندما تنفست بخفة، لامست أطراف أصابعه شفتي كأنها تمرّ عليها بحذر.
“تبدين جافة قليلاً أيضاً.”
وعندما نظرت إلى وجهه الجاد وهو يحدق بي…
شعرت بشيء ما في قلبي كأنه دغدغة من غيمة ريشية.
وفي تلك اللحظة، التي مرّت كأنها دقائق في صمت، لكن لم تكن إلا ثوانٍ…
“هل كنتَ تقيس حرارتها أم ماذا؟”
عند سماع ذلك الصوت الحاد، سحبت يده بسرعة كأنني احترقت بها.
التي دخلت إلى الداخل كانت يوليانا.
“لقد نزفتِ دمًا كثيرًا. لا تقولي إنك تسعلين دماً بانتظام؟”
قالت يوليانا بنبرة باردة وهي تدخل، ورفعت لسانها بسخرية.
صحيح أن تعابيرها بدت باردة، لكن صوتها كان يحمل شيئًا من القلق الخفي.
“أبداً، ليس الأمر كذلك.”
بصراحة، لو اكتُشف أنني أسعل دماً باستمرار لأنني أشارك المانا مع كوكو وكرو، سيكون الأمر كارثة.
جددت عزيمتي مرارًا وتكرارًا على ألا أُكشف، وفجأة قالت لي:
“بما أنك ستصبحين دوقة، لا ينبغي أن تظهري بصورة ضعيفة. لذلك أعددت شيئًا يُثبت أنك بخير.”
“……؟”
“أحضِره، كبير الخدم.”
وعندما رأيت كبير الخدم ينقل صناديق الهدايا الواحدة تلو الأخرى بلا نهاية، صُدمت.
صناديق كبيرة، صناديق صغيرة، صناديق لامعة، صناديق أنيقة، وصناديق مزينة بجماجم غريبة ومقززة…
شعرت وكأن كل صناديق العالم قد اجتمعت هنا.
بينما كنت أحدق مصدومة وغير قادرة على النطق، قالت يوليانا بسخرية وكأنها تلومني:
“لم أجلبها من أجلكِ تحديدًا.”
“هم، إذن لماذا تدخلينها إلى غرفتي؟ هل هي للدوق؟”
“مستحيل!”
“إذن فهي لي، أليس كذلك؟”
“……أنتِ حقًا، لا تتوقفين عن الجدال.”
بينما كنت أستمع إلى كلماتها الحادة، كنت أحدّق في طابور الهدايا اللانهائي، ثم توقفت فجأة.
“لكنها تعجبني.”
…ما هذا بحق السماء؟ وكأنه حوار من رجل مهووس واقع في حب البطلة!
‘لا، ما الذي سيحدث لي لاحقًا؟’
هؤلاء الأشخاص يظهرون لي دومًا ما هو أبعد من الخيال.
بدأت أفقد حتى الرغبة في افتعال الدراما أو التصرف بجنون.
لكنني تذكرت أجرتي التي تساوي خمسين مليار، وشددت عزيمتي مجددًا وأومأت برأسي.
“نعم، في الأصل، جيزيل متغطرسة جدًا! و… وتحب الجدال جدًا!”
لكنني كنت أعلم.
أن نبرة صوتي كانت قد فقدت كثيرًا من حدتها.
وأنني ممتنة لهم، لأنهم يقلقون علي بطريقتهم، ويواسونني ولو بأشياء مادية.
ربما، حتى قلبي أنا نفسه قد أصبح أكثر ليونة.
***
“—نيل، – دوق ليشانييل !”
الرجل الذي كان يحدق في البعيد مرتديًا عباءة بيضاء التفت نحو الصوت الذي يناديه.
الصبي الذي كان ينظر إليه بوجه مرتبك، ومن معه من الرفاق، كانوا جميعًا بانتظاره.
بما أن الطريق في الغابة، كان يجب أن يغادروا بسرعة، ويبدو أنهم تأخروا بسببه.
“آه، عذرًا. كنت أفكر في العائلة التي تنتظرني، فشعرت ببعض الاضطراب في قلبي.”
قال ذلك بابتسامة اعتذار، ثم نزع قلنسوة عباءته.
فتدفقت خصلات شعره الذهبية تتلألأ تحت ضوء الشمس، وعيناه الزرقاوان أشرقتا بصفاء.
الصبي الذي كان يراقبه أدار وجهه وقد احمر خجلًا.
“لا بأس، دوق ليشانييل! لا بد أنك متعب، هل نرتاح قليلًا قبل المتابعة؟”
“لا حاجة، أود أن أرى الوجوه التي أشتاق إليها في أسرع وقت.”
في عينيه الزرقاوين، اللتين بدتا وكأنهما تنتميان لقديس طاهر، ظهرت لحظة خافتة من رغبة لا تليق به، ثم اختفت كأنها لم تكن.
أخيرًا… لقد عاد.
التعليقات لهذا الفصل " 97"